أسعد بن زرارة

أبو أمامة اَسْعَد بن زُرارة (القرن الأول الهجري/ 623م) الملقب بـأسعد الخير صحابي من أوائل المسلمين اليثربيين. كان من الأوائل الذين بذلوا جهودا في تبليغ الرسالة الإسلامية ونشرها في المدينة وقيل أنه حطم الأصنام ووقف في صفوف المصلين للصلاة. اختاره النبي الأكرمصلى الله عليه وآله وسلم في بيعة العقبة الثانية نقيبا لبني النجار بل اختاره على رواية نقيب النقباء. كانت تربطه بالنبي الأكرم علاقة ودّ متبادلة. وحينما توفي أسعد، صلّى عليه النبيصلى الله عليه وآله وسلم ودفن في البقيع، وقيل أنّ الآية 143 من سورة البقرة نزلت في جماعة من الصحابة منهم أسعد بن زرارة.

أوّل مسلمي المدينة المنورة

أسعد بن زرارة بن عدس بن عبيد بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار ويكنى أبا أمامة وأمّه سعاد، ويقال الفريعة بنت رافع بن معاوية بن عبيد بن الأبجر. روى ابن سعد في الطبقات، عن عمارة بن غزية قال: أسعد بن زرارة أوّل من أسلم ثم لقيه الستة النفر هو سادسهم. وكان من الموحدين في العصر الجاهلي.

التعرّف على النبي الأكرم

ذكرت مصادر التاريخ والسيرة قصة لقائه مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم باختلاف، تعود جميعها إلى لقاء اليثربيين مع النبي أثناء بيعة العقبة. روى ابن سعد قائلا: لما بلغ النزاع بين الأوس والخزرج ذروته خرج سعد بن زرارة وذكوان بن عبد قيس إلى مكة يتنافران إلى عتبة بن ربيعة فسمعا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتياه فعرض عليهما الإسلام وقرأ عليهما القرآن فأسلما ولم يقربا عتبة بن ربيعة ورجعا إلى المدينة فكانا أوّل من قدم بالإسلام المدينة، ثم لقيه الستة النفر هو – يعني اسعد بن زرارة- سادسهم فكانت أوّل سنة والثانية لقيه بالعقبة الإثنا عشر رجلا من الأنصار، فبايعوه والسنة الثالثة لقيه السبعون من الأنصار فبايعوه ليلة العقبة.

أسعد الخير

ويظهر أنّ لقدوم أسعد بخبر الرسالة الإسلامية إلى المدينة المنورة دوراً في إطلاق لقب أسعد الخير عليه كما فعل ذلك البلاذري في أنساب الأشراف.

نقيب النقباء

ما بين بيعة العقبة الأولى والثانية فاصل زمني لا يتجاوز السنة ولكنها فترة زمنية– على قصرها- حافلة بتطورات الأحداث فهذه يثرب قد انتشر فيها الإسلام وكَثُر فيها الأنصار بعد أن فقدت الدعوة أنصارها في مكة إلا القلة المستضعفة ولم تجد في قبائل العرب ناصراً ولا معينا.

ويدعي بنو النجار الذين ينتمي إليهم أسعد بن زرارة أنّه كان أوّلَ المبايعين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، ثم إنّ رسول الله قال بعد بيعة العقبة مخاطباً الأنصار: أخرجوا إليّ إثنى عشر نقيباً يكونوا على قومهم بما فيهم. فأخرجوا اثني عشر نقيباً– كان أسعد من بينهم- تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، وفي رواية أنّه صلى الله عليه وآله وسلم اختار أسعد بن زراره نقيباً للنقباء.

العلاقة بين أسعد والنبي

يكشف حديث أسعد ليلة العقبة، وموقفه حينما استقبل الأنصار الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في منطقة قبا وفي المدينة وخدماته التي أسداها للرسول وللرسالة عن مدى إيمانه بالقضية وعلاقته الوثيقة بصاحب الرسالة. فكان يتردد عليه صلى الله عليه وآله وسلم حينما كان في قبا كل يوم ويأتم بصلاته. وكان يبادله المشاعر نفسها وكان يكن له وافر الإحترام، وما أن وطأت قدما رسول الله المدينة حتى سأل عنه. ولما أخذت أسعد بن زرارة الذبحة أتاه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: اكتو فإني لا ألوم نفسي عليك. وروي عن بعض أصحاب النبي قال: كوى رسول الله أسعد بن زرارة مرّتين في حلقه من الذبحة وقال: لا أدع في نفسي منه حرجا.

