أهل البيت
أهل البيت عليهم السلام، هم أسرة النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم الذين ذُكروا في آية التطهير وآية المودة وهم: الإمام علي قالب:عليه السلام ، والسيدة فاطمة الزهراء قالب:عليها السلام والإمام الحسن قالب:عليه السلام والإمام الحسين قالب:عليه السلام والأئمة المعصومين من أولاده.
ويرى الشيعة أن لأهل البيت قالب:عليهم السلام مقاماً خاصاً وأنّهم معصومون ومفضّلون على جميع الصحابة وأنّ الله تعالى أوجب على المسلمين مودتهم وأنّهم القادة الشرعيون لهذه الأمّة وعلى المسلمين الرجوع إليهم في كافة القضايا الدينية والاستفادة من علومهم كمرجع شرعي للمسلمين.
أهل البيت في اللغة
يتضح من كلام اللغويين أنّ كلمة «أهل» تدل على نوع من العلاقة بين إنسان وآخر، أو إنسان وشيء آخر، فزوجة الرجل أهله، كما أن أقرب الناس إليه هم أهله، وأمّة كل نبيٍّ أهله. والذين يسكنون في بيت أو مدينة أو قرية هم أهل ذلك البيت وتلك المدينة والقرية. وأتباع كل دينٍ ومذهب هم أهل ذلك الدين والمذهب. ذووا علمٍ أو فنٍ هم أهل ذلك العلم والفن.[١]
بناءً على هذا فأهل الرجل في الأصل: من يجمعه و إياهم مسكن واحد، ولها في عُرف المسلمين معنىً خاص سيأتي توضيحه لاحقاً.[٢]
وكلمة «آل»: مقلوب من الأهل أٌبدلت الهاء همزة ثمّ ألفاً.[٣] وهي أقل استعمالاً من كلمة «الأهل»، لأن الأهل يضاف الى الكل دون «الآل» فانها لاتُضاف الى الزمان والمكان والحرفة وما شابهها وتختص بالإنسان وكذلك بالنسبة للإنسان لاتُطلق إلا على من لهم مقام خاص سلبياً كان أو إيجابياً: كآل ابراهيم، آل عمران، آل فرعون.[٤]
أهل البيت في القرآن
استُخدمت كلمة أهل البيتقالب:عليهم السلام في القرآن في ثلاث آيات:
- في الآية 73 من سورة هود والتي تدور حول النبي إبراهيمقالب:عليه السلام وزوجتهقالب:قرآن.
- في الآية 12 من سورة القصص والتي تتعلق بأهل موسىقالب:عليه السلام قالب:قرآن.
- في الآية 33 من سورة الأحزاب والتي اشتهرت بآية التطهير والتي خاطب بها الله تعالى نبيّه وأهل بيته بقوله:قالب:قرآن.
وقد اختلفت كلمة الباحثين في المراد من أهل البيتقالب:عليهم السلام في هذه الآية فأجمعت الشيعة والكثير من أهل السنّة على أنّ المقصود منها هم أصحاب الكساء؛ وهم: النبيصلى الله عليه وآله وسلم ، وعليقالب:عليه السلام ، وفاطمة الزهراءقالب:عليها السلام والحسن والحسينقالب:عليهما السلام .
أهل البيت في الروايات
في الأحاديث النبوية
لكلمة أهل البيت أربعة استعمالات مختلفة في الأحاديث النبوية يمكن تصنيفها بالنحو التالي: أعم – عام – خاص وأخصّ.
- الاستعمال الأعم، استعملت المفردة بمعى أعم يشمل حتى الذين لاتربطهم بالنبيصلى الله عليه وآله وسلم علاقة نسبية كانت أوسببية. وهم المسلمون الصادقون الذين ثبتوا على اتّباع النبيصلى الله عليه وآله وسلم وإطاعته. ومنها اطلاقها في كلام النبيصلى الله عليه وآله وسلم على الصحابي الجليل سلمان الفارسي[٥] وأبي ذر الغفاري[٦] حيث أدرجا تحت مفردة أهل البيت. وفي بعض الروايات أُطلقت على آخرين كأُسامة بن زيد[٧] وواثلة بن الأسقع.[٨]
- الاستعمال العام: حيث استعملت المفردة وأريد بها أهل بيت النبيصلى الله عليه وآله وسلم ممن تحرم عليهم الصدقة الواجبة (الزكاة)[٩] وفي حديث آخر اطلقت المفردة على خصوص عمّ النبي العباس وأبنائه.[١٠]
- الإستعمال الخاص والذي يتعلق بزوجات النبيصلى الله عليه وآله وسلم ولاشك في ذلك طبقا للمعنى اللغوي والعرفي، والمقصود من البيت هنا بيت السُكنى ومحل السكن لابيت النسب أو النبوّة.
