التناسخ

من ويكي علوي
مراجعة ٠٨:٣١، ٧ نوفمبر ٢٠٢٣ بواسطة Qanbar (نقاش | مساهمات) (أنشأ الصفحة ب''''التناسخ'''، هو انتقال النفس من بدنها الذي كانت فيه إلى بدن آخر من نوعه أو إلى غير نوعه، وهكذا تبقى تنتقل من بدن إلى آخر وتتردد في الأجسام، وكلما انتهى دور البدن تنتقل إلى دور آخر، سواء كان هذا البدن حيواني أو نباتي أو إنساني. وهي مسألة قديمة في التاريخ، ولق...')
(فرق) → مراجعة أقدم | المراجعة الحالية (فرق) | مراجعة أحدث ← (فرق)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

التناسخ، هو انتقال النفس من بدنها الذي كانت فيه إلى بدن آخر من نوعه أو إلى غير نوعه، وهكذا تبقى تنتقل من بدن إلى آخر وتتردد في الأجسام، وكلما انتهى دور البدن تنتقل إلى دور آخر، سواء كان هذا البدن حيواني أو نباتي أو إنساني.

وهي مسألة قديمة في التاريخ، ولقد فكرت فيها بعض الشعوب القديمة، وعالجها عدد من الفلاسفة والمفكرين، سواء كان قبل الإسلام أو في العصر الإسلامي، ولقد ذُكرت عدّة عوامل لظهور هذه النظریة منها: إنکار القیامة والعالم الآخر، وتبریر لفلسفة خلق الأطفال المرضى والمعوقین، وتعویض وتدارك الفشل والخذلان الحاصل في الحیاة، وتبریر العنف.

ينقسم التناسخ إلى قسمين: الأول: التناسخ الملكي، وبدوره ينقسم إلى: نزولي وصعودي، الذي اتفق الفلاسفة الإسلاميين والمتكلمين على بطلانه، وذكروا مجموعة من الأدلة العقلية والنقلية على ذلك، منها: يستلزم التناسخ الحرکة الرجعية لقانون التکامل، وعدم الموازنة بين الأموات والمواليد، واجتماع نفسين في بدن واحد، والقول به يستلزم إنكار المعاد.

الثاني: التناسخ الملكوتي، وهذا القسم من التناسخ في عقيدة الفلاسفة هو الممكن فقط، حيث أشارت إليه النصوص القرآنية والأحاديث الإسلامية، وقد بُيّنت هذه الحقيقة في بحوث تجسم الأعمال يوم القيامة.

تعريفه

التناسخ: من (النسخ) بمعنى النقل،[١] أو بمعنى إزالة بشيء يتعقبه، كنسخ الشمس الظل، والشيب الشباب،[٢] ويُعبّر عنه أيضاً بالتحوّل والتتابع،[٣] وتناسخ الأرواح: بمعنى انتقال الأرواح بعد مفارقتها الأبدان إلى أبدان أُخرى.[٤]

في أصطلاح المتكلمين هو انتقال النفس من بدنها الذي كانت فيه إلى بدن آخر من نوع البدن الذي كانت فيه ومن غير نوعه، وهكذا تبقى تنتقل من بدن إلى آخر وتترد في الأجسام مادام الدهر، كلما انتهى دور البدن تنتقل إلى دور آخر، سواء كان هذا البدن حيواني أو نباتي أو إنساني.[٥]

التناسخ في التاريخ

إن مسألة التناسخ قديمة في التاريخ، لقد فكرت فيها بعض الشعوب القديمة، وعالجها عدد من الفلاسفة والمفكرين، سواء كان قبل الإسلام أو في العصر الإسلام.

قبل الإسلام

ظهرت مسألة التناسخ في تاريخ الشعوب منذ فجر التاريخ، فقد كان المصريون القدماء أول من اعتقد بها، وتابعهم في ذلك الكنعانيون والفينيقيون منذ القرنين الخامس والرابع قبل الميلاد، وكان الاعتقاد بالتناسخ حجر الزاوية في الديانة الهندوسية أو البراهمانية، فمن لا يعتقد به يُعتبر خارجاً عن هذه الديانة، ويتلخص الاعتقاد بهذه الفكرة بالقول إن نفس الإنسان تنتقل من حياة إلى حياة أُخرى أحسن أو أسوأ بحسب مؤهلات الفرد وأعماله، وتابعت وجودها مع الديانة البوذية التي تأسست في القرن الخامس قبل الميلاد في بلاد الهند، حيث كان الاعتقاد بالتناسخ يقوم على انتقال النفس من جسد إلى جسد آخر أرضي كي تظهر هذه النفس، وتصل إلى درجة النيرفانا (Nirvana) أي الذوبان في الروح الكلية.[٦]

