آية الصادقين
آية الصادقين، هي الآية 119 من سورة التوبة. هذه الآية من أدلة الشيعة على إثبات الإمامة. ومن خلال تحليل معنى الصدق، وأيضاً بمراجعة الأحاديث يتضح أنّ المصداق الكامل للصادقين هم أئمة أهل البيت (ع).
نص الآية
وهي الآية 119 من سورة التوبة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ
معنى الصدق
- الصدق في اللغة هو مطابقة الحكم للواقع.[١]
وبعبارة أخرى الصدق في الأصل هو وصف للقول الذي ينطبق على حقيقة خارجية. لكن بما أن القول يطلق أيضا على العقيدة والنيّة والعزم، فإن الأمور المذكورة توصف بالصدق أيضا. وعلى هذا الأساس فإن من تكون عقيدته مطابقة لنفس الأمر، ومن يكون ظاهره مطابق لباطنه، ومن ينفّذ ما يريد يكون صادق العقيدة والنية والإرادة.[٢]
من هم الصادقون
هناك عدة أقوال منقولة عن المفسرين في بيان مصاديق الصادقين وخصائصهم، وهي ما يلي:
- المقصود من الصادقين في الآية هم المتصفون بالأوصاف الواردة في الآية 177 من سورة البقرة وهي عبارة عن: قالب:قرآن.[٤]
- وذهب بعض إلى أن المقصود من «الصادقين» هم المذكورون في الآية 23 من سورة الأحزاب، وهي قوله تعالى: قالب:قرآن.[٥]
- المقصود من «الصادقين» هم المهاجرون الذين وصفتهم الآية 8 من سورة الحشر بأنهم الصادقون.[٦]
- وذهب بعض إلى أن المراد من «الصادقين» هم الأشخاص الثلاثة الذين تخلفوا في غزوة تبوك ثم ندموا، وهم الذين أشارت إليهم الآية 118 من سورة التوبة.[٧]
- وفسر بعض آخر «الصادقين» بالنبي (ص) وأصحابه، وطبّقوا عبارة (الذين آمنوا) الواردة في صدر آية الصادقين على الثلاثة المتخلفين من غزوة تبوك.[٨]
- استند البعض إلى قراءة عبد الله بن مسعود، فقال: إنّ كلمة «مع» بمعنى «من»، فمعنى الآية هو أن على المؤمنين اجتناب الكذب والتزام الصدق.[٩] [١٠]
- تشير بعض الأحاديث التي رواها المحدّثون الشيعة والسنة بأنّ «الصادقين» هم الإمام عليّ (ع) وأصحابه، أو عليّ وأهل بيته.[١١]
- وقد طبقت بعض الروايات «الصادقين» على محمد (ص) وأهل بيته.[١٢]
- وقد ورد في المجاميع الروائية الشيعية أحاديث كثيرة في تطبيق «الصادقين» على أئمة أهل البيت (ع).[١٣]
- وقد روى الشيخ الصدوق أنّه حينما نزلت آية الصادقين قال سلمان: يا رسول الله (ص) عامة هذه أم خاصة؟ فقال (ص) : «أما المأمورون فعامة المؤمنين أمروا بذلك، وأما الصادقون فخاصة لأخي علي (ع) وأوصيائي من بعده إلى يوم القيامة».[١٤]
نقد وتقييم
هناك من يرى إشكالات في النظريات الأربع:
- ففي الأولى: لا ريب في أن بعض الآيات أطلقت عنوان «الصادقين» على بعض المؤمنين، لكن هذا لا يعني بأنّ المراد من «الصادقين» في هذه الآية هو نفس ذلك؛ لأنه سيأتي فيما بعد إثبات أنّ «الصادقين» هم من كان في أسمى مراتب الصدق، ولا يصدق ذلك إلا على المعصوم.
- وأما النظرية الخامسة فهي مخدوشة؛ لأنّ قوله (الذين آمنوا) عام ولا دليل على تخصيصه بالأفراد الثلاثة المتخلفين.
- وأما النظرية السادسة؛ فإنه على فرض أنّ كلمة «مع» تستعمل في اللغة العربية بمعنى «من» لكن مثل هذا الاستعمال غير شائع ويحتاج إلى دليل.
