الحج
الحج، هو شعيرة عبادية إسلامية، ومن فروع الدين، يتكوّن من مجموعة من المناسك، ويتم من خلال السفر إلى مكة المكرمة في الحجاز، فيؤدي المسلم هناك مجموعة من الأعمال العبادية، وله أبعاد إجتماعية واقتصادية وسياسية، كما يعد الحج أكبر تجمع للمسلمين، حيث يجتمع مجموعات من جميع الفرق الإسلامية في أيامه بمكة.
الحج فريضة واجبة لمرةٍ واحدةٍ على كل مسلم مكلّف ومستطيع، وينقسم الحجّ إلى حج تمتّع، وإفراد، وقران، والأوّل واجب على من يبعد وطنه عن مكة المكرمة ثمانية وأربعين ميلاً، (أي ما يقارب تسعين كيلومتراً)، أما الإفراد والقران فهو وظيفة من يكون موطنه في مكّة أو في ما دون المسافة المذكورة. يجتمع في مناسك الحج عدد كبير من المسلمين من كافة المذاهب الإسلامية؛ لذا فهو أكبر مناسبة لاجتماع للمسلمين.
معنى الحج
- لغةً: الحَجُّ في اللغة يعني القصد.، يقولون حَجَّ إِلينا فلانٌ أَي قَدِمَ؛ وحَجَّه يَحُجُّه حَجّاً: قصده. وحَجَجْتُ فلاناً واعتَمَدْتُه أَي قصدته. ورجلٌ محجوجٌ أَي مقصود. وقد حَجَّ بنو فلان فلاناً إذا أَطالوا الاختلاف إليه.[١]
أما منسك بالفتح يكون زماناً ومصدراً ومكاناً لما تذبح فيه الذبيحة، ثم اتسعوا فيه حتى جعلوه لموضع العبادة والطاعة.[٢]
- اصطلاحاً: المراد من الحج في المصنفات الإسلامية هو التوجّه إلى بيت الله الحرام لأداء الأعمال العبادية الخاصة في الزمان المحدد لها، أما في الإصطلاح الفقهي فيدل الحج على الأعمال نفسها والتي يقوم المسلمون بأدائها في مكة المكرمة،[٣] ويقال لمجموعة هذه الأعمال العبادية في الحج: مناسك الحج.[٤]
الحج في القرآن الكريم
ورد في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تحدثت عن الحج في الإسلام، ومنها:
- تحدث القرآن الكريم عن مسألة الحج، وعدّها من الواجبات على المستطيع،[٥] ومن شعائر الله العظيمة.[٦]
- استناداً إلى ما جاء في الآية 27 من سورة الحج فإن النبي إبراهيم (ع) قد أُمر أن يبلّغ حكم الحج للناس.
- للحج وقت خاص، والهلال علامة على حلول زمانه وموسمه.[٧] وبذلك تم رفض التقليد الجاهلي الذي كان سائداً قبل البعثة بأن يتم تأخير أو تقديم زمن الأشهر الحرم وموسم الحج.[٨]
- تم تناول موضوع الحج ومناسكه وأحكامه الفقهية والأخلاقية في آيات أخرى أيضاً، منها الآيات التي تحدثت عن:
- تشريع حج التمتع لغير أهالي مكة والمجاوري الحرم.[٩]
- الوقوف في المشعر الحرام وعرفات.[١٠]
- الأحكام التي تبين حكم التضحية.[١١]
- الصيد في الحج.[١٢]
- وجوب الطواف،[١٣] والسعي بين الصفا والمروة.[١٤]
- عدم جواز حلق الشعر قبل التضحية.[١٥]
- جواز التكسب والتجارة في الحج.[١٦]
- بعض الأعمال المذمومة أو المحرمة أثناء الحج كالجدال ومقاربة النساء.[١٧]
- الإعتراض على بعض العادات الجاهلية في موسم الحج.[١٨]
الحج في الحديث
يضم كتابا وسائل الشيعة ومستدرك وسائل الشيعة أكثر من 7150 حديث عن أحكام الحج، وهذا ما يدل على أهمية الحج في الإسلام ومسائلها التفصيلية المتعددة.
