الجهاد
الجهاد، هو مصطلح إسلامي مأخوذ من بذل الجهد، وهو على ثلاثة أنواع: جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد العدو، والنوع الأخير هو المبحوث عنه في الفقه الإسلامي ويُقسم إلى قسمين: الجهاد الإبتدائي، والجهاد الدفاعي.
يُعتبر الجهاد من فروع الدين ووجوبه ثابت بالضرورة الدينية عند جميع المسلمين، وقد ذكر القرآن الكريم والسنة الشريفة وجوب الجهاد، وفضله، وآثار تركه على الفرد والمجتمع الإسلامي، بالإضافة إلى بيان فضل المجاهدين في الدنيا والآخرة.
ذكر الفقهاء مجموعة من الأحكام الشرعية المتعلقة بالجهاد بكلا قسيمه: الإبتدائي والدفاعي، ومنها: استمرار وجوب الجهاد، ووجوب الاستئذان في الجهاد الإبتدائي دون الدفاعي، وغيرهما من الأحكام الأخرى.
تعريف الجهاد
الجهاد مصدر جاهدت العدو إذا قابلته في تحمل الجهد أو بذل كل منكما جهده أي طاقته في دفع صاحبه، ثم غلب في الإسلام على قتال الكفار .[١]
وللجهاد بحسب الاصطلاح عدة معاني وردت في كثير من الروايات، ومنها:
- جهاد النفس وقد ورد في الروايات ذكره، والحث عليه، وعُدَّ أهم من جهاد العدو الظاهر، وقد سُمي الجهاد الاكبر.[٢]
- قيام المرأة بالواجبات الزوجية، وحسن معاشرتها مع الزوج.[٣]
- الجهر بالحق في مواجهة الباطل والظلم والجور.[٤]
- الكد على العيال وطلب الرزق الحلال.[٥]
- الجهاد بالمعنى الفقهي: جهاد العدو الظاهر، وقد عرّفه الفقهاء بقولهم: هو بذل النفس، وما يتوقف عليه من المال في محاربة المشركين أو الباغين على وجه مخصوص، أو بذل النفس والمال والوسع في إعلاء كلمة الإسلام، وإقامة شعائر الإيمان،[٦] وهو ما سيكون الحديث عنه في المباحث القادمة.
حكمة تشريع الجهاد
قال السيد الطباطبائي: لا يستهدف الإسلام من تشريع الجهاد ما تستهدفه الحروب في المجتمعات الجاهلية من التسلط والاحتلال، وتحصيل الغنائم والأموال والغلبة العنصرية أو الفئوية، ولا ما ترتكبه الدول في هذا العصر من هدم المباني وتخريب المدن وقتل النساء والأطفال والشيوخ والمرضى والأسرى والعزل والمدنيين الآمنين بالهجوم عليهم ليلاً ونهاراً بالسلاح والقنابل والصواريخ والطائرات وغيرها من أجل الاستيلاء على بلاد الغير سياسياً واقتصادياً وثقافياً.[٧]
يستهدف الإسلام من الجهاد إقامة الدين وحفظه وبقائه واستمراره، وبقاء الاُمة الإسلامية، وصيانة كيانها من السقوط والانهيار،[٨] ونشر العدل وبسط الحقّ وتطهير الأرض من الظلم والفساد.[٩]
لقد كانت أغلب الحروب والغزوات التي قام بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفاعية من أجل الدفاع عن بيضة الإسلام وحياة المسلمين، فإنّ مثل غزوة بدر وغزوة اُحد ومعركةالأحزاب كانت لدفع الحملات، وإطفاء نيران الفتن، وإحباط المؤامرات التي يشعلها ويحيكها أعداء الدين للقضاء عليه، واستئصال جذوره وهدم بنيانه.[١٠]
بداية تشريع الجهاد ومراحله
