الإمامية
الاثنا عشرية، أو الشيعة الجعفرية أو الإمامية هي أحد المذاهب الشيعية يرى أتباعها أن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) قد نصّ على خلافة علي بن أبي طالب (عليه السلام) وإمامته من بعده، ومن بعد علي (ع) تكون الإمامة في أحد عشر إماماً من ولده كلّهم منصوص عليهم، وأنهم الحماة الحقيقيون والمبينون لواقع الإسلام وقيمه ومثله، وأنهم معصومون وعلى الجميع طاعتهم والامتثال لأمرهم.
وقد كان للشيعة الإثني عشرية دور بارز - وعلى مر التاريخ - في جميع الصعد الثقافية والسياسية والفكرية وخاصة في العقود الأخيرة، حيث لعب هؤلاء دوراً بارزاً في السياسة والاجتماع والمتغيّرات التي تطال العالم بأسرة.
تاريخ نشوئها
هناك عدة آراء حول تاريخ نشوء الشيعة، فيرى البعض أنها كانت موجودة إبان حياة النبي (ص)، ويرى آخرون أنها نشأت بعد قضية السقيفة، أو بعد مقتل عثمان، أو بعد قضية الحَكَميّة.[١] والجدير ذكره أنّ استعمال مصطلح الشيعة لم يكن مختصا بمن يعتقد بالإمامة الإلهية للأئمة الاثني عشر في القرون الأولى بعد ظهور الإسلام، بل كان تطلق الشيعة على المحبين لأهل بيت النبي، أو الذين يقدّمون الإمام علي(ع) على عثمان أيضا.[٢] وكان انتماء الكثير من شيعة أهل البيت من القسم الثاني والثالث.[٣] ويرى بعض الباحثين أن الشيعة كانتماء عقَدي أو روحي كانت موجودة مند عصر الإمام علي(ع)، حيث أنّ البعض من أصحابه كانوا يرون أنّتعيينه للإمامة بعد النبي (ص) كان من قبل الله تعالى.[٤] إلا أنّ عدد هؤلاء كان قليلا.[٥] وفي عصر الإمامين الحسن والحسينعليهما السلام رغم ازدياد عدد الشيعة، إلا إنه لم يبلغ حداً يمكن اعتبارها فرقة دينية متمايزة.[٦]
وفي نهايات القرن الثالث الهجري تمايزت الشيعة الإمامية عن سائر الفرق الشيعية، فبعد وفاة الإمام العسكري(ع) ذهب الشيعة -الذين يرون بعدم خلو الأرض عن الحجة- إلى وجود الإمام الثاني عشر وغيبته، فهؤلاء اشتهروا بـ«الإمامية» أو «الاثني عشرية».[٧] ومنذ ذلك تزايد عدد أتباع هذه الفرقة، بحيث روي عن الشيخ المفيد أن الإمامية الاثنا عشرية القائلة بإمامة ابن الإمام العسكري(ع) أصبحت في عام 373 هـ أكثرُ فِرق الشيعة عدداً.[٨]
عقائد الشيعة الاثني عشرية
الإمامة
تعد عقيدة الإمامة المحور الأساسي والمائز الرئيسي بين الشيعة وبين غيرهم من فرق المسلمين، حيث ذهبت الشيعة إلى الإعتقاد – انطلاقاً من القرآن وأحاديث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله - بأن الرسول صلى الله عليه وآله قد نصبه، وبما لا ريب فيه علي بن أبي طالب عليه السلام إماماً للمسلمين، وأنه صلى الله عليه وآله بلغ الأمر بإمامته إلى جميع المسلمين ومن بعده عليه السلام تكون الإمامة للمعصومين عليه السلام من أبنائه- الأحد عشر- من ولد فاطمة عليها السلام، وعلى جميع المسلمين الامتثال لأمرهم والتسليم بإمامتهم، وهم:
- الإمام علي بن أبي طالب أمير المؤمنين .
- الإمام الحسن بن علي المجتبى .
- الإمام الحسين بن علي سيد الشهداء .
- الإمام السجاد زين العابدين .
- الإمام محمد بن علي الباقر .
- الإمام جعفر بن محمد الصادق .
- الإمام موسی بن جعفر الكاظم .
- الإمام علي بن موسى الرضا .
- الإمام محمد بن علي الجواد .
- الإمام علي بن محمد الهادي .
- الإمام الحسن بن علي العسكري .
