الشيخ راغب حرب
الشيخ راغب حرب هو عالم دين شيعي من جبل عامل، وأحد قادة المقاومة ضد الكيان الصهيوني. تلقى دراسته الدينية في النجف الأشرف، ثم قاد حركة شعبية تطالب بالإنسحاب الإسرائيلي من جنوب لبنان، واتخذ من قريته جبشيت وعدّة قرى أخرى قواعدَ لتوعية الأهالي دينياً ودعوته إيّاهم لمبايعة السيد الخميني وحضّهم على المقاومة.
حاول الجيش الإسرائيلي التفاوض معه لإنهاء حِراكه ضد الإحتلال، فرفض أصل فكرة التفاوض، مطلقاً شعاره المشهور: "الموقف سلاح والمصافحة اعتراف".
في 16 شباط 1984م، تم اغتيال الشيخ راغب حرب في قريته جبشيت، واتخذت حركة المقاومة خطّاً تصاعدياً بعد شهادته أدّى إلى تحرير القسم الأكبر من جنوب لبنان بعد سنة واحدة فقط من شهادته.
سيرته
الولادة والنشأة
ولد شيخ الشهداء راغب حرب في قرية جبشيت، في جبل عامل، في 25 تشرين الأول 1952 م.
والده الحاج أحمد "أبو راغب"، كان شاباً متديّناً، وفلاحاً يربي المواشي ويعمل مزارعاً، وعرف بحبه للعلم والعلماء، فكانوا كثيراً ما يأتون إلى منزله. تزوّج الحاج أحمد ابنة خالته وابنة الحاج عبد الله حرب، الذي كان أحد أفراد الثلة المبارزة من عصابة أدهم خنجر الذين وقفوا ضد البريطانيين والفرنسيين، وصدوهم عن التوغل في البلاد الإسلامية.
دخل العدو الصهيوني عدّة مرات إلى بيت الحاج "أبو راغب" مداهماً له، و في أحد الأيام رموا على أم الشيخ راغب الفرش ليخنقوها، ولكنها نجت من بين أيديهم. وقد كان بيت "أبو راغب" من البيوت التي يأوي إليها المجاهدون بعد دخول الجيش الإسرائيلي إلى جنوب لبنان.قالب:بحاجة لمصدر
الشيخ أيام طفولته وفتوّتِه
قضى الشيخ فترة الطفولة ما بين مدرسته في النبطية التي تبعد حوالي 5 كلم عن جبشيت، وبين مساعدة والده في العمل في أرضه. وفي بداية شبابه عمل الشيخ بجالسة أصدقائه في المسجد، مستغلاً تلك الجلسات في التحدّث في الأمور الدينية والنضالية ضد العدو.
ولمّا بلغ الشيخ راغب من العمر 13 سنة حمل السلاح مع الفدائيين في إحدى الأحزاب، وذهب ليقوم معهم بدورات عسكرية.قالب:بحاجة لمصدر
الهجرة لطلب العلم الديني
هاجر الشيخ راغب إلى بيروت سنة 1969 م، وبقي فيها حوالي سنة، حيث درس فيها العلوم الدينية، وكان الشيخ يأتي بين الحين والآخر إلى جبشيت، فيعقد مجالس الفقه والحوار بين مجموعة من الشباب. في سنة 1971م هاجر الشيخ إلى النجف، وكان يراسل جماعته عبر الكتب والرسائل.
في سنة 1972م، أتى الشيخ إلى لبنان وتزوّج من ابنة عمه (أم أحمد)، وهاجرت معه إلى النجف وبدأت بالدراسة على يد الشهيدة بنت الهدى.قالب:بحاجة لمصدر
المشاكل الأمنية في النجف
في النجف دسّت الحكومة بين صفوف العلماء، جواسيس متلبسين بزي الفقهاء، وذلك لتحصيل المعلومات والأخبار من العلماء اللبنانيين.
