بلال بن رباح الحبشي
بلال بن رباح الحبشي، صحابي ومؤذن للنبي الأكرمصلى الله عليه وآله وسلم ولد بعد عام الفيل بثلاث سنوات وتوفي في دمشق عام 20 هـ، وهو من الأوائل الذين دخلوا الإسلام.
كان مولىً لبني "جُمَح" من قريش، أعلن إسلامه فعذّبه أميّة بن خلف، حتى اعتقه النبيصلى الله عليه وآله وسلم، كان أميناً لبيت المال ومشاركاً في جميع الحروب، كلّفه رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم بمهمّة الأذان.
بقي طوال حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤذّناً خاصّاً له في سفره وحضره، ولم يؤذن بعد وفاة النبي إلا بموارد قليلة.
سيرته
كان بلال بن رباح، حبشيُّ الأصل، من منطقة شمال السودان، وقيل: كان من مُوَلّدي الحجاز، وقيل: من مُوَلّدي السّراة،[١] وحبشيٌ؛ نسبة إلى الحبشة، وهم قوم مشهورون في السودان، فيُنسب إليهم بلال الحبشي.[٢]
ويُسمّى (ابن حمامة) نسبة إلى أمه حمامة.[٣] كان رباح وحمامة سَبَيّن، فصارا مملوكين لبني جُمَح، وهم إحدى قبائل مكة وبطن من بطون قريش، من بني كعب.[٤]
وأمّا ولادته، فقد قيل: كان مولده بعد عام الفيل بثلاث سنين أو أقل.[٥] وكنيته أبو عبد الله، وقيل: أبو عمرو، وأبو عبد الكريم، وأبو عبد الرحمن.[٦]
إسلامه
كان بلال الحبشي من الأوائل الذين دخلوا في دين الإسلام على يد الرسول الأكرمصلى الله عليه وآله وسلم منذ بدء الدعوة، وأقام بلال على إسلامه حتى علِمت به قريش أنه يكفر بالأصنام، وكان حينها مملوكاً لأميّة بن خلف بن وهب الجُمحي، [٧] فأخذه أمية إلى البطحاء، فضجعه في الشمس، ثمّ أخذ الحجر، فوضعه على بطنه وكتفيه، وقال: دينك اللاّت والعزى، فقال: ربي الله، وقال قولته المشهورة (أحدٌ أحد).[٨] وقيل: أنّ أبا بكر اشتراه بعبدين له أسودين،[٩] وقيل: كان عتقه بأمر النبي (ص) لِما ورد في الأخبار عن الأئمة الأطهارقالب:عليهم السلام أنّ بلال بن حمامة مولى رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم.[١٠]
قربه من النبي (ص)
كان بلال ملازماً للنبي الأكرمصلى الله عليه وآله وسلم في مكة، وفي المدينة، وكان النبي مهتماً به، وقرّبه إليه، حيث كان خازن رسول الله على بيت المال، [١١] فكان المتولي على أمر النفقة.[١٢]
فلم يفارق النبيصلى الله عليه وآله وسلم حتى في غزواته وحروبه، واستمر جهاده في مكة مع النبي والمدينة، حيث شهد بلال بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله.[١٣]
كما ورد في الأخبار أيضاً عن ملاصقته للنبي (ص) في أوقات عبادته وصلاته، [١٤] وقد شهد له النبي على التعيين بالجنة.[١٥]
روى الكثير مما سمعه من أحاديث ومواعظ عن النبيصلى الله عليه وآله وسلم، وقد روى عنه كبار الصحابة والتابعين، وحديثه في كتب البخاري ومسلم وأبي داود والترمذي وابن ماجة وغيرهم.[١٦]
وقد أُشتهر أيضاً، وعرف في كتب التاريخ أنّه لما توفي النبي (ص) لم يُقم في المدينة، ولم يؤذّن حتى خرج إلى الشام، ومات فيها.[١٧]
نقله لأحاديث النبي (ص)
كان بلال راوياً للحديث ،[١٨] فقد روى عنه كبار تابعي المدينة والشام والكوفة ،[١٩] ومنهم: أبو بكر، وعمر بن الخطاب، وأسامة بن زيد، وعبد الله بن عمر والأسود بن يزيد النخعي، والبراء بن عازب، والحارث بن معاوية، وغيرهم.[٢٠]