لم يكن الجهاد مأذوناً به في بداية البعثة قبل الهجرة النبويّة، بل أمر الله رسولهصلى الله عليه وآله وسلم في البدء بالدعوة لهذه الرسالة، وتوضيح المراد منها، وتحمّل الأذى في تلك الفترة، فاكتفى بالتبليغ، والإنذار والصبر على الأذى مع الصفح عن المشركين، ولم ينصع لما هم عليه، وقد أشار القرآن لهذه المرحلة من الدعوة في الكثير من الآيات القرآنية،[١١]ثمّ أذن الله تعالى بعد الهجرة النبويّة لرسولهصلى الله عليه وآله وسلم بالجهاد،[١٢] وذلك لمّا قويت شوكة الإسلام وكثر المسلمون،[١٣] وكان ذلك في السنة الثانية للهجرة.[١٤]
فضل الجهاد
لقد وردت الكثير من الآيات القرآنية والروايات التي أكدت أهمية الجهاد وفضله وفوائده، ومنها:
- الآيات الكريمة
لقد ذكرت بعضها فضل المجاهدين على غيرهم من القاعدين،[١٥] وكذلك واعدت المجاهدين بالهداية لسبيل الله ،[١٦] والبشارة بأن الشهداء من المجاهدين في سبيل الله تعالى أحياء عن ربهم يرزقون.[١٧]
- الروايات الشريفة
لقد ذكرت الروايات الكثير من الفضائل للجهاد والمجاهدين، ومنها: إنَّ في الجنة باب يُقال له باب المجاهدون يدخلون منه لوحدهم فترحب بهم الملائكة،[١٨] وإنَّ عاقبة من يترك الجهاد في الدنيا الذل والفقر،[١٩] وإنَّ الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه،[٢٠] وإنَّ من جهّز مجاهدا كان له من الأجر كأجر ذلك المجاهد.[٢١]
شروط وجوب الجهاد
يُشترط في وجوب الجهاد عدة اُمور، وهي:
- التكليف: يجب الجهاد على المكلّف (البالغ العاقل)، فلا يجب على الصبي.[٢٢]
- الحرية: المشهور[٢٣]عند الفقهاء اشتراط الحرية في وجوب الجهاد فلا يجب على العبيد.[٢٤]
- الذكورة: اتفق الفقهاء على اشتراط الذكورة في وجوب الجهاد، فلا يجب على النساء،[٢٥] وذهب جمع من الفقهاء إلى جواز إخراج النساء لتمريض الجرحى ومداواتهم والطبخ والسقي وغير ذلك من المصالح،[٢٦]وقال بعضهم: الأولى إخراج المسنّات منهنّ، وأمّا الشابات فيُكره إخراجهن إلى أرض العدو،[٢٧] وقُيد خروج المرأة بإذن زوجها، وهذا يكون في حالة عدم إعلان النفير العام، وأما مع إعلانه فلا يُشترط إذن الزوج.[٢٨]
- القدرة البدنية: يُشترط القدرة والاستطاعة البدنية في وجوب الجهاد، فيسقط الجهاد على الفاقد لها، ويدخل فيه الأعمى حتى مع وجود الذي يقوده في ذلك، ويدخل في ذلك أيضاً العرج الفاحش الذي يمنع من المشي الجيد، ويدخل في ذلك أيضاً الشيخ الكبير في السن الذي لا يستطيع النهوض، والمريض مرضاً مزمناً، ولا يمنع المرض اليسير .[٢٩]
- القدرة المالية: يُشترط في وجوب الجهاد عدم الفقر الذي يعجز معه عن نفقة عياله، وكذلك نفقة الطريق الذي يفضل عن نفقة عياله، فيما لو كان الجهاد بعيداً، ويدخل في ذلك نفقة زاد الطريق، وتهيئة السلاح، وتحصيل الدابة التي يركب عليها للوصول إلى الجهاد، ومع بذل الإمام ما يحتاج إليه يرتفع المانع فيجب الجهاد.[٣٠]
ما يحرم في الجهاد
ذكر الفقهاء مجموعة من الأمور التي تحرم في الجهاد، ومنها:
- القتال في الأشهر الحرم: ذهب الفقهاء إلى أنه يجوز القتال في السنة كلها إلا في الأشهر الحرم ـ رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم ـ فإنّه يحرم الجهاد فيها، وترتفع الحرمة إذا بدأ العدو بالقتال أو كان ممن لا يرى حرمة للأشهر الحرم.[٣١]