- أما الإستعمال الأخص لعبارة أهل البيت فقد أريد به مجموعة خاصة من أقارب النبيصلى الله عليه وآله وسلم من ذوي العصمة الذين ذٌكروا في الروايات المتعلقة بـ آية التطهير والمباهلة وهم أصحاب الكساء(علي، فاطمة، حسن وحسينقالب:عليهم السلام )[١١] وفي أحاديث كثيرة أخرى كـحديث الثقلين والسفينة وأمثالهما الدالة على وجود أهل البيت في كل زمان، ويضاف إلى أصحاب الكساء الأئمة المعصومون من ذريّة الإمام الحسين (ع).
في أحاديث الأئمة
استخدمت عبارة أهل البيت في أحاديث أئمة أهل البيتقالب:عليهم السلام في معانٍ ثلاث:
- الإستعمال العام ويشمل المؤمنين الصادقين وهذا ما اشار اليه الإمام الصادققالب:عليه السلام بقوله: «من قام بشرائط القرآن وكان متبعا لآل محمدقالب:عليهم السلام فهو من آل محمد على التولي لهم و إن بعدت نسبته من نسبة محمدصلى الله عليه وآله وسلم» [١٢] مستشهداً على ذلك بقوله تعالى: «ومن يتولهم منكم فإنَه منهم»،[١٣] وبقوله تعالى: «فمن تبعني فإنه مني».[١٤]
- الإستعمال الخاص، ويختص بقرابة النبيصلى الله عليه وآله وسلم . وقد أشار الى هذا المعنى أمير المؤمنينقالب:عليه السلام : «وكان رسُولُ اللَّهصلى الله عليه وآله وسلم إِذَا احْمَرَّ البأْسُ وأَحْجَمَ النَّاسُ قدَّمَ أَهلَ بيتهِ فوقَى بهم أَصحابهُ حرَّ السيوف والأَسِنَّةِ فقتلَ عبيدَةُ بنُ الحارث يوم بدر وقتل حمزَةُ يومَ أُحدٍ وقتل جعفرٌ يوم مُؤْتَة».[١٥]
- وأما الإستعمال الأخص فيختص بقرابة النبيصلى الله عليه وآله وسلم من ذوي المقام والمنزلة الخاصة الذين يعد قولهم وفعلهم ملاكاً للحق والحقيقة. وهم المشار اليهم في نهج البلاغة بالقول: كما قال أميرالمؤمنينقالب:عليه السلام : «انْظُرُوا أَهْلَ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ فَالْزَمُوا سَمْتَهُمْ وَ اتَّبِعُوا أَثَرَهُمْ فَلَنْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ هُدًى وَ لَنْ يُعِيدُوكُمْ فِي رَدًى فَإِنْ لَبَدُوا فَالْبُدُوا وَ إِنْ نَهَضُوا فَانْهَضُوا وَ لَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَضِلُّوا وَ لَا تَتَأَخَّرُوا عَنْهُمْ فَتَهْلِكُوا»[١٦] وهذا ما أكده الإمام الحسن المجتبىقالب:عليه السلام مخاطباً أهل العراق:«يا أهل العراق اتقوا اللّه فينا، فإنا أمراؤكم وضيفانكم، ونحن أهل البيت الذي قال اللّه تعالى: إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِير».[١٧][١٨] وغير ذلك من الروايات.
والمعنى الثاني من المعنيين الأخيرين هو الأكثر رواجاً واستعمالا في كتب الشيعة فكلّما استُعملت مفردة أهل البيت بدون قرينة كان المراد منها المعنى الأخص دون غيره.
