صعصعة بن صوحان
صعصعة بن صوحان، من أصحاب الإمام علي (ع) وشارك معه في معركة الجمل وصفين والنهروان، وكان خطيباً بليغاً، كما استخدم هذا الفن (الخطابة) في الدفاع عن الإمام علي (ع) والاحتجاج على معاوية بن أبي سفيان. كان من كبار أصحاب الإمام علي (ع) وقد مدحه وأثنى عليه، وعدّه الإمام الصادق (ع) من الأفراد المعدودين الذين يعرفون أمير المؤمنين حق معرفته. يعدُّ مسجد صعصعة في الكوفة من المساجد المعروفة المنسوبة له.
نسبه
صعصعة بن صوحان من قبيلة عبد القيس،[١] ولد بالقرب من القطيف وبعد فترة انتقل إلى الكوفة،[٢] فسمي بالكوفي أيضاً،[٣] وكنيته أبو طلحة،[٤] وله أخوان باسم زيد وصيحان وهما من شيعة الإمام علي (ع).[٥]
في عهد الخلفاء
أسلم صعصعة على عهد النبي الأكرم (ص)، لكنَّه لم يرَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم،[٦] وفي زمن عمر بن الخطاب، أرسل أبو موسى الأشعري مبلغاً من المال إلى عمر، فقسَّمه وتبقى قسماً منه، فسأل المسلمين حكم ما تبقى من المال، فقال صعصعة:
كان صعصعة من معارضي عثمان بن عفان في الكوفة، فنفاه عثمان مع آخرين إلى الشام ومنهم أخوه زيد بن صوحان ومالك الأشتر،[٨] وذكرت المصادر التاريخية حواراً انتقد فيه صعصعة عثمان وسياسته في إدارة شؤون المسلمين.[٩]
صحبته للإمام علي (ع)
ذكر الشيخ المفيد أنَّ صعصعة كان من كبار أصحاب الإمام علي (ع)،[١٠] وذكر ابن قتيبة وهو من علماء القرن الثالث للهجرة أنَّ صعصعة من أشهر شخصيات الشيعة،[١١] وأورد المسعودي في مروج الذهب أنَّ الإمام علي (ع) عدَّ صعصعة من كبار العرب وفي مقدمة أصحابه،[١٢] وبناء على رواية نقلها الكليني وهي أنَّ الإمام علي (ع) اختاره شاهداً على وصيته.[١٣]
شارك في تشييع جنازة الإمام علي (ع)، وبعد الدفن أتى إلى قبره وحثى التراب على رأسه وهو يبكي، ويذكر فضائل الإمام علي (ع)، وقد سأل الله أن يجعله من محبيه وأتباعه،[١٤] وكان يعتقد أنَّ الخلافة لا تزان إلا بالإمام علي (ع)، معتبراً إنَّ الإمام علي (ع) هو الذي زين الخلافة وما زانته، ورفعها وما رفعته، وهي أحوج إليه من حاجته إليها.[١٥]
حضوره في الجمل وصفين والنهروان
شارك صعصعة في جميع المعارك التي حدثت في فترة حكم الإمام علي (ع)، فكان أخوه صيحان حامل لواء قبيلة عبد القيس في معركة الجمل، وبعد استشهاده حمل اللواء أخوه الآخر زيد، فاستشهد زيد فحمل اللواء من بعدهما صعصعة.[١٦]
كان في معركة صفين قائد قبيلة عبد القيس القاطنة في الكوفة،[١٧] وقبل أن تبدأ الحرب سيطر معاوية على مشرعة الماء، ومنع جيش الإمام علي (ع) منه، فأرسل الإمام صعصعة للتفاوض مع معاوية في هذا الأمر.[١٨]
وقبل بدء معركة النهروان بعثه الإمام علي (ع) إلى الخوارج للتفاوض وتقديم النصح لهم، فأكد في حواره معهم على الاقتداء بالإمام (ع)، وقد ذكر المفيد في كتاب الاختصاص تفاصيل حواره مع الخوارج.[١٩]
شفاعته للمنذر بن الجارود