وقد دعي اللبنانيون إلى اجتماع مع محافظ كربلاء، وبعد أن عرض عليهم خدماته، انتهى الاجتماع وشكر الطلبة المحافظَ على اهتمامه، ولم يصرّحوا بشيء تجنباً لإثارة الفوضى، إلا أن الشيخ راغب اعترض على السياسة الأمنية المتّبعة ضد الطلاب اللبنانيين، مطالباً بعدم ملاحقتهم واعتقالهم.قالب:بحاجة لمصدر
العودة إلى لبنان
بعد ثلاث سنوات من إقامته في النجف، تتلمذ فيها على يد عدد من العلماء وتعرف فيها على الشهيد السيد محمد باقر الصدر والسيد عباس الموسوي، رجع الشيخ إلى لبنان.
وبعد مدّة أرسل النطام البعثي العراقي جاسوساً بعنوان أنه قارئ عزاء إلى قرية الشيخ، وبقي عنده ضيفاً حوالي العشرين يوماً وهو يتقرب إليه. وبعد هذه المدة التي عاشر فيها الجاسوسُ الشيخَ كتب له رسالة ووضعها تحت الفراش قائلاً: كنت مبعوثاً لاغتيالك. وخرج الجاسوس متخفياً دون أن يعلم به أحد.
وفي سنة 1974 م عمل الشيخ على التدريس في قريته جبشيت للأخوة والأخوات، وكان هذا من باكورة أعماله، وكانت الدروس النسائية من الأمور المستجدة في القرية.
ثم سعى لإقامة صلاة الجمعة، في بداية الأمر كان هذا العمل مستغرباً إذ لم يعهد لها مثيل على مستوى لبنان، لذا استفتى الشيخُ المرجع السيد أبو القاسم الخوئي بإقامة صلاة الجمعة، فأذن له.وبدأ بإقامتها وإن كان الحضور قليلاً لا يتجاوز العشرين شخصاً، ثم كبر العدد ليصل إلى قرابة الألفي شخص في هذه القرية، وكانت الصلاة تقام في الحسينية لعدم وجود مسجد كبير في المنطقة يسع هذا العدد.
وبعد مدة صارت جبشيت مركز التجمع للصلاة في يوم الجمعة من قرى عديدة فأطلق عليها الكثير اسم "قم جبل عامل".
وعندما أصبح الشيخ يعتمد على بعض الشباب المؤمنين في التدريس، هاجر إلى قرية مجاورة لجبشيت وهي "الشرقية" 1976م.قالب:بحاجة لمصدر
الهجرة إلى الشرقية
الشرقية هي قرية جنوبية تبعد حوالي 8كلم عن جبشيت، وقد قصدها الشيخ راغب لنشر الوعي الإسلامي فيها. ولعلّ سر اختياره هذه البلدة لأنّها كانت مأوى لحزب البعث العراقي، إذ كان الكثير من أهاليها ينتمون إلى ذاك الحزب، فأسس حالة جديدة في القرية واستطاع أن يحوّل قلوب الناس إلى الإسلام، حتى وصل ببلدة الشرقية أن أنشأت فيها بعد استشهاد الشيخ راغب حوزة للأخوات تستقطب أعداداً كبيرة من القرى المجاورة.
ورغم الرسالة التي أتت من إحدى الأحزاب في القرية ، وجاء فيها تهديدٌ بالقتل إن هو استمر على منهاجه وتدريسه وجمع الناس للصلاة حوله، ونبذ الأحزاب المعادية؛ إلا أنّ انفتاح الشيخ على جميع مكونات القرية، حال دون القيام بذلك التهديد، بل أصبح مُرسل التهديد واحداً من أصدقاء الشيخ.
أما أهل قرية الشرقية، عندما رأوا منه السعي لرفع مستوى القرية، أقبلوا يشكون إليه عدم اعتناء الحكومة بمدارسهم، إذ المدرسة مؤلفة من غرفتين لا غير. فدعا حين ذلك إلى عمل جماعي وشاركهم في حفر أساس مدرسة على أرض وقف، مع جمع التبرعات من المؤمنين، وهكذا أنشأت مدرسة مؤلفة من طابقين.
