السيد علي السيستاني
السيد علي السيستاني، من مراجع تقليد الشيعة، أكمل دراسته الحوزوية في مدينة مشهد، وقم، والنجف الأشرف، وتصدى للمرجعية بعد وفاة السيد الخوئي.
عرف بمواقفه الاعتدالية، والوسطية، وله دور كبير في تشكيل النظام الجديد في العراق من خلال دعوته إلى الانتخابات، وتشكيل برلمان عراقي منتخب، وكتابة دستور للعراق، يحفظ حقوق جميع العراقيين، ويحافظ على وحدة وسيادة العراق، ويحاول اخراج المحتل من أرضه. عرف بدعوته إلى الوحدة بين المسلمين، وهو صاحب المقولة المشهورة: (لا تقولوا إخواننا السنة بل قولوا أنفسنا)، وكان له الدور الأكبر في إخماد الفتنة الطائفية في العراق بين السنة والشيعة ما بين سنة 2004 ـــ 2006 م. كما وكان له دور بارز بعد هجوم داعش على العراق، حيث أصدر فتوى الجهاد الكفائي مما سببت في حضور الآلاف من الشباب إلى مقابلة داعش.
التواضع والزهد من الصفات البارزة في شخصيته، فمع كونه من كبار المراجع في العالم الإسلامي، وتأتيه الحقوق الشرعية من مختلف البلدان لكنه لايملك بيتا، بل يستأجر دارا بسيطة في النجف الأشرف.
اعتقله نظام صدام بعد الانتفاضة الشعبانية، وتعرض للتعذيب قبل أن يخلى سبيله، وقد تعرض لعدة محاولات اغتيال فاشلة من قبل البعثيين، وفي سنة 1418 هـ/ 1998 م وضعه البعثيون تحت الإقامة الجبرية والتي امتدت حتى سقوط نظام صدام.
ولادته ونشأته
ولد السيد السيستاني في 9 ربيع الأول عام 1349 هـ في مدينة مشهد من أسرة علمية معروفة، فوالده هو العالم السيد محمد باقر ووالدته هي كريمة العلامة المرحوم السيد رضا المهرباني السرابي وجدّه الأدنى هو العالم الجليل السيد علي الذي ترجم له العلامة الشيخ آغا بزرك الطهراني في طبقات أعلام الشيعة ومن تلامذته المعروفين الفقيه الكبير الشيخ محمد رضا آل ياسينقالب:قدس سره.
دراسته
نشأ السيد السيستاني في مسقط رأسه مشهد المقدسة نشأة عالية فتدرج في الأوليات والمقدمات، ثم درس الفقه والأصول والمعارف الإلهية عند جمع من العلماء الأعلام، منهم الميرزا محمد مهدي الأصفهاني المتوفى أواخر عام 1365هــ، و الميرزا مهدي الأشتياني، و الميرزا هاشم القزويني.
وفي أواخر سنة 1368 هــ انتقل إلى الحوزة العلمية في مدينة قم الإيرانیة، فحضر بحوث المرجع الكبير السيد حسين الطباطبائي البروجردي في الفقه وأصول الفقه، وتلقى عنه الكثير من خبرته الفقهية ونظرياته في علم الرجال و[الحديث]]، كما حضر درس الفقيه الكبير السيد محمد الحجة الكوهكمري.
وفي أوائل سنة 1371 هـ غادر مدينة قم متجهاً إلى النجف الأشرف، فسكن (مدرسة البخارائي العلمية)، وحضر البحوث الفقهية والأصولية للعلمين الكبيرين السيد أبو القاسم الموسوي الخوئي (قدس) والشيخ حسين الحلي (قدس) ولازمهما مدة طويلة، وحضر خلال ذلك أيضا بحوث بعض الأعلام الآخرين منهم السيد محسن الحكيم والسيد محمود الشاهرودي .
شهاداته العلمية
لقد برز السيد السيستاني في بحوث أساتذته ، وعليه فقد منح من بين زملائه وأقرانه في سنة 1380 هـ - وهو في الحادية والثلاثين من عمره – ( شهادة الاجتهاد المطلق ) من قبل أستاذيه السيد الخوئي (قدس) ، والشيخ الحلي (قدس) ، ولم يمنح السيد الخوئي شهادة الاجتهاد لأحد من تلامذته إلا السيد السيستاني ، وآية الله الشيخ علي الفلسفي من مشاهير علماء مشهد المقدسة كما لم يمنح الشيخ الحلي إجازة الاجتهاد لغيره ، وقد كتب له أيضا شيخ محدثي عصره العلاّمة الشيخ أغا بزرك الطهراني (قدس) شهادة يطري فيها على مهارته في علمي الرجال والحديث ، وهي مؤرخة في عام 1380هـ .