ورد في بحار الأنوار للمجلسي أنَّ الإمام علي (ع) عيَّن المنذر بن الجارود والياً على منطقة، فأخذ من بيت المال مبلغاً، فسجنه الإمام علي (ع)، لكن تشفع صعصعة له، فأطلق صراح منذر.[٢٠] وورد في كتاب الغارات أنَّ صعصعة قال للإمام (ع): إنَّ أخت منذر بن الجاورد تبكي عليه كل يوم، فإطلق سراحه، وأنا أضمن لك أن يعيد ما أخذه من المال، فأجاب الإمام علي (ع): لا حاجة للضمانة، فليحلف أنَّه لم يأخذ مالاً، فأطلق سراحه.[٢١]
معارضته لمعاوية
ذكر الكشي في معرفة الرجال أنَّه: كان صعصعة ممن أخذ الإمام الحسن (ع) الأمان لهم من معاوية في صلحه،[٢٢] فلقي معاويةُ صعصعةَ بعد الصلح في الكوفة، وقال له: والله كنت أبغض أن تكون في أماني، فرد صعصعة عليه: والله، إني أيضاً أبغض أن أسميك بهذا الاسم، ثم سلَّم على معاوية بالخلافة، وقال له معاوية: إن كنت صادقاً فيما تقول فاصعد المنبر، والعن علي (ع)، فصعد صعصعة المنبر، وحمد الله، وأثنى عليه، فتحدث بكلام مكنى، وفيه إيهام وقال:" أيها الناس أتيتكم من عند رجل قدم شره، وأخر خيره، وأنَّه أمرني أن ألعن علياً، فالعنوه لعنه الله فضج أهل المسجد بآمين."[٢٣]
ذكر ابن أعثم الكوفي أنَّ معاوية قال ذات لكبار الكوفة: كيف ترون عفوي عنكم مع جهلكم، وأنتم تستحقون السجن؟ ثم ترحم معاوية على أباه أبي سفيان، مادحاً حلمه، وأنَّه لو ولد جميع الناس كانوا حلماء، فرد عليه صعصعة، وفنَّد قوله هذا.[٢٤]
مهارته في الخطابة
كان صعصعة خطيباً مهاراً، ووصفته المصادر التاريخية وكتب الحديث بأنَّه كان فصيحاً بليغاً،[٢٥] ونَعَته الإمام علي (ع) بالخطيب الشحشح، (أي البليغ)[٢٦] كما اعترف معاوية[٢٧] والمغيرة بن شعبة[٢٨] بفصاحته وبلاغته، وقد خاطبه معاوية باللسان الحديد.[٢٩]
يقول الكشي: إنِّ صعصعة وظَّف مهارته في الخطابة للدفاع عن الإمام علي (ع).[٣٠]
وفاته
توفي صعصعة في فترة حكم معاوية في الكوفة،[٣١] وذكرت بعض المصادر أنَّ المغيرة نفى صعصعة بأمر من معاوية إلى جزيرة في البحرين وتوفي فيها حوالي سنة 70 هـ.[٣٢]
ويوجد قبر منسوب لصعصعة في مدينة عسكر البحرينية، ويسمى مسجد صعصعة بن صوحان،[٣٣] وهناك مسجد أيضاً باسم مسجد صعصعة بالقرب من مسجد السهلة في الكوفة، وهو مقام كان يتعبد به.[٣٤]
الهوامش
المصادر والمراجع
- ابن أعثم الكوفي، أحمد بن أعثم، الفتوح، تحقيق: علي شيري، بيروت، دار الأضواء، 1411 هـ.
- ابن الأثير، علي بن محمد، أسد الغابة في معرفة الصحابة، بيروت، دار الفكر، 1409 هـ.
- ابن الأثير، علي بن محمد، الكامل في التاريخ، بيروت، دار صادر، 1385 هـ.
- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، تاريخ ابن خلدون، تحقيق: خليل شحادة، بيروت، دار الفكر، ط 2، 1408 هـ.
- ابن داود الحلي، حسن بن علي، رجال ابن داود، طهران، جامعة طهران، 1342 هـ.
- ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبري، بيروت، دار الكتب العلمية، 1418 هـ.
- ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، تحقيق: علي محمد البجاوي، دار الجيل، بيروت، 1412 هـ.
- ابن قتيبة، عبد الله بن مسلم، المعارف، تحقيق: ثروت عكاشة، القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1992 م.
- ابن مشهدي، محمد بن جعفر، المزار الكبير، تحقيق وتصحيح: جواد قيومي أصفهاني، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1419 هـ.
