أصول الدين
أصول الدين، هي مجموعة الاعتقادات الأساسية للدين الاسلامي والتي يجب على كل مسلم الاعتقاد بها، وإلا فلا يعدّ مسلماً، وهي: التوحيد، والنبوة، والمعاد، ويُقابلها فروع الدين وهي الأحكام العملية.
يدين جميع المذاهب الإسلامية بالأصول الثلاثة، غير أن هناك أصول خاصة بکل مذهب، فـأصول المذهب الشيعي تشمل العدل والإمامة، بمعنى أن الجهل بهما لا يخرج صاحبهما من الإسلام، بل من دائرة التشيّع.
ثم إن المشهور بين الفقهاء أنّ التقليد لا يجوز في أصول الدين، بخلاف فروع الدين، وعليه فيجب على كل مكلف أن يفكّر ويتأمل في أصول الدين وأن يؤمن بها عن معرفة يقينية لا ظنّية.
معنى أصول الدين
لمصطلح " أصول الدين " معنيان:
- الأول: أنه يشمُل كل الاعتقادات الاسلامية المقابلة لفروع الدين. وفي هذا المعنى يشتمل أصول الدين على كل المسائل العقائدية التي يجب علينا تعقلها والتفكّر والاعتقاد بها.
- الثاني: أنها مختصة بأثنين أو ثلاثة أو خمسة أصول عقائدية، وهي: التوحيد، النبوة،[١] أو بإضافة المعاد على قول،[٢] بوصفها أصول الدين الأساسية، واثنان منها وهما العدل والإمامة بوصفهما أصول المذهب (مذهب الشيعة الإمامية)، بيد أنّه في بعض الموارد تسمّى جميعها أصول الدين.
وجه التسمية
ينطلق سبب هذه التسمية من أنّ المسائل العقائدية يبتني عليها كل العلوم الدينية، كالحديث، والفقه والتفسير؛ وبعبارة أخرى، إنّ العلوم الدينية متوقفة على صدق النبيصلى الله عليه وآله وسلم، وصدق النبيصلى الله عليه وآله وسلم متوقف على معرفة هذه الأصول.[٣]
إضافة إلى هذا السبب يمكن الإشارة إلى هذه الحيثية وهي: أنّ أصول الدين نُظّمت للتمييز بين المذهب الشيعي والدين الإسلامي من جهة، وباقي الأديان والمذاهب الأخرى من جهة أخرى. فعند قبول التوحيد و النبوة والمعاد، يتّضح الحد الفاصل بين الإسلام والأديان الأخرى؛ وبأصل الإمامة، تخرج المذاهب الاسلامية الأخرى وبأصل العدل، يتّضح الفرق بين العدلية ومنهم الامامية وبين الأشاعرة.
المعاني الأخرى
في مقابل هذا المعنى المشهور، قد يطلق اصطلاح أصول الدين ويراد منه معنى أوسع مما ذكرنا. فقد تستعمل أصول الدين أحيانا ويراد منه علم الكلام. [٤] [٥]
اصطلاح أصول الدين في الكتاب والسنة
مفهوم أصول الدين من المصطلحات التي ابتكرها المتكلمون وعلماء العقائد وليس في القرآن أو في الأحاديث ما يشير إلى تقسيم المعارف الدينية إلى أصول وفروع .
نعم يوجد في الأحاديث ما يشير إلى أنّ الإسلام قائم على عدة دعائم؛ فقد جاء في الحديث عن عيسى بن السري قال: قلت لأبي عبد الله أخبرني بدعائم الإسلام التي لا يسع أحد التقصير عن معرفة شيء منها الذي من قصر عن معرفة شيء منها فسد دينه ولم يُقبل منه عمله ومن عرفها وعمل بها صلح دينه وقبل منه عمله ولم يضق به مما هو فيه لجهل شيء من الأمور جهله؟.
فقال: شهادة أن لا إله إلا الله والإيمان بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإقرار بما جاء به من عند الله وحقّ في الأموال الزكاة والولاية التي أمر الله عزّ وجل بها: ولاية آل محمد قالب:عليهم السلام. [٦]
وفي رواية أخرى عن الإمام الباقر أنّه قال: بني الإسلام على خمسة أشياء على الصلاة والزكاة والحج والصوم والولاية. قال الراوي: وأي شيء من ذلك أفضل؟ فقال : الولاية أفضل، لأنها مفتاحهن والوالي هو الدليل عليهن.[٧]
والأحاديث المروية عن الأئمة قالب:عليهم السلام تشير إلى أنّ بعض المعارف تتعلق بالدين الإسلامي بحيث يؤدي إنكارها إلى إنكار الدين، بيد أن البعض الآخر ليس كذلك.