عصمة أهل البيت
تعد العصمة من أبرز خصائص أهل البيت بالمعنى الأخص. وهذا هو المستفاد من آية التطهير حيث أراد الله تعالى تطهيرهم من كل رجس، وقد اختصوا بهذه الفضيلة لموقع أداة الحصر الواردة في الآية المباركة «إنّما» والروايات الكثيرة التي حصرت شأن نزول الآية بهم عليهم السلام مما يدل على انفرادهم بهذه الخصوصية.
ويدل على ذلك أيضا حديث الثقلين الذي يعد من الأحاديث المتواترة التي لايشكّ في سندها ذو مسكة.[١٩] حيث دلّ على عصمة أهل بيت النبيصلى الله عليه وآله وسلم بالمعنى الأخص، لاقترانهم كثقل أصغر بالقرآن الكريم «الثقل الأكبر» الذي: «لايأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه»،(فصلت: 42) ومن هنا جعل النبي الاكرمصلى الله عليه وآله وسلم التمسّك بالثقلين أماناً من الانحراف والضلال.
ومن هنا نرى بعض علماء السّنة يؤمنون بالعصمة الأخلاقية والعملية لأهل البيتقالب:عليهم السلام وهم السيدة الزهراءقالب:عليها السلام والأئمة الأثنا عشر للشيعةقالب:عليهم السلام ، ولا يشكّ في ذلك إلا من كان جاهلا أو معانداً، نعم وقع الاختلاف في العصمة العلمية خاصة.[٢٠] إلا ان حديث الثقلين الذي إعتبر التمسّك بأهل البيت في مجال الدين مانعاً من الضلالة، يثبت وبوضوح تام العصمة العلمية لهم عليهم السلام أيضاً.
أفضلية أهل البيت
في حديث الثقلين
تتضح أفضلية أهل بيت النبيصلى الله عليه وآله وسلم على الآخرين من حديث الثقلين بشكلٍ واضحٍ، وذلك من حيث اقترانهم– في كلام النبي- بالقرآن واعتبار القرآن الثقل الأكبر وهمقالب:عليهم السلام الثقل الأصغر، وهذه الخاصية لم يشاركهم فيها غيرهم من المسلمين مهما كانت منزلته، ولما كان القرآن الكريم هو الكتاب السماوي المقدس الذي لايدانيه كتاب ولايشاركه في الفضل غيره كان المقارن له والمعادل له كذلك في الفضل والمنزلة.
وقد أكد هذا المعنى سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد: «ومثل هذا – أي حديث الثقلين- يشعر بفضلهم على العالم وغيره لاتصافهم بالعلم والتقوى مع شرف النسب ألا يرى أنهصلى الله عليه وآله وسلم قرنهم بكتاب الله في كون التمسك بهما منقذا من الضلالة ولا معنى للتمسك بالكتاب إلا الأخذ بما فيه من العلم والهداية فكذا في العترة، ولهذا قال النبيصلى الله عليه وآله وسلم : من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.[٢١]
في آية المباهلة
إنّ آية المباهلة هي الأخرى تدلّ على أفضلية أصحاب الكساء على الصحابة الآخرين لأنّ النبيصلى الله عليه وآله وسلم اختار - وبأمر من الله تعالى- من الرجال علياقالب:عليه السلام ومن النساء الزهراءقالب:عليها السلام ومن الأبناء الحسن والحسينقالب:عليهما السلام لمباهلة نصارى نجران.
وممّا لاشكّ فيه أنّ من يُنتخب للمباهلة يجب أن يكون ذا مقامٍ عالٍ ومنزلة سامية من حيث الإيمان والقرب الإلهي، ولما كان النبيصلى الله عليه وآله وسلم على رأس المباهلين كان عليه أن يصطحب معه من يكون بمقامه أو أقرب الناس إليه إيمانا وورعاً، ولو كان في المسلمين من هو أفضل منهمقالب:عليهم السلام منزلة لأختاره النبيصلى الله عليه وآله وسلم وذلك لمقتضى العدل والانصاف والحكمة في فعل النبيصلى الله عليه وآله وسلم .[٢٢]
وعن أبي رياح مولى أم سلمة رفعه الى النبيصلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: لو علم الله تعالى أن في الأرض عبادا أكرم من علي وفاطمة والحسن والحسينقالب:عليهم السلام لأمرني أن أباهل بهم، ولكن أمرني بالمباهلة مع هؤلاء، وهم أفضل الخلق، فغلبت بهم اليهود والنصارى.[٢٣]
في الآيات والروايات الأخرى
يستفاد من الآيات والروايات الأخرى كآية المودة (الشورى :23)، وحديث السفينة، وحديث باب حطة، وحديث النجوم وأمثالها أفضلية أهل البيتقالب:عليهم السلام .