مرجعيته
في السنوات الأخيرة من حياة السيد الخوئي ( رضوان الله عليه ) كان هاجس الكثير من الفضلاء في النجف الأشرف وخارجها البحث عمن يصلح أن يخلف السيد الخوئي ( قدّس سرّه ) في مرجعيته للطائفة الإمامية ليحافظ على كيان الحوزة العلمية واستقلالية المرجعية الدينية ويتحلى بما يلزم توفره في شخص المرجع من مؤهلات علمية وورع وتقوى وحكمة وتدبير.
وقد توجّهت أنظار الكثير من الفضلاء إلى السيد السيستاني وقد اختاره السيد الخوئي ( قدّس سرّه ) للصلاة في محرابه في جامع الخضراء فبدأ ينتشر صيته في أوساط العامة بعد أن كان محصوراً في الأوساط العلمية والحوزوية التي عرفته أستاذاً قديراً في البحث الخارج طوال ربع قرن من الزمن . وعندما التحق السيدالخوئي بالرفيق الأعلى في (8/ صفر / 1413 هـ ) أَرجع إليه في التقليد جمع من العلماء الأعلام يأتي في مقدمتهم سماحة آية الله السيد علي البهشتي (قدّس سرّه )، وسماحة آية الله الشيخ مرتضى البروجردي (قدّس سرّه ) فقلّده كثير من المؤمنين في العراق وإيران وبلاد الخليج وباكستان والهند .
وبعد وفاة آية الله العظمى السيد عبد الأعلى السبزواري في (27/ صفر /1414 هـ ) رجع اليه معظم مقلديه في العراق وقسم من خارجه ، وعندما توفي آية الله العظمى السيد محمد رضا الكلبايكاني (قدّس سرّه ) في (24 / جمادي الآخرة / 1414 هـ ) عمّ تقليدالسيد السيستاني (دام ظلّه ) وبشكل سريع مختلف الأقطار الإسلامية ورجع إليه معظم المؤمنين في العراق و الأحساء والقطيف و إيران ولبنان ودول الخليج وباكستان والهند والمغتربين في أوربا والأمريكيتين و استراليا وغيرهم، وقد توسع الرجوع إليه أكثر فأكثر بعد وفاة آية الله العظمى الشيخ محمد علي الأراكي (قدّس سرّه ) وآية الله العظمى السيد محمد الروحاني (قدّس سرّه .
النشاط السياسي
كانت للسيد السيستاني نشاطات سياسية مؤثرة، منذ أيام حكم البعث ولغاية السنوات التي تلت تحرر العراق من البعث وأمريكا.
جهاده ضد نظام صدام
كان النظام البعثي يسعى بكل وسيلة للقضاء على الحوزة العلمية في النجف الأشرف منذ السنين الأولى من تسلمه السلطة في العراق ، وقد قام بعمليات تسفير واسعة للعلماء والفضلاء وسائر الطلاب الأجانب، ولاقى السيد السيستاني عناءاً بالغاً من جرّاء ذلك وكاد أن يسفّر عدّة مرّات وتمّ تسفير مجاميع من تلامذته وطلاّبه في فترات متقاربة ، ثمّ كانت الظروف القاسية جدّاً أيّام الحرب العراقية الإيرانية ، ولكن على الرغم من ذلك فقد أصرّ على البقاء في النجف الأشرف وواصل التدريس في حوزتها العلمية المقدّسة إيماناً منه بلزوم استمرار المسار الحوزوي المستقل عن الحكومات تفادياً للسلبيات التي تنجم عن تغيير هذا المسار.
وفي عام 1411 هـ عندما قضى النظام على الانتفاضة الشعبانية اعتقل السيد السيستاني ومعه مجموعة من العلماء كالشهيد الشيخ مرتضى البروجردي والشهيد الميرزا علي الغروي وقد تعرّضوا للضرب والاستجواب القاسي في فندق السلام وفي معسكر الرزازة وفي معتقل الرضوانية إلى أن فرّج الله عنهم ببركة أهل البيت .
