التقية
التقية، مصطلح ديني والمراد منه أن لا يُظهر الإنسان عقيدته أو نيته الحقيقية كما يضمرها في قلبه وذلك لدليل مقنع، وهذا المعنى منصوص عليه في المصادر الإسلامية؛ وما يؤيد العمل بالتقية الدليل العقلي إلى جانب النقلي والقرآني منها: قالب:قرآن.
والتقية تعني حفظ النفس من الأذى، وهي تختلف عن النفاق؛ لأنَّ التقية إظهار الكفر وإخفاء الإيمان، بينما النفاق إظهار الإيمان وإخفاء الكفر.
مفهوم التقية
كلمة التقية من مادة (و - ق - ي) وهي إما مصدر أو اسم مصدر،[١] وهي بمعنى الاختفاء والحفظ والابتعاد.[٢] ولم تبتعد تعاريف المتكلمين والفقهاء والمفسرين عن التعريف اللغوي،[٣]
التقية كمصطلح فقهي
يتفق علماء الشيعةفي أصل التقية، لكنهم طرحوا عدّة تعريفات لها، ومن أهمها:
- قال الشيخ الأنصاري: التقية، التحفظ عن ضرر الغير بموافقته في قول أو فعل مخالف للحق.[٤]
- وقال الشيخ المفيد: التقية، كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين أو الدنيا.[٥]
- وقال الشيخ الطبرسي: التقية، الإظهار باللسان خلاف ما ينطوي عليه القلب للخوف على النفس.[٦]
مميزات التقية والنفاق
من الشبهات التي ترد على التقية هي إنّها تشبه النفاق؛ إذ في كل واحد منهما الفاعل يُظهر ما في اللسان على خلاف ما يُضمره في قلبه. ولكن في واقع الأمر أن التقية عكس النفاق؛ إذ أن النفاق إظهار الإيمان وإخفاء الكفر، بينما التقية إظهار الكفر وإخفاء الإيمان من أجل حفظ النفس من مخاطر الاختلاف في العقيدة.
الأدلة على جواز التقية
تقوم غالبية الأدلة القرآنية والروائية والعقلية والمجمع عليها، على جواز التقية.
القرآنية
إنّ المعنى الذي ذكرناه للتقية يمكن استنباطه من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: قالب:قرآن.[٧] يذكر المفسرون إن سبب نزول هذه الآية هو أنّ قريش كانت تؤذي المسلمين، وهذه الآية تجيز لهم الكفر باللسان دون القلب تحت التعذيب.[٨]وقد استنبط المفسرون وفقهاء الشيعة،[٩] وأهل السنة، من هذه الآية العمل بالتقية.[١٠]
ومن الآيات الدالة على التقية قوله تعالى:قالب:قرآن[١١] يذكر المفسرون إن هذه الآية نزلت في عمار بن ياسر حين قتل مشركو قريش والديه أمامه، وكان تحت التعذيب، فكفر بالنبي(ص)، وأخبر عمار النبي(ص) بعد ذلك إنه فعل ذلك بلسانه فقط، ولم يتسلل الكفر الى قلبه. فقبل النبي (ص) هذا العذر منه، وأخبر الآخرين أن يفعلوا مثل عمار إذا تعرضوا للأذى إعتماداً على هذه الآية.[١٢]
وكذلك قوله تعالى: قالب:قرآن.[١٣]
وكذلك الآيات 173 و185 و195 من سورة البقرة، والآية 145 من سورة الأنعام، والآية 115 من سورة النحل، والآية 78 من سورة الحج.
ويمكن الاستناد بالآيات الدالة على الإضطرار والحرج لفهم جواز التقية أو وجوبه في الظروف الاستثنائية؛ كآيات: 173 - 183 - 195 من سورة البقرة و145 الأنعام و115 النحل و78 الحج. كما أن بعض الروايات تستند بالآيات الدالة على معنى التقية ووجوب العمل به أو جوازه أو عدمهما.
الروائية
هناك الكثير من الأحاديث التي تدلّ على جواز التقية، كما تدل أيضاً على أن التقية من أفضل أعمال المؤمنين؛ إذ فيها إصلاح الدين، ولا يكتمل الدين إلا بها.[١٤]وقد صرحت الروايات الكثيرة على جوازها والتي نقل قسماً منها صاحب الوسائل،[١٥]وأن سيرة النبي (ص) تدل على جواز التقية؛ إذ تنقل الروايات بأن بعض أصحاب النبي (ص) من الذين هاجروا إلى المدينة المنورة طلبوا منه الرجوع إلى مكة المكرمة من أجل لملمة أموالهم، وطلبوا منه الرخصة في أن يظهروا ميلاً عنه في اللسان دون القلب، ليتجنبواً عناد المشركين، فأذن لهم النبي(ص).[١٦]
وهناك العديد من الصحابة يقولون بالتقية: كابن عباس،[١٧] وجابر بن عبدالله الأنصاري،[١٨]وإبن مسعود،[١٩]وأبو الدرداء[٢٠]كما أن سيرة الأنبياء والصالحين تدل على جواز التقية كتعامل النبي إبراهيم (ع) مع الكفار، كما أن آسية بنت مزاحم إمرأة فرعون كانت تخفي إيمانها بالله وبرسالة موسى(ع)، وكذلك تقية أصحاب الكهف.[٢١]
العقلية
إنّ من أهم الأدلة العقلية في هذا المجال هي: أن العقل يحكم بضرورة دفع الضرر والأذى عن النفس.[٢٢] وبالاعتماد على هذا الدليل فإن التقية لا تختص بالشيعة؛ لأن الدليل العقلي هو حاكم على الجميع ولا يميز بين شيعي وغيره.