- القتال في الحرم: قال الفقهاء: إنّ الجهاد جائز في جميع الأمكنة، إلّا في الحرم، فإنّ القتال فيه لا يجوز، ويكون ذلك إن لم يبدأ العدو بالاعتداء.[٣٢]
- الفرار من الزحف: يحرم الفرار من الزحف ويجب الثبات في الجهاد، وقد عدَّ الفقهاء الفرار من الزحف من كبائر الذنوب وواحدة من السبع الموبقات،[٣٣] ويُستثنى من حكم الفرار من الزحف ما لو قلّ عدد المسلمين، بأن يزيد عدد الكفار على ضعف المسلمين.[٣٤]
ما يكره في الجهاد
ذكر الفقهاء بعض الأمور التي تُكره في الجهاد، ومنها:
- قتل ذي الرحم: قال بعض الفقهاء يُكره للغازي أن يتولّى قتل أبيه الكافر،[٣٥] وعُبّر في موضع آخر بأنّه يستحبّ له أن يتجنّب ذلك،[٣٦] كما يُكره قتل ذي الرحم، والأولى الإعراض عن قتله، ولم يفرّق الفقهاء في ذلك بين الكافر والمشـرك وأهل البغي.[٣٧]
- كراهة قطع الأشجار، ورمي النار، وتسليط المياه، وإلقاء السم، وقتل الحيوان.[٣٨]
أحكام عن كيفية الجهاد
هناك جملة من الأحكام تتعلّق بكيفية الجهاد، ومنها:
- الاستعداد للجهاد وتحصين بلاد المسلمين
يجب الاستعداد للجهاد، وإعداد السلاح الكافي للقتال، وتدريب المسلمين (المجاهدين) على استعماله من باب وجوب المقدّمات الموقوف عليها الإتيان بالواجبات،[٣٩]كما ينبغي للإمام ومن نصبه في شأن الجهاد أن يُلاحظ أطراف بلاد المسلمين ويعمل على تحصينها، ونصب الأمراء والقواد لقيادة الجيوش والمجاهدين.[٤٠]
وكذلك يجب التربص وتأخير الجهاد إذا كثر العدو وقل عدد المسلمين حتى تحصل الكثرة وتقوى شوكتهم في مجابهة العدو.[٤١]
- البدء بقتال من يلي المسلمين من الكفار
ذهب جمع من الفقهاء إلى أنّ الأولى أن يبدأ الإمام بمقاتلة من يليه من الكفّار، وقال بعضهم أن يُقاتل الأقرب فالأقرب، إلّا أن يكون الأبعد أشدّ منه خطورة، [٤٢]
- الدعوة إلى الإسلام قبل بدء القتال
يجب على المسلمين قبل البدء بقتال الكفّار دعوتهم إلى الإسلام، بإظهار الشهادتين والتزام جميع أحكام الإسلام.[٤٣]
- نصب العيون والجواسيس على العدو
التجسس على الكفار في الحرب لمعرفة عددهم وعدتهم والاطلاع على مواضعهم أمر مشروع، بل يُعد من ضروريات ومقدمات الحرب والجهاد ولوازمه من أجل أن يتأهب جيش المسلمين لمواجهة أعداءهم والتصدي لهم،[٤٤] كما ذكرت بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرسل في بعض حروبه من يُخبره بأحوال العدو.[٤٥]
- المبارزة في القتال
وهو ظهور اثنين من الصفين للقتال، وهي مشروعة عند جميع الفقهاء،[٤٦] وذكر بعضهم أنّها على نحوين: مستحبة ومباحة، فأما المستحبة فهي أن يدعو المشرك إلى البراز فيستحب للمسلم أن يبارزه، كما فعل حمزة بن عبد المطلبقالب:عليه السلام وعلي بن أبي طالبقالب:عليه السلام وعبيدة بن الحارث بن المطلب يوم بدر، وأما المباحة فأن يخرج المسلم إلى المشرك ابتداءً فيدعوه إلى البراز،[٤٧] وذكر بعض أنها تجب إذا ألزمها الإمام.[٤٨]
- التبييت (الإغارة ليلاً)