- الإمام المهدي الحجة ابن الحسن .
تعتقد الشيعة واستناداً إلى آية الإبتلاء أن مقام الإمامة والذي ناله كل من إبراهيم ولوط وإسحاق ويعقوب والنبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم أرفع من مقام النبوة؛ وذلك لأنّ إبراهيم إنما حبي به في أخريات حياته، وقد كان قد حبّي من قبل بمقامي النبوة والخلة، وإنّه إنما نال مقام الإمامة بعد تجاوزه للاختبارات والابتلاءات الصعبة التي ابتلاه الله بها كالأمر بذبح ابنه إسماعيل.
وقد ورد في الأحاديث الشريفة التأكيد على مقام الإمامة وأهميته، فقد روي عن النبي الأكرم صلی الله عليه وآله وسلم أنّه قال: «مَنْ ماتَ و لا يعرِفْ إمامَه، ماتَ ميتَةً جاهِليةً».[٩] ونظائره من الأحاديث التي تحمل نفس المضمون.[١٠] وعليه تكون الإمامة من الأركان الأساسية للدين الإسلامي الحنيف والتي من دونها يعيش الإنسان الجاهلية.
ويستفاد من هذا الحديث أيضاً أن الجهل بالإمام مع حضوره يؤدي إلى ميتة الجاهلية، ولا يمكن تفسير الحديث بغير هذا المعنى لوضوح دلالته.[١١][١٢]
ومن الأمور التي تعتقدها الشيعة أن للإمام جميع ما للرسول إلاّ وحي النبوة، وأنّ الإمام يقوم بشؤون الرسالة في ثلاثة محاور أساسية[١٣]:
- المرجعية الثقافية: وتستفاد هذه المهمة الموكلة إلى أهل البيت عليهم السلام من حديث الثقلين المجمع عليه في المصادر الرئيسة للفريقين، حيث رسم طريق النجاة من الضلال، وحدد معالمها من خلال التمسك بالثقلين القرآن الكريم والعترة المطهرة التي تمثل العدل الثاني في المعادلة، مما يؤمن سلامة الطريق والضمان من الوقوع في الضلال والانحراف. وتظهر الحاجة إلى الثقلين كمرجعية ثقافية فيما إذا أخذنا بنظر الاعتبار عدم توفر الفرصة للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في الإجابة عن جميع التساؤلات وبيان الأحكام من جهة وظهور موضوعات مستجدة من جهة أخرى، مما يلزم أن تواصل الطريق مرجعية ثقافية أمينة ومعصومة.
ولا ريب أن الإمام هو الواسطة الأمينة التي تنقل للأمة المعارف الدينية عن رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم والسهر على الشريعة وصيانتها من الزيغ والتحريف، بالإضافة إلى بيان أحكام المسائل المستجدة التي لم تسنح الفرصة لبيانها من قبل الرسول صلی الله عليه وآله وسلم، وإنما أودعها لدى الأئمة ليبينوها في وقتها المناسب.
- القيادة الاجتماعية والسياسية: المهمة الثانية التي تقع على كاهل الإمام بعد النبي صلی الله عليه وآله وسلم مسؤولية حفظ النظام الاجتماعي للمجتمع الإسلامي وإقامة العدل وإجراء الأحكام الإسلامية ذات البعد الاجتماعي كالحدود و...
- الولاية: من الأمور الأخرى التي تؤمن بها الشيعة أنّ الأئمة ولقربهم المعنوي من الله قد منحهم الله الولاية التكوينية وأنّ على جميع المؤمنين طاعتهم والامتثال لأمرهم.
والملاحظ في الفكر الشيعي أن الإمام هو الإنسان الكامل وأنه خليفة الله في الأرض، ومن هنا نرى بعض الروايات تشير إلى أن الإمامة هي غاية الخلق وفلسفته إلى الحد الذي يقول فيه الإمام: «لو بقيت الأرض بغير إمام لساخت».[١٤]
صفات الإمام
- العصمة: تعتقد الشيعة بأنّ الأئمة عليهم السلام معصومون شأنهم شأن النبي صلى الله عليه وآله في هذه الحيثية؛ بمعنى استحالة صدور الذنب والمعصية والنسيان والخطأ منهم. وتستند الشيعة في معتقدها هذا إلى القرآن الكريم، كآية التطهير وآية أولي الأمر، والأحاديث النبوية كحديث الثقلين وحديث علي مع الحق.
