سورة المدثر
سورة المُدَّثّر، هي السورة الرابعة والسبعون ضمن الجزء التاسع والعشرين من القرآن الكريم، وهي من السور المكية، واسمها مأخوذ من أول آية فيها. وتتحدث عن بدء الدعوة العلنية، كما تُشير إلى المعاد وأوصاف أهل الجنة وأهل النار وعواقبهما.
ومن آياتها المشهورة قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ بمعنى: أنّ لله على كل نفس حقّ العبودية بالإيمان والعمل الصالح.
ورد في فضل قراءتها روايات كثيرة منها ما رُويَ عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم: من قرأ سورة المدثر أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمد وكذّب به بمكة.
تسميتها وآياتها
سُميت هذه السورة بالمدّثّر؛ على أول آية منها، وفيها خطاب من الله تعالى للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم يقول له (يا أيها المتدثر)، وأصل المدثّر هي المتدثر بثيابه، [١] وقيل: المراد بالتدثّر تلبّسه صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة بتشبيهها بلباس يتحلى به ويتزيّن.[٢] وآياتها (56)، تتألف من (256) كلمة في (1036) حرف. وتعتبر من حيث المقدار من السور المفصلات، أي: السور التي لها آيات متعددة وصغيرة.[٣]
ترتيب نزولها
سورة المدثر من السور المكية،[٤] ومن حيث الترتيب نزلت على النبي صلی الله عليه وآله وسلم بالتسلسل (4)، لكن تسلسلها في المصحف الموجود حالياً في الجزء التاسع والعشرين بالتسلسل (74) من سور القرآن.[٥]
معاني مفرداتها
أهم المفردات في السورة:
- (الْمُدَّثِّرُ): أصلها المتدثر، ومعنى تدثَرَ: لبس، والدثار هو ثوب يلي الجسد.
- (الرُّجْزَ): العذاب، والمراد هنا أسبابه.
- (النَّاقُورِ): الصُور الذي يُنفخ فيه، وسُمي ناقوراً لخروج الصوت منه بشكلٍ رهيب يفزع منه الناس ويموتون.
- (عَبَسَ وَبَسَرَ): عبس: قطب بين عينيه، وبَسَر: كلح وجهه وتغيّر لونه.
- (سَقَرَ): اسم من أسماء جهنم، وقيل: دركة من دركاتها.
- (حُمُرٌ مُّسْتَنفِرَةٌ): حمرةٌ: جمع حمار، وهو الحيوان المعروف، والمراد هنا الحُمُر الوحشية، ومُستنفِرة: شديد النِفار، والنفر: الانزعاج عن الشيء.
- (قَسْوَرَةٍ): القسر: الأسد، والمراد هو القهر والغلبة، سُميَ الأسد بذلك لأنه يقهر غيره.[٦]
محتواها
يتلخّص محتوى السورة في: أمر الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم بإعلان الدعوة العلنية، ويأمره أن ينذر المشركين، والتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق. كما تُشير السورة إلى المعاد وأوصاف أهل النار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب، وإلى أهل الجنة وعواقبهما، والإشارة ايضاً إلى بعض خصوصيات الناس مع إنذار الكافرين. كما تُبيّن أنّ عاقبة الإنسان بعمله. وتوضّح كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحق.[٧]
من آياتها المشهورة
- قوله تعالى: كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ * إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ[٨] جاء في كتب التفسير: أنّ العناية في عدّ كل نفس رهينة أنّ لله عليها حق العبودية بالإيمان والعمل الصالح، فهي رهينة عند الله تعالى، فإن آمنت وصلحت، فكّت وأطلقت، وإن كفرت وأجرمت وماتت على ذلك كانت رهينة محبوسة دائماً.[٩] وورد عن الإمام الصادق في قوله تعالى إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ: هم شيعتنا أهل البيت.[١٠]
- قوله تعالى: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ[١١] ذكر المفسرون أن معنى الآية هو: أن تطّلع أهل الجنة على أهل النار، فيقولون لهم: ما أوقعكم في النار؟ فيقولون: كنا لا نصلي الصلاة المكتوبة على ما قرّرها الشرع. [١٢] والسقر هي اسم من أسماء جهنم،[١٣] أو هي دركة من دركات النار.[١٤] والمراد بالصلاة هي التوجه العبادي الخاص إلى الله تعالى.[١٥]
قصة اتهام النبي (ص) بالساحر
ملخّص القصة كما جاء في كتب التفسير: كان الوليد بن المغيرة المخزومي من عتات قريش، وأكثرهم أموالاً وأولاداً، وفي ذات يوم سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقرأ آيات من القرآن الكريم، فقال: ما هذا من كلام الإنس ولا من كلام الجن، فإنه يعلو ولا يُعلى عليه، فخافت قريش أن ينتشر قول الوليد، فيؤمن الناس بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، فأرادوا أن ينال الوليد من مقام الرسول، فوصفه بالساحر، وأنه أخذ القرآن عن الكهنة والسحرة.