يقين أم ظن
اتفقت كلمة الباحثين على وجوب الإيمان بأصول الدين، بيد أنه وقع الاختلاف في أن الإيمان بأصول الدين هل يجب أن يبتني على العلم اليقيني والجزمي أم يكفي في ذلك المعرفة الظنية؟ وعلى الفرض الأول، هل أن العلم اليقيني والجزمي لابد من الحصول عليه عن طريق الاستدلال والبرهنة أم يكفي التقليد أيضا؟ هناك أقوال مختلفة في الجواب عن هذه التساؤلات. و لكن اتفقت أكثر الآراء على أنّ الإيمان بأصول الدين لابد أن يبتني على المعرفة اليقينية ولايكفي فيها الإيمان الظني.
هذه النظرية تستند إلى آيات و روايات تذم اتباع الظن كآية «وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثرَهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنىِ مِنَ الحْقِّ شَيْئا»(يونس:36) و قوله تعالى: «وَإِن تُطِعْ أَكْثرَ مَن فيِ الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ».(الانعام:116) وقوله عزّ شأنه: «وَمَا لهَم بِذَالِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّون».(الجاثية:24) [٨]
في مقابل هذا الرأي، هناك عدّة محققين و باحثين يَرَوْن كفاية الظّن القوي في الإيمان بأصول الدين، ويقولون بأنّ الظّن المتاخم لليقين يؤدي إلى سكون النفس واطمئنانها ، وليس العلم المعتبر شرعا إلا ما يؤدي إلى هذا المقدار من الاطمئنان وسكون النفس.[٩]
وعليه، ما يلزم في الإيمان بأصول الدين، هو الاطمئنان، الذي يسمّى باليقين العرفي، وفي اليقين العرفي لا ينتفي احتمال المخالفة بالكامل، لكنه ، لضعفه لا يعتنى به، على خلاف اليقين المنطقي بالمعنى الأخص الذي ينتفي معه احتمال المخالفة بالكامل.
التقليد أم التحقيق في أصول الدين
ذهبت جملة من الفقهاء إلى القول بعدم جواز التقليد في أصول الدين. ولا بدّ أن تكون المعرفة في أصول الدين عن طريق التحقيق. وقد ادعي إجماع الفقهاء على هذا الرأي.[١٠]
ومن الوجوه التي أقامها الفقهاء على عدم جواز التقليد في أصول الدين هو أن المقلّد إما أن يكون عالما بأنّ مقلده على حق أو غير عالم بذلك ، وفي هذه الصورة يحتمل الخطأ وعليه يقبح تقليده، لأنه أيضا لا يأمن الجهل والخطأ؛ لكنه لو علم أنه على الحق ، لا يخرج عن حالتين ، إما أنّ هذا اليقين قد حصل له بالبداهه ، أو ثبت له بالدليل، والشقّ الأول باطل، وعلى الشق الثاني، إما أن يكون هذا الدليل غير تقليدي، أو قد حصل عن تقليد . وفي الحالة الأخيره يلزم تسلسل المقلدين الى ما لا نهاية اذ لا ينتهي عدد الأشخاص الذين يجب تقليدهم. وعليه ينحصر الطريق المعقول والوحيد فيما اذا علم المكلف بالدليل أنه على حق ، وليس هذا بتقليد في الواقع ، وعليه لايجوز التقليد في الاصول.[١١]
أصول الدين عند الإمامية
المشهور أن أصول الدين تشتمل على ثلاثة أصول، هي: التوحيد، النبوة، المعاد، يقول العلامة الترحيني: (شاع عند الإمامية أنّ الاعتقاد بالتوحيد والنبوة والمعاد هو أصل الدين، والإمامة أصل من أصول المذهب لا الدين، والذي يقتضيه النظر أن أصول الدين أمران: التوحيد والنبوة الخاصة فقط، ويدل عليه – بالإضافة إلى سيرة النبي الأعظم من قبول إسلام الشهادتين، الأخبار الكثيرة.). [١٢]؛ بيد أنه لابد من إضافة أصلين كأصول للمذهب تضاف إلى هذه الثلاثة وهما العدل والإمامة. وعليه لو أنكر شخص أصلا من أصول الدين، يعدّ كافراً؛ لكنّه لو أقر بالثلاثة الأولى، وأنكر العدل أو الإمامة أو كلاهما ، لا يعدّ كافراً ، بل لا يدرج في عداد الشيعة الإمامية.[١٣]
الأصول الخمسة المذكورة ، في رأي جمهور المتكلمين من الإمامية ، كالآتي:
1. التوحيد: هو معرفة الله والتصديق بأنّه تعالى أزلي وأبدي ، وواجب الوجود لذاته؛ وكذلك التصديق بصفات الله الثبوتية، كالقدرة والعلم والحياة؛ وتنزيهه عن الصفات السلبية كالجهل والضعف؛ والاعتقاد بأنّ صفات الله عين ذاته ولاتوجد صفة زائدة على الذات.
