السيد إسماعيل الحميري
السيد إسماعيل الحِمْيَري، من أشهر شعراء الشيعة، حيث كان يدافع عن المذهب الجعفري في أشعاره. شاعر مطبوع [١] ومكثر. بلغت أشعاره من الكثرة درجة لم يتمكن أحد إلى الآن من جمعها وتصنيفها، فقصائده في الهاشميات تبلغ 2300 قصيدة.
قيل أنه كان على مذهب الإباضية، ثم الكيسانية، ثم شملته عناية من الإمام الصادق فصار شيعياً، وبقى على هذا المذهب حتى مماته.
الولادة والنسب
ولد السيد في عمّان (عاصمة الأردن) سنة 105 هـ، ونشأ في البصرة، [٢] وجدّه يزيد بن ربيعة شاعر مشهور، وهو الذي هجا زياد بن أبيه الأموي وبنيه ونفاهم عن آل حرب؛ ولذلك حبسه عبيد الله بن زياد وعذّبه، ثم أطلقه معاوية.[٣]
يصل نسب السيد الحميري إلى قبيلة حمير اليمنية وليس من قريش، فالسيد إسماعيل ليس فاطمي ولا علوي، وإنما لقّب بالسيد بالمعنى اللغوي لهذه الكلمة، أي السيادة.[٤]
تفوقه في الشعر
روي أن الإمام الصادق لقي السيد الحميري، فقال: سمتك أمّك سيداً ووفقت في ذلك، وأنت سيد الشعراء؛[٥] وإلى ذلك يشير صاحب الذكرى: قالب:بداية قصيدة قالب:بيت قالب:بيت قالب:نهاية قصيدة
مذهب أسرته
إنّ والدي السيّد كانا إباضيّين (أي من أتباع الخوارج)، وكان منزلهما بالبصرة في غرفة بني ضبّة، وكان السيّد يقول: طالما سبّ أمير المؤمنين في هذه الغرفة. و روي عن السيّد أن أبويه لمّا علما بمذهبه همّا بقتله؛ فأتى عقبة بن سلّم الهنائيّ، فأخبره بذلك، فأجاره، وبوّأه منزلاً وهبه له، فكان فيه حتى ماتا فورثهما، وقد لعنهما السيد في قصيدة يقول فيها:[٦] قالب:بداية قصيدة قالب:بيت قالب:بيت قالب:بيت[٧] قالب:نهاية قصيدة
تغيير المذهب
وقيل له: كيف تشيعت وأنت تنتمي إلى الشام ومن قبيلة حمير؟
- فقال: صبت عليّ الرحمة صبا، فكنت كـمؤمن آل فرعون.[٨]
لا توجد معلومات كثيرة عن أسباب تغيير عقيدته من مذهب الإباضية الخارجية، فبعد أن كان على هذا المذهب عاش فترة من الزمن على الكيسانية يعتقد بإمامة محمد بن علي بن أبي طالب المعروف بمحمد بن الحنفية بعد الإمام الحسن وأنّه لم يمت، وهو مقيم بجبل رضوى، وكيسان لقب المختار بن أبي عبيدة الثقفي المتوفى سنة 67 هـ وهو أول من قام بأخذ ثأر الإمام الحسين، داعياً لمحمد بن الحنيفة حيث تعتبره الشيعة من أبطالها بل بطل الحرية المدافع عن حق آل محمدصلى الله عليه وآله وسلم.[٩]
ولد السيد الحميري في إمامة الإمام الباقر، وعاش في إمامة الإمام الصادق والكاظمعليهم السلام.
شموله بألطاف الإمام الصادق
يبدو أنّ الإمام الصادق قد زاره في الكوفة، وظهر له من فرض طاعته، فترك الكيسانية، وأعتنق المذهب الجعفري، وبقي حتى نهاية عمره مدافعاً عنه، وبلغ في تشيعه مرتبة كان الإمام الصادق عندما يسمع أشعاره يترحّم عليه ثلاثة مرات.
يروي محمد بن نعمان، أنّه قال:
- دخلت عليه في مرضه بالكوفة، فرأيته وقد اسودّ وجهه وازرقّ عيناه وعطش كبده، فدخلت على الصادق وهو يومئذ بالكوفة راجعاً من عند الخليفة، فقلت له: جعلت فداك إنّي فارقت السيد بن محمد الحميري وهو على أسوء حال من كذا وكذا.