- الثقفي، إبراهيم بن محمد، الغارات أو الاستنفار والغارات، تحقيق وتصحيح: جلالالدين محدث، طهران، رابطة المؤلفات الوطنية، 1395 هـ.
- الذهبي، شمسالدين محمد بن أحمد، تاريخ الاسلام ووَفيات المشاهير والأعلام، محقق: بشار عوّاد معروف، دار الغرب الإسلامي، 2003 م.
- الزركلي، خير الدين، الاعلام، بيروت، دار العلم للملايين، 1989 م.
- الزمخشري، محمود بن عمر، الفائق في غريب الحديث، تحقيق وتصحيح: إبراهيم شمس الدين، بيروت، دار الكتب العلمية، 1417 هـ.
- السيد رضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، محقق: صبحي صالح، قم، هجرت، 1414 هـ.
- الشهيد الأول، محمد بن مكي، المزار في كيفية زيارات النبي والأئمة(ع)، قم، مدرسة الإمام مهدي(عج)، 1410 هـ.
- الكشي، محمد بن عمر، اختيار معرفة الرجال، تحقيق وتصحيح: محمد رجايي، قم، موسسة آل البيت، 1363 ش.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تحقيق وتصحيح: عليأكبر غفاري ومحمد آخوندي، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1407 هـ.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الانوار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403 هـ.
- المسعودي، علي بن الحسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: داغر أسعد، قم، دار الهجرة، 1409 هـ.
- المفيد، محمد بن محمد، الاختصاص، تحقيق وتصحيح: علياكبر غفاري ومحمود محرمي زرندي، قم، المؤتمر العالمي لإلفية الشيخ المفيد، 1413 هـ.
- المفيد، محمد بن محمد، الجمل والنصرة لسيد العترة في حرب البصرة، تحقيق وتصحيح: علي ميرشريفي، قم، المؤتمر العالمي لإلفية الشيخ المفيد، 1413 هـ.
- المنقري، نصر بن مزاحم، وقعة صفين، تحقيق وتصحيح: عبد السلام محمد هارون، قم، مكتبة آية الله المرعشي النجفي، 1404 هـ.
- الميانجي، علي، مكاتيب الأئمة (ع)، قم، دار الحديث، 1426 هـ.
- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، بيروت، دار صادر، د.ت.
- ↑ ابن الأثير، أسد الغابة، ج 2، ص 403.
- ↑ الزركلي، الأعلام، ج 3، ص 205.
- ↑ الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 4، ص 240.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 6، ص 244.
- ↑ ابن عبد البر، الاستیعاب، ج 2، ص 717.
- ↑ ابن الأثير، أسد الغابة، ج 2، ص 403.
- ↑ ابن عبد البر، الاستيعاب، ج 2، ص 717.
- ↑ الميانجي، مكاتيب الأئمة (ع)، ج 1، ص 145.
- ↑ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ج 2، ص 589.
- ↑ المفيد، الجمل، ص 475.
- ↑ ابن قتيبة، المعارف، ص 624.
- ↑ المسعودي، مروج الذهب، ج 3، ص 38.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 7، ص 51.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 42، ص 295.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 179.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 6، ص 244.
- ↑ المنقري، وقعة صفين، ص 206.
- ↑ المنقري، وقعة صفين، ص 160.
- ↑ المفيد، الاختصاص، ص 121.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 34، ص 323.
- ↑ الثقفي، الغارات، ج 2، ص 897.
- ↑ الكشي، اختيار معرفة الرجال، ج 1، ص 285.
- ↑ الكشي، اختيار معرفة الرجال، ص 69.
- ↑ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج 2، ص 388.
- ↑ المسعودي، مروج الذهب، ج 3، ص 43؛ الزمخشري، الفائق في غريب الحديث، ج 1، ص 71؛ المجلسي، بحار الأنوار، ج 34، ص 308.
- ↑ نهج البلاغة، ص 517.
- ↑ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج 2، ص 388.
- ↑ ابن الأثير، الكامل، ج 3، ص 430.
- ↑ ابن أعثم الكوفي، الفتوح، ج 2، ص 388.
- ↑ الكشي، اختيار معرفة الرجال، ص 69.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبری، ج 6، ص 244.
- ↑ الزركلي، الأعلام، ج 3، ص 205.
- ↑ الأوقاف الجعفرية.
- ↑ ابن المشهدي، المزار الكبير، ص 143؛ الشهيد الأول، المزار، ص 264.