- الأفضلية: ومن الأمور التي تؤمن بها الشيعة ضرورة كون الإمام هو الأفضل من الكل في زمانه تقوى وعلماً وتقرباً من الله تعالى وفي سائر الصفات اللازم توفرها في الإمام والقائد كالشجاعة.
- العلم: تعتقد الشيعة بأن الأئمة (عليهم السلام) يتوفرون على العلم الإلهي الذي حصلوا عليه عن طريقي الإلهام وتعليم النبي الأكرم صلى الله عليه وآله لهم بالمباشرة أو عن طريق نقل الإمام السابق للإمام اللاحق، ومن هنا يكون الأئمة هم العالمين حقيقة بعلوم الشريعة فقهاً وتفسيراً وعقائداً و....
- النصب الإلهي: الأمر الآخر الذي تؤمن به الشيعة هو الاعتقاد بكون منصب الإمامة كمنصب النبوة لا يحق لأي أحد التدخل به نصباً وعزلاً، وإنما هو من شؤون الباري تعالى؛ لأنّ «اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ»، فلا مشروعية لمن يتصدى لمنصب الإمام إلاّ إذا نصب من قبل الله تعالى وعلى لسان نبيّه الكريم، ولا قيمة للإجماع أو الشورى وما شابه ذلك.
في المقابل إنّ المدرسة السنية تؤمن بوجوب الإذعان لمن تم نصبه من قبل النبي نصاً، إلاّ أنهم يناقشون في وقوع هذا النص، ويقولون: بأنّ النبي صلى الله عليه وآله سكت عن هذا الأمر، وأنّه مات ولم يستخلف وترك الأمر إلى الأمة هي التي تختار. ويخالفهم الشيعة في ذلك ويؤكدون اهتمام النبي صلى الله عليه وآله بهذه القضية وأنه عيّن للأمة الخليفة الشرعي من بعده بالاسم تارة وبالصفة تارة أخرى، بدأ من أمير المؤمنين (عليه السلام) وانتهاء بالإمام الحجة المهدي (عج). وقد ساقوا في ذلك الكثير من الأدلة منها:
آية الولاية، آية إكمال الدين، حديث الغدير، حديث المنزلة، حديث يوم الدار، حديث الإثني عشر خليفة، حديث جابر (اللوح)، حديث القلم والدواة.
المهدوية
تؤمن الشيعة بأنّ الإمام الثاني عشر مازال حياً، وأنّه الإمام الشرعي، وقد شاءت الإرادة الإلهية والحكمة الربانية عن الأنظار غيبتين:
- الغيبة الصغرى بدأت بعد وفاة الإمام الحسن العسكري عليه السلام، والتي كان يتواصل خلالها مع الجماهير عن طريق النواب الأربعة.
- الغيبة الكبرى بدأت بعد انتهاء مرحلة الغيبة، ما زالت مستمرة حتى الآن.
لم يعلم الوقت الذي يأذن الله تعالى به في خروجه عليه السلام، ولا يحق لأي شخص في تلك الفترة أن يدعي النيابة الخاصة عنه، وكل من يدعي ذلك فهو كذّاب. نعم، ذكرت المصادر الروائية مجموعة من العلامات التي تقع قبل ظهوره بفترة قصيرة.
فضائل أهل البيت عليهم السلام
اتفقت كلمة المسلمين على وجوب احترام أهل البيت عليهم السلام وتوقيرهم ومحبتهم، إلا أنّ الفكر الشيعي يرى لأهل البيت منزلة خاصة وأنّهم أصحاب الكساء الذين نزلت آية التطهير بحقهم وهم الذين جمعهم الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله تحت الكساء، ولم يدخل معهم غيرهم وهم: النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وأمير المؤمنين عليه السلام وفاطمة الزهراء (عليها السلام) والحسن والحسين عليه السلام، بالإضافة إلى التسعة المعصومين عليهم السلام من ذرية الإمام الحسين عليه السلام.
وقد أكد فضلهم وتميزهم - وخاصة أمير المؤمنين عليه السلام - عن سائر الناس، وهم الأفضل إلا النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، فهناك الكثير من الآيات والروايات التي تدل على ذلك، منها: آية التطهير، آية المباهلة، آية المودة، آية الولاية، سورة الإنسان، آية النجوى، حديث الثقلين، حديث يوم الدار، حديث الطائر المشوي، حديث السفينة.