ذكر الفقهاء كراهة التبييت: وهو الإغارة على العدو ليلاً مع كونهم مستظهرين، وفيهم قوة ولا حاجة لهم بذلك، وإلّا فمع كونهم في حاجة لذلك ترتفع الكراهة.[٤٩]
- التحصن من العدو
ذكر الفقهاء أنّه لو قدم العدو إلى بلد جاز لأهله التحصن منهم، وإن كانوا أكثر من النصف ليلحقهم المدد والنجدة، ولا يكون ذلك فراراً ولا تولياً؛ لأنّ الفرار إنما يكون بعد اللقاء وكذلك التولي، ويصح التحيز إلى الجبل، وكذلك التحيز لمكان يقاتل فيه بالحجارة مع ذهاب السلاح، وكذلك يجوز التحيز إلى الشجر، بل إلى كل ما تتحقق به الفائدة لذلك.[٥٠]
- قتل النساء والأطفال والمجانين والعجزة
اتّفق الفقهاء على عدم جواز قتل نساء الكفار وصبيانهم ومجانينهم حتى لو أعانوهم، وحكم الخنثى المشكل كالمرأة،[٥١] ولا يجوز قتل الشيخ الفاني والمريض.[٥٢]
- التمثيل والغدر بالكفار والسرقة من أموالهم
مما لا خلاف فيه عند الفقهاء، هو عدم جواز التمثيل بالكفار وذلك بقطع الآناف والآذان ونحو ذلك،[٥٣] لما روي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في حرمة المُثلة،[٥٤] وكذلك لا يجوز الغدر بهم وذلك بأن يُقتلوا بعد الأمان،[٥٥] وكذلك يحرم السرقة من أموالهم.[٥٦]
أقسام الجهاد
يقسم الجهاد إلى قسمين:
الجهاد الابتدائي
يُعرّف الجهاد الابتدائي بأنّه القتال المبتدأ من المسلمين؛ لأجل الدعوة إلى الإسلام بإدخال الكفار فيه وحملهم على اعتناقه، وإنما سُمي ابتدائياً لأنه يتم بدون عدوان مسبق من قبل الكفار على المسلمين، قد دلت عليه الكثير من الآيات الكريمة،[٥٧] والروايات الشريفة. [٥٨]
أحكام الجهاد الابتدائي
- الحكم التكليفي للجهاد
أجمع الفقهاء من كافة المسلمين هو أنّ الجهاد واجب على الكفاية بحيث لو قام به البعض من المكلّفين سقط عن الباقين منهم، ويمكن إن يُراد من الكفاية هو أن ينهض قوم يكفون في جهادهم.[٥٩]
واستدل على كون الجهاد واجباً بالوجوب الكفائي بآية النفر،[٦٠] وآيات أخرى،[٦١] وبمجموعة من الروايات.[٦٢]
قال الشيخ الطوسي: إنّ الجهاد فرض لإعزاز دين الله، ودفع الشر عن العباد، والمقصود أن يأمن المسلمون ويتمكنوا من القيام بمصالح دينهم ودنياهم، فإذا اشتغل الجميع به لم يتفرغوا للقيام بمصالح دنياهم.[٦٣]
- الموارد التي يجب فيها الجهاد
الحكم الأولي للجهاد هو الوجوب كفاية، أي مع قيام البعض به يسقط عن الباقين، لكن هناك بعض الحالات يُصبح فيها الجهاد واجباً عينياً، ومنها:
- أن يُعينه المكلف على نفسه بالنذر أو العهد أو اليمين أو الإجارة أو غير ذلك من الأسباب التي تخرج التكليف من الكفاية إلى العينيّة.[٦٤]
- إذا إلتقى الزحفان وتقابل الصفّان حَرُمَ على من حضر الانصـراف، وتعين عليه الثبات، ومواجهة العدو.[٦٥]
- إذا نزل الكفار على بلد تعيّن على أهله قتالهم.[٦٦]
- استمرارية وجوب الجهاد
اتّفق الفقهاء على أنّ وجوب الجهاد الابتدائي مشروط بوجود الإمامقالب:عليه السلام، أو نائبه الخاص، فلا يجوز الجهاد من دون إذنه حتى مع وجود الفقيه الجامع للشـرائط، أما الجهاد الدفاعي فلا يُشترط فيه إذن من الإمامقالب:عليه السلام.[٦٧]
