آية المجاهدين

من ويكي علوي
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

آية المجاهدين هي الآية 95 من سورة النساء التي تقارن بين المجاهدين والقاعدين عن الجهاد، وتؤكد على تفوق المجاهدين، وتشجّع المؤمنين على الجهاد. وتميز الآية بين الذين لم يشتركوا بالجهاد بسبب المرض أو مانع آخر، وبين من امتنعوا عن المشاركة في الجهاد بسبب النفاق والعداوة. وتذكر الآية نوعين من الجهاد بالمال والنفس، وتؤكد على أنَّ أجر المجاهدين وثوابهم عظيم.

نص الآية

هي الآية 95 من سورة النساء، قال تعالى: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ ۚ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا * دَرَجَاتٍ مِنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا [١]


شأن النزول

ذكر الفضل بن الحسن الطبرسي (وفاة: 548هـ) صاحب تفسير مجمع البيان في شأن نزول هذه الآية إنّها نزلت في ثلاثة من أصحاب رسول الله(ص)، وهم: كعب بن مالك، ومرارة بن ربيع، و هلال بن أمية،[٢] في غزوة تبوك (آخر غزوة لرسول الله في السنة التاسعة للهجرة)، حيث تخلف بعض المنافقين عن أمر النبي في قتال الرومان، تحت ذرائع مختلفة تم ذكرها في آيات مختلفة من القرآن الكريم.[٣] إلا إنَّ صحابة الرسول الثلاثة الذين تخلفوا عن الجهاد في معركة تبوك لم يكونوا منافقين، بل مؤمنين، وتقاعسوا عن الجهاد لأسباب أخرى غير النفاق. لاحقاً ندم هؤلاء الثلاثة على ما فعلوه وتابوا، ووفقاً للآية 118 من سورة التوبة قبل الله توبتهم.[٤]

كذلك عذر الله في هذه الآية أولي الضرر وهو عبد الله بن أم مكتوم، وقال زيد بن ثابت: كنت عند النبي حين نزلت عليه الآية ولم يذكر أولي الضرر، فقال ابن أم مكتوم: فكيف وأنا أعمى لا أبصر، عندها نزل الوحي على النبي فأمرني أن أكتب قالب:قرآن فكتبتها.[٥]

محتوى الآية

تُبين آية المجاهدين التمايز بين المجاهدين وغير المجاهدين، وتؤكد عدم التساوي بين من يبذل المال والنفس في سبيل الهدف الإلهي، وبين من يقعده عن هذا البذل سبب آخر غير المرض الذي يحول دونه ودون المشاركة في الجهاد،[٦] وحساب من لا يستطيع المشاركة في هذه الأمر المهم بسبب مرض أو مانع آخر، ولكنهم يرغبون في ذلك، يختلف عن المتقاعسين من الجهاد.[٧] فإنّ لهم سهم ونصيب لا ينكر من ثواب المجاهدين،[٨] ولا يشمل الثواب الذين امتنعوا عن المشاركة في الجهاد بسبب النفاق والعداوة.[٩]

التشجيع على الجهاد

تحاول هذه الآية تشجيع للمؤمنين على الجهاد، وتريد إيقاظ روح إيمانهم لاستباق الخير والفضيلة.[١٠] يذهب صاحب تفسير الميزان إنَّ الله تعالى حتى ولو استثنى أولي الضرر من الجهاد، وإنَّه سبحانه يتدارك ضررهم بنياتهم الصالحة فلا شك أن الجهاد والشهادة أو الغلبة على عدو الله من الفضائل التي فضل بها المجاهدون في سبيل الله على غيرهم.[١١]

الجهاد بالمال والنفس

كما إنَّ الآية اهتمت بالجهاد بالنفس في سبيل الله، كذلك اهتمت أيضاً بالجهاد بالأموال. يرى العلامة الطباطبائي إنَّ الجهاد بالأموال هو إنفاقها في سبيل الله للظفر على أعداء الدين.[١٢] ويذهب السيد محمد الحسيني الهمداني إنَّ الجهاد بالأموال مقدم على الجهاد بالنفس؛ لأن تجهيز المعدات اللازمة للجهاد وسلاح الحرب في أي وقت يُكلف الكثير من الأموال؛ لذلك يُعتبر الجهاد أكثر فاعلية من خلال التبرع بالمال.[١٣]