- فأمر بالإسراج وركب، ومضينا معه حتى دخلنا عليه، وعنده جماعة محدقون به. فقعد الصادق عند رأسه، فقال: يا سيدّ! ففتح عينيه ينظر إليه، ولا يطيق الكلام. فحرّك الصادق شفتيه، ثم قال له: يا سيد! قل بالحق يكشف الله ما بك، ويرحمك، ويدخلك جنته التي وعد أوليائه، فقال في ذلك:
قالب:بداية قصيدة قالب:بيت قالب:بيت قالب:نهاية قصيدة
وقد ورد في الأحاديث ما تثبت رفض السيد للكيسانية، وذلك بكرامات صدرت عن الإمام الصادق ، كما أنّ الصدوق في إكمال الدين والمفيد في الفصول المختارة والمرزباني في أخبار السيد وابن المعتز في طبقات الشعراء وابن شهر آشوب في المناقب وسائر المحدثين وكبار المؤرخين يروون أخباراً عن تشيع السيد بدعوة من الإمام الصادق ، وبقاؤه عليه حتى مماته.
فيقول المرزباني في كتابه أخبار السيد:
- ومن زعم أن السيد أقام على الكيسانية فهو بذلك كاذب عليه، وطاعن فيه. ومن أوضح ما دل على بطلان ذلك دعاء الصادق له عليه السلام وثناؤه عليه، فمن ذلك... قيل لأبي عبد الله عليه السلام - وذكر عنده السيد - بأنه ينال من الشراب. فقال عليه السلام: إن كان السيد زلت به قدم فقد ثبتت له أخرى. وعن عباد بن صهيب قال: كنت عند أبي عبد الله جعفر بن محمد عليهما السلام، فذكر السيد، فدعا له، فقال له: يا بن رسول الله! أتدعو له وهو يشرب الخمر، ويشتم أبا بكر وعمر، ويوقن بالرجعة ؟ ! فقال: حدثني أبي عن أبيه علي بن الحسين أن محبي آل محمد صلى الله عليه وآله لا يموتون إلا تائبين.
مكانته عند الخلفاء
أدرك السيد عشراً من الخلفاء: خمسة من بني أمية، وخمسة من بني العباس، وهم:
- من الأمويين: هشام بن عبد الملك، ووليد بن يزيد، ويزيد بن الوليد، وإبراهيم بن الوليد، ومروان الحمار.
- من بني العباس:السفاح، والمنصور، والمهدي، والهادي، وهارون الرشيد.
عندما وصل السفاح إلى الخلافة ورد السيد الحميري إلى بلاطه بصورة رسمية، وأصبح شاعرهم، فكان السفاح يوصله في كل سنة بجارية ومن يخدمها، وبدرة دراهم وحاملها، وفرساً وسائسها، وتختاً من صنوف الثياب وحامله، وكان نصيب السيد من المنصور ألف درهم في كل شهر، كما أن الرشيد وصل السيد بعطاياه، ومنحه جوائز.
مواصفاته
كان السيّد أسمر، تامّ القامة، أشنب،[١٠] ذا وفرة،[١١] حسن الألفاظ، جميل الخطاب، إذا تحدّث في مجلس قوم أعطى كلّ رجل في المجلس نصيبه من حديثه، وكان عالماً بالقرآن والحديث وتاريخ الإسلام وسيرة النبي (ص) وأمير المؤمنين والأئمة عليهم السلام، وقد أورد جميع مناقب الإمام علي وما يرتبط بذم أعدائه في شعره.له مناظرات مع مخالفيه من أهل السنة وذلك باستدلالات قاطعة، فيثبت السيد فيها الخلافة والولاية للإمام علي وفقاً للمعتقدات الشيعية، ويفنّد ما يدّعيه خصمهم من غصب حق أهل البيت عليهم السلام مع ذكر مثالبهم بلغة صريحة تكشف عن ولائه وتبريه منهم.
يروى أنّ المنصور العباسي عزل سوار بن عبد الله بسبب إسائته للسيد الحميري، وعلى الرغم من غضب سوار فقد أهدى المنصور مزرعة للسيد ليستعين بها على حياته.