- الحج في الأحاديث أفضل من الصوم والجهاد، بل أفضل من كل عبادة ما عدا الصلاة.[١٩] وتكمن في الحج معاني معنوية وروحية كثيرة، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال: "الْحَاجُّ وَ الْمُعْتَمِرُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ سَأَلُوهُ أَعْطَاهُمْ وَ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَ إِنْ شَفَعُوا شَفَّعَهُمْ وَ إِنْ سَكَتُوا ابْتَدَأَهُمْ وَ يُعَوَّضُونَ بِالدِّرْهَمِ أَلْفَ أَلْفِ دِرْهَمٍ". [٢٠]وفي رواية أخرى عنه (ع): قَالَ: "إِذَا أَخَذَ النَّاسُ مَوَاطِنَهُمْ بِمِنًى نَادَى مُنَادٍ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ أَرْضَى فَقَدْ رَضِيتُ".[٢١]
- وفي الحديث أيضاً: أن الحج من أركان الإسلام.[٢٢] وقد وصف أمير المؤمنين (ع) الحج بأنه "جهاد كل ضعيف"[٢٣]، كما أكد في وصيته أن أقل آثار الحج مغفرة الذنب.[٢٤]
- ذمّ المعصومون (ع) عدم أداء أو تأخير الحج بشدة، وبيّنوا أن لذلك آثار وتبعات سلبية في الدنيا والآخرة.[٢٥]
- كمؤشر على أهمية الحج، جاء في الأحاديث أنه يجب على من يتولى الشأن العام أن يجبر الناس على الحج الواجب إن تركوه، وإن لم يكن معهم مال فإنه ينفق عليهم من بيت مال المسلمين.[٢٦]
الحكمة من تشريع الحديث
تحدثت العديد من الأحاديث عن الحكمة من تشريع الحج، منها:
- ما ورد عن الإمام علي (ع) من أن الحج يبعث على التواضع أمام عظمة وعزة الباري عز وجل. قال (ع): «وَفَرَضَ عَلَيْكُمْ حَجَّ بَيْتِهِ الَّذِي جَعَلَهُ قِبْلَةً لِلْأَنَامِ يَرِدُونَهُ وُرُودَ الْأَنْعَامِ وَ يَأْلَهُونَ إِلَيْهِ وُلُوهَ الْحَمَامِ جَعَلَهُ سُبْحَانَهُ عَلَامَةً لِتَوَاضُعِهِمْ لِعَظَمَتِهِ وَ إِذْعَانِهِمْ لِعِزَّتِه». وذكر في خطب أخرى حكم مختلفة للحج كأن يكون ساحة للإختبار الإلهي لتحمّل الصعوبات، ومساحة للتقارب بين المسلمين، والتقرب إلى الله.[٢٧]
- ما ورد عن السيدة الزهراء (ع) من أنها قالت: «فَجَعَلَ اللهُ الإيمانَ تَطْهيراً لَكُمْ مِنَ الشِّرْكِ،...... والحَجَّ تَشْييداً لِلدّينِ».