- وأما قراءة عبد الله بن مسعود فهي شاذة، ولا يمكن الاعتماد عليها.[١٥]
نظرية الشيعة
إن الأقوال الثلاثة الأخيرة منسجمة فيما بينها، وتدل على أن المقصود من الصادقين في الآية هم النبي الأكرم (ص) والأئمة المعصومون من أهل بيته، وإذا ورد في بعض الروايات اسم علي (ع) فقط فإنما هو لأجل كونه أول قائد معصوم للأمة الإسلامية بعد الرسول الأكرم (ص). وعليه فإن المراد من «الصادقين» هم من كانوا في أكمل مراتب الصدق، وهم من نال منزلة العصمة.[١٦]
الدليل على نظرية الشيعة
هناك دليلان لإثبات النظرية الصحيحة:
- بيان العلامة الحلي: ذكر العلامة الحلي ضمن شرحه كلام المحقق الطوسي أنّ آية: قالب:قرآن هي من أدلة إمامة الإمام علي (ع) حيث يقول: «لقد أمر الله سبحانه بالكون مع الصادقين والمقصود من الصادقين هم من كان صدقهم معلوماً ولا تتحقق هذه الصفة إلا في المعصوم؛ لأنه لا يمكن الاطلاع على صدق غير المعصوم، وهناك إجماع بين المسلمين على أنه لا يوجد معصوم في أصحاب النبي (ص) سوى علي (ع).[١٧]
- يثبت الفخر الرازي بأنّ هذه الآية تدل على عصمة «الصادقين» حيث يقول: «أن قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ) أمر لهم بالتقوى، وهذا الأمر إنما يتناول من يصح منه أن لا يكون متقياً، وإنّما يكون كذلك لو كان جائز الخطأ، فكانت الآية دالة على أن من كان جائز الخطأ وجب كونه مقتدياً بمن كان واجب العصمة، وهم الذين حكم الله تعالى بكونهم صادقين، فهذا يدل على أنّه واجب على جائز الخطأ كونه مع المعصوم عن الخطأ حتى يكون المعصوم عن الخطأ مانعاً لجائز الخطأ عن الخطأ، وهذا المعنى قائم في جميع الأزمان، فوجب حصوله في كل الأزمان» ثم يقول: «نحن نعترف بأنه لا بد من معصوم في كل زمان، إلا أنا نقول: ذلك المعصوم هو مجموع الأمة ...؛ لأنّه تعالى أوجب على كل واحد من المؤمنين أن يكون مع الصادقين، وإنما يمكنه ذلك لو كان عالماً بأن ذلك الصادق من هو، لا الجاهل بأنه من هو، فلو كان مأموراً بالكون معه كان ذلك تكليف ما لا يطاق، وأنه لا يجوز، لكنا لا نعلم إنساناً معيناً موصوفاً بوصف العصمة، والعلم بأنا لا نعلم هذا الإنسان حاصل بالضرورة، فثبت أن قوله: (وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ) ليس أمراً بالكون مع شخص معين، ولما بطل هذا بقي أن المراد منه الكون مع مجموع الأمة».[١٨]
تقييم كلام الفخر الرازي
من الممكن إيراد عدة ملاحظات على كلام الرازي:
- أولا: المسائل التي أجمعت عليها الأمة في غاية القلة، ولا يمكنها أن تكون حلّا للمسلمين في أحكام دينهم.
- ثانياً: إذا كان إجماع الأمة متكوناً من أفراد غير معصومين فاحتمال الخطأ موجود فيه.
- ثالثاً: عندما نعود إلى القرآن الكريم، ونلحظ ما ورد في آية التطهير، وكذا السنة النبوية في حديث الثقلين، وحديث السفينة وغيرها، يتّضح لنا أنّ أهل بيت النبي (ص) هم المعصومون.[١٩]
النتيجة
- بملاحظة البيانين المتقدمين يمكن الاستدلال بآية الصادقين على أنه يجب على المسلمين اتباع الأئمة المعصومين بالبيان التالي:
- أمر الله سبحانه في آية الصادقين جميع المؤمنين بالتقوى واتباع الصادقين. ومفاد قالب:قرآن هو أنه يجب على المؤمنين تقوى الله واتباع الصادقين.
- ومن جهة أخرى فإن أمر الله بالكون مع الصادقين مطلق غير مقيد بأي شرط، ويستفاد من هذا الإطلاق أمران:
- الأول: أن الصادقين هم صادقون في كل مجالات الحياة الاختيارية من العقيدة، والأخلاق، والقول، والسلوك وهو (الإطلاق الموردي).
- الثاني: أنّهم في الأمور المتقدمة صادقون في كل الحالات (الإطلاق الأحوالي). ولا ريب بأنّ الصدق بالنحو المتقدم يلازم العصمة.
- والنتيجة هي أنّ الصادقين معصومون، ويجب على المؤمنين اتباعهم.
