الأنصار
الأنصار، لقب يُطلق على قبيلتي الأوس والخزرج، لقبهم به رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم لما هاجر اليهم من مكة إلى المدينة، وكانت بينهم حروب طوال قاسية كان آخرها يوم بُعاث قبل الهجرة النبوية. والأنصاري هو كل من آمن وآوى وعزّر ووقّر الرسول واتّبع النّور الذي أنزل مع الرسولصلى الله عليه وآله وسلم وكان ذلك كلّه في الله وإلى الله.
في الجاهلية
كان الأنصار من قبيلتي الأوس و الخزرج،و كانوا ملوكا على يثرب -المدينة المنورة- بعد أن وضعوها تحت امرتهم في النصف الثاني من القرن السادس للميلاد.[١] وقد عاشت هاتين القبيلتين حياة حرب و اقتتال في الجاهلية،حيث دارت بينهما عشرات الحروب في فترة قصيرة.
من بين تلك الحروب: حرب سُمَيْر ويوم السَّرارة ويوم فارع ويوم الفجار الأول والثاني وحرب حصين وحرب حَاطِب بن قيس ويوم بُعاث.[٢] وكانت هذه اخر حرب بينهماقبل قبولهم دعوة الرسولصلى الله عليه وآله وسلم للاسلام.
يظهر من روايات أهل الأخبار أن الأوس والخزرج، لم يكونوا كأهل مكة من حيث الميل إلى الهدوء والاستقرار، بل كانوا أميل إلى حياة البداوة القائمة على الخصومة والتقاتل.كانوا قد تحضروا واستقروا، غير أنهم بقوا محافظين على النزعة إلى التخاصم والتقاتل،فألْهتهم هذه النزعة عن الانصراف إلى غرس الأرض والاشتغال بالزراعة.[٣].كما أنهم كانوا يميلون الى حياة الكسل واللهو، وقد قال الرسولصلى الله عليه وآله وسلم لعائشة عندما زفت امرأة الى رجل من الأنصار:"يا عائشة،ما كان معكم لهو، فان الأنصار يعجبهم اللهو".[٤]
في الإسلام
شهدت السنة الحادية عشر من الدعوة النبوية البداية المثمرة لاتصال النبيصلى الله عليه وآله وسلم بالأنصار،حيث كان اللقاء مع وفد من الخزرج في موسم الحج عند عقبة منى[٥] فقال لهم الرسول:"من أنتم؟قالوا: نفر من الخزرج،فقال:أمن موالي يهود؟،قالوا:نعم،قال:أتجلسون أكلمكم؟قالوا:بلى،فجلسوا معه،فدعاهم الى الله وعرض عليهم الاسلام ،فأجابوه فيما دعاهم اليه،فصدقوه و قبلوا ماعرض عليهم من الاسلام..." [٦].بعد قبول رهط من الخزرج دعوة النبي قدموا المدينة الى قومهم،ذكروا لهم رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم ودعوهم الى الاسلام حتى فشا فيهم،فلم يبقى دار من دور الأنصار الا و فيها ذكر من رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم.[٧]
في العام الذي يليه وفد من أهل يثرب إلى مكة إثنا عشر رجلاً،فإلتقوا بالنبيصلى الله عليه وآله وسلم في مكان يقال له: العقبة، فبايعوه على بيعة النساء، وكان من بينهم عبادة بن الصامت،قال:"بايعنا رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم على أن لا نُشركَ بالله شيئاً،ولا نَسرق،ولا نزني،ولا نقتل أولادنا،ولا نأتي ببُهتانٍ نفتريه بين أيدينا وأرجلنا ولا نعصيه بمعروف.[٨] وأطلق على هذه البيعة بيعة العقبة الأولى أو بيعة النساء. لما أنجزت بيعة العقبة الأولى،وعاد الأنصار الى المدينة بعث معهم رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم مصعب بن عمير،و أمره أن يقرأهم القران، ويعلمهم الاسلام،ويفقههم في الدين فقام بمهمته خير قيام،و انتشر على يديه الاسلام،ورجع الى مكة قبل بيعة العقبة الثانية.[٩]
فى العام الثالث عشر من الدعوة الإسلامية أتى من المدينة ثلاثة و سبعون رجلاً و إمرأتان من قبيلتى الأوس و الخزرج فجلسوا مع الرسولصلى الله عليه وآله وسلموأتفقوا معه على تأييده فى دعوته النبيلةثم إنهم بايعوا الرسولصلى الله عليه وآله وسلم على أن يحموه كأبنائهم وإخوانهم ولهم الجنة,وهكذا بايع الأنصار رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلمعلى الطاعة والنصرة والحرب،لذلك سماها عبادة ابن الصامت بيعة الحرب.[١٠] وقد تمت هذه البيعة في كنف السرية خشية أن يتأذى الرسولصلى الله عليه وآله وسلم من بطش المشركين،و قد قال في هذا الشأن كعب بن مالك الأنصاري ما نصه:"...وكنا نكتم من معنا من المشركين أمرنا..."[١١] وهكذا مرت بيعة العقبة الثانية بسلام،و عاد الأنصار الى المدينة ينتظرون هجرة النبيصلى الله عليه وآله وسلم اليهم.