قال صاحب الجواهر: نعم، يُمكن أن يُستفاد من كلمات بعض الفقهاء جوازه ومشـروعيته بإذن الفقيه العام في زمان الغيبة، لولا الإجماع.[٦٨]
- تحديد وجوب الجهاد بالمرة الواحدة في العام
أقل الجهاد في زمن حضور الإمامقالب:عليه السلام هو أن يفعل في كل عام مرة واحدة، وكذلك فإن الجزية تجب على أهل الذمة في كل عام، وهي بدل عن النصـرة فكذلك مُبدلها وهو الجهاد، ولأنّ تركهم أكثر من ذلك يوجب تقويتهم وتسلطهم فيجب في كل عام إلّا مع العذر.[٦٩]
- الاستئذان في الجهاد
من تحقّقت فيه شرائط وجوب الجهاد وجب عليه أن يستأذن من يجب استئذانه، وهم كالتالي:
إذن الإمام
المشهور عند الفقهاء اشتراط إذن الإمام قالب:عليه السلام أو إذن نائبه الخاص في وجوب الجهاد الابتدائي؛ كما يشترط دعوته لهم إلى الجهاد، ولا يتولى ذلك الفقيه العام في زمان غيبة الإمامقالب:عليه السلام.[٧٠]
إذن الوالدين
ذكر بعض الفقهاء أنّ إذن الوالدين إذا كانا مسلمين شرط في وجوب الجهاد، فلا يصح الجهاد ممن كان له أبوان مسلمان إلا بإذنهما أو بإذن الحي منهما، بلا فرق بين أن يكون الأب أو الأم،[٧١] وذهب بعض الفقهاء إلى عدم لزوم الاستئذان منهما للجهاد، بحيث لو خرج من دون علمهما وعدم نهيهما لا يكون آثماً.[٧٢]
هذا كله إذا كان وجوب الجهاد كفائياً، وأمّا إذا كان عينياً فلا يتوقّف على إذنهما أو عدم منعهما وإيذائهما.[٧٣]
ويسقط اشتراط الإذن لو كان الأبوان كافرين، ولا يحرم مخالفتهما فيه.[٧٤]
إذن الدائن
ذهب الفقهاء إلى أنّه لو كان الدين حالّاً فلا يصح خروج المدين إلّا مع الاستئذان من صاحب الدين لو لم يكن المدين معسراً، وأما مع إعساره فلا يحق منعه.[٧٥]
ولو تعين على المديون الجهاد وجب عليه الخروج سواءً كان الدين حالّاً أو مؤجلاً موسراً أو معسراً إذن له غريمه أم لم يأذن؛ لأنّ الجهاد تعلق بعينه فكان مقدماً على ما في ذمته كسائر فروض الأعيان، إلّا أنّه ينبغي له أن لا يعرّض نفسه لمظانّ القتل بأن يبارز أو يقف في أول المقاتلة أو نحو ذلك مما فيه تغرير.[٧٦]
- الاستنابة في الجهاد
ذهب جمع من الفقهاء إلى أنّ من عجز عن الجهاد بنفسه وقدر على الاستنابة، وجب عليه أن يستنيب غيره ويقيمه مقامه في الجهاد وتجهيزه بما يحتاج إليه، [٧٧] وذهب آخرون إلى استحباب ذلك،[٧٨] ثم إنّه لو كان قادراً على الجهاد فجهّز غيره جاز وسقط عنه.[٧٩]
- الاستعانة بغير المسلم في الجهاد
يجوز للإمام أن يستعين بأهل الذمة على قتال المشركين، لكن بشـرط أن يكون بـالمسلمين قلة وفي المشركين كثرة، وأن يكون المشـرك مأموناً من الغدر، حسن الرأي في المسلمين، ومع عدم توفر هذين الشرطين لا يجوز الاستعانة بهم.[٨٠]
- منع الإمام المثبّطين والمرجفين من الخروج
ينبغي للإمام والأمير مِن قِبله أن يمنع من يُخذّل الناس ويُثبطهم عن الغزو ويزهدهم في الخروج، وكذلك المرجف وهو الذي يقول: هلكت سرية المسلمين، ولا طاقة لكم بهم، و ... ولا يؤذن كذلك لمن يعين على التجسس على المسلمين للكفار، ومكاتبتهم بأخبار المسلمين، واطلاعهم على عوراتهم وإيواء جواسيسهم، وكذلك لابدَّ من إرجاع مَن يوقع بين المسلمين ويمشي بينهم بالنميمة ويسعى بالفساد.[٨١]