الاثنا عشرية والتصدي لظاهرة الغلو
إن الشيعة مع اعتقادهم بكون الأئمة عليهم السلام هم الأفضل، وأنهم معصومون، ولهم صفات لا يشاركهم فيها غيرهم، لكنهم مع ذلك لا يخرجونهم عن البشرية، ويرون أنّهم بشر مخلوقون لله تعالى، وأنهم عبيده، وأنه تعالى اختارهم خلفاءً له في الأرض ليواصلوا مهمة الدفاع عن الرسالة المحمدية وتطبيقها في الأرض. كل ذلك بتسديد الله تعالى لهم، وأنهم كسائر الناس يتزاوجون، ويأكلون الطعام، ويمرضون، ويموتون و.... فلا يغالون فيهم، بل يكفرون الغلاة. وقد تصدى أئمة الشيعة وعلماؤهم لظاهرة الغلو بكل قوة على مرّ التاريخ.[١٥]
وبعد أن استعرض العلامة المجلسي الروايات الكثيرة في هذا الباب أشار إلى علامات الغلو قائلاً: «اعلم أن الغلو في النبي والأئمة عليهم السلام إنما يكون بالقول بإلوهيتهم أو بكونهم شركاء لله تعالى في المعبودية أو في الخلق والرزق أو أن الله تعالى حل فيهم أو اتحد بهم، أو أنهم يعلمون الغيب بغير وحي أو إلهام من الله تعالى أو بالقول في الأئمة عليهم السلام أنهم كانوا أنبياء أو القول بتناسخ أرواح بعضهم إلى بعض، أو القول بأن معرفتهم تغني عن جميع الطاعات ولا تكليف معها بترك المعاصي. والقول بكل منها إلحاد وكفر وخروج عن الدين، كما دلت عليه الأدلة العقلية والآيات والأخبار السالفة وغيرها، وقد عرفت أن الأئمة عليهم السلام تبرؤوا منهم، وحكموا بكفرهم، وأمروا بقتلهم، وإن قرع سمعك شيء من الأخبار الموهمة لشيء من ذلك، فهي إما مؤولة أو هي من مفتريات الغلاة».[١٦]
بعض الفروع الاعتقادية الخاصة بالاثني عشرية
تعتقد الشيعة الاثني عشرية وانطلاقاً من المعارف التي تلقتها من أهل البيت عليهم السلام بأمور أضفت على الكلام الشيعي صبغة الاستقلالية، منها:
أمر بين الأمرين
وقعت مسألة القضاء والقدر مثار جدل بين متكلمي المسلمين، فذهب البعض منهم إلى نفيها ظناً منهم أنّها تتعارض مع اختيار الإنسان، إلاّ أن الشيعة حاولت حل الإشكالية بين القول بالقضاء والقدر من جهة وبين الاختيار من جهة أخرى؛ وذلك بطرح نظرية الأمر بين الأمرين والتي تختلف اختلافاً جوهرياً مع كل من نظريتي الجبر والتفويض. وعليه يكون الإنسان مختاراً في فعله، وأنّه الفاعل الحقيقي لما يصدر عنه، ولكنه في الوقت نفسه لم يخرج عن حيطة القدرة الإلهية.
البداء
عقيدة البداء من العقائد التي شنّع فيها على الشيعة جهلاً بما يذهب إليه الشيعة في هذه المسألة، ومن هنا فصّل علماؤها بين البداء للإنسان والبداء بالنسبة لله تعالى بالقول: البداء في الإنسان: أن يبدو له رأي في شيء لم يكن له ذلك الرأي سابقاً بأن يتبدَّل عزمه في العمل الذي كان يريد أن يصنعه؛ إذ يحدث عنده ما يغيِّر رأيه وعلمه به، فيبدو له تركه بعد أن كان يريد فعله، وذلك عن جهل بالمصالح، وندامة على ما سبق منه.
والبداء بهذا المعنى يستحيل على الله تعالى؛ لأنّه من الجهل والنقص، وذلك محال عليه تعالى، ولا تقول به الإمامية.
