وليد بن جابر الطائي البختري
اسمه
وليد بن جابر بن ظالم بن ظالم الطائي البختري
نبذة عنه
فارس متكلم شاعر صحابي. وفد على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فأسلم ، ثم صحب أمير المؤمنين (عليه السلام) وشهد معه صفّين. وكان من رجاله المشهورين. ثم وفد على معاوية في الاستقامة ، وكان معاوية لا يثبته معرفة بعينه. فدخل عليه في جملة الناس ، فلما انتهى إليه استنسبه ، فانتسب له ، فقال : أنت صاحب ليلة الهرير؟ قال : نعم ، قال : والله ما تخلو مسامعي من رجزك تلك الليلة ، وقد علا صوتك أصوات الناس ، وأنت تقول :
شعره
شدوا فداء لكم أمي وأب
|
فإنّما الأمر غدا لمن غلب
| |
هذا ابن عم المصطفى والمنتجب
|
تنمه للعلياء سادات العرب
| |
ليس بموصوم إذا نص النسب
|
أوّل من صلّى وصام واقترب
|
قال : نعم أنا قائلها. قال : فلما ذا قلتها؟ قال : لأنّا كنا مع رجل لا نعلم خصلة توجب الخلافة ، ولا فضيلة تعبر إلى التقدمة. إلا وهي مجموعة له ، كان أول الناس إسلاما ، وأكثرهم علما ، وأرجحهم حلما ، فات الجياد فلا يشق غباره ، يستولي على الأمد فلا يخاف عثاره ، وأوضح منهج الهدى فلا يبيد مناره ، وسلك المقصد فلا تدرس آثاره ، فلما ابتلانا الله تعالى بافتقاده ، وحوّل الأمر إلى من يشاء من عباده ، دخلنا في جملة المسلمين ، فلم ننزع يدا عن طاعة ، ولم نصدع صفاة جماعة ، على أنّ لك منّا ما ظهر ، وقلوبنا بيد الله ، وهو أملك بها منك ، فأقبل صفونا ، وأعرض عن كدرنا ، ولا تذكوا من الأحقاد ، فإنّ النار تقدح بالزناد.
قال معاوية : وإنّك لتهددني يا أخا طيء بأوباش العراق ، أهل النفاق ومعدن الشقاق؟ فقال : يا معاوية هم الذين أشرقوك بالريق ، وحبسوك في المضيق ، وذادوك عن سنن الطريق ، حتّى لذت منهم بالمصاحف ودعوت إليها من صدّق بها وكذّبت. وآمن بمنزلها وكفرت وعرف من تأويلها ما أنكرت.
فغضب معاوية ، وأدار طرفه فيمن حوله فإذا جلهم من مضر ، ونفر قليل من اليمن. فقال : أيّها الشقي الخائن إنّي لأخال أنّ هذا آخر كلام تفوه به (وكان عفير بن يوسف بن ذي يزن بباب معاوية حينئذ) فعرف موقف الطائي ، ومراد معاوية ، فخافه عليه فهجم عليه الدار ، وأقبل على اليمانية ، فقال : شاهت الوجوه ذلّا وقلا ، وجدعا وفلا ، كشم الله هذه الأنف كشما مرعبا. ثم التفت إلى معاوية ، فقال : إنّي والله يا معاوية ما أقول قولي هذا حبا لأهل العراق ، ولا جنوحا إليهم ، ولكن الحفيظة تذهب الغضب ، لقد رأيتك بالأمس خاطبت أخا ربيعة (يعني صعصعة بن صوحان) وهو أعظم جرما عندك من هذا ، وأنكأ لقلبك ، وأقدح في صفاتك ، وأجدّ في عداوتك وأشدّ انتصارا في حربك ، ثم أثبته وسرحته ، وأنت الآن مجمع على قتل هذا (زعمت) استصغارا لجماعتنا ، فإنا لا نمر ولا نحلى ، ولعمري لو وكلتك أبناء قحطان إلى قومك لكان جدّك العاثر ، وذكرك الدّاثر. وحدّك المفلول ، وعرشك المثلول ، فأربع على ظلعك ، واطونا على بلالبتنا ، ليسهل لك حزننا ، ويتطامن لك شاردنا ، فإنا لا نرأم بوقع الضيم ، ولا نتلمظ جرع الخسف. ولا نغمز بغماز الفتن ، ولا نذر على الغضب.
فقال معاوية : الغضب شيطان ، فاربع أيّها الإنسان فإنا لم نأت إلى صاحبك مكروها ، ولم نرتكب منه مغضبا ، ولم ننتهك منه محرّما ، فدونكه فإنّه لم يضق عنه حلمنا ويسع غيره.
فأخذ عفير بيد الوليد ، وخرج إلى منزله ، وقال له : والله لتؤبنّ بأكثر مما آب به معدي من معاوية ، وجمع من بدمشق من اليمانية ، وفرض على كل رجل دينارين في عطائه ، فبلغت أربعين ألفا فتعجلها من بيت المال ودفعها إلى الوليد ، وردّه إلى العراق.
المصدر
تنقيح المقال 3 / 279. الدرجات الرفيعة / 395. شرح ابن أبي الحديد 16 / 129 ، 131. قاموس الرجال 9 / 253. معجم الثقات / 353.