- والملاحظة الأخيرة هي أن «الصادقين» في الآية التي نبحثها هم نفس «الصدّيقين» الوارد ذكرهم في الآية 69 من سورة النساء،[٢٠] حيث قال تعالى: قالب:قرآن.
- وعليه فإن نتيجة الكون «مع الصادقين» في الدنيا هو الكون «مع الصدّيقين» في الآخرة.[٢١]
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- ابن شاذان، شاذان بن جبرئيل، الفضائل، قم – إيران، الرضي، ط 2، 1363 ش,
- الآمدي، سيف الدين، غاية المرام في علم الكلام، القاهرة - مصر، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، 1391 هـ.
- الأميني، عبد الحسين، الغدير، قم – إيران، مركز الغدير للدراسات الاسلامية، 1421 هـ.
- الجرجاني، علي بن محمد، التعريفات، بيروت - لبنان، دار الفكر، 1419 هـ.
- الحسكاني، عبد الله بن أحمد، شواهد التنزيل، طهران - إيران، مؤسسة الطبع والنشر، 1411 هـ.
- الرازي، فخر الدين، تفسير الرازي، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
- الرباني الكلبايكاني، علي، آية الصادقین، قم – إيران، دانشنامه کلام اسلامی، مؤسسة الإمام الصادق، 1387 ش.
- الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف، د.م، نشر أدب الحوزة، د.ت.
- السيوطي، جلال الدين، الدر المنثور، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، 1421 هـ.
- الصدوق، محمد بن علي، إكمال الدين وتمام النعمة، قم - إيران، مؤسسة النشر الاسلامي، 1416 هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت - لبنان، مؤسسه الأعلمي، 1393 هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، 1379 هـ.
- الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، بيروت - لبنان، دار المعرفة، بيروت، 1412 هـ.
- الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري، ضبط وتعليق: محمود شاكر، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
- الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، قم - إيران، ، مكتب الإعلام الاسلامي، 1401 هـ.
- العلامة الحلي، الحسن بن يوسف، كشف المراد، قم - إيران، مؤسّسة النشر الاسلامي، 1419 هـ.
- العياشي، محمد بن مسعود، تفسير العياشي، طهران – إيران، المكتبة العلمية الاسلامية، د.ت.
- القرطبي، محمد بن أحمد، تفسير القرطبي، تحقيق: عبد الرزاق المهدي، بيروت ـ لبنان، دار الكتاب العربي، 1423 هـ.
- القندوزي، سليمان بن ابراهيم، ينابيع المودّة، د.م، دار الأسوة للطباعة والنشر، 1416 هـ.
- الكليني، محمد بن يعقوب، أصول الكافي، بيروت - لبنان، دار التعارف، 1401 هـ.
- رشيد رضا، محمد، المنار، بيروت - لبنان، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، د.ت.
- المجلسي، محمد باقر بن محمد تقي، بحار الأنوار، طهران - إيران، المكتبة الإسلامية، 1396 هـ.
- ↑ الجرجاني، التعريفات، ص 95.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج 9، ص 402.
- ↑ الزمخشري، الكشاف، ج 2، ص 220.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 3، ص 81.
- ↑ الطوسي، التبيان، ج 5، ص 318.
- ↑ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، ج 8، ص 288.
- ↑ الزمخشري، الكشاف، ج 2، ص 321.
- ↑ الطبري، تفسير الطبري، ج 11، ص 46.؛ الزمخشري، الكشاف، ج 2، ص 321.
- ↑ رشيد رضا، المنار، ج 11، ص 72.
- ↑ الطوسي، التبيان، ج 5، ص 318.
- ↑ السيوطي، الدرّ المنثور، ج 4، ص 287؛ الآمدي، غاية المرام، ج 3، ص 50ـ 51؛ الأميني، الغدير، ج 2، ص 306.
- ↑ الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 1، ص 262.
- ↑ الكليني، أصول الكافي، ج 1، ص 208؛ الآمدي، غاية المرام، ج 3، ص 52.
- ↑ الصدوق، إكمال الدين، ص 262؛ المجلسي، بحارالأنوار، ج 33، ص 149؛ القندوزي، ينابيع المودة، ص 115.
- ↑ الطبري، تفسير الطبري، ج 11، ص 76.
- ↑ ابن شاذان، الفضائل، ص 138.
- ↑ العلامة الحلي، كشف المراد، ص 503.
- ↑ الرازي، تفسير الرازي، ج 16، ص 221.
- ↑ الرباني الكلبايكاني، آية الصادقین، ج 1، ص 101.
- ↑ العياشي، تفسير العياشي، ج 1، ص 256.
- ↑ الرباني الكلبايكاني، آية الصادقین، ج 1، ص 101.