والصحيح في ذلك أن نقول كما قال الله تعالى في محكم كتابه المجيد: «يَمْحوُا اللهُ ما يَشَآءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ».[١٧]
ومعنى ذلك: أنّه تعالى قد يُظهر شيئاً على لسان نبيِّه أو وليِّه، أو في ظاهر الحال لمصلحة تقتضي ذلك الإظهار، ثم يمحوه فيكون غير ما قد ظهر أولاً، مع سبق علمه تعالى بذلك، كما في قصة إسماعيل عليه السلام لما رأى أبوه إبراهيم عليه السلام أنّه يذبحه. وقريب من البداء في هذا المعنى نسخ أحكام الشرائع السابقة.[١٨]
الرجعة
تذهب الإمامية ـ أخذاً بما جاء عن آل البيت عليهم السلام ـ إلى الاعتقاد بأنّ الله تعالى يعيد قوماً من الأموات إلى الدنيا في صورهم التي كانوا عليها، فيعزّ فريقاً، ويذلّ فريقاً آخر، ويديل المحقّين من المبطلين والمظلومين منهم من الظالمين، وذلك عند قيام مهدي آل محمّد (عج). وهذا المعتقد لا يلتقي بحال من الأحوال مع ما تذهب إليه بعض الفرق من القول بالتناسخ والذي تبطله الشيعة.
الطقوس والشعائر
في الوقت الذي تشارك فيه الشيعة سائر المسلمين في الاحتفاء ببعض المناسبات الإسلامية كعيدي الفطر والأضحى ومبعث النبي الأكرم صلى الله عليه وآله تنفرد بإحياء مناسبات دينية ومذهبية أخرى من قبيل عيد الغدير الذي يصادف الثامن عشر من ذي الحجة والذي أعلن فيه الرسول صلى الله عليه وآله ولاية علي عليه السلام على جمهور غفير من المسلمين عند رجوعه من حجة الوداع وأمرهم بمبايعته (عليه السلام) إماماً للمسلمين وخليفة له صلى الله عليه وآله.
وكذلك تحيي الشيعة مواليد الأئمة عليهم السلام وخاصة ميلاد الإمام الثاني عشر في النصف من شعبان.
كذلك تحيي الشيعة مناسبات الحزن، ومن أبرزها إحياء ذكرى شهادة الإمام الحسين عليه السلام وصحبه الأبرار في شهري محرم وصفر من كل عام بطقوس مختلفة غير خافية على الجميع، حتى أصبحت تلك المراسم بمثابة المؤشر إلى هوية بلدان ومدن الشيعة.
ومن المستحبات التي تؤكد عليها الشيعة كثيراً زيارة قبور الأئمة والحضور عندها.
فقه الشيعة
تطلق مفردة الفقة ويراد منها اصطلاحاً العلم باستنباط الأحكام الشرعية وتحديد الوظائف العملية، من مصادرها الأصلية، حيث ترى الشيعة أن الإنسان مشمول بالأحكام الخمسة التي هي[١٩]: الوجوب، الاستحباب، الإباحة، الكراهة، الحرمة.
وإنّ جميع تلك الأحكام مصدرها الله تعالى. ولعدم وضوحها يقوم الفقهاء الذين يملكون القدرة العلمية والطريقة المنهجية التي تساعدهم في الوصول إليها باستنباطها ومعرفتها بعد مراجعة المصادر الأصلية من كتاب وسنة.
ومن الأمور التي تؤمن الشيعة بها هنا أن الفقه كسائر العلوم لابد من الرجوع فيه إلى الأئمة المعصومين (عليهم السلام) وإلى المنهج الذي رسموه لنا، ولا يحق لأحد مهما كان تخطيه وعدم الالتزام به.
وقد اختلف الشيعة مع سائر الفرق الإسلامية عند استنباطهم للأحكام الشرعية، في أمور هي:
طريق الوصول إلى سنّة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله)
يذهب الفقهاء من أهل السنة إلى القول بعدالة الصحابة جميعا؛ ولهذا يرجعون إليهم في الرواية واستنباط الحكم الشرعي من خلال الرجوع إلى كلامهم، وتخالفهم الشيعة هنا حيث لا ترى جميع الصحابة يجوز الأخذ منهم، بل يؤخذ من خصوص من ثبتت وثاقته إضافة إلى الأخذ – وهو العمدة- عن أهل البيت عليهم السلام والثقات من أصحابهم.
الاجتهاد
ينحصر الفقه السني بفقهاء المدينة والعراق والذين سميت المذاهب الأربعة بأسمائهم، فيما ذهب الشيعة إلى فتح باب الاجتهاد، وأنّ لكل شخص حق الاستنباط فيما إذا توفرت فيه الشروط اللازمة للاجتهاد.