وكان الشيخ يعقد الجلسات في قرى عديدة أخرى، ويهيئ مجموعات في كل قرية من الذين يثق بهم للعمل الجهادي في القرية.قالب:بحاجة لمصدر
مبرّة السيدة زينب (ع)
عندما صار اليتم منتشراً جرّاء الحروب الإسرائيلية التي توالت على جبل عامل، بدأ الشيخ بإحصاء عدد الأيتام، ليتكفلهم من جميع الجوانب الحياتية من طعام ولباس وتعليم وطبابة، فأحصى ما يقارب الثمانين يتيماً، خمسين من الفتيات، وثلاثين من الفتيان، وبدأ يفتش عن مأوى إلى أن يكتمل جزء بسيط من مبرة السيدة زينب(ع) .
ولم يجد الشيخ مكاناً لهؤلاء الأيتام، ولم يقبل أحد بأن يؤجر بيته لهذا العدد الضخم، فاقترح على زوجته أم أحمد أن يكون بيتهم مأوى للفتيات، إذ كان الشيخ قد بنى داراً بمؤازرة أبيه، غرفة مع مطبخ في جهة، للضيوف إذا احتيج الأمر، والجهة الأخرى ثلاث غرف مع مطبخ كبير للعائلة، فاستقرت اليتيمات في بيت العائلة، والشيخ مع زوجته وأولاده في القسم الآخر الصغير.
أمّا البنين فإنه جعل مأواهم في بناء قديم تحت الحسينية، الذي كان مدرسة القرية فيما مضى.
وفي سنة 1980م أنشئت مبرة السيدة زينب (ع) برعاية الشيخ محمد مهدي شمس الدين وإشراف مباشر من الشهيد الشيخ راغب حرب, وأقيمت في جبشيت لتستقبل أيتام الجنوب والمناطق اللبنانية كافة, إضافة إلى الحالات الاجتماعية الصعبة.قالب:بحاجة لمصدر
المسجد الجديد
في البداية كان مسجد جبشيت صغيراً لا يتجاوز الخمسين متراً مربعاً ـ فاستبدلت الصلاة في الحسينية التي كانت تسع لأكثر من ألف مصلي، ثم بدأ الشيخ بالحث على جمع التبرعات مستعيناً بأيدي الرجال والنساء معاً.
فوكّل بعض الأخوة والأخوات ، بزيارة البيوت لجمع تبرعات قليلة، ولو ليرة واحدة، وهكذا تمّ مشروع بناء مسجد على مساحة ألف متر، ليكون
المسجد الأكبر في تاريخ جبل عامل والذي يتسع لحوالي ثلاثة آلاف شخص.
ولمّا أراد توسيع المسجد، اعترض البعض لوجود مستوصف قديم في المكان ولا بدّ من هدمه. فقال: اجعلوا بيتي الذي استأجرته مستوصفاً. وبالفعل استقر مع عائلته في بيت جدته حوالي سنتين إلى أن بنى بيتاً وانتقل إليه.قالب:بحاجة لمصدر
الشيخ راغب وجهاده بعد الاحتلال الصهيوني
بينما كان الشيخ راغب في زيارة إلى إيران لزيارة مرقد الإمام الرضا عليه السلام والالتقاء بالسيد الخميني رحمه الله، وإذ به يسمع بخبر دخول إسرائيل إلى الجنوب اللبناني واحتلاله. فأفل راجعاً إلى لبنان، بعد مدة دامت شهرين في إيران.
وعندما عاد الشيخ إلى جبشيت صار يدخل بيوت القرية، مذكراً إيّاهم:أن "التعامل مع إسرائيل حرام"، وأن" يقاطعوا البضائع الإسرائيلية"، وأن "التصدي لليهود واجب"، و"الدفاع عن أرض الإسلام واجب ومن مات فهو شهيد"، وأن "إسرائيل لم تأت لسرقة لبنان فحسب، بل لسرقة ثروات المسلمين ككل". وقد أكدّ الشيخ أن إسرائيل جاءت محتلة للبلاد، لأنّه فور دخولها بدأت بشق الطرقات لتغيير معالم الجنوب كما يحلو لها.
وأنشأت إسرائيل حرس وطني من عملائها، ولكن الشيخ استطاع أن يحل هذا التنظيم الذي بدأت بتشكيله، ولم يعد له أي أثر على الصعيد اللبناني. وكذا بدأت بتصدير البضاعة الإسرائيلية للبنان، فحرّم الشراء من بضاعتهم.
