آية المباهلة
آية المباهلة، هي الآية 61 من سورة آل عمران، حيث إنها تتحدث عن واقعة المباهلة التي دعا فيها الرسول الأكرمصلی الله عليه وآله وسلم نصارى نجران للمباهلة، وذلك بعد أن اختلفوا في مكانة النبي عيسى(ع). وبحسب ما ذكره مفسرو الشيعة والكثير من علماء أهل السنة إنّ المراد من «أنفسنا» هو علي بن أبي طالبقالب:اختصار/ع، والمراد من «نساءنا» هي السيدة فاطمةقالب:اختصار/عليها، والمراد من أبناءنا الحسنانقالب:اختصار/عليهما.
يظهر من هذه الآية فضل ومكانة أصحاب الكساء الذين خرج بهم النبيصلی الله عليه وآله وسلم للمباهلة وعلى رأسهم الإمام علي، وعدّ الإمام الرضا هذه الآية أكبر فضيلة للإمام علي.
نص الآية
مكانة الآية
آية المباهلة من الآيات التي تمّ الاعتماد عليها لإثبات فضيلة أصحاب الكساء (وهم النبي محمد، وعلي، وفاطمة، والحسن، والحسينعلیهم السلام)،[١] وعدّها عبد الله بن البيضاوي من مفسري أهل السنة دليلاً على أحقّية النبيقالب:اختصار/ص في ادعائه النبوة، وعلى فضيلة من اصطحبهم في واقعة المباهلة.[٢] واعتبر المفسر السنّي الزمخشري (ت 538هـ) أنّ هذه الآية أقوى دليل على فضيلة أصحاب الكساء،[٣] كما أنّ المفسر الشيعي الفضل بن الحسن الطبرسي (ت 469هـ) ذهب إلى أنّ الآية تدلّ على أفضلية السيدة فاطمةقالب:اختصار/عليها على سائر النساء.[٤]
شأن النزول
أجمع المفسرون من الفريقين على أنها نزلت في وفد نصارى نجران، الذين جاؤوا إلى المدينة المنورة وجرت محادثات لهم مع النبيقالب:اختصار/ص في المسجد النبوي، وعندما بدأ رسول اللهقالب:اختصار/ص يُعرف نفسه، ذكر النبي عيسىقالب:اختصار/ع على أنَّه عبدا من عبيد الله تعالى، فلم يقبلوا ذلك وقالوا بما أنَّ عيسى ولد من دون أب فهذا دليل على ألوهيته.[٥]
وبعد جملة من الحوارات أصر كلا الطرفين على صحة آرائهما، فتم أتخاذ القرار على المباهلة لإنهاء الحوار، فقرر أن يستعدوا جميعاً للمباهلة في اليوم التالي خارج المدينة في الصحراء، فخرج الرسولقالب:اختصار/ص يوم المباهلة من المدينة ومعه الإمام عليقالب:اختصار/ع وفاطمةقالب:اختصار/عليها والحسنقالب:اختصار/ع والحسينقالب:اختصار/ع، وعندما رأى النصارى أنَّ رسول اللهقالب:اختصار/ص جاء مع أعزّ قومه من أجل المباهلة، وتقدم جاثياً على ركبتيه كما تجثوا الأنبياء للمباهلة، انصرفوا عن المباهلة وطلبوا من رسول اللهقالب:اختصار/ص الصلح، فوافق الرسول اللهقالب:اختصار/ص الصلح بشرط أن يدفعوا الجزية.[٦]
التفسير
قال القاضي نور الله التستري، أجمع المفسرون على أن «أبنائنا» الواردة في آية المباهلة تُشير إلى الحسنقالب:اختصار/ع والحسينقالب:اختصار/ع، و«نسائنا» إشارة إلى فاطمةقالب:اختصار/عليها، و«أنفسنا» إشارة إلى الإمام عليقالب:اختصار/ع.[٧] وذكر العلامة المجلسي إنَّ الأحاديث التي دلت على آية المباهلة وأنها نزلت في أصحاب الكساء متواترة.[٨] وقد ورد في كتاب إحقاق الحق ما يُقارب ستين مصدراً لأهل السنة ورد فيها أنَّ آية المباهلة نزلت بحق هؤلاء الأفراد.[٩] من جملتها الكشاف للزمخشري،[١٠] والتفسير الكبير للفخر الرازي،[١١] وأنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي.[١٢]
وذكر مفسري الشيعة حول مجيء «أبنائنا»، و«نسائنا»، و«أنفسنا» في الآية بصيغة الجمع، بينما المصاديق المذكورة إما مفرد أو مثنى:
- شأن نزول الآية قرينة على صحة هذا التفسير؛ لأنَّ رسول اللهقالب:اختصار/ص وباتفاق المفسرين لم يصطحب معه للمباهلة إلا علي وفاطمة والحسنين.[١٣]
- إطلاق صيغة الجمع على المفرد أو المثنى ليس أمرا جديدا فهو كثير الورود في القرآن وفي غير القرآن، فعند وضع قانون، أو إعداد اتّفاقية، تستعمل صيغة الجمع على وجه العموم. فمثلا، قد يقال في اتّفاقية: إنّ المسؤولين عند تنفيذها هم الموقّعون عليها وأبناؤهم، في الوقت الذي يمكن أن يكون لأحد الأطراف ولد واحد أو اثنين.[١٤]
