التوحيد (كتاب)

من ويكي علوي
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

كتاب التوحيد، كتاب حديثي في عقائد الشيعة، من تأليف الشيخ الصدوق من أشهر المحدثين الشيعة في القرن الرابع الهجري، والموضوع الرئيس للكتاب هو التوحيد من وجهة نظر الشيعة، وقد تم طرح جملة من المسائل فيه، منها: مسألة الصفات الثبوتية، والسلبية، والذاتية، والفعلية، وبيان نسبة هذه الصفات مع الذات الإلهية، وكذلك مسألة الحدوث والقدم، والقضاء والقدر، والجبر والتفويض.

وذكر الصدوق أنّ دافعه من تأليف هذا الكتاب هو الردّ على الاتهامات التي تمسك بها مخالفو الشيعة فيما يخص المعتقدات الشيعية. ويعدّ كتاب التوحيد من أكثر المصادر الحديثية الشيعية اعتباراً، وقد اهتم به علماء الشيعة واستندوا برواياته في المصادر اللاحقة.

المؤلف

هو محمد بن علي بن الحسين، المشهور بالشيخ الصدوق (وفاة 381هـ)، من أبرز علماء الشيعة الإمامية في القرن الرابع الهجري.[١] ويعدّ من أبرز المحدثين والفقهاء المنتمين للمدرسة الحديثية في قم، وترك حوالي 300 كتاب ورسالة، إلا أنّ الكثير منها لم تصلنا، ومن أشهر آثاره من لايحضره الفقيه -أحد الكتب الأربعة عند الشيعة-، ومعاني الأخبار، وعيون الأخبار، والخصال، وعلل الشرائع. ومن أبرز تلامذته السيد المرتضى، والشيخ المفيد.

دافع التأليف

ذكر الشيخ الصدوق في مطلع كتابه: «إن الذي دعاني إلى تأليف كتابي هذا: أني وجدت قوماً من المخالفين لنا ينسبون إلى عصابتنا (الشيعة) القول بالتشبيه والجبر.[٢] وكان أحد أسباب هذا الاتهام هو أنّ الغُلات وضعوا أحاديث تدلّ على الجبر والتشبيه.[٣] وهذه التهمة للشيعة جاءت عن طريق المعتزلة، كما أورد ذلك الخياط في كتابه الانتصار عدّة مرات.[٤] كما أنّ بعض متكلمي الشيعة كانوا يطرحون أيضاً هذه التهمة في تخطئة التيار الحديثي في قم.[٥]

وقد اتهم أبو الحسن الأشعري (في بدايات القرن الرابع الهجري) الشيعة بالتجسيم والتشبيه،[٦] وحتى أهل الحديث عند أهل السنة أيضا كانوا يتهمون الشيعة بالتشبيه والإفراط في إثبات الصفات لله، رغم أنّهم أيضا كانوا متّهمين بها.[٧]

أهمية الكتاب

في القرون الإسلامية الأولى كان العلماء المسلمون يبادرون بتأليف كتب بعنوان «كتاب التوحيد»، ويعبّرون فيها عن آراء المدارس الإسلامية في العقائد.[٨] وبعد ضعف المعتزلة في القرن الرابع الهجري اهتمّت التيارات الحديثية ببيان المسائل العقدية، ومنهم الشيخ الصدوق (وهو من أبرز علماء التيار الحديثي في قم)، حيث قام بتأليف كتاب التوحيد.

مكانة الكتاب عند علماء الشيعة

نقل العلامة المجلسي كثيرا من روايات هذا الكتاب في موسوعته بحار الأنوار (أبواب التوحيد والعدل)، كما أنّ الحر العاملي ذكر روايات منه في كتابه وسائل الشيعة،[٩] وكذلك المحدث النوري في كتابه مستدرك الوسائل.[١٠]

المحتوى

كتاب التوحيد - الذي تصدى فيه الشيخ الصدوق لتبيين المفاهيم الكلامية وإثبات تعاليمها - هو في الواقع عبارة عن نظام كلامي يعتمد أكثر الشيء على النصوص الحديثية، حيث اكتفى بأقل تصرف في نقلها. وقد ركّز الصدوق في كتابه من بين شتى المسائل المرتبطة بمعرفة الله والتوحيد على بحث الأسماء والصفات الإلهية، مما يدل على خصوصية الكتاب في أسلوبه الدفاعي والجدلي قبال آراء المخالفين في تلك الفترة، وكذلك موقفه في الردّ على بعض الشبهات حول الشيعة. وجاء الكتاب في الدرجة الأولى ردّاً على المشبّهة (القائلين بتشبيه الله بمخلوقاته) والمجسّمة (القائلين بتجسيم الله)، إلا أنّ هذا لا يعني مُسايرة الصدوق للمعتزلة.