المرجعية العلمية لأهل البيت
في حديث الثقلين
إنّ حديث الثقلين يُبين وبوضوح تام المرجعية العلمية لأهل البيت، لأن النبيصلى الله عليه وآله وسلم طلب من المسلمين التمسُك بالقرآن والعترة فيما اذا ارادوا السلامة من الضلال والانحراف.
ولمّا كان القرآن الكريم هو المصدر الأول والأساسي والمرجع العلمي للمسلمين تتلوه سُنة النبيصلى الله عليه وآله وسلم وكان أهل البيت ترجمان القرآن وحفظة سنّة النبي وناقليها، وكان النبيصلى الله عليه وآله وسلم قد بيّن ووضّح الكثيرمن الحقائق والمعارف القرآنية التي سمحت له الظروف ببيانها، من هنا أوكل مهمة بيان ما بقي من الاحكام والمفاهيم والتي اقتضت المصلحة بتأجيلها الى عترته المعصومة من الأئمة الطاهرينقالب:عليهم السلام .[٢٤] والمتحصل من حركة النبي الاكرمصلى الله عليه وآله وسلم أنه: أوكل إلى أهل البيت الحفاظ على سنتهصلى الله عليه وآله وسلم بشكلٍ كاملٍ وتبيين ما لم يُبيّن من قِبل النبيصلى الله عليه وآله وسلم . فالتمسُك بأهل بيت النبيصلى الله عليه وآله وسلم هو الطريق الصحيح لمعرفة القرآن وسُنة النبيصلى الله عليه وآله وسلم ولهذا فهم المرجع العلمي للمسلمين في معرفة أحكام الدين ومعارفه.
يقول الشيخ علي القاري وهو من علماء السنّة : «الأظهر هو أن أهل البيت غالبا يكونون أعرف بصاحب البيت وأحواله فالمراد بهم أهل العلم منهم المطلعون على سيرته الواقفون على طريقته العارفون بحكمه وحكمته وبهذا يصلح أن يكونوا مقابلا لكتاب الله سبحانه كما قال ويعلمهم الكتاب والحكمة البقرة».[٢٥]
وقال ابن حجر: سمّى رسول الله القرآن وعترته ثقلين لأن الثقل كل نفيس خطير مصون وهذان كذلك إذ كل منهما معدن العلوم الدينة والأسرار والحكم العلية والأحكام الشرعية، ولذا حث على الاقتداء والتمسك بهم والتعلم منهم، وقال: الحمد لله الذي جعل فينا الحكمة أهل البيت.
وقيل سميا ثقلين لثقل وجوب رعاية حقوقهما. ثم الذين وقع الحث عليهم منهم إنما هم العارفون بكتاب الله وسنّة رسوله إذ هم الذين لا يفارقون الكتاب إلى الحوض.
وتميزوا بذلك عن بقية العلماء لأن الله أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وشرفهم بالكرامات الباهرة والمزايا المتكاثرة.[٢٦]
في آية التطهير
لقد عرّف القرآن الكريم أهل بيت النبيصلى الله عليه وآله وسلم في آية التطهير [٢٧] بأنهم الأشخاص الذين طهرّهم من كل رجس، وذكر في موضع آخر أنّه لايدرك حقائقه المتعالية ومعارفه المكنونة إلا المطهّرون كما في قوله تعالى «لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُون»[٢٨] فالآية المباركة مسوقة لتعظيم أمر القرآن وتجليله فمسّه هو العلم به. والمطهرون هم الذين طهر الله تعالى نفوسهم من أرجاس المعاصي وقذارات الذنوب أو مما هو أعظم من ذلك وأدق وهو تطهير قلوبهم من التعلق بغيره تعالى، وهذا المعنى من التطهير هو المناسب للمس الذي هو العلم دون الطهارة من الخبث أو الحدث كما هو ظاهر.[٢٩] وهذا مايلازم العصمة. بناءً على هذا فلا يعرف حقائق القرآن ومعارفه بشكلٍ كاملٍ وعميق إلا النبيصلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام فعلينا الرجوع إليهم لإدراك هذه الحقائق.