أما من جهة العمل فقد أعطى أمراً لأهل القرية في جبشيت، بعد أن أعلن للشباب وجوب المقاومة، قائلاً: إذا رأيتم الدبابات قد دخلت القرية فعليكم بالتكبير فهذه الكلمة ترعبهم، وتصعق أرواحهم، وكل من يسمع التكبير من جاره، أو من أي مكان فعليه أن يكبر وينزل إلى الساحة العامّة.ودخل الجيش بدباباته كعادته يستعرض قوته.
وبدأ التكبير من الساحة، ومن الجبل و... و أحيطوا بالتكبير، وإذ بالحشود العارمة تنهال إلى الساحة وصيحات الله أكبر ترعب قلوبهم، فكان أول تصدي للدبابات في قرية جبشيت.أما الشهيد عبد الله حرب (أخو الشيخ راغب) فقد صعد إلى الدبابة، وصار يضرب الجندي بيديه.عندئذٍ قال الضابط: "نريد أن نمر فقط من الطريق".
ولما أصبح التكبير عنواناً وشعاراً سواء دخلت إسرائيل بدباباتها أو أرادوا اعتقال أحد، صار الصهاينة يضعون الأعلام البيضاء على الدبابة إذا أرادوا دخول القرية!قالب:بحاجة لمصدر
المواجهة الأولى بين الشيخ والصهاينة
بعد ذلك قرر الصهاينة الذهاب بقوتهم إلى بيت الشيخ. تقول عمته: كنّا جلوساً على سطح مرتفع قليلاً، عصر يوم عيد الأضحى، وإذا باليهود قد أقبلوا في دباباتهم، وهنا خفت وخشيت القبض على الشيخ فصرخت: "يا شيخ أهرب فقد أتى اليهود". فقال: لا تهتمي يا عمّة اجلسي.
ثم قال الشيخ للضابط: ماذا تريدون؟ ( وكان الشيخ دون عمامته).
ـ أين الشيخ راغب؟
ـ أنا الشيخ راغب.
ـ قال الصهيوني: انزل من على السطح.
ـ لا أنزل ولا أقبل أن تصعدوا.
ـ نصعد بالقوة!!
ـ لكن لا أقبل.
ـ مدّ الصهيوني يده، علت بسمة ساخرة شفتي الشيخ ولم يمد يده، سأله الصهيوني: ألا تصافحني؟
ـ قال الشيخ: لا.
ـ قال الصهيوني: لِمَ؟
أجاب الشيخ بصوت عالٍ: لا أسلّم.
فصار اليهودي يرجف غضباً، وهو يقول: أنا نجس أنا نجس.
ثم أخفى غصته قائلاً: أريد أن أتكلم معك ونتفاوض.
ـ لا أتكلم معك لأنك محتل لأرضي، وإسلامي لا يقبل التفاوض والمداهنة معكم، ولن أضيفكم أو أستضيفكم في بيتي حتى الجلاء عن وطني وعن بيت المقدس.
ـ نحن جيش دفاع وليس احتلال.
ـ اذهب من هنا أنت وجنودك.
ـ من سمح لك أن تطردنا؟
ـ وأنتم من سمح لكم أن تدخلوا؟
ـ الفلسطينيون احتلوا أرضكم منذ ثلاثين سنة فلم لم تطردوهم؟!
ـ أنتم طردتموهم من ديارهم فآويناهم، وهم ليسوا بمحتلين.
وبعد أن احتدّ الجدال دون جدوى، خرجوا وهم يتمتمون: جيش الدفاع يأخذ أكبر منك.
ـ فرد الشيخ: الله أكبر من الجميع.
واستمرت المداهمات على بيته عشرات المرّات بعد هذه المحاولة، واليتيمات اللواتي آواهنّ في منزله، تصرخن وتبكين من الخوف في كل مرّة.
ودامت فترة المداهمة حوالي ستة أشهر، كان يتنقل فيها ما بين بيروت والجنوب مشرداً عن منزله طيلة هذه المدّة.قالب:بحاجة لمصدر
الاعتقال
اعتقل الشيخ راغب حرب ليلة الجمعة من شهر آذار/مارس 1983، من منزل ابن خالته السيد أحمد ترحيني، بعد أن روقب من قِبل العملاء، الذين جاؤوا مع الصهاينة للقبض عليه. فأخذوه بداية إلى معتقل أنصار، ثم إلى مركز المخابرات في صور وبقي الشيخ راغب سبعة عشر يوماً في الاعتقال.