وموضوع الكتاب هو التوحيد بمعناه العام، حيث إنّه إضافة إلى وحدانية ذات الله، وبيان الصفات الإلهية، ومسألة الحدوث والقدم، تطرق أيضا لمباحث القضاء والقدر والجبر والتفويض والمسائل المرتبطة بمسألة الجبر والاختيار.

عنوان الباب الأول من أبواب الكتاب هو «باب ثواب الموحدين والعارفين»، ومطلعه حديث عن رسول اللهقالب:اختصار/ص: «ما قلت ولا قال القائلون قبلي مثل لا إله إلا الله[١١] وعنوان الباب الأخير هو «باب النهي عن الكلام والجدال والمراء في الله عزوجل» ويتضمن 35 حديثاً. [١٢] والحديث الأخير من الباب هو عن الإمام الصادققالب:اختصار/ع: لا يُخاصم إلّا مَن قد ضاق بما في صدره. [١٣]

مخالفة بعض آراء المعتزلة وموافقة بعضها

وافق الصدوق في كتاب التوحيد المعتزلة في بعض معتقداتهم، مثل عينية الصفات مع الذات، ونفي الزيادة على الذات،[١٤] ونفي التشبيه[١٥] وحدوث كلام الله والقرآن،[١٦]، إلّا أنه خلفهم في بعض معتقداتهم، مثل نفي معنى التفويض،[١٧] وعدم قدرة العقل في معرفة الكثير من الحِكَم وفي معرفة الحسن الذاتي للأفعال،[١٨] وأنّه لا يجب على الله أن يعمل بوعيده،[١٩] وأنّه يجوز له غفران الكبائر.[٢٠]

وقد أكّد الصدوق في كتابه على محدودية الإنسان في التفكر في ذات الله وأسمائه، وأنّه يمكن له التفكر في عظمة الله وما دون العرش فقط،[٢١] وعارض المعتزلة في اعتمادهم الأقصى على العقل، لأنّ العقل بوحده لا يكفي لمعرفة الله.[٢٢]

مخالفته للكلام والمتكلمين

تصدى الصدوق في كتابه لنقد الكلام والمتكلمين، لكن بشكل عام يمكن القول بأنّ مخالفته للكلام، واعتبار المتكلمين في عداد أصحاب البدع والمشركين[٢٣] يعود إلى تخطئة المعتزلة والجهمية، حيث أنّه منذ عصر الإمام الباقرقالب:اختصار/ع حتى عصر الإمام الرضاقالب:اختصار/ع لم تظهر مدرسه كلامية غيرهما. وبالرغم من ذلك اعتمد المؤلف عند التطرق للمباحث العقلية وتبيين محتوى الأحاديث،[٢٤] على المنهج الكلامي واستفاد من أسلوب المتكلمين ومصطلحاتهم.

ويعتبر كتاب التوحيد مصدرا قيّما للتعرف على الاختلافات العقدية في المجتمع الشيعي في القرون الإسلامية الأولى، مثل نظرية التشبيه المنسوبة لهشام بن سالم الجواليقي،[٢٥] والميثمي ومؤمن الطاق،[٢٦] والنظريات التجسيمية لبعض الأصحاب،[٢٧] والقول بزيادة الصفات على الذات الإلهية،[٢٨] واختلاف أصحاب الإمام الباقرقالب:اختصار/ع حول علم الله قبل الخلق،[٢٩] ومسألة خلق القرآن أو حدوثه،[٣٠] والاختلاف في مسألة الجبر والتفويض.[٣١]

منهج الصدوق في الكتاب

اتخذ الصدوق في تأليف كتاب التوحيد منهجاً خاصا، فهو نقل روايات عن بعض الصحابة، مثل عبد الله بن عمر،[٣٢] وأبي هريرة[٣٣] وعثمان بن عفان[٣٤] ودقّق الصدوق كثيرا في اختيار الروايات، بحيث لا يوجد أدنى تعارض أو تكرار في هذا الكتاب، وفي موارد قليلة حيث يبدو أنّ هناك عدم الاتساق بين الروايات، فيذكر الصدوق توضيحا لدفع التعارض الظاهري.[٣٥]

وبالمقارنة بين الكتاب مع ما شابهه من مصادر أهل السنة في موضوع التوحيد يظهر أنّ كتاب الصدوق يتمتّع بالكثير من العقلانية وينطبق على المعايير المنطقية.