- يوجد في القرآن موارد أخرى تُطلق فيها صيغة الجمع على مصداق واحد، مثل ما ورد في آية الظهار،[١٥] حيث نزلت بصيغة الجمع «الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم» في حين أنَّ مصداقها بحسب شأن النزول مفرد. [١٦]
الاحتجاجات التاريخية
جاء في الروايات أنَّ أئمة الشيعة وبعض الصحابة احتجوا بآية المباهلة لإثبات أفضلية الإمام علي(ع):
احتجاج سعد بن أبي وقاص
روى عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنَّ معاوية قال لسعد: ما يمنعك أن تسب علي؟ فقال سعد:
احتجاج الإمام الكاظم(ع)
قال هارون العباسي للإمام الكاظمقالب:اختصار/ع: كيف قلتم: إنا ذرية النبي، والنبي لم يعقب، وإنما العقب للذكر لا للأنثى، وأنتم ولد البنت ولا يكون له عقب، وقد تلا الإمام الكاظم من ضمن استدلاله آية المباهلة: ثم قال:
- ولم يدّع أحد أنه أدخل النبيقالب:اختصار/ص معه عند المباهلة مع النصارى غير علي بن أبي طالبقالب:اختصار/ع وفاطمةقالب:اختصار/عليها والحسن والحسينقالب:اختصار/عليهما، فكان تأويل قوله: أبنائنا الحسن والحسين، ونسائنا فاطمة، وأنفسنا علي بن أبي طالب.[١٨]
احتجاج الإمام الرضا(ع)
نقل الشيخ المفيد في رواية، أنَّ المأمون العباسي طلب من الإمام الرضاقالب:اختصار/ع أن يذكر له أكبر فضيلة بحق الإمام عليقالب:اختصار/ع يدل عليها القرآن، فتلا عليه الإمام آية المباهلة،[١٩] فقال المأمون: أ ليس قد ذكر الله الأبناء والنساء بلفظ الجمع، بينما أخذ رسول اللهقالب:اختصار/ص معه ولديه وابنته فقط، فلم لا يكون الدعاء لنفسه بالحقيقة دون غيره، ففي هذه الحالة لا تكون للإمام عليقالب:اختصار/ع أي فضيلة، فأجابه الإمام الرضاقالب:اختصار/ع:
- ليس بصحيح ما ذكرت؛ وذلك أنَّ الداعي إنما يكون داعياً لغيره، ولا يصح أن يكون داعياً لنفسه في الحقيقة، وكما لا يكون آمراً لنفسه في الحقيقة، إذا لم يدع رسول اللهقالب:اختصار/ص رجبلا في المباهلة إلا الإمام عليقالب:اختصار/ع فقد ثبت أنَّه نفسه التي ذكرها الله تعالى في كتابه وجعل ذلك حكمه في القرآن.[٢٠]
التطبيقات الفقهية
قدم بعض الباحثين والمفسرين المعاصرين تطبيقات فقهية لآية المباهلة، منها:
- شرعية مشاركة المرأة في الشؤون السياسية والاجتماعية: وهذا الأمر مستفاد من كلمة «نِساءَنا» وتواجد فاطمة الزهراءقالب:اختصار/عليها في واقعة المباهلة.[٢١] وذكر السيد عبد الأعلى السبزواري فقيه ومفسر شيعي (ت 1414هـ)، لقد ذكر الله تعالى النساء مع أنَّ بناء القرآن على الكناية وحفظ حرمتهن، فإن استعمال كلمة النساء في آية المباهلة له أسباب، إحداها الإشارة إلى مشاركة المرأة في أمور الدين.[٢٢] وقال رشيد رضا إنَّ في آية المباهلة الحكم بمشاركة النساء مع الرجال في الصراع والنضال الديني، وهذا الحكم مبني على اعتبار المرأة كالرجل في الأمور العامة، إلا في مجموعة من المسائل كالحرب.[٢٣]
- شرعية المباهلة: استنتج مؤلف مقال «قراءة فقهية جديدة لآية المباهلة» ومن خلال آية المباهلة، شرعية المباهلة في الدين الإسلامي.[٢٤] ولإثبات ادعائه ذكر أمثلة على للتوصية بالمباهلة، أو تعليم كيفيتها من قبل المعصومين؛ مثال على ذلك عندما دعا برير بن خضير الهمداني من أصحاب الإمام الحسينقالب:اختصار/ع في يوم عاشوراء يزيد بن معقل من جيش عمر بن سعد للمباهلة،[٢٥] ولم يمنعه الإمام الحسينقالب:اختصار/ع من ذلك. [٢٦]
ورد في تفسير الأمثل، أنَّه على الرغم من أنَّ دعوة المباهلة في الآية مختصة بالرسولقالب:اختصار/ص، ولكن الدعوة إلى المباهلة أمر مشروع وحكم عام.[٢٧]
- شرعية الدفاع عن الإسلام، والتضحية من أجله بالأرواح والأموال: .[٢٨] وقال عبد الأعلى السبزواري في تفسير مواهب الرحمن، فإنَّ من الأمور التي يُمكن استفادتها من آية المباهلة أنَّ هدف كل إنسان ينبغي أن يكون من أجل تحقيق الحق ودعمه، وأن يكون حاضراً للتضحية بحياته وماله وعائلته في أجل هذا الطريق.[٢٩]
مواضيع ذات الصلة
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد ين صامل السلمي، الطائف، مكتبة الصديق، 1414هـ/ 1993م.