روي عن الإمام الصادققالب:عليه السلام أنّه قال: «كتابُ اللَّه فيه نَبَأُ ما قبلكمْ وخبرُ ما بعدكمْ وفَصلُ ما بينكمْ ونحنُ نعلَمُه». [٣٠] وعنه (ع): «نحنُ الرَّاسخونَ في العلمِ ونحنُ نعلمُ تأْويلَهُ»[٣١] وغيرها من الأحاديث الكثيرة التي رويت عن أئمة أهل البيتقالب:عليهم السلام في هذا المجال.
وجوب إتباع أهل البيت
في حديث الثقلين
يستفاد من حديث الثقلين وجوب إتباع أهل البيت؛ وذلك لأنّ الحديث حصر نجاة الأمة بالتمسك بالثقلين وإن هداها منوطُ بالتمسّك بكتاب الله وأهل بيت النبيصلى الله عليه وآله وسلم ، وليس التمسُّك بالقرآن الا التعلُّق به ومعرفة أوامره ونواهيه والعمل وفقا لما قرره، وكذلك التمسّك بأهل البيت يعني معرفة أوامرهم أولاً ثم العمل بها والاجتناب عما نهوا عنه.
في آية أولوا الأمر
لقد أوجب الله تعالى في هذه الآية إطاعته جل شأنه وإطاعة رسوله وأولي الأمر[٣٢] وبما أن الآية المباركة عطفت «أولي الأمر» على «الرسول» من دون تكرار الفعل «أطيعوا» عُلِم أنّ المعيار والملاك في وجوب إطاعة «أولي الأمر» هو عينه في وجوب إطاعة «الرسول». وقد اختلفت كلمة المفسرين في مصداق أولو الأمر الا أن التفسير السليم من جميع الاعتراضات وهو تفسير أولي الأمر بالأئمّة المعصومين عليهم السّلام لموافقة هذا التّفسير لإطلاق وجوب الإطاعة المستفاد من الآية المبحوثة هنا، لأن مقام «العصمة» يحفظ الإمام من كلّ معصية و يصونه عن كل خطأ، و بهذا الطريق يكون أمره- مثل أمر الرّسول- واجب الإطاعة من دون قيد أو شرط، وينبغي أن يوضع في مستوى إطاعتهصلى الله عليه وآله وسلم ، بل وإلى درجة أنها تعطف على إطاعة الرّسول من دون تكرار «أطيعوا». يضاف الى ذلك أن آية التطهير والروايات المتعلقة بها حددت بما لاريب فيه مصاديق أولي الأمر المعصومين وهم أصحاب الكساء كما أسلفنا، فإطاعة أهل بيت النبيصلى الله عليه وآله وسلم المعصومين واجبةٌ، وهم الذين يقع على كاهلهم أمر هداية الأمة الإسلامية وقيادتها.
في حديث السفينة
إنّ حديث سفينة نوح هو الآخر يدلّ على وجوب طاعة أهل البيتقالب:عليهم السلام ؛ إنطلاقا من التشبيه بينهم وبين سفينة نوح التي من ركبها نجا من الطوفان ومن تخلّف عنها غرق وهوى.
وقد أشار الى هذه الحقيقة ابن حجر المكي : «ووجه تشبيههم بالسفينة فيما مر أن من أحبهم وعظمهم شكرا لنعمة مشرفهم وأخذ بهدي علمائهم نجا من ظلمة المخالفات ومن تخلف عن ذلك غرق في بحر كفر النعم وهلك في مفاوز الطغيان».[٣٣] وقال في معرض كلامه عن سند حديث السفينة: «جاء من طرق عديدة يقوي بعضها بعضاً».[٣٤]
مودّة أهل البيت ومحبتهم
لايشك باحث منصف في وجوب محبّة أهل بيت النبيصلى الله عليه وآله وسلم وهي الحقيقة التي اقرتها آية الموّدة «قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى» (الشورى / 23) وان مودتهم عليهم السلام أجر لرسالته عليه أفضل الصلاة والسلام. والمقصود من القربى في هذه الآية هم نفس الأشخاص الذين نزلت فيهم آية التطهير.