كذلك فلاسفة اليونان عرضوا فكرة التناسخ منذ القرن السادس قبل الميلاد، فقال بها فيثاغورس، حيث اعتقد هو وتلاميذه بانتقال الروح إلى الإنسان والحيوان والنبات، أي تناسخ الأرواح، إلا أن النظرية التناسخية في الفلسفة اليونانية تبلورت في المرحلة الأفلاطونية، حيث قال أفلاطون بأن الأحياء يُبعثون من الأموات، وأن النفس التي تولد هي آتية من عالم آخر كانت قد ذهبت إليه إثر موت سابق، وهكذا فالنفس لا تموت بموت الجسد.[٧]

في الإسلام

لقد ظهرت بعض الفرق المنتسبة للإسلام، فتبنت نظرية تناسخ الأرواح، والحلول، ومن أهم هذه الفرق هي:

  • الغلاة: نُسب الاعتقاد بالحلول والتناسخ إلى بعض فرق الكيسانية الذين يعتقدون أنّ روح الله حلّت في النبيصلى الله عليه وآله وسلم، وروح النبيصلى الله عليه وآله وسلم حلّت في عليعليه السلام، وروح الإمام علي حلّت في الحسنعليه السلام، وروح الحسن حلّت في الحسينعليه السلام، وروح الحسين حلّت في محمد بن الحنفية، وكذلك الخطابية، أصحاب أبو الخطاب، والجناحية، والبيانية، أصحاب بيان بن كنعان الهندي.[٨]
  • بعض المعتزلة: يوجد هناك من المعتزلة من قال بالتناسخ منهم: الخابطية: أصحاب أحمد بن خابط، والحدثية: أصحاب الفضل الحدثي، كانا من أصحاب النظام،[٩] وأحمد بن أيوب بن بانوش، والفرقة الحمارية أخذوا من أحمد بن خابط، وأبن أبي العوجاء.[١٠]
  • الدروز: يعتقد الدروز، بالتقمص حيث تنتقل روح الإنسان بعد موته إلى شخص آخر جديد، ومن هنا ينطلق الدروز في الإيمان بأن الجسد هو الذي يموت بينما النفس تبقى خالدة والتقمص في نظر الموحدين، هو انتقال النفس بعد الموت مباشرة من جسد إنسان إلى جسد إنسان آخر والجسد هو قميص الروح وهذا القميص هو الذي يتغير عند الوفاة منتقلة إلى جسد إنسان آخر،[١١] وغيرها من الفرق المنتسبة للإسلام.

عوامل ظهور نظریة التناسخ

لقد ذُكرت عدّة عوامل لظهور هذه النظریة منها:

العوامل الفکریة والفلسفیة

  • إنکار القیامة والعالم الآخر: إنَّ البعض وبسبب عدم إعتقادهم بالعالم الآخر، حیث من المحتمل أن یتصور هذا البعض إن ذلك محال من جهة، ومن جهة أخرى کانوا یرون أنَّ عدم جزاء المحسنین والمسیئین مخالف للعدالة الإلهیة؛ لذلك فانهم إعتقدوا إن روح المحسنین تحل عند موتها مرة أخرى في هذا العالم في جسد آخر یکون أفضل بدرجات من البدن السابق، ویتنعم بثواب أعماله الحسنة التي قام بها في حیاته السابقة، وتحل الأرواح الشریرة في أجساد و أبدان تعاني من المشاکل و الآلام، أو تحل في أجساد غیر مکتملة الخلقة، وفي الحقیقة فإنها تُطهّر بعد ذلك لکي تتکامل.
  • تبریر لفلسفة خلق الأطفال المرضى والمعوقین: إنَّ البعض الأخر ونتیجة لمشاهدة بعض الأطفال المرضى والمعوقین کانوا یفکرون ویتسألون بأن هؤلاء الأطفال لم یرتکبوا ذنباً، فلماذا إبتلاهم الله وخلقهم على هذه الشاکلة؟ فلهذا کانوا یقولون إنه من المؤکد أن الأرواح الموجودة في أجسام هؤلاء الأطفال، هي أرواح لأشخاص مذنبین وأشرار قد حّلت أرواحهم بأجسام هؤلاء الأطفال، ورجعوا مرة أخرى إلى عالم الدنیا لکي یُعذّبوا.[١٢]