والمجتهد هو الشخص الذي طوى مدارج علمية خاصة كالمنطق وعلوم اللغة وأصول الفقه والرجال والدراية بحيث يصبح متمكنا من استنباط الحكم الشرعي من مصادره الأصلية، وإنّ مراجع التقليد يظهرون من وسط هؤلاء الفقهاء والمجتهدين مع توفر شروط أخرى بالإضافة إلى البعدين العلمي والاجتهادي.
مصادر الفقه الشيعي
المصادر الأساسية للفقه الشيعة تتمثل في القرآن الكريم والسنة المطهرة بالإضافة إلى العقل والإجماع.
وإنّ القرآن الكريم يقع في قمة الصدارة من بين تلك المصادر، فهو المصدر الأول للاستنباط وأنّ ظواهره حجة خلافاً للإخبارية التي ظهرت في الوسط الشيعي حيث رفضوا القول بحجية ظاهر القرآن ما لم يرد تفسير من المعصومين (عليهم السلام) فيه.
أما بالنسبة إلى السنة الشريفة فلا ريب في إيمان الشيعة بحجيتها، إلاّ أنّ فقهاء الشيعة يتشددون في إثباتها إلى المعصومين (عليهم السلام) واضعين مجموعة من الشروط التي يجب توفرها في الحديث سنداً ودلالة لإثبات صدوره عن المعصوم، ومن أهم تلك الشروط وثاقة رواة الحديث وصدقهم، وقد أفردوا علم الرجال ليتولى هذه المهمة الخطيرة. يضاف إليه علم الدراية وغيره من العلوم التي تعالج الحديث سنداً ومتناً ودلالة. فإذا توفرت الشروط أخذوا بالحديث في الفتوى، وإلا فلا.
أما الإجماع فيعني اتفاق كلمة الفقهاء في مسالة واحدة، وهو ثالث الأدلة التي استند إليها الفقهاء في استنباطهم للحكم الشرعي، وذلك من خلال كشف الإجماع عن قول المعصوم (عليه السلام) لحكم من الأحكام، فالإجماع ليس دليلاً قائماً بنفسه مقابل الأدلّة الثلاثة: الكتاب السنة العقل. فالإجماع كاشف عن الدليل الشرعي وهو دليل على الحكم الشرعي، وليس الإجماع كاشفاً عن الحكم الشرعي مباشرةً، خلافاً لفقهاء أهل السنة حيث اعتبروا الإجماع دليلاً مستقلاً بنفسه وأنّه حجة مستقلة.
العقل: أما بالنسبة إلى المصدر الرابع وهو العقل فقد وقع مدار بحث مفصل بين الأصوليين الشيعة؛ إذ البحث فيه يستوجب البحث في الحسن والقبح ومعانيهما المختلفة، والتعرُّض لمعنى العقل يدعو إلى تقسيمه إلى عقل نظري وعقل عملي، والكلام أخيراً عن الأحكام الشرعية والأحكام العقلية ينقل إلى البحث حول مفهوم قاعدة الملازمة: أعني «كل ما حكم به العقل حكم به الشرع»، وفي النتيجة يتبين موقع ومقام العقل باعتباره أحد الأدلة الأربعة.[٢٠]
رفض القياس
صحيح أنّ الشيعة قد سلّمت بحجية العقل وكونه أحد مصادر الاستنباط الشرعي، إلاّ أنّها رفضت القياس والاستحسان انطلاقاً من الروايات الصادرة عن المعصومين (عليهم السلام) والنافية للقياس والاستحسان؛ لأنّهما لا يفيدان إلا الظن الذي لم تثبت له الحجة بدليل قطعي.