الأنصار والخلافة
لما قبض النبيصلى الله عليه وآله وسلماجتمع الأنصار في سقيفة بني ساعدة ورشحوا سعد بن عبادة ليكون خليفة رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم ،وكان مريضا.وعندما علم كبار المهاجرين(أبو بكر وعمر وأبو عبيدة) بذلك،ذهبوا إليهم على الفور وأعلنوا أنهم أحق بالأمر،ودار حوار بين المهاجرين والأنصار اشتد فيه الجدل والنزاع،فوقف زعيم الأنصار سعد بن عبادة قائلا:" أما بعد فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام،وأنتم معشر المهاجرين رهط،وقد دفت دافة من قومكم،فإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا،وأن يحضنونا من الأمر."[١٢] فقام أبو بكر وألقى خطابا ذكر فيه فضل المهاجرين،واحتج بقرشيتهم في أحقيتهم بالخلافة،كما ذكر ذلك البخاري في صحيحه:"فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح،فبدأ عمر يتكلم فأسكته أبو بكر...فقال أبو بكر:"لا ، ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء،هم أوسط العرب دارا وأعربهم أحسابا..."[١٣] وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين فبايعوا عمر بن الخطاب أو أبو عبيدة بن الجراح."[١٤] فرد عليه أحد وجهاء الأنصار وهو الحباب بن المنذر قائلا:"ألا والله لا نفعل،منا أمير،ومنكم أمير."[١٥]
تعالت الأصوات في السقيفة،واشتد التنازع بين الأنصار والمهاجرين،خاصة بين عمر والحباب بن منذر،قال الحباب:"يا معشر الأنصار أملكوا عليكم أمركم،فان الناس في ظلكم،ولن يجترئ مجترئ على خلافكم، ولا يصدر أحد الا عن رأيكم...فلا تختلفوا فتفسد عليكم أموركم..." ،فقال عمر:"هيهات من ينازعنا سلطان محمد،و نحن أولياؤه وعشيرته..." فأجاب الحباب:"يا معشر الأنصار ، لا تسمعوا مقالةهذا وأصحابه ، فيذهبوا بنصيبكم في هذا الأمر..."[١٦]
انقسم الأنصار فيما بينهم بشأن بيعة أبي بكر،قال أبو جعفر:"ان الأنصار لما فاتها ما طلبت من الخلافة،قالت -أو قال بعضها:"لا نبايع الا عليا."[١٧]، وقام بشير بن سعد الأنصاري فقال:"يا معشر الأنصار،ألا ان محمد من قريش،و قومه أولى به،و لا يراني الله أنازعهم هذا الأمر." فناداه حباب بن المنذر:"يا بشير، عققت عقاق،أنفست على ابن عمك الامارة."و قال أسيد بن حضير رئيس الأوس لأصحابه:"والله لان لم تبايعوا ليكونن للخزرج عليكم الفضيلةأبدا، فقاموا وبايعوا ابي بكر."[١٨]
أضعف هذا الانقسام جنبة سعد بن عبادة،فهرول قسم من الأنصار الى مبايعة ابي بكر،وقسم اخر افتك منهم عمر البيعة بالتهديد والتخويف،وكما يروي البخاري بالسند إلى عائشة بأن عمر أخذ البيعة لأبي بكر بتهديده وتخويفه لهم،قالت عائشة:"فما كانت من خطبتهما من خطبة إلا نفع الله بها ، لقد خوف عمر الناس،وإن فيهم لنفاقا فردهم الله بذلك."[١٩]
الهوامش
المصادر والمراجع
- جواد علي، المفصل، ط2 1993 جامعة بغداد ، بغداد-العراق
- صحيح البخاري ط1 2002م دار بن كثير
- الكامل في التاريخ،ابن الاثير مجلد 1،ط1 ،1987 بيروت
- ابن ابي الحديد،شرح نهج البلاغة ،ج2 ،ط1 ،2007 ،بغداد
- ↑ جواد علي، المفصل، ج 4، ص 135.
- ↑ ابن الأثير، الكامل في التاريخ، ج 1، ص 519.
- ↑ جواد علي، المفصل، ج 4، ص 141.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري كتاب النكاح، حديث 5162، ص 1315.
- ↑ العمري، السيرة النبوية الصحيحة، ج 1، ص 196
- ↑ ابن هشام، السيرة النبوية، ج 2، ص 76.
- ↑ الطبري، تاريخ الطبري، ج 2 ص 355.
- ↑ ابن حجر، فتح الباري، ج 1، ص 22.
- ↑ ابن حجر، فتح الباري، ج 1، 66 و 12-197.
- ↑ ابن حنبل، مسند احمد، ج 5، ص 316.
- ↑ ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1 ص 339 - 443.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، ج 8، ص 541.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، ج 5، ص 14.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، ج 8، ص 542
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، ج 5، ص 14.
- ↑ ابن ابي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 247.
- ↑ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 237.
- ↑ ابن ابي الحديد ،شرح نهج البلاغة، ج 2، ص 248.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، ج 5، ص 15.