- ما روي عن هشام بن الحكم قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) فقلت له: ما العلة التي من أجلها كلف الله العباد الحج والطواف بالبيت ؟ فقال: «إن الله خلق الخلق - إلى أن قال - وأمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا، ولينزع كل قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمال، ولتعرف آثار رسول الله (ص) وتعرف أخباره، ويذكر ولا ينسى، ولو كان كل قوم إنما يتكلون على بلادهم وما فيها هلكوا وخربت البلاد، وسقطت الجلب والأرباح، وعميت الاخبار، ولم تقفوا على ذلك، فذلك علة الحج».[٢٨]
- ما ورد عن الإمام الرضا (ع) في حديث طويل، قال: «وعلة الحج: الوفادة إلى الله تعالى وطلب الزيادة والخروج من كل ما اقترف، وليكون تائبا مما مضى مستأنفا لما يستقبل، وما فيه من استخراج الأموال وتعب الأبدان وحظرها الشهوات واللذات والتقرب بالعبادة إلى الله ، والخضوع والاستكانة والذل، شاخصا إليه في الحر والبرد والامن والخوف، دائبا في ذلك دائما، وما في ذلك لجميع الخلق من المنافع والرغبة والرهبة إلى الله عز وجل، ومنه ترك قساوة القلب وجسارة الأنفس ونسيان الذكر وانقطاع الرجاء والعمل وتجديد الحقوق وحظر النفس عن الفساد ومنفعة من في شرق الأرض وغربها، ومن في البر والبحر، ممن يحج وممن لا يحج، من تاجر وجالب وبائع ومشتر وكاسب ومسكين، وقضاء حوائج أهل الأطراف والمواضع الممكن لهم الاجتماع فيها كذلك ليشهدوا منافع لهم».[٢٩]
آداب السفر
رُويَ عدّة روايات عن النبي (ص) والأئمة (ع) عن آداب السفر إلى الحج، بما في ذلك:
- التوبة من الذنوب الماضية، السعي لتحصيل الزهد والحلم الذي يكبح جماح الغضب، حُسن الخلق مع المصاحب للمسافر، السخاء في الإنفاق على أمور الحج وتجنب المساومة في الشراء.[٣٠]
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- ابن إدريس الحلي، محمد بن منصور، السرائر، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1417 هـ.
- ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر، 2003 م.
- أبو صلاح الحلبي، تقي الدين بن نجم الدين، الكافي في الفقه، أصفهان، مكتبة الإمام أمير المؤمنين ، 1403 هـ.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، قم، مؤسسة آل البيت قالب:عليهم السلام لإحياء التراث، 1410 هـ.
- الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط 1، 1404 هـ/ 1984 م.
- الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، قم، مؤسسة البعثة، 1414 هـ.
- الطوسي، محمد بن الحسن، المبسوط، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1428 هـ.
- الطوسي، محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط 4، 1407 هـ.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق: علي أكبر الغفاري، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط 3، 1388 هـ.
- المحقق الحلي، نجم الدين جعفر بن الحسن، شرائع الإسلام، النجف الأشرف، مطبعة الآداب، 1389 هـ.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، ج 2، ص226.
- ↑ الطريحي، مجمع البحرين، ج 4، ص 305.
- ↑ ابنإدریس الحلي، السرائر، ج 1، ص 506؛ المحقق الحلي، شرائع الإسلام، ج 1، ص 163.
- ↑ أبو صلاح الحلبي، الكافي، ص 195 ــ 217؛ الطوسي، المبسوط، ج1، ص309 .
- ↑ آل عمران: 97
- ↑ الحج: 32
- ↑ البقرة: 198.
- ↑ التوبة: 37.
- ↑ البقرة: 196.
- ↑ البقرة: 198، 199.
- ↑ البقرة: 196؛ الحج: 28.
- ↑ المائدة: 94، 95، 96.
- ↑ الحج: 29
- ↑ البقرة: 158.
- ↑ البقرة: 196.
- ↑ البقرة: 198.
- ↑ البقرة: 197.
- ↑ البقرة: 189.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 4، ص 253، 254.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 4، ص 255.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 4، ص 262.
- ↑ الحرّ العاملي، وسائل الشيعة، ج 1، ص 1320 ، 2628.
- ↑ نهج البلاغة، الحکمة 136.
- ↑ الکلینی، الكافي، ج 7، ص 51، 52.
- ↑ نهجالبلاغة، الرسالة 47؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 11، ص 29- 32.
- ↑ الكلیني، الكافي، ج 4، ص 259 -260- 272؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 11، ص 23 - 24.
- ↑ نهج البلاغة، الخطبة 1. وراجع الخطب 110 و 192 والحکمة 252.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 11، ص 14.
- ↑ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج 1، ص 97.
- ↑ الطوسي، التهذیب، ج 5، ص 445؛ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 11، ص 149، ج 17، ص 455 -456.