فروع الدين عند الإمامية
تذهب الشيعة إلى القول بأنّ فروع الدين عشرة هي:
التقية
لا ريب أنّ كلّ إنسان إذا أحسَّ بالخطر على نفسه أو ماله بسبب نشر معتقده أو التظاهر به لا بدَّ أن يتكتَّم ويتّقي في مواضع الخطر، وهذا أمر تقضيه فطرة العقول. فالتقية التي تؤمن بها الشيعة وانطلاقاً من الظلم والتعسف الذي لحق بهم على مر التاريخ: هي كتمان الحق، وستر الاعتقاد فيه، ومكاتمة المخالفين وترك مظاهرتهم بما يعقب ضرراً في الدين والدنيا. وهي من الأمور التي يشنّع بعض الناس، ويزدري على الشيعة بقولهم بها؛ جهلاً منهم بمعناها وبموقعها وحقيقة مغزاها، ولو تثبتوا في الأمر، وتريّثوا، وصبروا، وتبصّروا لعرفوا أنّ التقية لا تختص بالشيعة، ولم ينفردوا بها، بل هي من ضروري العقل، وعليه جبلّة الطباع وغرائز البشر مستندها القرآن الكريم [٢١] ورائدها القرآن والعلم، وقائدها العقل، ولا تنفك عنهم قيد شعرة؛ إذ أنّ كل انسان مجبول على الدفاع عن نفسه والمحافظة على حياته. [٢٢]
الزواج المؤقت
اتّفقت كلمة المسلمين في أصل مشروعيّة الزواج المؤقت في زمن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله، وأنّه صلى الله عليه وآله شرع هذا النوع من الزّواج، وقد فعله جماعة من الصحابة انطلاقاً من قوله تعالى: «فما اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنهُنَّ فآتُوهُنَّ أُجورَهُنَّ فَرِيضةً»،[٢٣] إلاّ أنّ فقهاء أهل السنة ذهبوا إلى منسوخية هذا الحكم، وأنّه إنّما كان جائزاً قبل النّسخ، في حين ذهب الشّيعة إلى القول بعدم ثبوت هذا النّسخ، وأنّ ما سيق من أدلة لإثبات النّسخ غير تامّة.[٢٤]
الأماكن المقدسة عند الشيعة الإمامية
يجمع المسلمون بكل مذاهبهم على قداسة كل من مكة المكرمة والمدينة المنورة وبيت المقدس، وقد أضيف إلى ذلك في الفكر الشيعي كل من كربلاء والنجف الأشرف والكاظمية وسامراء ومشهد والتي تحتضن مراقد لأئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وتعد مزاراً تهفوا إليه القلوب، إضافة لمدينة قم ودمشق.
المصادر والمراجع
- جعفريان، رسول، تاريخ تشيع در ايران از آغاز تا طلوع دولت صفوي، طهران، علم، ط 4، 1390 هـ ش.
- السيد المرتضى، الفصول المختارة من العيون والمحاسن، قم، المؤتمر العالمي لألفية الشيخ المفيد، 141 هـ.
- فياض، عبد الله، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، بغداد، مطبعة أسعد، ۱۹۷۰م.
- ↑ فياض، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، ص35 - 37.
- ↑ جعفريان، تاريخ تشيع در ايران از آغاز تا طلوع دولت صفوي، ص22، 27.
- ↑ فياض، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، ص 45 - 46.
- ↑ جعفريان، تاريخ تشيع در ايران از آغاز تا طلوع دولت صفوي، ص29، 30.
- ↑ فياض، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، ص 45 - 46.
- ↑ فياض، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، ص 46.
- ↑ فياض، تاريخ الإمامية وأسلافهم من الشيعة، ص 79 - 82.
- ↑ السيد المرتضى، الفصول المختارة، ص 321.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 3، ص 58.
- ↑ ابن حبان، صحيح ابن حبان ج 10، ص 434.
- ↑ التفتازاني، شرح المقاصد، ج5، ص239.
- ↑ نصیر الدین الطوسی، تلخيص المحصل، ص407.
- ↑ المطهري، مرتضى، امامت و رهبري (الإمامة والقيادة)، ص 58 - 60.
- ↑ الكليني، الكافي، ج1، ص 437.
- ↑ الكراجكي، البيان عن جمل اعتقاد أهل الإيمان.
- ↑ بحار الأنوار ج 25، ص 261.
- ↑ الرعد(13)، 39.
- ↑ المظفر، عقائد الإمامية، عقيدتنا في البداء.
- ↑ أصل الشيعة و أصولها، (صلى الله عليه وآله) 161.
- ↑ السيد محمد علي الحسيني البقاعي اللبناني، الحكم الشرعي وتقسيماته، المبحث الخامس: العقل.
- ↑ آل عمران(3): 28.
- ↑ المظفر، عقائد الإمامية ص 119.
- ↑ النساء(4): 24.
- ↑ كاشف الغطاء، محمد حسين، أصل الشيعة وأصولها، (صلى الله عليه وآله) 198.