وفي عام 1413 هـ عندما توفي السيد الخوئي ( رضوان الله عليه ) وتصدّى السيدالسيستاني للمرجعية . حاولت سلطات نظام صدام تغيير مسار المرجعية الدينية في النجف الأشرف وبذلت ما في وسعها في الحطّ من موقع السيد السيستاني ومكانته المتميزة بين المراجع وسعت إلى تفريق المؤمنين عنه بأساليب متعدّدة منها إغلاق جامع الخضراء في أواخر ذي الحجة عام 1414 هـ.
وعندما وجد النظام أنّ محاولاته قد باءت جميعاً بالفشل خطّط لاغتياله وتصفيته ، وقد كشفت وثائق جهاز المخابرات عن عدد من هذه المخطّطات . وهكذا بقي السيد السيستاني رهين داره منذ أواخر عام 1418 هـ - 1998م حتى أنّه لم يتشرف بزيارة مرقد جدّه الإمام أمير المؤمنين طوال هذه الفترة. وقد تعرّض لضغوط كثيرة من أجهزة النظام وأزلامه ولكنه قاوم جميع الضغوطات إلى أن منّ الله على العراقيين بزوال نظام صدام.
الاحتلال الأمريكي للعراق
في 20 ــ 3 ــ 2003م شنت أمريكا حربا على العراق ، وكان الغرض من هذه الحرب اسقاط نظام صدام، وبالفعل تم ذلك في 9 ـــ 4 ــ 2003م، أي بعد تسعة عشر يوما من بداية الهجوم. وكان الأمريكان يدّعون أنّهم جاؤا لتحرير الشعب العراقي من نظام صدام. ولكن بعد إسقاظ نظام صدام أعلنت القوات الأمريكية بأنّها سلطة احتلال ، وعينت (جي غارنر) كحاكم مدني في العراق، ولم يستمر طويلا حتى استبدلته بـ (بول بريمر).
لم يسكت السيد السيستاني عن هذه الإجراءات فبعث برسالة إلى الى الأمين العام للأمم المتحدة كوفي عنان يطالبه فيها بدور أكبر للأمم المتحدة من أجل نقل السلطة إلى العراقيين، والمساهمة بإجراء انتخابات الجمعية الوطنية العراقيّة التي تأخذ على عاتقها كتابة دستور دائم للبلاد ، وأبلغه برفض الدستور الذي كتبته قوات الاحتلال.
الوقوف بوجه الفتنة الطائفية
بعد سقوط صدام وجه السيد السيستاني الشعب العراقي بعدم الأخذ بالثأر ، وإن من له حق عند شخص يجب أن يأخذه من خلال المحاكم ، وعدم الإنجرار الى الفتنة الطائفية.
وفي سنة 2006م تم تهديم قبة الإمام الهادي والحسن العسكري من قبل تنظيم القاعدة الإرهابي ، رفض السيد السيستاني اتهام السنة بهذا العمل ، ودعى العراقيين الى ضبط النفس ، وعدم الإنجرار الى الحرب الأهلية.
هجوم داعش على الأراضي العراقية
وفي 13 من حزيران 2014م وبعد سيطرة داعش على ثلث أراضي العراق ، وفي طريقهم الى بغداد، الأمر الذي دفع القيادات الأمنية في العراق من تأسيس مجموعة مسلحة مكونة من عموم الشعب تحت عنوان الحشد الشعبي، وبعد ثلاثة أشهر من انطلاق عمل الحشد الشعبي أفتت المرجعية في النجف الأشرف ومن خلال خطبة الجمعة في 13 يونيو/ حزيران بوجوب الجهاد الكفائي والذي دعت فيه كل من يستطيع حمل السلاح بالمشاركة في القتال إلى جانب الأجهزة الأمنية الحكومية،[١] فاستجاب أبناء الشعب العراقي إلى فتوى المرجعية.[٢]
وكانت فتوى المرجعية هي الزخم المعنوي الذي غذّى فصائل المقاومة والحكومة العراقية لاستدامة المعركة وديمومتها وقوتها،[٣] حيث غيّر ميزان القوى، وجعلت للحشد الشعبي غطاءً شرعياً،[٤] فتشير الإحداثيات بأنّ فتوى السيد السيستاني أنقذت العراق من السقوط والانهيار.[٥] ومن جانبها كانت فصائل المقاومة هي التي حفظت كرامة الفتوى وأنجحتها.[٦]
لقاء البابا فرنسيس
التقى البابا فرنسيس الثاني زعيم المسيح الكاثوليك في العالم، في يوم السادس من مارس 2021 م خلال سفره إلى العراق بآية الله السيد علي السيستاني في بيته بالنجف الأشرف.