شعره
كَانَ السيد أحد الشُّعَرَاء الثَّلَاثَة الَّذين لم يضْبط الروَاة مَا لَهُم من الشّعْر هُوَ وبشار وَأبو العتاهية، وَإِنَّمَا مَاتَ ذكره، وهجر النَّاس شعره؛ لإفراطه فِي سب الصحابة وبغض أُمَّهَات الْمُؤمنِينَ وإفحاشه فِي شتمهم وقذفهم والطعن عَلَيْهِم، فتحامى الروَاة شعره. قَالَ أَبُو عُثْمَان الْمَازِني: سَمِعت أَبَا عُبَيْدَة يَقُول: مَا هجا بني أُميَّة أحد، كَمَا هجاهم الدعيان يزِيد بن مفرغ أول دولتهم وَمَا عمهم وَالسَّيِّد ابْن مُحَمَّد فِي آخرهَا وعمهم.
كانت الأشعار التي رويت عن السيد أكثر من غيره من الشعراء، فكما تقدم أنّ هاشمياته بلغت 2300 قصيدة، وعن أبي عبيدة أنه قال: أشعر المحدثين: السيد الحميري وبشار، وأضاف أنّه لا أحد تمكن من جمع أشعاره، وكان شعره حافل بسب وشتم الصحابة والخلفاء الثلاثة.
كان له أربع بنات، وإنه كان حفّظ كل واحدة منهن أربعمائة قصيدة من شعره.
قصيدته العينية قالب:مفصلة أفضل أشعاره قصيدته المشهورة في التولّي والتبري ومديح أهل البيت التي مطلعها: قالب:بداية قصيدة قالب:بيت قالب:نهاية قصيدة وحسبها منقبة، وكفاها مدحاً أنّه لم يعهد لشعر من الشعراء المجيدين أو المخلصين ورود حديث في ثواب حفظه والأمر بحفظه كما عهد لها.[١٢]
ديوانه
طبع ديوان السيد بتحقيق حسين الأعلمي في بيروت، وذلك برعاية مؤسسة الأعلمي للمطبوعات. توجد نسخة لديوانه في إحدى مكتبات اليمن، وكذلك في المكتبة الظاهرية بدمشق كما في فهرسها. ودوّن شعره أيضاً الشيخ محمد بن طاهر السماوي ويوجد في مكتبته السماوي. وقد ترجم الحميري في كتاب مستقل باسم شاعر العقيدة السيد محمد تقي بن سعيد الحكيم النجفي المعاصر، وقد طبعه السبيتي، وجعله الجزء الحادي عشر من حديث الشهر. وقد جمع الشيخ علي الخاقاني صاحب مجلة البيان النجفية الغراء أحوال الحميري وشعره، كما جمع أخباره المستشرق الإفرنسي بربية دومينار وطبع في باريس في 100 صفحة.[١٣]
وفاته
اختلفت الروايات الواردة في سنة وفاته، منها:
- ابن شاكر في فوات الوفيات، قال: سنة 179 هـ.[١٤]
- ابن حجر في لسان الميزان، قال: سنة 178 هـ أو 179 هـ. [١٥]
- المرزباني في كتابه أخبار السيد قال: سنة 173 هـ.[١٦]
فبناء على ما متقدم كان عمر السيد حين وفاته 68 أو 73 سنة.[١٧]
مدفنه
توفي السيد في الرميلة ببغداد في خلافة الرشيد وهذا هو المتسالم عليه، وكفن بأكفان وجهها الرشيد مع أخيه. وصلى عليه أخوه علي بن المهدي، وكبر خمساً على طريق الإمامية، ووقف على قبره إلى أن سطّح بأمر من الرشيد، ودفن في جنينة ناحية من الكرخ مما يلي قطيعة الربيع، كما أنّه قد بُعث إلى تكفينه بأكفان كثيرة، فردّت جميعها، وكفن في أكفان الرشيد.[١٨]
المصاد والمراجع
- ابن شهر آشوب، محمد بن علي، معالم العلماء، د م، د ن، د ت.
- ابن وردي، عمر بن مظفر بن عمر بن محمد، تاريخ ابن وردي، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1417 هـ/ 1996 م.
- أغا بزرك الطهراني، محمد محسن بن علي، الذريعة، بيروت، دار الأضواء، د.ت.
- الأصفهاني، أبو الفرج علي بن الحسين بن محمد، الأغاني، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1415 هـ.