العوامل النفسیة

  • تعویض وتدارك الفشل والخذلان الحاصل في الحیاة: إنَّ أحد الأسباب النفسیة لإعتناق هذه العقیدة، الفشل والخذلان المستمر الذي کان یواجهه الکثیر من الأشخاص في مراحل حیاتهم، وأن ردود الفعل النفسیة لهذا الفشل والخذلان کانت تظهر بأشکال متنوعة، حیث کانت تظهر في بعض الأحیان على شکل "المیل للذات" و"الإلتجاء الى الخیالات" وإیجاد ضالته في عالم الخیال، وهؤلاء الأشخاص "الفاشلون"، یتخیلون أنهم سوف یُعوضوا فشلهم وعدم نجاحهم في هذه الحیاة عن طریق حلول أرواحهم بأجسام أخرى، وبذلك سوف یحققوا آمالهم وأمانیهم في هذه الحیاة الجدیدة.
  • تبریر العنف: ومن العوامل النفسیة الأخرى لهذا المعتقد، هو تبریر الأعمال العنیفة التي یقومون بها عند الإنتقام، وکمثال على ذلك، إنَّ العرب في العصر الجاهلي، کانوا یعتقدون أنه إذا قُتل شخص من قبیلتهم فإن روحه تحل في جسد طیر یشبه "البوم" یُسمى الهامة، وتُحلّق حول جسد المقتول بشکل مستمر وتنوح وتأن بشکل مخیف، وعندما یضعوا المقتول في القبر، فإنها تطیر حول قبر المقتول وتصیح بشکل متوالي اسقوني! اسقوني! و إذا لم یراق دم القاتل فإن أنینها الحزین لا ینقطع.

أقسام التناسخ

الملكي

هو عبارة عن تعلق الروح بالبدن بعد المفارقة من بدن آخر من غير تخلل زمان بين التعلقين، للتعشق الذاتي بين الروح والجسد.[١٣] وهو على قسمين:

التناسخ النزولي

مفاد التناسخ النزولي المحدود: هو عبارة عن تعلّق الروح بعد مفارقتها لجسدها الأول بجنين أو حيوان أو خلية نبات أو جماد، والكل دونها في الكمال.[١٤] وهذا النوع من التناسخ على أربعة أنواع وهي:

  • النسخ: هو انتقال النفس بالموت من البدن الأول المادي إلى بدن آخر مادي في هذه النشأة.
  • المسخ: هو الرجوع إلى بدن حيواني.
  • الفسخ: هو الانتقال إلى شجر ونبات.
  • الرسخ: هو الانتقال إلى حجر وجماد.[١٥]

المسخ ليس من التناسخ:

أشارت الآيات القرآنية على وقوع المسخ في بعض اليهود الذين خالفوا الأوامر الألهية، ولم ينصاعوا لها، حيث ورد في سورة البقرة، والأعراف، أن الله مسخهم إلى قردة.[١٦]

المسخ: هو عبارة عن تغير صورة الممسوخ وهيئته، لا تغير نوعيته الإنسانية، ولا تنتقل روح الممسوخ إلى بدن آخر، بل يبقى إنساناً على صورة قرد مثلاً، ثم يموت إنساناً، وتغير صورة الشخص إلى صورة أقبح مع بقائه حياً ليس نسخاً، إذ النسخ هو عبارة عن موت الشخص ثم تنتقل نفسه بعد الموت إلى بدن إنسان أو حيوان آخر.[١٧]

التناسخ الصعودي

أن النفس في بدء وجودها إنما توجد في صورة أحسن النباتات، ثم تتدرج بالصعود إلى أرقى الدرجات لتصل إلى درجة الحيوان الذي هو أشرف من النبات، ثم تتدرج لتصل إلى النوع الإنساني وبعده تتصل بأجرام فلكية، غاية استكمالها النهائي، فتصبح في عالم المجردات متحدة مع العقول، هذا في السعداء.[١٨]