ومما نُقل عنه: «روي عن بلال بن حمامة، قال: طلع علينا رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم متبسّماً ضاحكاً، فقام إليه عبد الرحمن بن عوف فقال له: (بأبي وأمي) يا رسول الله، ما الذي أضحكك؟! قال: بشارة أتتني من عند الله عزّ وجلّ في ابن عمي وأخي وابنتي فاطمة، إنّ الله عزّ وجلّ لما زوجها بعلي أمر رضوان فهزّ شجرة طوبى فحملت رقاقاً يعني صكاكًا بعدد محبينا أهل البيت، ثم أنشأ من تحتها ملائكة من نور، فأخذ كلّ ملك رقاً، فإذا استوت القيامة بأهلها ماجت الملائكة في الخلائق، فلا يلقون محباً لنا أهل البيت إلا أعطوه رقاً فيه براءة من النار، فنثار أخي وابن عمي وابنتي، فكاك رقاب رجال ونساء من أُمتي من النّار».[٢١]
أذانه
في زمن النبي (ص)
بدء الأذان من الليلة التي عرج بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء وعلّمه جبرئيل ذلك، كما ورد عن الإمام الباقر أنه قال : لما أُسري برسول الله فبلغ البيت المعمور، حضرت الصلاة فأذّن جبرئيل وأقامَ، فتقدم رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم وصفّ الملائكة والنبيون خلف رسول الله.[٢٢]
ثمّ علّمه النبيصلى الله عليه وآله وسلم لبلال ليكون هو المؤذن الأول في الإسلام، فكان يؤذن للنبي طوال حياته، في حِلّه وترحاله، وحتى في الحروب والغزوات.[٢٣]
حتى قال فيه رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم : نعِم المرء بلال، هو سيد المؤذنين، ولا يتبعه إلاّ مؤذن، والمؤذنون أطول الناس أعناقاً يوم القيامة.[٢٤]
ولم يتّخذ النبيصلى الله عليه وآله وسلم غير بلال مؤذناً، ولذا كان بقدر ما يأنس بالصلاة، أيضاً كان المؤنس له هو صوت بلال، فكان النبي يخاطبه بالخصوص ويقول: يا بلال قم فناد بالصلاة - يا بلال قم فأذن - يا بلال أقم الصلاة وأرحنا.[٢٥]
بعد زمان النبي (ص)
لما توفي رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم أذّن بلال، فكان إذا قال: (أشهد أن محمداً رسول الله) انتحب الناس في المسجد، فلما دُفن رسول الله قال: إني لا أؤذّن لأحد بعد رسول الله.[٢٦]
ولذا فقد اشتهر وعرف أنه لما توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يُقم في المدينة ولم يُؤذّن بها إلاّ مرة واحدة في قَدومة لزيارة قبر النبي. وقيل: إنّ الصحابة طلبوا إليه ذلك فأذّن، ولم يُتم الأذان.[٢٧]
وروي أيضاً أنه لما قُبض النبيصلى الله عليه وآله وسلم امتنع بلال من الأذان وقال: لا أؤذن لأحد بعد رسول الله، وإن فاطمة قالب:عليها السلام قالت ذات يوم: إني أحب أن أسمع صوت مؤذن أبي، فبلغ ذلك بلالاً فأخذ في الأذان، فلما قال: الله أكبر الله أكبر، ذكرت أباها وأيامه، فلم تتمالك من البكاء، فلما بلغ إلى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله، شهقت فاطمة قالب:عليها السلام وغُشي عليها، فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال، فقد فارقت ابنة رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم الدنيا، وظنوا أنها قد ماتت، فقطع أذانه ولم يتمه، فأفاقت فاطمة وسألته أن يتم الأذان فلم يفعل، وقال لها: يا سيدة النساء، إني أخشى عليك مما تُنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك.[٢٨]