- الأمين، محسن العاملي، أعيان الشيعة، حققه وأخرجه وعلق عليه: السيد حسن الأمين، بيروت، دار التعارف للمطبوعات، د ت.
- الأميني، عبد الحسين بن أحمد، الغدير، بيروت، الأعلمي للمطبوعات، ط 1، 1994 م.
- التستري، محمد تقي، قاموس الرجال، قم، مؤسسة النشر الإسلامي التاربعة لجامعة المدرسين، ط 1، د ت.
- الحميري، أبو هاشم أو أبو عامر إسماعيل بن محمد بن يزيد، الديوان، شرحه وضبطه وقدم له: ضياء حسين الأعلمي، بيروت، الأعلمي للمطبوعات، ط 1، د ت.
- الخوانساري، محمد باقر بن زين العابدين بن جعفر، روضات الجنات د م، الدار الإسلامية، ط 1، 1991 م.
- الشوستري، محمد تقي، مجالس المؤمنين، د م، بهمن، د ت.
- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم والملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دار التراث، 1967 م.
- العسقلاني، الحافظ ابن حجر أحمد بن علي، لسان الميزان، اعتنى به وحققه: الشيخ عبد الفتاح أبو عدَّة، د م، المطبوعات الإسلامية، ط 1، د ت.
- القهبائي، عناية الله، مجمع الرجال، صححه وعلق عليه: السيدضياء الدين العلامة، د م، د ن، د ت.
- الكتبي، محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن، فوات الوفيات، تحقيق: إحسان عباس، بيروت، دار صادر، ط 1، 1974 م.
- الكشي، محمد بن عمر بن عبد العزيز، رجال الكشي ، د م، د ن، د ت.
- صلاح الدين، محمد بن شاكر بن أحمد بن عبد الرحمن، فوات الوفيات، حققه: إحسان عباس، بيروت، دار صادر، ط 1، 1973 م.
- ↑ الشاعر المطبوع اصطلاح نقدي والمقصود به أن الشاعر لا يتكلف في كتابة قصائده.
- ↑ ابن شاكر كتبي، فوات الوفيات، ج 1، ص 189؛ ابن حجر، لسان الميزان، ج 1، ص 676.
- ↑ أبوالفرج، الأغاني، ج 7، ص 167؛ ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج 6، ص 343.
- ↑ الشوشتري، مجالس المؤمنين، ص 502.
- ↑ الكشي، الرجال، ص 288؛ الأمين، أعيان الشيعة، ج 3، ص 406؛ شوشتري، مجالس المؤمنين، ص 503؛ قهبائي، مجمع الرجال، ج 3، ص 185؛ التستري، قاموس الرجال، ج 2، ص 108.
- ↑ ابن حجر، لسان الميزان، ج 1، ص 675؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، ج 7، ص 167.
- ↑ صلاح الدين، فوات الوفيات، ج 1، ص 19.
- ↑ الشوشتري، مجالس المؤمنين، ص 503.
- ↑ ابن حجر، لسان الميزان، ج 1، ص 674؛ التستري، قاموس الرجال، ج 2، ص 109-110؛ الطبري، المنتظم في تاريخ الأمم والملوك، ج 9، ص 39؛ ابن شهر آشوب، معالم العلماء، ص 146؛ آقا بزرك الطهراني، الذريعة، ج 9-1، ص 268.
- ↑ الشنب: البياض والبريق والتجديد في الأسنان.
- ↑ الوفرة: ما جاوز شحمة الأذنين من الشعر.
- ↑ الخوانساري، روضات الجنات: ج1، ص108.
- ↑ الآغا بزرك الطهراني، الذريعة، ج 9، ص 268.
- ↑ ابن شاكر كتبي، فوات الوفيات، ج 1، ص 189؛ ابن وردي، تاريخ ابن الوردي، ج 1، ص 196؛ شوشتري، مجالس المؤمنين، ص 517.
- ↑ ابن حجر، لسان الميزان، ج 1، ص 676.
- ↑ أميني، الغدير، ج 2، ص 317.
- ↑ الطبري، المنتظم في تاريخ الأمم و الملوك، ج 9، ص 41.
- ↑ للمزيد من المعلومات التستري، قاموس الرجال، ج 2، ص 109؛ الشوشتري، مجالس المؤمنين، ص 517؛ الحميري، الديوان، ص 17.