ومن خصائص الكتاب الأخرى التمييز بين صفات الذات (السمع، والبصر، والعلم، والقدرة، و...) وبين صفات الفعل (الكلام، والإرادة، والخلق، و...)، حيث يرى المؤلف أنّ صفات الذات لها معنى سلبي (العلم يعني عدم الجهل)، لكن صفات الفعل لها معنى إيجابي.[٣٦]

وإضافة إلى ذلك قام الصدوق بتفسير بعض الآيات القرآنية التي ظاهرها يوحي بالتشبيه والتجسيم، فحاول رفع تعارضها الظاهري مع رؤية الشيعة في مجال التوحيد، وذلك بالاعتماد على الروايات، وقد استعان في إثبات ذلك ببعض التعابير القرآنية مثل سبحان الله[٣٧] والله اكبر[٣٨] كما استند بالآية قالب:قرآن[٣٩] للتأكيد على أنّ التوحيد أمر فطري.[٤٠]

النُسخ والإصدار

لكتاب التوحيد نسخ خطية متعددة في المكتبات الإيرانية، حيث ذكر بعض الباحثين حوالي 92 نسخة خطية للكتاب.[٤١] وقد صدر عدّة مرات بشكل طبعة حجرية في طهران، وتبريز، ومومبايِ، كما صدر عدّة مرات بالطبعة الحديثة، منها في طهران، عام 1398هـ، وقد صحّحها وعلّق عليها السيد هاشم الحسيني الطهراني، وفي النجف عام 1386هـ، وفي بيروت عام 1387هـ، وفي قم عام 1415هـ.

الشرح والترجمة

كتب العديد من العلماء الشيعة شروحا على كتاب التوحيد، مما يدلّ على مكانته الكلامية والاعتقادية، ومن هذه الشروح:

وتمّ تدوين أربعة معاجم وفهارس لأحاديث كتاب التوحديد.[٤٤] وترجم الكتاب إلى الإنجليزية «علي آدام»، وتمّ اصداره عن مؤسسة المهدي في بيرمنغهام.