نشر الرسالة في المدينة

كان أسعد من المؤمنين بالرسالة والمدافعين عنها والداعين إليها بلسانه وبكل ما أوتي من قوّة حتى قيل أنّه أقدم على تحطيم الأصنام في المدينة، وروي عن أمّ خارجة بن زيد بن ثابت تقول: أخبرتني النوار أمّ زيد بن ثابت أنّها رأت أسعد بن زرارة قبل أن يقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة يصلي بالناس الصلوات الخمسة ويجمع بهم في مسجد بناه في مربد سهل وسهيل ابني رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار. وقال محمد بن عمر: إنّما كان مصعب بن عمير يصلي بهم في ذلك المسجد ويجمع بهم الجمعات بأمر رسول الله فلما خرج إلى النبي ليهاجر معه صلى بهم أسعد بن زرارة، ومن هنا نرى اختلاف كلمة المؤرخين وأصحاب السيرة في قضية نشر سعد للرسالة وتصديه لإمامة الجماعة؛ فقد جاء في رواية ابن أسحاق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بعث بعد العقبة الأولى مصعب بن عمير – وبطلب من المسلمين- إلى المدينة ليعلمهم القرآن والأحكام، وبعد أن أنجز المهمة عاد مع الأنصار في بيعة العقبة الثانية، وقيل إنّما رجع مصعب بعد العقبة الثانية. فيما ذهب الواقدي إلى القول بأن الرسول أوكل تعليم القرآن إلى مصعب بن عمير وإمامة الصلاة لأسعد بن زرارة، وقد نزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة في داره فكان يقرئهم القرآن هناك.

وفاته

لم تسجل لنا المصادر التاريخية شيئا من حياة أسعد بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة سوى أنّه مرض بعد هجرته ومات في شوال على رأس تسعة أشهر من الهجرة ومسجد رسول الله يومئذ يُبنى، فحضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غسله وكفنه في ثلاثة أثواب منها برد وصلى عليه ورئي رسول الله يمشي أمام الجنازة، وصلى عليه وهي أوّل صلاة ميت تقام في المدينة، ودفنه في البقيع؛ وقيل: إن أوّل من دفن بالبقيع أسعد بن زرارة. قال محمد بن عمر هذا قول الأنصار والمهاجرون يقولون أوّل من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون. وقيل أنّه أوّل من دفن في البقيع.

ولما توفي أسعد جاءت بنو النجار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا: قد مات نقيبنا فنقب علينا فقال رسول الله: أنا نقيبكم. فكانوا يفتخرون بذلك.

لم يعقب أسعد بن زرارة من الأولاد الذكور وإنما كانت ذريته من الإناث فقط.

نزول بعض الآيات في شأنه

• كان رجال من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ماتوا قبل تحويل القبلة من المسجد الأقصى إلى الكعبة، منهم أسعد بن زرارة وأبو أمامة أحد بني النجار، والبراء بن معرور أحد بني سلمة، وأناس آخرون، جاءت عشائرهم فقالوا: يا رسول الله! توفي إخواننا وهم يصلون إلى القبلة الأولى، وقد صرفك الله تعإلى إلى قبلة إبراهيم، فكيف بإخواننا؟ فأنزل الله: قالب:قرآن.

• روي عن مقاتل بن سليمان أن قوله تعإلى في الآيتين 102 و103 من سورة آل عمران قالب:قرآن افتخر رجلان من الأوس والخزرج ثعلبة بن غنم من الأوس وأسعد بن زرارة من الخزرج فقال الأوسي: منّا خزيمة بن ثابت ذو الشهادتين ومنّا حنظلة غسيل الملائكة ومنّا عاصم بن ثابت بن أفلح حمي الدين ومنا سعد بن معاذ الذي اهتز عرش الرحمن له ورضي الله بحكمه في بني قريظة. وقال الخزرجي: منا أربعة أحكموا القرآن أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد ومنا سعد بن عبادة خطيب الأنصار ورئيسهم. فجرى الحديث بينهما فغضبا وتفاخرا وناديا فجاء الأوس إلى الأوسي والخزرج إلى الخزرجي ومعهم السلاح فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فركب حمارا وأتاهم فأنزل الله هذه الآيات فقرأها عليهم فاصطلحوا.