كما يستدل الشيعة على جواز التقية بـالاجماع،[٢٣] وكذلك يؤخذ بـالاجماع في بعض مصادر أهل السنة.[٢٤]
تقية المسلمين من المسلمين
إنَّ جواز التقية غير مختص بتقية المسلم من الكافر، بل إن جوازها يتعدى الى تقية المسلم من المسلم وقد صرح الفقهاء والمفسرون بهذا المعنى.[٢٥] كما صرح الكثير من علماء السنة - ومن جملتهم الشافعي - بمشروعية تقية المسلم من المسلم من أجل حفظ نفسه.[٢٦]
عوامل وجذور التقية عند الشيعة
إن التقية من الأمور الثابتة بالأدلة العقلية والشرعية، كما مرَّ وعند جميع المسلمين ولكن الٌذي جعلها تبرز عند الشيعة أكثر من غيرهم هي: الضغوط التي مورست ضد الشيعة من قبل الحكام المختلفين من بعد صلح الإمام الحسن (ع)، واستمرت هذه الضغوط أيام الدولة الأموية والعباسية. فقد طارد الحكام الأمويين والعباسيين الشيعة في كل مكان وقتلوهم وسلبوهم أموالهم وخربوا ممتلكاتهم، وسبوا نسائهم وأطفالهم. ولهذا أمر الأئمة الأطهار شيعتهم بحفظ أنفسهم بالعمل بالتقية.قالب:بحاجة لمصدر
أقسام التقية في نظر الشارع
الحكم التكليفي
قالب:مفصلة تم تقسيم التقية إلى عدة أقسام من جهة حكمها الشرعي، وقد قسمها الشيخ المفيد إلى التقية الواجبة والمحرمة والمستحبة والمباحة، فيقول:
- إذا كان الشخص خائفاً على نفسه فالتقية في هذه الحالة واجبة، أما إذا كان الخوف على المال فقط فالتقية مباحة.[٢٧]كما أن مورد التقية الواجبة وكما حددته الروايات لايكون إلا في حالة الضرورة والاضطرار،[٢٨] والشرط المهم في نظر الفقهاء هو الخوف على النفس أو ماء الوجه أو الأهل والأقارب.[٢٩]
- أما المستحبة فهي معاشرة المخالفين من المسلمين من خلال الصلاة معهم وزيارة مرضاهم وكما تكون مع غير المسلمين.[٣٠]
- والتقية المباحة فيرى المفيد أنها تتحقق عندما يحصل الخوف عند الإنسان على ماله دون نفسه - كما تقدم - وكذلك الفخر الرازي يرى مشروعية التقية من أجل حفظ المال.[٣١]
- أما المحرّمة فهناك من الأمور ما يرى الشارع حرمة التقية في ما إذا أدت إلى أمور كسفك الدم، وهدم الكعبة، وشرب الخمر، والتخلي عن ضروري من ضروريات الدين.قالب:بحاجة لمصدر
الحكم الوضعي
قالب:مفصلة لقد حكم الفقهاء بصحة العمل الذي يقوم به الإنسان في وقت التقية، ولاتجب إعادته بعد زوال الظروف التي جعلت الإنسان يتقي مما يخافه، فإذا صلّى صلاة على خلاف الصلاة الصحيحة مثلاً بسبب التقية، فهذه الصلاة محكوم عليها بالصحة. [٣٢]
الهوامش
المصادر والمراجع
- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، فتح الباري بشرح صحيح البخاري، بيروت، دار المعرفة للطباعة والنشر، ط 2، د.ت.
- ابن حزم، علي بن أحمد، المحلى، تحقيق: أحمد محمد شاكر، بيروت، دار الجليل، د.ت.
- ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر، ط 3، 1414 هـ.
- الآلوسي، محمود عبدالله، روح المعاني، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
- الأمين، محسن، نقض الوشيعة أو الشيعة بين الحقائق والأوهام، بيروت، د.ن، 1403 هـ/ 1983 م.
- الأنصاري، مرتضى، التقية، تحقيق: فارس الحسون، قم، مؤسسة قائم آل محمد (عج)، ط 1، 1412 هـ.
- البجنوردي، حسن، القواعد الفقهية، قم، نشر الهادی، ط 1، 1377 هـ.
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح البخاري، إسطنبول، د.ن، 1401 هـ/ 1981 م.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، قم، مؤسسة آل البيتقالب:عليهم السلام لإحياء التراث، 1410 هـ.
- الحلبي، علي بن إبراهيم، السيرة الحلبية، بيروت، د.ن، 1320 هـ.