وتحدث آية الله السيستاني في هذه اللقاء عما يعانيه الكثيرون في مختلف البلدان من الظلم والقهر والفقر والاضطهاد الديني والفكري وكبت الحريات الاساسية وغياب العدالة الاجتماعية، وخصوص ما يعاني منه العديد من شعوب منطقتنا (منطقة الشرق الأوسط) من حروب وأعمال عنف وحصار اقتصادي وعمليات تهجير وغيرها، ولا سيما الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة.[٧]
رسالة شكر رئيس السلطة الفلسطينية
ووجه محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية رسالة شكر وتقدير لآية الله السيد السيستاني على خلفية لقائه بالبابا فرنسيس ودعم القضية الفلسطينية، ونضال الشعب الفلسطيني لنيل حقوقه في الحرية والاستقلال.
أقوال فيه
- يقول الدكتور محمد حسين الصغير بحق السيد السيستاني: الرجل عاش منعزلا في النجف طيلة نصف قرن من الزمان. همٌه الدرس والتدريس فقط وقد نال مرتبة الاجتهاد في عام 1380 هـ. أجيز بالاجتهاد من ذلك الوقت. يدرس درسه ويحضر دروس الآخرين من المراجع العظام. وهو قارئ جيد لكل الفلسفات المعاصرة فهو يعرف الشيوعية بدقائقها وهو يعرف الرأسمالية بدقائقها وهو يعرف الوجودية بدقائقها ، كما لديه ولعا خاصٌا بالحكمة والفلسفة فقد درسهما دراسة مجدية حتى عد احد الأركان لعلم الفلسفة في القرن العشرين. ورجل العلم هذا يحترم كل أحد ، ويرحب بكل أحد، ويعظم أهل الدين ويقابل الصامدين بمبادئهم مقابلة روحية خاصة لأنه يعرف ان هؤلاء ليسوا بانتهازيين. وقد ضحوا بأعمارهم في سبيل المبدأ والثبات على المبدأ. وهو يعي مشكلات العصر بكل حذافيرها.
- يقول المبعوث الأممي للعراق الأخضر الإبراهيمي عن لقائه الأول مع السيد السيستاني، في لقاء أجرته معهه صحيفة الحياة اللندنية: كان ممتازاً، واستغرق أكثر من ساعتين. لمست أنه رجل مطلع اطلاعاً جيداً، بمعنى أنه لا يعيش في عزلة عن الأحداث والتطورات. قال لي: «أنا أعرفك وقرأت عنك الكثير وآخر ما قرأته كان عن لقائك في لندن مع محمد حسنين هيكل وإدوارد سعيد». وأضاف: «أنا قرأت ما ترجم من كتب لإدوارد سعيد وقرأت أيضاً كتب محمد حسنين هيكل»... وإنه يطلع على ما يجري في المنطقة ويُطرح فيها.... وجدته شخصاً هادئاً ومطلعاً وسياسياً من الدرجة الأولى.[٨]
المصادر والمراجع
- جريدة الحياة، الجمعة، ٢٧ يونيو/ حزيران ٢٠١٤.
- شبكة العراق الثقافية.
- موقع الرسمي للسيد السيستاني.
- قناة كربلاء الفضائية، تغطية خاصة.
- وثائقي جدار الماء. انتاج: قناة العالم الفضائية، إعداد: محمد الأسدي، تنفيذ: ميثم حاتم.
- ↑ عبد المهدي الكربلائي: وكيل السيد السيستاني في كربلاء، قناة كربلاء الفضائية.
- ↑ ابو جعفر الشبكي: آمر قوات سهل نينوى، ضمن لقاءات جدار الماء.
- ↑ عدنان الشحماني: الأمين العام لتيار رساليون، ضمن لقاءات جدار الماء.
- ↑ محمد الأسدي: معد وثائقي جدار الماء.
- ↑ عدنان الأسدي: وكيل وزارة الداخلية العراقية آنذاك، ضمن لقاءات جدار الماء.
- ↑ قيس الخزعلي: أمين عام عصائب أهل الحق، ضمن لقاءات جدار الماء.
- ↑ بيان صادر من مكتب سماحته (دام ظله) حول لقائه بالحبر الأعظم بابا الفاتيكان
- ↑ جريدة الحياة / الجمعة، 27 يونيو/ حزيران 2014.