وفي أثناء اعتقاله دُعي الناس للاعتصام احتجاجاً على خطف الشيخ راغب، في جبشيت. ثم تطور الأمر فصار هناك اضرابات عامة في عدة مناطق، وهياج عارم في جبل عامل وأصبح منعطفا في تاريخ الجهاد الإسلامي في محاربة إسرائيل، لذلك عاد الصهاينة إلى إطلاقه.
أما في المعتقل فلمّا أُحضر الشيخ بين أيدي الصهاينة، وقف الضابط قائلاً :
ـ نحن وضعنا عليك جواسيس، وسمعنا أنك تتكلم علينا.
ـ لا داعي لوضع الجواسيس فأنا أتكلم علانية وعلى المنابر.
ـ أنت تتكلم وتحمس الشباب، وهم يقومون بضربات علينا، وهذه مشكلة كيف نحلّها؟ وكأنهم يريدون المداهنة معه بالتنازل عن خطه الجهادي مع تنازلهم عن اعتقاله ـ.
ـ أنا أقوم بواجبي الديني والشعبي، وأنتم محتلون لأرضنا وتمارسون يومياً اعتقال الناس، والمداهمات، وإقامة الحواجز، فماذا تنتظرون من شبابنا غير رفضكم؟ ثم إن هذه ليست مشكلتنا إنها مشكلتكم فكروا كيف تحلوها.
ـ ماذا يمثل الخميني لكم؟
ـ هو قائد الأمة الإسلامية وأمير المسلمين. (كان الشيخ يصر على أن يصف السيد الخميني بأمير المسلمين، وهو أول من لقبه به وفي هذا إشعار إلى أنه يدير العالم الإسلامي، وأنه لا يفرق بين المذاهب أيّاً كانت).
ـ ما علاقتكم به وهو فارسي وفي إيران، وأنتم عرب وفي لبنان؟
ـ الإسلام لا يفرق بين المسلمين في أي بلدٍ كانوا، فهناك فقط أمة إسلامية واحدة " إنّ هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون ". وهذه الدويلات إنما هي من صنع الاستعمار وهذا مرفوض دينياً.
ـ أنت متهم بأنك تقوم بأعمال تخريبية ضد جيش الدفاع بأمر من زعيمك الخميني.
ـ لم يأمرنا السيد الخميني بالقتال بعد.
ـ ماذا لو أمركم؟
ـ نقاتل بلا شك.
وهنا أتلف أعصاب المحققين، ولم يصلوا إلى نتيجة، فأرادوا التخلص منه، خوف نقمة العالم.
فقالوا: نطلق سراحك، ولكنك منفيٌ من بلدك جبشيت، ولك أن ترجع إلى حيث شئت، حتى إلى إيران.
ـ لن أعود إلا إلى بلدي.
ـ تعدنا أن نكون على علاقة ودّية معك وترجع إلى وطنك؟
ـ التعامل معكم حرام ولا أعدكم بذلك.
ـ ما هو الحل إذن؟
ـ أن ترحلوا من بلادنا.
وعندما تم الإفراج عن الشيخ راغب، استمر الشيخ في التوعية من خلال خطبه، فكان يتناول الآية أو الآيتين ويشرحهما، ويحرّض على مواصلة الجهاد.قالب:بحاجة لمصدر
التصعيد العملي للجهاد بعد المعتقل
لمّا عاد الشيخ من المعتقل قال: "علينا أن نستمر في قرار المقاومة" وأعلن موقفه قائلاً: "إنّ إسرائيل وهمٌ مزقناه".
وأعطى المواقف الفعّالة بعد الاعتقال، فشارك في ذكرى الشهيد رائف مشيمش (من أهالي كفرصير في الجنوب) حيث قال: "إنّ دم الشهيد إذا سقط فبيد الله يسقط، وإذا سقط بيد الله فبيد الله ينمو ويدخر".