المصادر والمراجع

  • الآغا بزرك الطهراني، محمد محسن، الذريعة الى تصانيف الشيعة، طبعة علي نقي منزوي وأحمد منزوي، بيروت، 1403هـ.
  • الصدوق، الاعتقادات، قم، طبعة عصام عبدالسيد، 1414هـ.
  • الصدوق، التوحيد، قم، طبعة هاشم الحسيني الطهراني، 1357هـ ش.
  • الصدوق، كتاب الخصال، قم، طبعة علي أكبر غفاري، 1362هـ ش.
  • الصدوق، معاني الأخبار، قم، طبعة علي أكبر غفاري، 1361هـ ش.
  • ابن خزيمة، كتاب التوحيد وإثبات صفات الرّب عزّ وجلّ، الرياض، طبعة عبد العزيز بن إبراهيم شهوان، 1418هـ.
  • ابن النديم، كتاب الفهرست، طهران، طبعة محمد رضا تجدد، 1350هـ ش.
  • الأشعري، علي بن إسماعيل، مقالات الإسلاميين واختلاف المصلّين، ويسبادن، طبعة هلموت ريتر، 1400هـ.
  • برازش، علي رضا، المعجم المفهرس لألفاظ أحاديث كتاب التوحيد للشيخ الصدوق، طهران، د. ن، 1374هـ ش.
  • تفضلي، مريم، كتابشناسي نسخه‌هاي خطي آثار شيخ صدوق در ايران، طهران، د. ن، 1381هـ ش.
  • الجزائري، نعمة الله بن عبد الله، نور البراهين، قم، طبعة مهدي رجائي، 1417هـ.
  • الحرّ العاملي؛ أحمد الحسيني الإشكوري، فهرست نسخه‌هاي خطي كتابخانه عمومي حضرت آيت اللّه العظمي مرعشي نجفي، قم، 1376هـ.
  • عبد الرحيم بن محمد خياط، الانتصار والردّ على ابن الروندي، بيروت، د. ن، 1957م.
  • دانش پژوه، محمدتقي، ومنزوي، علينقي، فهرست كتابخانه سپهسالار، طهران، د. ن، 1340هـ ش.
  • علم الهدى، علي بن حسين، رسائل الشريف المرتضى، قم، طبعة مهدي رجائي، الرسالة 48: «مسألة في إبطال العمل بأخبار الآحاد»، 1405-1410هـ.
  • الكليني، محمد بن يعقوب الكافي، بيروت، علي أكبر غفاري، 1401هـ.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، د. ن، 1403هـ.
  • النجاشي، أحمد بن علي، فهرست أسماء مصنفي الشيعة (رجال النجاشي)، قم، طبعة موسى الشبيري الزنجاني، 1407هـ.
  • نصير الدين الطوسي، محمد بن محمد، تجريد الاعتقاد، قم، طبعة محمد جواد الحسيني الجلالي، 1407هـ.
  • النوري، حسين بن محمد تقي، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، قم، د. ن، 1407ـ 1408هـ.
  1. الصدوق، معاني الأخبار، 1361هـ ش ، ص 8؛ الصدوق، الخصال، 1362هـ ش، ج 2، ص 594؛ صدوق، 1414، ص 22؛ نجاشي ، ص 389.
  2. الصدوق، التوحيد، ص17.
  3. الصدوق، التوحيد، ص 364، حديث عن الإمام الرضا (ع).
  4. خياط، الانتصار،‌ ص 13، 104ـ 105.
  5. على سبيل المثال انظر: السيد المرتضى، رسائل الشريف المرتضى، ج 3، ص 310.
  6. الأشعري، مقالات الإسلاميين، ص 31ـ 35.
  7. ابن خزيمة، التوحيد وإثبات صفات الربّ، ج 1، ص 21.
  8. ابن النديم، الفهرست، ص 233-234؛النجاشي، رجال النجاشي، ص 261،334، 433.
  9. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 1، ص 20، ج 3، ص 101، ج 7، ص 140.
  10. النوري، مستدرك الوسائل، ج 5، ص 264.
  11. الصدوق، التوحيد، ج 1، ص 18.
  12. الصدوق، التوحيد، ص 454.
  13. الصدوق، التوحيد، ص461.
  14. الصدوق، التوحيد، ص 131، 140، 148، 223.
  15. الصدوق، التوحيد، ص 31-82: «باب التوحيد ونفي التشبيه».
  16. الصدوق، التوحيد، ص 225-226.
  17. الصدوق، التوحيد، ص 337، 362، 364.
  18. الصدوق، التوحيد، ص 395، 397.
  19. الصدوق، التوحيد، ص 406.
  20. الصدوق، التوحيد، ص 395، 397.
  21. الصدوق، التوحيد، ص 454ـ 455.
  22. الصدوق، التوحيد، ص 285 ـ291.
  23. الصدوق، التوحيد، ص 419، 440.
  24. الصدوق، التوحيد، ص 84، 134، 137، 225227، 269، 298-299.
  25. الصدوق، التوحيد، ص 97-99.
  26. الصدوق، التوحيد، ص 113ـ 115.
  27. الصدوق، التوحيد، ص 100-101.
  28. الصدوق، التوحيد، ص 144.
  29. الصدوق، التوحيد، ص 145.
  30. الصدوق، التوحيد، ص 226.
  31. الصدوق، التوحيد، ص 363.
  32. الصدوق، التوحيد، ص 340.
  33. الصدوق، التوحيد، ص 26، 219، 400.
  34. الصدوق، التوحيد، ص 29.
  35. الصدوق، التوحيد، ص345-347.
  36. الصدوق، التوحيد، ص 139149.
  37. الصدوق، التوحيد، ص 311-312.
  38. الصدوق، التوحيد، ص 312-313.
  39. سورة الروم، الآية 30.
  40. الصدوق، التوحيد، ص 328-331.
  41. تفضلي، كتابشناسي نسخه‌هاي خطي آثار شيخ صدوق در ايران، ص 59 ـ70؛ دانش پژوه ومنزوي، فهرست كتابخانه سپهسالار، القسم 3، ص 523 ـ524.
  42. الحسيني الإشكوري، فهرست نسخه‌هاي خطي كتابخانه عمومي حضرت آيت اللّه مرعشي نجفي، ج 4، ص 14، نقلاً عن آية الله المرعشي النجفي.
  43. رجائي، مقدمة كتاب نور البراهين، ج 1، ص 32ـ 33.
  44. برازش، المعجم المفهرس لالفاظ احاديث كتاب التوحيد للشيخ الصدوق، ص 14ـ 15.