عائلته
حسب ما أُشتهر في كُتب التاريخ أنّ لبلال الحبشي زوجة واحدة، وهي هند الخولانية، [٢٩] وقيل: إنها من أهل داريّا من دمشق، حكت عن زوجها بلال، وروى عنها عمير بن هانئ، وعاتكة اللخمية.[٣٠]
اختلفت الأقوال في أنّ لبلال الحبشي أولاد من عدمه، فقد قال محمد بن إسحاق: أنّ بلال لا عقب له.[٣١] بينما قال ابن الأثير في أحداث سنة 519 ه: في هذه السنة توفي هلال بن عبد الرحمن بن شريح بن عمر بن أحمد، وهو من ولد بلال بن رباح مؤذن رسول الله وكنيته أبو سعد طاف البلاد وسمع وقرأ القرآن وكان موته بسمرقند.[٣٢]
وفاته
كان عمر بلال حين وفاته كما قيل: بضع وستون سنة.[٣٣] حيث روي أنّ بلال توفي في الطاعون الذي ضرب عمواس وانتشر منها، فعُرف فيما بعد بـ(طاعون عمواس). وقد اتفق أكثر أهل التاريخ على أنه لما مات حُمل على رقاب الرجال، ودفن بالباب الصغير في مقبرة دمشق.[٣٤]
وكانت وفاته على قول الأكثر سنة عشرين من الهجرة. وقيل: مات سنة ثمان عشرة.[٣٥]
حبه لأهل البيت (ع)
من المميزات التي ظهرت على بلال وكانت نتيجة ملازمته للنبيصلى الله عليه وآله وسلم ومن آثار تربيته له، حبه لأهل البيت وتعلّقه بهم، كما قال فيه الإمام الصادق: رحم الله بلالاً فإنه كان يحبنا أهل البيت.[٣٦]
وجاءت روايات كثيرة لحبه وخدمته لأهل البيتقالب:عليهم السلام منها: بينما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم والناس في المسجد ينتظرون بلالاً أن يأتي فيؤذن إذ أتى بعد زمان، فقال له النبي: ما حبسك يا بلال؟، فقال: إني اجتزت بفاطمة قالب:عليها السلام وهي تطحن واضعة ابنها الحسن عند الرحى وهي تبكي، فقلت لها: أيما أحب إليك: إن شئت كفيتك ابنك، وإن شئت كفيتك الرحى؟ فقالت: أنا أرفق بابني، فأخذت الرحى فطحنت، فذاك الذي حبسني، فقال النبي (ص): رحمتها، رحمك الله.[٣٧] وكذا في خدمته لعلي بن ابي طالب، وفي أهل بيتهقالب:عليهم السلام.
ما كُتب حول شخصيته
كُتبت عدّة مؤلفات حول شخصية بلال الحبشي، ومنها:
- بلال بن رباح المؤذن الأول في الإسلام، أحمد بن حسين العُبيدان، دار الكرامة، قم -ايران، الطبعة الأولى، 1436 هـ.
- داعي السماء بلال بن رباح مؤذن الرسول، عباس محمود العقاد، مؤسسة هنداوي للتعليم والثقافة، مصر، 2013 م.
- مسند بلال: الحسن بن محمد الصباح ، تحقيق مجدي فتحي السيد، دار الصحابة للتراث، مصر، الطبعة الأولى، 1409 هـ.
- هذا هو بلال، الشيخ نبيل قاووق، ، دار الحجة البيضاء، بيروت- لبنان،الطبعة الأولى، 1427 هـ.
الهوامش
المصادر والمراجع
- ابن الأثير، علي بن محمد، أسد الغابة، بيروت - لبنان، الناشر: دار الكتاب العربي، د.ت.
- ابن الأثير، علي بن محمد، الكامل في التاريخ، بيروت - لبنان، الناشر: دار صادر، د.ت.
- ابن الأثير، علي بن محمد، اللباب في تهذيب الأنساب، بيروت - لبنان، الناشر: دار صادر، د.ت.
- ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، بيروت - لبنان، الناشر: دار صادر، د.ت.
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، بيروت - لبنان، الناشر: دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1408 هـ.
- ابن منظور، محمد بن مكرم، مختصر تاريخ دمشق، بيروت - لبنان، الناشر: دار الفكر، ط 1، 1404 هـ.