- البيضاوي، عبد الله بن عمر، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1418هـ.
- التستري، القاضي نور الله، إحقاق الحق و إزهاق الباطل، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، ط1، 1409هـ.
- الزمخشري، محمود، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، قم، نشر البلاغة، ط2، 1415هـ.
- السبزواري، عبد الأعلى، مواهب الرحمن في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة أهل البيت(ع)، ط2، 1409هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط2، 1390هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: هاشم رسولي وفضل الله اليزدي، طهران، ناصر خسرو، ط3، 1372ش.
- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، تحقیق: محمد أبوالفضل إبراهیم، بیروت، دار احیاء التراث العربی، ط2، 1387هـ.
- الغفوري، خالد، «خوانش فقهی جدید از آیه مباهله(۱)»، ترجمة: محمود رضا توکلی محمدی، کوثر معارف، العدد21، ربيع 1391ش.
- الغفوري، خالد، «خوانش فقهی جدید از آیه مباهله(۲)»، ترجمة: محمود رضا توکلی محمدی، کوثر معارف، العدد22، صيف 1391ش.
- الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ.
- المجلسي، محمد باقر، حق اليقين، طهران، انتشارات اسلامية، د.ت.
- المظفر، محمد حسين، دلائل الصدق لنهج الحق، قم، موسسة آل البيت(ع)، ط 1، 1422 هـ.
- المفيد، محمد بن محمد، الفصول المختارة، تحقيق: السيد مير علي شريفي، دار المفيد، ط2، 1414هـ.
- رشيد رضا، محمد، تفسير المنار، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1990م.
- مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، قم، مدرسة الإمام عليقالب:عليه السلام، ط1، 1426هـ.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، 1372هـ ش، ج2، ص764؛ المظفر، دلائل الصدق، 1422هـ، ج4، ص403-404.
- ↑ البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 1418هـ، ج2، ص21.
- ↑ الزمخشري، الكشاف، 1415هـ، ج1، ص370.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، 1372ش، ج2، ص746.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج2، ص578.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج2، ص310؛ ابن سعد الطبقات الكبرى، ج5، ص392.
- ↑ التستري، إحقاق الحق، 1409، ج3، ص46.
- ↑ المجلسي، حق اليقين، ج1، ص67.
- ↑ التستري، إحقاق الحق، 1409، ج3، ص46 ـ 72.
- ↑ الزمخشري، الكشاف، ج1، ص370.
- ↑ الفخر الرازي، التفسير الكبير، 1420هـ، ج8، ص 247.
- ↑ البيضاوي، أنوار التنزيل وأسرار التأويل، 1418هـ، ج2، ص21.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج2، ص763؛ الطباطبائي، الميزان، ج3، ص223؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج2، ص 530.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج2، ص 530 ـ 531.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج3، ص223.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج3، ص224.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج3، ص232.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج3، ص229 ـ 230.
- ↑ المفيد، الفصول المختارة، 1414، ص38.
- ↑ المفيد، الفصول المختارة، 1414، ص38.
- ↑ الفغوري، «خوانش فقهی جدید از آیه مباهله(۲)»، ص48 ـ 49.
- ↑ السبزواري، مواهب الرحمن، ج6، ص18 ـ 19.
- ↑ رشيد رضا، تفسير المنار، ج3، ص266.
- ↑ الفغوري، «خوانش فقهی جدید از آیه مباهله(1)»، ص73.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج5، ص432.
- ↑ الفغوري، «خوانش فقهی جدید از آیه مباهله(1)»، ص76 ـ 79.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج2، ص532 ـ 533.
- ↑ الفغوري، «خوانش فقهی جدید از آیه مباهله(۲)»، ص52.
- ↑ السبزواري، مواهب الرحمن، ج6، ص8.