الملكوتي

هو عبارة عن انتقال النفس من البدن الدنيوي إلى البدن الأخروي، ويصبح بحسب ملكاته التي اكتسبها في الدنيا على صورة حسنة أو قبيحة، وهذا القسم من التناسخ في عقيدة الفلاسفة هو الممكن فقط، حيث أشارت إليه النصوص القرآنية والأحاديث الإسلامية، وقد بُينت هذه الحقيقة في بحوث تجسم الأعمال يوم القيامة.[١٩]

الأدلة علی بطلان التناسخ

لقد ذكر الفلاسفة والمتكلمين مجموعة من الأدلة العقلية والنقلية على بطلان التناسخ الملكي، وهي:

في الآيات والروايات

لقد أشار القرآن الكريم والروايات الإسلامية إلى بطلان التناسخ الملكي سواء كان النزولي أو الصعوي، قال تعالى: قالب:قرآن،[٢٠] وقوله: قالب:قرآن.[٢١]

أما الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام قال: ”إِن أصحاب التناسخ قد خلفوا وراءهم منهاج الدین، وزینوا لأنفسهم الضلالات“،[٢٢] وعن الإمام الرضا عليه السلام قال: «من قال بالتناسخ فهو کافر باللَّه العظيم مکذب بالجنة والنار».[٢٣]

الأدلة العقلية

أما الأدلة العقلية هي عبارة عن:

يستلزم التناسخ الحرکة الرجعية لقانون التکامل

إنَّ القول بالتناسخ مخالف لقانون الإرتقاء الطبيعي الذي أصبح من أولويات العلم في عصرنا الحاضر، فيكون القول بالتناسخ رجوعاً إلى القهقرى يعاكس قانون الإرتقاء المذكور، لأن الإنسان الذي قضى دورة حياته في مدارج الترقي والتقدّم للفضائل أو الرذائل، أي بعدما تحقق ما في النفس بالقوة إلى الفعل لا تعود إلى البدء ولا ينقلب الفعل قوة بعدما خرجت إليه، فإن الروح عند تعلقها بالجسم الجنيني تکون في مرحلة التحضير والاستعداد في حال کونها ضعيفة جداً، ومع التکامل التدريجي للروح منذ أوان الصغر إلى مرحلة الشيخوخة، فإنا نلتمس بالوجدان الحرکة التکاملية التي تمر بها النفس الإنسانية في هذه المدة،[٢٤] بعبارة أخرى:

  • إما أن تتعلق النفس بهذه الأجنة الإنسانية أو الحيوانية، أو الخلية النباتية، وهي بمالها من الکمال المناسب لمقامها، وهذا غير ممکن عقلاً؛ لأن النفس مادامت في البدن تزداد في فعليتها شيئاً فشيئاً حتى تصير أقوى وجوداً، ومثل هذا لا يمکن أن يتعلق بالوجود الأدنى منه.[٢٥]
  • أن تتعلق النفس بهذه الأجنة أو الخلية النباتية، ولکن بعد تنزلها عن فعليتها، انسلاخها عن کمالاتها، وهذا النحو من التعلق، وإن کان يوجد بين البدن والنفس تعاضداً وانسجاماً، لکن ذلك الانسلاخ إما ناشئ من ذات وصميم النفس، وإما أن يکون حاصلاً بقهر من الله سبحانه، والأول لا يتصور؛ لأن الحرکة الذاتية من الکمال إلى النقص غير معقولة، والثاني ينافي الحکمة الإلهية التي تقتضي بلوغ کل ممکن إلى کماله الممکن.[٢٦]

عدم الموازنة بين الأموات والمواليد

إنَّ النفس لو تعلقت بعد مفارقة بدنها ببدن آخر لزم أن يكون عدد الوفيات مساوياً للمواليد لأنه لو زادت الوفيات بقيت النفوس بلا أبدان، وإذا زادت المواليد بقيت الأبدان بلا نفوس وكلاهما باطل عند أهل التناسخ؛ لأنه يستلزم تعطيل النفوس أو تعطيل الأبدان، ولا تعطيل في الطبيعة والوجود عند أهل التناسخ، هذا بالإضافة إلى أن المواليد لا تتساوى أبداً مع الوفيات، فأيام الحرب والطوفان تهلك أبدان کثیر فتزداد الوفیات، وأيام السلم یزداد الموالید.[٢٧]