يقول إبن حجر المكي: وعلم من الأحاديث السابقة – حيث ذكر مجموعة من الاحاديث- وجوب محبة أهل البيتقالب:عليهم السلام وتحريم بغضهم التحريم الغليظ وبلزوم محبتهم صرح البيهقي والبغوي وغيرهما أنها من فرائض الدين بل نص عليه الشافعي فيما حكي عنه من قوله:
يا أهل بيت رسول الله حبكم ... فرض من الله في القرآن أنزله.[٣٥]
وقد استدل فخر الدين الرازي على وجوب محبة أهل البيتقالب:عليهم السلام بقوله: «وثبت بالنقل المتواتر عن رسول اللّهصلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يحب عليا والحسن والحسين، وإذا ثبت ذلك وجب على كل الأمّة مثله لقوله وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ» (الأعراف: 158) و لقوله تعالى: «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ» (النور: 63) و لقوله «قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ» (آل عمران: 31) ولقوله سبحانه «لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» (الأحزاب: 21).[٣٦]
يتضح من الآيات المتعلقة بأجر رسالة النبيصلى الله عليه وآله وسلم أنّ النبي لم يطلب من المسلمين أي أجرٍ مادّي أوغيره يعود إليه، وإذا طلب مودّة أهل بيته فذلك يعودُ إليهم كما اشارت الى تلك الحقيقة الآية المباركة: «قُل ما سألتُكم من أجرٍ فهو لكم إن أجري إلّا على الله».(سبأ -47)
ولاية أهل البيت وقيادتهم
هناك الكثير من الأدلّة العقلية والنقلية الدالة على ولاية أهل البيت (ع) وقيادتهم. فمن حيث العقل وبالنظر الى فلسفة الإمامة، تعدّ العصمة من أهمّ شروط الإمامة. وآياتُ القرآن تُثبت ذلك (انظر آية أولي الأمر وآية الصادقين).
هذا من جانب ومن جانب أخر تعدّ العصمة ُ من خصائص أهل البيت فالإمامة وقيادة الأمة الإسلامية بعد النبيصلى الله عليه وآله وسلم هي من خصائصهم. بالإضافة إلى ما أسلفناه سابقاً من أنّ إطاعة أهل البيت واجبة ٌ وأدلّة وجوب إتّباعهم مطلقة تشمل كلّ ما يتعلق بحياة المسلمين بلا فرق في ذلك بين المسائل العبادية والإقتصادية والسياسية والثقافية. فعلى سبيل المثال جاء في آية أولي الأمر إنّ إطاعتهم هي عين طاعة النبيصلى الله عليه وآله وسلم لما لهم من العصمة والمنزلة السامية التي استحقوا من خلالها تلك الخصوصية.
كذلك يتّضح من الابحاث المتعلقة بمودتهمقالب:عليهم السلام أن المودة طريق ومقدمة للوصول الى الهدف الاصلي من وراء ذلك المتمثل بالاهتداء الى الطريق القويم والصراط المستقيم والفوز بالسعادة الدنيوية والفلاح الأخروي، الشامل لجميع مجالات الحياة الفردية والإجتماعية والعبادية والسياسية.
تجدر الإشارة إلى أنّ الكثير ممن نقلوا حديث الثقلين، قرنوا ذلك بالتمسُك بأهل البيتقالب:عليهم السلام وبولاية أمير المؤمنينقالب:عليه السلام .