- الخميني، روح الله، المكاسب المحرمة، قم، د.ن، 1374 هـ
- الخميني، روح الله، تحریر الوسیلة، تهران، موسسة تنظيم و نشر آثار امام خمينى( ره)1368ش.
- السبحاني، جعفر، الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، قم، مؤسسة الامام الصادق عليه السلام، د.ت.
- السيوري، المقداد بن عبد الله، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية، تحقيق: محمد علي القاضي الطباطبائي، قم، د.ن، 1380 هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: هاشم رسولي وفضل الله اليزدي، طهران، ناصر خسرو، ط 3، 1372 ش.
- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري، تحقیق: محمد أبوالفضل إبراهیم، بیروت، دار احیاء التراث العربی، ط 2، 1387 هـ.
- الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1409 هـ.
- الفخر الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 3، 1420 هـ.
- القرطبي، محمد بن أحمد، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، د.ن، 1405 هـ/ 1985 م.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق: علي أكبر غفاري، بيروت، دار التعارف، ط 3، 1401 هـ.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تحقيق: السيد إبراهيم الميانجي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 3، 1403 هـ/ 1983 م.
- المحقق الكركي، علي بن الحسين، رسائل المحقق الكركي، تحقيق: محمد حسون، قم، د.ن، 1409 هـ.
- المراغي، أحمد مصطفى، تفسير المراغي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1365 هـ.
- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، أوائل المقالات في المذاهب والمختارات، قم، د.ن، د.ت.
- المفيد، محمد بن محمد بن النعمان، تصحيح إعتقادات الإمامية، بيروت، د.ن، 1414 هـ/ 1993 م.
- شبر، عبد الله، الأصول الأصلية والقواعد الشرعية، قم، مکتبة المفيد، ط 1، 1404 هـ.
- شمس الأئمة السرخسي، محمد بن أحمد، كتاب المبسوط، بيروت، د.ن، 1406 هـ/ 1986 م.
- كاشف الغطاء، محمد حسين، أصل الشيعة وأصولها، تحقيق: علاء آل جعفر، قم، مؤسسة الإمام علي عليه السلام، 1415 هـ
- ↑ الفيومي،المصباح المنير ج 3، ص 669.
- ↑ ابن منظور، لسان العرب، ج 15، ص 401 - 402.
- ↑ الطبري، جامع البيان، ج 3، ص 152 - 153؛ السرخسي، المبسوط، ج 24، ص 45؛ رضا، المنار، ج 3، ص 280؛ ناصر مكارم الشيرازي، القواعد الفقهية، ج 1، ص 393.
- ↑ الأنصاري، التقية، ص 37.
- ↑ المفيد، تصحيح إعتقادات الإمامية، ص، 137.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان في تفسير القرآن، ج 2، ص 729.
- ↑ آل عمران 28.
- ↑ الطوسي، التبيان؛ الفخر الرازي، التفسير الكبير؛ الطباطبائي، تفسير الميزان.
- ↑ الطوسي، التبيان؛ الطباطبائي، الميزان.
- ↑ تفسير الآية في الزمخشري، الكشاف؛ الآلوسي، روح المعاني؛ تفسير المراغي.
- ↑ النحل 106.
- ↑ ينظر تفسير الآية في الزمخشري، الكشاف؛ تفسير القرطبي.
- ↑ غافر 28.
- ↑ الكليني، كتاب الكافي، ج 2، ص 217 - 221؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 72، ص 394 - 397 - 398 - 423.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 16، ص 214 - 418.
- ↑ الحلبي، السيرة الحلبية ج 3، ص 51 - 52.
- ↑ إبن حجر العسقلاني، فتح الباري، ج 12، ص 279.
- ↑ السرخسي، كتاب المبسوط، ج 24، ص 47.
- ↑ إبن حزم، المحلى، ج 8، ص 336.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، ج 7، ص 102.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 16، ص 215 - 219 - 230 - 231؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 72، ص 396 - 407 - 425 - 429.
- ↑ الفاضل المقداد السيوري، اللوامع الإلهية في المباحث الكلامية، ص 377؛ الأمين، نقض الوشيعة، ص182.
- ↑ رسائل المحقق الكركي، ج2، ص 51؛ البجنوردي، القواعد الفقهية، ج5، ص 50.
- ↑ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، تفسير الآية 28 من سورة آل عمران.
- ↑ فخر الدين الرازي، التفسير الكبير تفسير الأية 28 من سورة آل عمران.
- ↑ السبحاني، الإنصاف في مسائل دام فيها الخلاف، ج 2، ص 330 - 331.
- ↑ المفيد، أوائل المقالات في المذاهب والمختارات، ص 135 - 136.
- ↑ عبد الله شبر، الأصول الأصلية والقواعد الشرعية، ص 321 - 322.
- ↑ الخميني، المكاسب المحرمة، ج 2، ص 242 - 244.
- ↑ الأنصاري، التقية، ص 39 - 40.
- ↑ الفخر الرازي، التفسير الكبير، الآية 28 من سورة آل عمران
- ↑ الخمینی، تحریر الوسیلة، ج 2، ص200.