عدم تذكر شيء من البدن السابق

إنَّ النفس المتعلقة بهذا البدن لو كانت منتقلة إليه من بدن آخر لزم أن يتذكر شيئاً من أحوال ذلك البدن؛ لأن العلم والحفظ والتذكر من الصفات القائمة بجوهرها الذي لا يختلف باختلاف أحوال البدن مع أننا لا نعرف شيئاً عما كان قبل وجودنا الحالي.[٢٨]

اجتماع نفسين في بدن واحد

إنَّ النفس لا تتصل بالبدن إلا بعد حصول الاستعداد والصلاحية له، وعند حصول الاستعداد في القابل (أي البدن) يجب حدوث النفس وإلا لزم تخلف المعلول عن علته وهو باطل، وبعد أن تتصل بالبدن نفسه الخاصة به لا يمكن أن تنتقل إليه نفس أخرى، إذ لا تجتمع نفسان في بدن واحد، كما لا يشترك بدنان في نفس واحدة، فلو تعلق بالبدن نفس مُستنسخة أيضاً، لزم اجتماع نفسين على بدن واحد وهو باطل.[٢٩]

بعبارة أُخرى: إنّ لتعلّق النفسين في بدن واحد أن يمتلك الإنسان الواحد شخصيتين وتعينين وذاتين في آن واحد، ومعنى ذلك تكثّر الواحد ووحدة الكثير، وذلك لأنّ الفرد الخارجي هو إنسان كلي ولازم الوحدة أن تكون له نفس واحدة، ولكن بناءً على نظرية التناسخ تكون له نفسان، وهذا الفرض بالإضافة إلى كونه محالًا عقلًا، يوجد فيه محذور آخر، إذ يلزم منه أن يكون للإنسان في كلّ واقعة أو حادثة فكران أو علمان، وهكذا سائر الصفات النفسية الأُخرى.[٣٠]

تعطيل النفس

إنّ النفس على فرض التناسخ تبقى معطلة في الفترة ما بين التجسدين: السابق واللاحق، ولا تعطيل في الوجود.[٣١]

عدم الفائدة في التکرار

إنّ أرواح الناس في حال تعلقها بالأبدان الجسمانية وتذوقها للحوادث الحلوة والمرة، التي تتذوقها الروح الإنساني عن طريق البدن الذي تؤدي أعمالها من خلاله لأجل الاستکمال المطلوب لها، فإذا کان بمجرد مفارقتها للبدن الأول تتعلق ببدن آخر، وهکذا تستمر دائماً من أجل أن تتذوق تلك المتاعب والآلام واللذات، وقد تذوقتها من قبل، وهنا نتسأل عن فائدة هذا العود، وهل يتناسب مع الحکمة الإلهية التي اقتضت أن توصل کل شيء إلى کماله الذي خُلق من أجله، بل قد يکون نقضاً للغرض والحکمة الإلهية من الخلقة، والالتزام بالتناسخ هو لزوم القول بالتکرار غير المفيد، في حين أن هذا النوع من التکرار لا حاصل فيه، بل يعد من اللغو واللعب والعبث، وهو لا يتناسب مع الحکمة الإلهية، فهو باطل بالضرورة الدينية والعقلية.[٣٢]

القول بالتناسخ يستلزم أنكار المعاد

إنَّ القول بالتناسخ يستلزم إنكار المعاد الذي هو أصل من أصول الإسلام، ولا يتم إسلام شخص بدونه، لأن القول بالتناسخ يلزم منه أن تتعذب الأجسام والأرواح في الدنيا بتنقل الروح من جسد لآخر، ولا جنة عندهم ولا نار ولا معاد ولا حساب ولا ثواب ولا عقاب ولا آخرة، هذا مضافاً إلى أن تعذيب الجسد الثاني جزاءاً لما فعله الجسد الأول هو عين الظلم لا يفعله الله سبحانه بالتناسخیین وغیرهم.[٣٣]

الفرق بين التناسخ والرجعة

أشارت الروايات التي وردت في المصادر الشيعية إلى رجوع مجموعة من الناس إلى الحياة الدنيا قبل يوم القيامة، وتعد ذلك من علامات قيام الساعة،[٣٤] ويُطلق على ذلك حسب المصطلح عنوان «الرجعة» وحينئذٍ يطرح التساؤل التالي: ما هو الفارق بين القول بالرجعة وبين التناسخ مع العلم أنّ الرجعة أيضاً تعني عودة الروح إلى البدن الدنيوي مرّة أُخرى.