إلا أنّ هذه الرواية لا تصمد أمام الواقع التاريخي؛ وذلك أنّ وفاة أسعد بن زرارة في السنة الأولى للهجرة وحدوث بعض الوقائع التي أشير إليها في الرواية من قبيل استشهاد حنظلة في غزوة أحد وغزوة بني قريظة وتحكيم سعد بن معاذ التي وقعت في السنة الخامسة للهجرة. نعم، يمكن القول بأن المفاخرة وقعت بين سعد بن زرارة أخي أسعد بن زرارة، ويؤيد ذلك ما روي من أن الرجال كانوا من المنافقين.

المصادر والمراجع

• ابن الجوزي، عبد الرحمن بن‌ علي، المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، تحقيق: نعيم زرزور، بيروت، ‌دار الكتب العلمية، ط 1، 1412 هـ.
• ابن حجر العسقلاني، أحمد ‌بن ‌علي‌، الإصابة في تمييز الصحابة، تحقيق: علي محمد معوض وآخرين، بيروت، دار الكتب العلمية، ‌1415 هـ.
• ابن حنبل، أحمد ‌بن ‌حنبل، المسند، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 3، 1415 هـ.
• ابن خياط، خليفة بن الخياط، التاريخ، تحقيق: سهيل زكار، دمشق، 1387 هـ/ 1967 م.
• ابن خياط، خليفة بن الخياط، الطبقات، تحقيق: أكرم ضياء عمري، الرياض، 1402 هـ/ 1982 م.
• ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، بيروت، دار صادر، د.ت.
• ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 2، 1418 هـ.
• ابن‌ شبه، عمر بن شبة، تاريخ المدينة المنورة، تحقيق: فهيم محمود شلتوت، قم، دار الفكر، 1410 هـ.
• ابن عبد البر، يوسف بن‌ عبد الله، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، القاهرة، 1380 هـ /1960 م.
• ابن عبد البر، يوسف بن‌ عبد الله، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد معوض وآخرين، بيروت، دار الكتب ‌العلمية، ط 1، 1415 هـ.
• ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، تحقيق: علي محمد معوض وعادل أحمد، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 2، 1418 هـ.
• ابن هشام، عبد الملك بن هشام، السيرة النبوية، تحقيق: مصطفى السقا وآخرين، القاهرة، 1355 هـ / 1936 م.
• البغوي، الحسين ‌بن ‌سعود، معالم التنزيل في ‌التفسير والتأويل، بيروت، دار الكتب العلمية، ‌ط 1، 1414 هـ.
• البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف، تحقيق: محمد حميد الله، القاهرة، 1959 م.
• البيهقي، أحمد ‌بن ‌حسين، دلائل النبوة ومعرفة أحوال صاحب الشريعة، تحقيق: عبد المعطي قلعجي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1405 هـ.
• السهيلي، عبد الرحمن بن عبد الله، الروض الأنف، تحقيق: عبد الرحمن الوكيل، الطبعة الأولى، بيروت، دار إحياء التراث ‌و‌مؤسسة التاريخ العربي، 1412 هـ.
• الطبرسي، الفضل‌ بن‌ الحسن، إعلام الورى بأعلام الهدى، تحقيق: علي أكبر غفاري، بيروت، دار المعرفة، 1399 هـ.
• الطبرسي، الفضل ‌بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار المعرفة وأفست، طهران، ناصر ‌خسرو، ‌1406 هـ.
• الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الطبري.
• الميبدي، رشيد ‌الدين، كشف الأسرار وعدة الأبرار، تحقيق: علي أصغر حكمت، طهران، أمير كبير، ط 4، د.ت.
• الهاشمي البغدادي، محمد ‌بن ‌حبيب، المحبر، تحقيق: ايلزه ليختن شتيتر، بيروت، دار الأفاق الجديدة، د.ت.
• الواحدي، علي‌ بن‌ أحمد، أسباب النزول، تحقيق: أيمن صالح شعبان، القاهرة، دار الحديث، د.ت.
• الواقدي، محمد ‌بن‌ عمر، المغازي، تحقيق: مارلون جونس، بيروت، عالم الكتب، ط 3، 1404 هـ .
• فرحان، عدنان فرحان، دروس في السيرة النبوية، بيروت، دار السلام، ط 1، 1431 هـ.