فغضب الله على الوليد أشد الغضب، لطغيانه وبغيه، وكفره بنعمة الله، فنزلت به الآيات من سورة المدّثّر بقوله تعالى: إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ * فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ * ثُمَّ نَظَرَ * ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ * ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ * فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ * إِنْ هَذَا إِلاَّ قَوْلُ الْبَشَرِ * سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [١٦][١٧]
فضيلتها وخواصها
وردت فضائل وخواص كثيرة في قراءتها، منها:
- عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم: «من قرأ سورة المدثر أعطاه الله عشر حسنات بعدد من صدّق بمحمد وكذّب به بمكة».[١٨]
- عن الإمام الباقر : «من قرأ في الفريضة سورة المدّثّر كان حقاً على الله أن يجعله مع محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم في درجته، ولا يدركه في الحياة الدنيا شقاء».[١٩]
- عن الإمام الصادق : «من أدمن في قراءتها وسأل الله في آخرها حفظه، لم يمت حتى يحفظه، ولو سأله أكثر من ذلك قضاه الله تعالى له».[٢٠]
قبلها سورة المزمل |
سورة المدثر |
بعدها سورة القيامة |
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الألوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1421 هـ.
- البحراني، هاشم بن سليمان، البرهان في تفسير القرآن، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1429 هـ.
- الخرمشاهي، بهاء الدين، موسوعة القرآن والدراسات القرآنية، إيران - طهران، مؤسسة الأصدقاء، 1377 ش.
- الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، بيروت - لبنان، دار الكتب العلمية، ط 4. 1434 هـ.
- الزمخشري، محمود بن عمر، الكشّاف، بيروت - لبنان، دار صادر، ط 1، 1431 هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم - إيران، دار المجتبى، ط 1، 1430 هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، تفسير جوامع الجامع، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، ط 2، 1430 هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان، بيروت - لبنان، مؤسسة الميرة، ط 1، 1430 هـ.
- الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1431 هـ.
- الموسوي، عباس بن علي، الواضح في التفسير، بيروت - لبنان، مركز الغدير، ط 1، 1433 هـ.
- معرفة، محمد هادي، تدريس العلوم القرآنية، ترجمة: أبو محمد فقيلي، دار نشر الدعاية الإسلامية ، 1371 ش.
- مغنية، محمد جواد، تفسير الكاشف، بيروت- لبنان، دار الأنوار، ط 4، د.ت.
- مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، بيروت - لبنان، مؤسسة الأميرة، ط 2، 1430 هـ.
وصلات خارجية
- ↑ الطوسي، تفسير التبيان، ج 11، ص 406.
- ↑ الألوسي، روح المعاني، ج 29، ص 180.
- ↑ الخرمشاهي، موسوعة القرآن والبحوث، ج 2، ص 1259.
- ↑ الرازي، التفسير الكبير، ج 30، ص 167؛ الطبرسي، جوامع الجامع، ج 3، ص 669.
- ↑ معرفة، علوم قرآن، ج 1، ص 167.
- ↑ الموسوي، الواضح في التفسير، ج 16، ص 425-448.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 19، ص 94.
- ↑ سورة المدثر: 38-39.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 20، ص 104.
- ↑ البحراني، تفسیر البرهان، ج 10، ص 66.
- ↑ سورة المدثر: 42-43.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 10، ص 136.
- ↑ الطوسي، تفسير التبيان، ج 11، ص 421.
- ↑ الرازي، التفسير الكبير، ج 30، ص 186.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 20، ص 105.
- ↑ سورة المدثر: 18-26.
- ↑ مغنية، تفسير الكاشف، ج 7، ص 600.
- ↑ الزمخشري، تفسير الكشاف، ج 4، ص 1719.
- ↑ الطبرسي، جوامع الجامع، ج 3، ص 669.
- ↑ البحراني، تفسیر البرهان، ج 10، ص 59.