- من يجب جهادهم
ذكر الفقهاء أن من يجب جهادهم ابتداءً من قبل على قسمين:
- البغاة: وهم الذين خرجوا على الإمام المفترض الطاعة وأبوا الدخول في طاعته، ولا خلاف بين المسلمين.[٨٢]
- الكفار: يدخل في هذا القسم أهل الكتاب مثل اليهود والنصارى أو من لهم شبهة كتاب مثل المجوس، وغيرهم من أصناف الكفار، كالدهرية وعباد الأوثان والنيران ومنكري ما يعلم ثبوته من الدين بالضرورة، ويشمل بذلك أيضاً أهل الذمة الذين نقضوا العهد مع المسلمين.[٨٣]
الجهاد الدفاعي
والمراد به عند الفقهاء قتال من دهم المسلمين من المشركين والكفّار أو البغاة للدفاع عن الإسلام، وأراضي المسلمين، ونفوسهم وأعراضهم وأموالهم وثقافتهم.
- حكم الجهاد الدفاعي التكليفي
يجب الجهاد الدفاعي عن الدين وبيضة الإسلام إذا دهم المسلمين عدو من الكفّار، [٨٤] يُريد الاستيلاء على بلادهم أو أسرهم أو أخذ أموالهم أو سبي نسائهم أو طمس معالم الدين وشعائره، بل وجوب الجهاد الدفاعي ثابت بضرورة العقل والشرع والفطرة، بل اعتبر بعض الفقهاء دائرة الدفاع أوسع مما ذكر بحيث تشمل التصدي والمقاومة لهجوم الأعداء، سواء كان عسكرياً أو اقتصادياً أو سياسياً أو ثقافياً أو جميعها، بأي وسيلة ممكنة وبمختلف الأساليب والطرق.[٨٥]
أحكام الجهاد الدفاعي
يختصّ الجهاد الدفاعي بجملة من الأحكام ذكرها الفقهاء، ومنها:
- يجب الجهاد الدفاعي على جميع المكلفين، فيجب على الحر والعبد، والذكر والأنثى، والسليم والمريض، والأعرج والأعمى إن احتيج إليهم.
- لا يتوقف وجوب الجهاد الدفاعي على حضور الإمام ولا على إذنه.
- لا يجب فيه استئذان الأبوين أو الدائن أو غيرهم مع الحاجة إلى المكلف.
- لا يختص الوجوب بمن قصده العدو، بل يجب على كل من علم به، ولم يعلم بقدرة المقصودين على دفعه أو علم بعدم قدرتهم على ذلك.[٨٦]
- يجوز القتال في الأشهر الحرم وفي الحرم، دفاعاً عن الدين والمسلمين، وهو مما قام عليه إجماع الفقهاء.[٨٧]
- جواز قتل من لا يصح قتله في الجهاد الابتدائي دفاعاً.[٨٨]
- وجوب الدفاع حتى لو بلغ عدد العدو أكثر من الضعفين: لا يعتبر في وجوب الجهاد الدفاعي شرط أن لا يزيد عدد العدو عن الضعف، بل يجب القتال دفاعاً عن الدين والمسلمين، وإن كان عدد العدو كثيراً يفوق أضعاف عدد المسلمين، نعم الذين يُعتبر في الوجوب هو وجود المكنة على المقاومة والصمود بوجه العدو.[٨٩]
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- ابن إدريس الحلي، محمد بن منصور، السرائر الحاوي لتحرير الفتاوى، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417 ه.
- ابن البراج، عبد العزيز، المهذب، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1406 ه.
- الأردبيلي، أحمد بن محمد، مجمع الفائدة والبرهان، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، 1405 ه.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، قم - إيران، مؤسسة آل البيتقالب:عليهم السلام لإحياء التراث، 1410 ه.