وشارك في اعتصام الحلوسية على أثر اعتقال الشيخ عباس حرب رغم كل المخاطر، وأعلن الاستمرار في الاعتصام. بل بقي في تواصل دائم مع رجال المقاومة، والاهتمام بهم وتوجيههم، والتأكيد على اتباع السرية الدائمة في عمل المقاومة.قالب:بحاجة لمصدر
الشهادة
كان جهد المخابرات لا يهدأ في الأشهر الأخيرة من حياة الشيخ ومع ذلك يتنقل في القرى ليلاً ونهاراً، وكأنّ لا شيء حوله، ويقول للشباب حوله: "إنّ الإسرائيليين لن يعتقلونني ثانية ولكن سيغتالونني".قالب:بحاجة لمصدر
ليلة الشهادة
في ليلة الجمعة 16 شباط 1984 م، وبعد انتهاء دعاء كميل، ذهب ليكمل سهرة ليلة الجمعة مع عدة من الشباب المؤمنين. وحوالي الساعة الحادية عشر ليلاً، وبعد أن انتهت السهرة قال: منذ مدّة لم أذهب إلى داري فهذه الليلة سأذهب إلى الدار، وما أن خرج من الدار بمفرده إلا وسمعت طلقات الرصاص. خرج الجميع من الدار فرأوا الشيخ راغب قد اغتيل.
تقول أمه: استمعت إلى دعاء كميل ـ ثم اضطرب قلبي ـ وكان للشيخ عندي غنمتان، فصارت الغنمة تسرس على نابها، وهدّلت قرناها ـ فاضطرب قلبي أكثر ـ وكأنّ مخبراً أخبرني أن ولدي الشيخ في خطر.
فبعثت أخاه ليفتش لي عن الشيخ ويقول له أمك بحاجة لك.
نظر الشيخ إلى أخيه وقال: سلّم على أمي وقل لها: غداً صباحاً سأكون عندها، إن شاء الله.
وبعد قليل دُقّ الباب، فأُخبرت بأنّ ابنة الشيخ كسرت رجلها، لكن لم أصدق.
هرعت من البيت إلى الساحة، وإلى المستشفى، ومع أنني لم أدر ما الخبر، لكنني قلت فوراً "الله أكبر قتل الحسين بن علي" وإذ بولدي الشيخ راغب محمول على الأكف.قالب:بحاجة لمصدر
التشييع الحافل
وفي أيام القبضة الحديدية، وتحت ظل الاحتلال الإسرائيلي، كان يُمنع أهل الجنوب من الدخول إلى القرى إلا بتصريح من العملاء أو من الصهاينة أنفسهم، إذ كان حاجز "باتر" جزين من أعظم الحواجز الذي يقيمه الكيان الإسرائيلي، وإذا حاول أحد أن يتسلل منه فإنه كان يعتقل إذا لم يقتل.
تدفقت أهالي لبنان من بيروت والبقاع والشمال، على الحاجز فكانت السيارات حوالي خمسة آلاف سيارة وهي بانتظار أخذ الترخيص للمشاركة في تشييع الجثمان، لكن الصهاينة منعوهم من الدخول خوف تفجير الوضع عليهم.
وشيعه أهالي الجنوب في جبشيت بحضور شعبي حاشد.قالب:بحاجة لمصدر
الشيخ راغب والإمام الخميني
كان الإمام الخميني يهتم بالشيخ اهتماماً كبيراً حتى أنّه أهدى له مرة عباءة، وهي العباءة نفسها التي استشهد الشيخ وهو يرتديها. أما الشيخ، فكان من أكثر الناس تعلقًا به وهو كان يعبّر عن ذلك في مواضع عديدة:" نعلن تأييدنا الكامل للثورة الإسلامية المباركة في إيران، ونبايع قائدها الإمام روح الله الخميني قائداً للمسلمين وأميراً عليهم. وكان يحلو له القول إنه "عبد الله الخميني أمير المسلمين". وبلغ به الأمر أن قال يوماً:" العمامة التي لا تقول نعم للخميني، نسقطها ونحرقها". وبحسب موسى فحص، فإنّ الشيخ راغب كان يتداول مع المحيطين به بيانات الإمام الخميني (قده) ورسائله وكتبه حتى قبل انتصار الثورة بسنوات طويلة.قالب:بحاجة لمصدر
أخلاقه
تميّز الشيخ راغب بالتواضع والوقار، فكان يسلم على الكبير والصغير، يدخل بيوت الأغنياء والفقراء، والفقراء أحب إليه، يجلس حتى وإن كان على حافة الطريق.