- الإمام الحسن العسكري، تفسير الإمام العسكري، قم - إيران، الناشر: مدرسة الإمام المهدي، ط 1، 1409 هـ.
- البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، مصر، الناشر: دار المعارف، 1959 م.
- الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام، بيروت - لبنان، الناشر: دار الكتاب العربي، ط 1، 1409 هـ.
- الذهبي، محمد بن أحمد، سير أعلام النبلاء، بيروت - لبنان، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط 9، 1413 هـ.
- الشافعي، علي بن الحسن، تاريخ مدينة دمشق، بيروت - لبنان، الناشر: دار الفكر، ط 1، 1415 هـ.
- الصدوق، محمد بن علي، من لا يحضره الفقيه، قم - إيران، الناشر: منشورات جماعة المدرسين، ط 2، د.ت.
- الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الشيخ الطوسي، قم - إيران، الناشر: مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1415 هـ.
- القمي، محمد بن الحسن، العقد النضيد والدر الفريد في فضائل أمير المؤمنين وأهل بيت النبي عليهم السلام، قم - إيران، الناشر: دار الحديث، ط 1، 1423 هـ.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران - إيران، الناشر: دار الكتب الإسلامية، ط 9، د.ت.
- المازندراني، محمد بن علي، مناقب آل أبي طالب، النجف الأشرف - العراق، الناشر: المكتبة الحيدرية، د.ت.
- المزي، يوسف بن عبد الرحمن، تهذيب الكمال، بيروت - لبنان، الناشر: مؤسسة الرسالة، ط 4، 1406 هـ.
- المفيد، محمد بن محمد، الاختصاص، بيروت - لبنان، الناشر: دار المفيد، ط 2، 1414 هـ.
- الواقدي، محمد بن عمر، فتوح الشام، بيروت - لبنان، الناشر: دار الكتب العلمية، ط 1، 1417 هـ.
- ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 351، برقم 76.
- ↑ ابن الأثير، اللباب في تهذيب الأنساب، ج 1، ص 336.
- ↑ الواقدي، فتوح الشام، ج 2، ص 20 ـ
- ↑ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 2، ص 66.
- ↑ الشافعي، تاريخ مدينة دمشق، ج 10، ص 475.
- ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 350، برقم 7.
- ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، ج 5، ص 355
- ↑ البلاذري، أنساب الأشراف، ج 1، ص 185، برقم 47.
- ↑ تفسير الإمام العسكري، حديث 3، ص 623.
- ↑ القمي، العقد النضيد والدر الفريد، الحديث 106، ص 149.
- ↑ ابن الأثير، أسد الغابة، ج 1، ص 206.
- ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، ج 5، ص 355.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 3، ص 239.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 3، ص 2.
- ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء،ج 1، ص 357، برقم 76.
- ↑ الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 3، ص 20.
- ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 357.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الکبری، ج 7، ص 509.
- ↑ الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 3، ص 20.
- ↑ المزي، تهذيب الكمال، ج 4، ص 288، برقم 782.
- ↑ ابن الاثير، أسد الغابة، ج 1، ص 2.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 3، باب بدء الأذان والإقامة، حديث 1، ص 302.
- ↑ المازندراني، مناقب آل أبي طالب، ج 1، ص 141.
- ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 3، برقم 76.
- ↑ المزي، تهذيب الكمال، ج 23، ص 107.
- ↑ الذهبي، سير أعلام النبلاء، ج 1، ص 357.
- ↑ المزي، تهذيب الكمال، ج 4، ص 288، برقم 782.
- ↑ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، ج 1، حديث 907، ص 298.
- ↑ ابن الأثير، أسد الغابة، ج 5 ، ص 561.
- ↑ الشافعي، تاريخ مدينة دمشق، ج 70، ص 194، برقم 9447.
- ↑ ابن الأثير، أسد الغابة، ج 1، ص 209.
- ↑ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 10، ص 630.
- ↑ الشافعي، تاريخ مدينة دمشق، ج 10، ص 47.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 3، ص 2.
- ↑ الطوسي، رجال الشيخ الطوسي، ص 27.
- ↑ المفيد، الاختصاص: ص 83.
- ↑ ابن منظور، مختصر تاريخ دمشق، ج 5، ص 1.