القاعدون عن الجهاد

في هذه الآية يفرق الله بين القاعدين عن الجهاد ولهم أجر، عن غيرهم من القاعدين. وذهب صاحب تفسير الأمثل إنَّ المقصود بالقاعدين في الآية هم أولئك المؤمنون بالإسلام ولم يشاركوا في الجهاد في سبيله؛ بسبب افتقارهم إلى العزم الكافي‌، حيث تحدثت الآية عن هؤلاء بلطف ومرونة وأنَّ لهم ثواب.[١٤] وتبيّن الآية القرآنية أنَّ لكل عمل صالح نصيب محفوظ من‌ الثواب لا يغفل ولا يُنسى، خاصّة وهي تتحدث عن قاعدين أحبّوا المشاركة في الجهاد وكانوا يرونه أمراً مقدساً، ولكنهم غير قادرين على المشاركة، وبقدر ما يرغب هؤلاء في المشاركة في الجهاد فإنهم يشاركون المجاهدين في الثواب.[١٥]

وفي حديث عن رسول الله(ص) خاطب فيه المجاهدين حيث قال: «لقد خلفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم، وهم الذين صحت نياتهم ونصحت جيوبهم وهوت أفئدتهم إلى الجهاد، وقد منعهم من المسير ضرر أو غيره.»[١٦]

أجر المجاهدين

ذكر الشيخ مكارم الشيرازي في مسألة أجر المجاهدين، إنًّ الآية ذكرت في البداية تفوق المجاهدين على القاعدين بعبارة مفردة وهي «درجة» وفي الآية التالية جاءت هذه العبارة بصيغة الجمع وهي «درجات»، وقال إنَّه لا تناقض بين هاتين العبارتين؛ لأن المقصود من العبارة الأولى تبيان تفوق المجاهدين على غيرهم، والثانية تبين وتوضح هذا التفوق وأنَّه له درجات.[١٧]

وذهب صاحب مجمع البيان إنَّ الآية الأولى ذكرت درجة واحدة هي الفارق بين أجر المجاهدين وأصحاب العذر المشروع، وفي الآية الثانية التي عدّة الاختلاف بعدة درجات هو الفرق بين المجاهدين والقاعدين الذين لا عذر مشروع لهم.[١٨]

لكن للعلامة الطباطبائي وجهة نظر مختلفة، حيث ذهب بخصوص تعبير «درجة» الأولى إنَّها لا تعني التفوق، بل تعبير «درجة» هنا إنَّ فضل المجاهدين على القاعدين بالمنزلة من الله تعالى من دون ييان إنَّ هذه المنزلة واحدة أو كثيرة، فدرجة منصوبة على التمييز وتدل على إنَّ التفضيل بين المجاهدين وغيرهم من حيث الدرجة والمنزلة، ولكن في آخر الآية يتم ذكر مقدار هذا الاختلاف وهو ليس منزلة واحدة، بل عدة منازل ودرجات.[١٩]


المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • ابن الأثير، علي بن محمد، أسد الغابة في معرفة الصحابة، بيروت، دار الفكر، 1409 هـ/ 1989 م.
  • الحسيني الهمداني، محمد حسين، انوار درخشان، طهران، کتابفروشی لطفی، 1404هـ.
  • الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط1، 1417هـ/ 1997م.
  • الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البیان في تفسير القرآن، طهران، ناصر خسرو، ط3، 1372ش.
  • الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
  • الفيض الكاشاني، محمد بن مرتضى، تفسير الصافي، طهران، مكتبة الصدر، ط2، 1415 هـ.
  • مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط 10، 1371 ش.
  1. سورة النساء، الآية 95 ـ 96.
  2. الطبرسي، مجمع البيان، ج 3، ص 147.
  3. الطبرسي، مجمع البيان، ج 5، ص 47.
  4. ابن الأثير، أسد الغابة، ج 4، ص 247.
  5. الطبرسي، مجمع البيان، ج 3، ص 147.
  6. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 4، ص 76.
  7. الطوسي، التبيان، ج 3، ص 301.
  8. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 4، ص 78.
  9. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 4، ص 77.
  10. الطباطبائي، الميزان، ج 5، ص 46.
  11. الطباطبائي، الميزان، ج 5، ص 46.
  12. الطباطبائي، الميزان، ج 5، ص 45 - 46.
  13. الحسيني الهمداني، انوار درخشان، ج 4، ص 168.
  14. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 4، ص 77.
  15. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 4، ص 78.
  16. الفيض الكاشاني، تفسير الصافي، ج 1، ص 487.
  17. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 4، ص 79 ـ 80.
  18. الطبرسي، مجمع البيان، ج 3، ص 148 ـ 149.
  19. الطباطبائي، الميزان، ج 5، ص 47.