ويروي موسى فحص صديق طفولة الشيخ أنّ راغب الطفل والفتى والمراهق، كان مختلفًا عن بقية الأطفال والفتيان والمراهقين من أبناء جيله، فهو لم يكن يميل للّعب واللهو مثلهم، بل كان يلازم المسجد طويلًا، يطالع أو يقرأ القرآن أو يصلي، وكذلك يعمل، فيساعد أهله في زراعة التبغ.
وهناك قصة ترويها ابنته حوراء راغب حرب:" سنة 1976، انتقل والداي من بيروت (كان الشيخ قصدها للدراسة الحوزوية أواخر الستينيات) إلى جبشيت، حيث سكنّا مع جدة والدي في بيتها المؤلف من غرفتين، ليس فيهما شيء من الأثاث، سوى بعض الفرش والوسائد والأغطية، وبعض الضروريات، ولم يكن عندها خزانة، فكانت أمي تضع الثياب في حقيبة السفر، وزجاج المطبخ في صناديق كرتونية، بانتظار انتهاء النجار من صنع خزانتين، حتى أنّ والدي استعجله لإحضارهما بعد أنْ أصبحتا جاهزتين للاستعمال". وتتابع حوراء بأنّ والدها انتقل بالعائلة إلى قرية الشرقية، حيث أقام فيها كإمام بطلب من الأهالي. وذات يوم جاءه رجل، مكث عنده هنيهة، وخرج وهو يدعو للشيخ بطول العمر والتوفيق، فسألته أمي عن الأمر فأجاب:
-مسكين، لقد ترك منزله في النبعة وهو يطلب مساعدة ...".
-إذاً؟ سألته مستغربة.
-قلت له إنني لا أملك مالًا لمساعدته، أرسلته إلى منزل جدتي في جبشيت لكي يأخذ الخزانتين!!
أما الأيتام فكان يتعامل معهم معاملة خاصة، حتى أنه كان يبكي لحالهم. وهنا، تورد حوراء قصة نقلها لها أحد أبناء القرية. إذ إنه كان عائدًا إلى منزله في إحدى الليالي الباردة، في ذروة ما يُسمى القبضة الحديدية التي فرضها الاحتلال على الجنوب بإجراءات قمع وتضييق قاسية، فلمح" شبحًا" يتحرك في الظلام الحالك، ولما اقترب منه وجد أنه الشيخ راغب آتياً من جهة المبرة ماشياً وهو يترنم بشيء من الشعر، فسأله باستغراب:
-كيف تسير وحدك في الليل، والعدو يبحث عنك بالسراج والفتيلة؟".
-فأجابه الشيخ:" لا بأس عليّ يا أخي، فمَنْ كان في حصن الله لا يخشى شيئًا، ثم إنّ الشهادة هي كل المُنى".
-فقال الرجل:" ولكن- يا شيخ راغب-، يجب أن تكون أكثر حذرًا، فأنت لست مُلكًا لنفسك، بل ملك لنا جميعًا ".
عندها فرّت من عينيه دمعتان، وقال بصوت متهدّج:" كيف يخطو النوم إلى جفني إذا لم يطمئن قلبي عليهم، كيف أنام إذا لم أتأكد أنهم ينعمون بالدفء وبالشبع والسعادة، أليس علينا أن نمسح على رؤوسهم لنشعرهم بشيء من الحنان؟".