- الحلّي، يحيى بن سعيد، الجامع للشرائع، قم - إيران، مؤسسة سيد الشهداءقالب:عليه السلام، 1405 ه.
- الخميني، روح الله، تحرير الوسيلة، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، 1416 ه.
- السبحاني، جعفر، مفاهيم القرآن، قم - إيران، مؤسسة الإمام الصادققالب:عليه السلام، ط 4، 1421 ه.
- السبزواري، عبد الاعلى، مواهب الرحمن في تفسير القرآن، بيروت - لبنان، مؤسسة أهل البيتقالب:عليهم السلام، ط 2، 1409 ه.
- الشهيد الثاني، زين الدين بن علي، مسالك الأفهام إلى تنقيح شرائع الإسلام، قم - إيران، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1414 ه.
- الطباطبائي، علي، رياض المسائل، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، 1412 ه.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 5، 1417 هـ.
- الطوسي، محمد بن الحسن، المبسوط، طهران - إيران، المكتبة المرتضوية لإحياء الآثار الجعفرية، د.ت.
- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، منتهى المطلب في تحقيق المذهب، مشهد - إيران، مجمع البحوث الإسلامية، 1414 هـ.
- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، تحرير الأحكام الشرعية على مذهب الإمامية، قم - إيران، مؤسسة الإمام الصادققالب:عليه السلام، 1422 ه.
- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، تذكرة الفقهاء، قم - إيران، مؤسسة آل البيتقالب:عليهم السلام لإحياء التراث، 1414 هـ.
- العلامة الحلّي، الحسن بن يوسف، قواعد الأحكام في معرفة الحلال والحرام، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، 1413 ه.
- القونوي، قاسم بن عبد الله، أنيس الفقهاء في تعريفات الألفاظ المتداولة بين الفقهاء، جدة - السعودية، دار الوفاء، ط 1، 1406 ه.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران - إيران، دار الكتب الإسلامية، ط 4، 1407 ه.
- المحقق الحلي، نجم الدين جعفر بن الحسن، شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام، النجف الأشرف – العراق، دار الآداب، 1389 ه.
- النجفي، محمّد حسن، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، بيروت- دار إحياء التراث، وطهران _ دار الكتب الإسلاميّة.
- النوري، حسين، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، قم - إيران، مؤسسة آل البيتقالب:عليهم السلام لإحياء التراث، 1408 ه.
- كاشف الغطاء، جعفر بن خضر، كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء، خراسان - إيران، مكتب الإعلام الإسلامي، 1422 ه.
- ↑ القونوي، أنيس الفقهاء، ص 181.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 5، ص 9.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 15، ص 23.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 16، ص 127.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 17، ص 67.
- ↑ النجفي، جواهر الكلام، ج 21، ص 3-5.
- ↑ الطباطبائي، الميزان في تفسير القرآن، ج 4، ص 164 - 165.
- ↑ السبحاني، مفاهيم القرآن، ج 7، ص 492.
- ↑ السبزواري، مواهب الرحمن، ج 9، ص 178.
- ↑ السبحاني، مفاهيم القرآن، ج 7، ص 497.
- ↑ الحجر: 85.؛ النحل: 125.؛ الحجر: 94.
- ↑ الحج: 39.
- ↑ العلامة الحلي، منتهى المطلب، ج 14، ص 10.
- ↑ مكارم شيرازي، الأمثل، ج 2، ص 21.
- ↑ النساء: 95.
- ↑ العنكبوت: 69.
- ↑ آل عمران: 169.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 5، ص 2.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 15، ص 10.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 97، ص 8.
- ↑ النوري، مستدرك الوسائل، ج 7، ص 354.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 1، ص 45.
- ↑ العلامة الحلي، مختلف الشيعة، ج 4، ص 394.
- ↑ ابن البراج، المهذّب، ج 1، ص 293 - 294.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 20، ص 157.
- ↑ الطوسي، المبسوط، ج 1، ص 538.
- ↑ العلامة الحلي، منتهى المطلب، ج 14، ص 71.
- ↑ الطوسي، المبسوط، ج 2، ص 5.