2. العدل: وهو معرفة أنّ الله عادلٌ وحكيمٌ ، أي لايقترف القبيح ولا يترك ما ينبغي فعله. وأنّ الله لا يرضى بالأعمال القبيحة التي تصدر من البشر وأن الإنسان يقوم بالعمل عن قدرة واختيار أودعهما الله فيه وأعطاه إياهما وعليه يكون هو المسؤول عن أعماله الحسنة أو القبيحة.
3. النبوة: هي التصديق بنبوة النبي محمد (ص) وكل ما نزل به الوحي عليه. أما هل يجب التصديق التفصيلي بكل ما جاء به الوحي، أم يكفي العلم الإجمالي فيه؟ فهناك اختلاف في الرأي. والجدير بالذكر أنّ بعض علماء الإمامية، ذهب إلى القول بلزوم التصديق بعصمة النبي محمد (ص)، وأنه خاتم أنبياء الله سبحانه.
4. الإمامة: وهو الإيمان والتصديق بإمامة الأئمة الإثني عشر. وقد أجمع على هذا الأصل كل متكلّمي الإمامية، حيث عُدّ هذا الأصل من ضروريات المذهب، كما تعتقد أنّ الأئمة كلهم معصومون ، وهم المسؤولون عن حفظ الشريعة ، وعن هداية الناس إلى طريق الحقّ والحقيقة كما يجب على الجميع إطاعتهم. والإمام الثاني عشر الإمام المهدي الحجة المنتظرقالب:عج حيّ لكنه غائب وسيأتي اليوم الذي يظهر فيه بإذن الله تعالى.
5. المعاد: وعلى أساس هذا الأصل نحن نعتقد بأنّ النّاس جميعا سيُحيَون مرة أخرى بعد الموت حتى يلاقي كل منهم جزاء أعماله وثوابها. ويعتقد عامة المسلمين بالمعاد الجسماني؛ أي أنّ الإنسان يحشر ببدن مادي يوم القيامة.[١٤]
كتب حول أصول الدين
تم مناقشة أصول الدين في أغلب الكتب الكلامية، ورغم هذا هناك كتب تحت مسمى "أصول الدين" بعض منها هي:
- أصول الدین، بقلم المقدس الأردبيلي
- تعليم أصول الدين، بقلم محمد تقي مصباح اليزدي
- حق اليقين في أصول الدين والمعارف، بقلم العلامة المجلسي
- الأربعين في أصول الدين، بقلم محمد الغزالي
- الأربعين في أصول الدين، بقلم فخر الرازي
- أصول الدين، بقلم عبد القاهر البغدادي
- أصول الدين ووسیلة النجاة، بقلم علي نمازي الشاهرودي
الهوامش
المصادر والمراجع
- الآمدي، علي، الأحكام في أصول الأحكام، تحقيق: إبراهيم عجوز، بيروت، د.ن، 1405 هـ/ 1985 م.
- ابن تيميه، أحمد، موافقة صحيح المنقول لصريح المعقول، بيروت، د.ن، 1405 هـ/ 1985 م.
- ابن ميثم البحراني، ميثم، قواعد المرام في علم الكلام، تحقيق: أحمد الحسيني ومحمود المرعشي، طهران، د.ن، 1406 هـ.
- ابن النديم، الفهرست؛
- أبو إسحاق الشيرازي، إبراهيم، التبصرة في أصول الفقه، تحقيق: محمد حسن هيتو، دمشق، د.ن، 1403 هـ/ 1983م.
- أبو الحسين البصري، المعتمد في أصول الفقه، تحقيق: محمد حميد الله وآخرين، دمشق، 1385 هـ/ 1965م.
- الأشعري، علي، رسالة في استحسان الخوض في علم الكلام، حيدر آباد دكن، 1400 هـ/1979 م.