وبعبارةٍ أخرى نلاحظ أنّ النبيصلى الله عليه وآله وسلم تحدّث عن العترة وأهل البيت في واقعة الغدير وأوصى المسلمين بإتباعهم وعيّن أمير المؤمنينقالب:عليه السلام ولياً وقائداً للأمة الإسلامية من بعده[٣٧] وأراد بذلكصلى الله عليه وآله وسلم أن يُبيّن أنّ ولاية أميرالمؤمنينقالب:عليه السلام وقيادتهقالب:عليه السلام هي الخطوة الأولى في تحقُّق مفاد حديث الثقلين.[٣٨]
وهناك نكتةٌ أخرى اشارت اليها بعض النقول التي عبرت عن القرآن وأهل البيت «بالخليفتين»: إنّي تركت فيكم خليفتين، كتاب الله وأهل بيتي[٣٩] مما يدل على أن أهل البيت– وفقا لهذه النقول- هم خلفاء النبيصلى الله عليه وآله وسلم وأن خلافتهم شاملة لجميع مناحي الحياة.
وفي حديثٍ آخر وبعد أن عرّف النبيصلى الله عليه وآله وسلم القرآن والعترة بأنّهما الثقلان العظيمان للأمة الإسلامية، أكد على حقيقة عدم خلو الأرض من أهل البيتقالب:عليهم السلام ولو خلت لانساخت بأهلها «ثمّ قال: اللهم إنك لا تخلي الارض من حجّة على خلقك لئلا تبطل حجتك، ولا تضل أولياءك بعد إذ هديتهم، أولئك الاقلون عدداً والاعظمون قدرا عند الله عزّوجل)»[٤٠] فأهل البيت هم حُجج الله في الأرض والإمامة والقيادة لهم عليهم السلام.
والشاهد الآخر على إمامة أهل البيتقالب:عليهم السلام من حديث الثقلين، احتجاج أمير المؤمنينقالب:عليه السلام به في يوم الشورى[٤١] وكذلك إحتجاجهقالب:عليه السلام مع طلحة، وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقّاص[٤٢] وكذلك إحتجاجه به في زمن خلافة عثمان وفي مسجد النبيصلى الله عليه وآله وسلم أمام جمعٍ من الصحابة.[٤٣]
روى أحمد بن حنبل عن أبي هريرة قال: نظر النبيصلى الله عليه وآله وسلم إلى علي والحسن والحسين وفاطمةقالب:عليهم السلام فقال: أنا حرب لمن حاربكم وسلم لمن سالمكم.[٤٤] وهذه هي الاخرى يستفاد منها وجوب طاعتهم عليهم السلام.
المصادر والمراجع
- إبراهيم مصطفى وآخرون، المعجم الوسيط، اسطنبول، المكتبة الاسلامية، د.ت.
- ابن حجر الهيثمي، أحمد بن محمد، الصواعق المحرقة، بيروت، المكتبة العصرية، 1425 هـ.
- ابن حنبل، أحمد بن محمد، المسند، القاهرة، دارالحديث، 1416 هـ.
- ابن كثير، إسماعيل، تفسير ابن كثير، بيروت، دار الاندلس، 1416 هـ.
- ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر، 2000 م.
- أبو حنيفة المغربي، نعمان بن محمد، دعائم الإسلام، القاهرة، دار المعارف.
- التفتازاني، مسعود بن عمر، شرح المقاصد، باكستان، دار المعارف العثمانية.
- الحاكم الحسكاني، عبد الله بن عبد الله، شواهد التنزيل، تحقيق: محمد باقر المحمودي، بيروت، مؤسسة الاعلمي، 1393 هـ.
- الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، بيروت، دار الكتب العلمية، 1978 م
- الشرتوني، سعيد الخوري، أقرب الموارد، قم، مكتبة المرعشي، 1403 هـ.
- الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، ضبط وتعليق: محمود شاكر، بيروت، داراحياء التراث العربي، 1421 هـ.
- الطحاوي، أحمد بن محمد، مشكل الآثار، بيروت، دار صادر.
- الفاضل المقداد، مقداد بن عبد الله، اللوامع الإلهية، قم، مكتبة المرعشي، 1405 هـ.
- الفيومي، أحمد بن محمد، المصباح المنير، القاهرة، د.ت.
- الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، طهران، المكتبة الاسلامية، 1388 هـ.
- الكنجي الشافعي، محمد بن يوسف، كفاية الطالب، طهران، داراحياء تراث اهل البيت (عليهم السلام).