- ↑ العلامة الحلي، تحرير الأحكام، ج 2، ص 131.
- ↑ العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 13.
- ↑ النجفي، جواهر الكلام، ج 21، ص 33
- ↑ ابن إدريس، السرائر، ج 2، ص 8.
- ↑ الأردبيلي، مجمع الفائدة، ج 7، ص 452.
- ↑ الطباطبائي، رياض المسائل، ج 7، ص 499 - 500.
- ↑ العلامة الحلي، قواعد الأحكام، ج 1، ص 488.
- ↑ العلامة الحلي، تحرير الأحكام، ج 2، ص 135.
- ↑ الطوسي، المبسوط، ج 2، ص 7.
- ↑ ابن إدريس، السرائر، ج 2، ص 21.
- ↑ كاشف الغطاء، كشف الغطاء، ج 4، ص 334.
- ↑ ابن إدريس، السرائر، ج 2، ص 6.
- ↑ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، ج 1، ص 311.
- ↑ الطوسي، المبسوط، ج 2، ص 9.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 15، ص 43.
- ↑ العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 49.
- ↑ النوري، مستدرك الوسائل، ج 11، ص 127.
- ↑ العلامة الحلي، تحرير الأحكام، ج 2، ص 144.
- ↑ الطوسي، المبسوط، ج 2، ص 19.
- ↑ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، ج 1، ص 284.
- ↑ الحلي، الجامع للشـرائع، ص 236.
- ↑ العلامة الحلي، منتهى المطلب، ج 14، ص 81.
- ↑ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، ج 1، ص 312.
- ↑ النجفي، جواهر الكلام، ج 21، ص 74.
- ↑ النجفي، جواهر الكلام، ج 21، ص 78.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 29، ص 128.
- ↑ ابن إدريس، السرائر، ج 2، ص 21.
- ↑ الأردبيلي، مجمع الفائدة، ج 7، ص 454.؛ الكركي، جامع المقاصد، ج 3، ص 388.
- ↑ البقرة: 216.؛ التوبة: 41.؛ التوبة: 123.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 15، ص 9.؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 15، ص 15.
- ↑ الطوسي، المبسوط، ج 2، ص 2.
- ↑ التوبة: 122.
- ↑ النساء: 95.
- ↑ النوري، مستدرك الوسائل، ج 11، ص 14.
- ↑ الطوسي، المبسوط، ج 2، ص 2.
- ↑ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، ج 1، ص 307.
- ↑ النجفي، جواهر الكلام، ج 21، ص 14.
- ↑ العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 9.
- ↑ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، ج 3، ص 7 - 8.
- ↑ النجفي، جواهر الكلام، ج 21، ص 14.
- ↑ الكركي، جامع المقاصد، ج 3، ص 365.
- ↑ ابن إدريس، السرائر، ج 2، ص 3.
- ↑ العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 29.
- ↑ النجفي، جواهر الكلام، ج 21، ص 23.
- ↑ النجفي، جواهر الكلام، ج 21، ص 25.
- ↑ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، ج 3، ص 4.
- ↑ العلامة الحلي، تحرير الأحكام، ج 2، ص 133.
- ↑ النجفي، جواهر الكلام، ج 21، ص 22.
- ↑ الطوسي، المبسوط، ج 2، ص 7.
- ↑ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، ج 1، ص 308.
- ↑ الكركي، جامع المقاصد، ج 3، ص373.
- ↑ ابن البراج، المهذب، ج 1، ص 297.
- ↑ العلامة الحلي، تذكرة الفقهاء، ج 9، ص 51.
- ↑ العلامة الحلي، منتهى المطلب، ج 4، ص 53.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 15، ص 28.
- ↑ ابن إدريس، السرائر، ج 2، ص 4.
- ↑ الخميني، تحرير الوسيلة، ج 1، ص 445 ـ 446.
- ↑ الشهيد الثاني، مسالك الأفهام، ج 3، ص 7 - 8.
- ↑ الطباطبائي، رياض المسائل، ج 7، ص 508.
- ↑ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، ج 1، ص 312.
- ↑ كاشف الغطاء، كشف الغطاء، ج 4، ص 291.