نعم، هكذا أخذ الشيخ على عاتقه مساعدة الفقراء ورعاية الأيتام الذين كان يلاعبهم وكأنه واحد من عمرهم، فيخلع عمامته ويلبسها لهم واحداً واحداً، وهو سعى بكل ما أوتي من قوة لإنجاز مبنى المبرة. ويروي أحد أقاربه أنّ المال لم يكن متوافرًا في إحدى المرات حتى لاستئجار عمّال لكي ينقلوا المونة (البحص والرمل والإسمنت ...) إلى الطوابق العليا، فكان الشيخ يعمد إلى تنفيذ هذه المهمة بنفسه. ومثل هذا كان يصنع في مدرسة الشرقية التي سعى أيضاً لبنائها، المهم عنده أن يرتفع البناء الذي يعوّل عليه كثيراً لإنشاء جيل متعلم رائد يساهم في تنمية واقع المنطقة والناس الذين ينتمي إليهم الشيخ.
ومن السنن التي سَنّها الشيخ لهذه الغاية، كان إنشاؤه" بيت مال المسلمين"، ووظيفته تأمين قروض للمحتاجين والمعوزين. وكان الشيخ حريصًا على مدّ جسور وعلاقات وطيدة بينه وبين الناس، ولذا، فهو كان" يمون" على الكبير قبل الصغير. ويُقال إنه كان في إحدى السهرات، وبين الحاضرين شاب عازم على الزواج والعسر يمنعه، فسأله الشيخ عن سبب تأخّره، فخجل الشاب من الخوض في تفاصيل خلافه مع والد العروس حول مطالب الأخير، ففهم الشيخ ولم يعقّب. ثم عرض على الحاضرين الذهاب لمنزل والد العروس لكي يكملوا السهرة عنده. وفعلًا ذهبوا جميعًا ومعهم الشاب صاحب الحاجة. وعندما استقر بهم المجلس، التفت الشيخ للوالد وقال له:
-ما رأيك يا حاج بفلان.
-أنعم وأكرم.
-إذاً، نحن نتشرف بطلب يد ابنتك إلى فلان وأنا أبارك هذا الزواج.
فحار الرجل جوابًا، وكان للشيخ ما أراد، وهكذا جمع بين الشاب وعروسه بأبسط الطرق.
وحين كان الشيخ معتقلًا عند الصهاينة، إذ اقتحمت هذه المرأة ساحة الاعتصام في مسجد البلدة، والذي نُظِّم تضامنًا مع الشيخ، وبدأت بالصراخ والاحتجاج لأن المنظمين لم يكترثوا لزوجها المعتقل هو الآخر، وصارت تتكلم بكلام قاسٍ عن الشيخ والشباب" وناس بسمنة وناس بزيت ...". المهم أنّ الشيخ بطريقة أو بأخرى علم بالأمر بعد إطلاقه، فتحيّن الفرصة وقصد منزل المرأة. وأمام المنزل، وجد ابنها الصغير يلهو بدراجته، فاقترب منه وبدأ يلاعبه، شوطًا ذهابًا وآخر إيابًا، فتعلو ضحكات الولد، وتصل إلى مسمع أمه التي خرجت لتستطلع الأمر، فوجدت الشيخ منحنياً على الدراجة يدفعها، فوقفت خجلة من نفسها، ثم ركضت باتجاهه واعتذرت منه لأنه يصنع ما ليس من مقامه، ووبّخت طفلها على" قلة احترامه"، فالتفت إليها الشيخ وسألها عن أحوالها، فطأطأت رأسها خجلة لأنها أيقنت أن الشيخ يعاتبها بأسلوب غير مباشر، فما كان منه إلا أن اعتذر منها لعدم شمول زوجها بالإفراج وصبّرها وطلب منها المسامحة وانصرف.
ومن المعروف عن الشيخ أن كان إذا التقى بإنسان يسلم عليه ببشاشة عارمة، ويقبل عليه بكله، وكأنه يعرفه منذ زمن بعيد.قالب:بحاجة لمصدر
من أقواله
- "إننا لا نخشى قصف البيوت في الحياة الدنيا وإنما نخشى نسف الجبال يوم القيامة".
- "الجو الذي قتل لنا طفلاً سوف نحيي بطفلنا المذبوح أطفال الأرض".
- "دم الشهيد إذا سقط فبيد الله يسقط، وإذا سقط بيد الله، فبيد الله ينمو ويدخر".
- كان الشيخ يُسأل: وهل إسرائيل ستندحر من الجنوب؟ فيجيب الشيخ: "قولوا متى ستندحر من القدس".قالب:بحاجة لمصدر