- المتقي الهندي، علي بن حسام الدين، كنز العمال، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1405 هـ.
- المظفر، محمد حسن، دلائل الصدق، طهران، مكتبة الذجاج.
- المناوي، محمد عبد الرؤوف، فيض القدير في شرح الجامع الصغير، بيروت، دارالفكر، 1416 هـ.
- النيشابوري، مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي، بيروت، دار إحياء التراث الإسلامي.
- الهيثمي، علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد، بيروت، دار الكتاب العربي.
- كاشف الغطاء، محمد حسين، أصل الشيعة وأصولها، القاهرة، المطبعة العربية، 1377 ش.
- ↑ معجم المقاييس في اللغة، ج 1، ص 93 ; المصباح المنير، ج 1، ص 37 ; لسان العرب، ج 1، ص 186 ; أقرب الموارد، ج 1، ص 23 ; المفردات في غريب القرآن، ص 29 ; المعجم الوسيط، ج 1، ص 31.
- ↑ المفردات في غريب القرآن، ص 29.
- ↑ لسان العرب، ج 1، ص 186.
- ↑ المفردات، ص 30.
- ↑ مناقب ابن شهرآشوب، ج 1، ص 85 ; الصواعق المحرقة، ص 281.
- ↑ مكارم الاخلاق، ص 459.
- ↑ الصواعق المحرقة، ص 281.
- ↑ تفسير الطبري، ج 22، ص 12.
- ↑ صحيح مسلم، ج4، ص1873، باب فضائل علي بن ابي طالب، حديث7.
- ↑ الصواعق، ص 281.
- ↑ مشكل الآثار، ج 1، ص 332ـ 339 ; الصواعق المحرقة، ص 281.
- ↑ دعائم الإسلام ج 1، ص 62.
- ↑ المائدة: 51.
- ↑ إبراهيم: 36.
- ↑ نهج البلاغة، الرسالة 9.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة 143.
- ↑ الأحزاب: 33.
- ↑ تفسير ابن كثير، ج 5، ص 458.
- ↑ نفحات الأزهار في خلاصة عبقات الأنوار، الجلد الأوّل.
- ↑ النبراس، ص 532، حاشية بحرالعلوم.
- ↑ شرح المقاصد، ج 5، ص 301ـ 303.
- ↑ نهج الحق وكشف الصدق، ص 179 و 215 216 ; اللوامع الإلهية، ص 515; دلائل الصدق، ج 2، ص 132ـ 133.
- ↑ ينابيع المودة، ص 287.
- ↑ أصل الشيعة وأصولها، ص 162.
- ↑ المرقاة، ج 5، ص 600.
- ↑ الصواعق المحرقة، ص 189.
- ↑ الأحزاب: 33
- ↑ الواقعة: 77 ـ 79.
- ↑ الميزان في تفسير القرآن، ج 19، ص 137.
- ↑ أصول الكافي، ج1، باب الرد إلى الكتاب والسنّة، حديث 9.
- ↑ أصول الكافي، ج 1، باب الراسخين في العلم، حديث 1.
- ↑ النساء: 59.
- ↑ الصواعق المحرقة، ص 191.
- ↑ الصواعق المحرقة، ص 191.
- ↑ الصواعق المحرقة، ص 217.
- ↑ التفسير الكبير، ج 27، ص 166.
- ↑ قُلْ ما سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَي اللَّهِ وَ هُوَ عَلي كُلِّ شَيْءٍ شَهيدٌ.
- ↑ ينابيع المودة، ص 36ـ 40.
- ↑ المسند، ج 5، ص181; مجمع الزوائد، ج 9، ص 163; فيض القدير، ج 3، ص 14; كنزالعمال، ج 1، ص 166; نفحات الأزهار، ج 2، ص 284ـ 285.
- ↑ ينابيع المودّة، ص27.
- ↑ مناقب ابن مغازلي، ص112.
- ↑ ينابيع المودة، ص 43.
- ↑ ينابيع المودة، ص 137.
- ↑ احمد ابن حنبل، فضائل الصحابة، ج 2، تحقيق: وصي الله بن محمد عباس، مكة: جامعة ام القرى، 1403 ق/1983 م، ص 767.