- البخاري، محمد، صحيح، اسطنبول، البغدادي، عبد القاهر، أصول الدين، بيروت، 1401 هـ/ 1981 م.
- البغدادي، الفرق بين الفرق، تحقيق: محمد زاهد كوثري، القاهرة، 1367 هـ/ 1948 م.
- الجرجاني، علي، شرح المواقف، القاهرة، 1325 هـ/ 1907 م.
- سراج الدين الأرموي، محمود، التحصيل من المحصول، تحقيق عبد الحميد أبو زنيد، القاهرة، 1393 هـ/ 1973 م.
- السيد المرتضى، علي، الذخيرة، تحقيق: أحمد الحسيني، قم، 1411 هـ.
- الشهيد الثاني، زين الدين، حقائق الإيمان، تحقيق: مهدي رجائي، قم، مكتبة آية الله المرعشي.
- الشهيد الثاني، زين الدين، مجموعة الرسائل، طبعة حجرية، ، قم، 1304 هـ.
- الترحيني، محمَّد حسين: الإحكام في علم الكلام، دار الأمير للثقافة والعلوم، ط1،بيروت، لبنان 1993 م.
- الطالقاني، نظر علي، كاشف الأسرار، تحقيق: مهدي طيب، طهران، 1373 ش.
- الطوسي، محمد، الاقتصاد، قم، 1400 هـ.
- العلامة الحلي، حسن، شرح الباب الحادي عشر، طهران، 1370 ش.
- العلامة الحلي، «كشف الفوائد»، مجموعة الرسائل، قم، 1404 هـ.
- فخر الدين الرازي، «أصول الدين»، الرسائل الأربعة عشرة، تحقيق محمد باقر السبزواري، طهران، 1340 ش.
- فخر الدين الرازي، كتاب الأربعين في أصول الدين، حيدر آباد دكن، 1353 هـ.
- القرآن الكريم؛ القرافي، أحمد، شرح تنقيح الفصول، تحقيق طه عبد الرءوف سعد، بيروت، 1393 هـ/ 1973 م.
- الكليني، محمد، الأصول من الكافي، تحقيق علي اكبر الغفاري، طهران، 1388 هـ.
- - مطهري: الشهيد مرتضى، النبوة، بحوث وحوارات الاتحاد الإسلامي للأطباء، ترجمة: جواد الكسار، مؤسسة أم القرى، للتحقيق والنشر، دار الحوراء للطباعة والنشر، بيروت، 1419 هـ.
- مانكديم، [تعليق] شرح الأصول الخمسة، تحقيق عبد الكريم عثمان، النجف، 1383هـ ق/1963م.
- معتقد الإمامية، تحقيق: محمد تقي دانش بجوه، طهران، 1339 ش.
- الميرزا القمي، أبو القاسم، أصول الدين، تحقيق رضا استادي، طهران، مسجد الجامع؛.
- الميرزا القمي، قوانين الأصول، طهران، 1303 هـ.
- الملا مهدي النراقي، أنيس الموحدين، ، انتشارات پيام مهدي (عج)، قم، 1386 ش.
- زين الدين العاملي، حقائق الإيمان، منشورات مكتبة المرعشي، قم، 1409 هـ.
- ↑ مطهري، الشيخ مرتضى، كتاب النبوة؛ ص76؛ الترحيني، الإحكام في علم الكلام، ص7.
- ↑ الخوئي، السيد أبو القاسم: التنقيح في شرح العروة الوثقى، ج 2، ط 3، ج 2، ص 59.
- ↑ العلامة الحلي، شرح...، 4، 6.
- ↑ قواعد المرام في علم الكلام، ص 20.
- ↑ للاطلاع على نماذج أخرى من هذا الاستعمال راجع: تلخيص المحصّل، ص1، كشف الظنون، ج 2، ص 1503.
- ↑ راجع: الكليني، 2/19-20.
- ↑ راجع: الكليني، 2/18.
- ↑ حقائق الإيمان /56.
- ↑ حق اليقين، ص571 و 575؛ شرح المواقف، ج8، ص331.
- ↑ أنيس الموحدين ، ص22 ، حقائق الايمان ، ص59.
- ↑ السيد المرتضى، 164- 165.
- ↑ الترحيني، محمَّد حسين، الإحكام في علم الكلام، ص 7
- ↑ الميرزا القمي، أصول الدين، 5.
- ↑ الشهيد الثاني، حقائق الإيمان.