إنَّ مفهوم الرجعة لا علاقة له من بعيد أو من قريب بمسألة التناسخ، وذلك لأنّ محور التناسخ يقوم على أساس تعدّد الأبدان أوّلًا، وانحطاط النفس ورجوعها القهقري من مقامها الإنساني ثانياً.[٣٥]

أنّ هذين المحذورين غير متوفّرين في مسألة إحياء الموتى، لأنّه في عملية الإحياء لا يوجد تعدّد للأبدان ولا النفس تهبط من مقامها السامي إلى الدرجة الوضيعة، بل أنّ النفس تتعلّق وترجع إلى نفس بدنها السابق الذي تركته، ووفقاً لنظرية الرجعة يكون البدن واحداً، وكذلك النفس تعود إلى نفس بدنها الذي فارقته بسبب الموت، وتتعلّق به.[٣٦]

الهوامش

قالب:مراجع

المصادر والمراجع

قالب:المصادر

  • القرآن الكريم.
  • ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، المحقق والمصحح: أحمد فارس صاحب الجوائب‌، بيروت، دار صادر‌، ط3، 1414ه‍.
  • البغدادي، القاهر بن ظاهر بن محمد، الفرق بين الفرق، القاهرة ــ مصر، مطبعة المدني، د.ت.
  • الجرجاني، علي بن محمد، كتاب التعريفات، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1413هـ/ 2010م.
  • الحلبي، سُليمان، طائفة النصيرية تاريخها وعقائدها، الكويت، الدار السلفية، ط2، 1404هـ/ 1984م.
  • الحيدري، كمال، كتاب المعاد، بيروت، مؤسسة الهدى، ط2، 1434هـ/ 2013م.
  • الراغب الأصفهاني، الحسين بن محمد، المفردات في غريب القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط1، 1428هـ/ 2008م.
  • الساعدي، شاكر عطية، المعاد الجسماني، قم، المركز العالمي للدراسات الإسلامية، ط1، 1426هـ.
  • السبحاني، جعفر، الإلهيات على هدى الكتاب والسنة والعقل، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، ط7، 1430هـ.
  • السبحاني، جعفر، الفكر الخالد في بيان العقائد، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، ط1، 1425هـ.
  • السبحاني، جعفر، منشور جاويد، قم، مؤسسة الإمام الصادق عليه السلام، 1416هـ.
  • الشرتوني، سعيد الخوري، أقرب الموارد، قم، مكتبة آية الله العظمى المرعشي النجفي، 1403هـ.
  • الشهرستاني، محمد بن عبد الكريم، الملل والنحل، تحقيق: عبد العزيز محمد الوكيل، القاهرة ــ مصر، مؤسسة الحلبي وشركاه، 1387هـ/ 1968م.
  • الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، قم، مؤسسة البعثة، ط1، 1414هـ.
  • العاملي، حسين يوسف مكي، الإسلام والتناسخ، تحقيق: محمد كاظم مكي، بيروت، دار الزهراء، ط1، 1411هـ/ 1991م.
  • الفراهيدي، الخليل بن أحمد، العين، قم، مؤسسة دار الهجرة، 1409هـ.
  • الفيروزآبادي، محمد بن يعقوب، القاموس المحيط، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1412هـ.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1403هـ/ 1983م.
  • تفاحة، أحمد زكي، النفس البشرية ونظرية التناسخ، بيروت، الشركة العالمية للكتاب، 1987م.
  • حمود، محمد جميل، الفوائد البهية في شرح عقائد الإمامية، بيروت، مؤسسة الأعلمي، ط2، 1421هـ/ 2001م.
  • صدر المتألهين، محمد بن أبراهيم الشيرازي، الأسفار، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 1981م.
  • علي، محمد كردي، خطط الشام، دمشق ــ سورية، مكتبة النور، ط2، د.ت.
  1. الشرتوني، أقرب الموارد، ج 2، ص 1294.
  2. الراغب الأصفهاني، المفردات في غريب القرآن، ص 512.
  3. ابن منظور، لسان العرب، ج 14، ص 121.
  4. الطريحي، مجمع البحرين، ج 2، ص 745.
  5. العاملي، الإسلام والتناسخ، ص 71.
  6. العاملي، الإسلام والتناسخ، ص 37 ــ 39.
  7. العاملي، الإسلام والتناسخ، ص 40.
  8. الحلبي، طائفة النصيرية، ص 85 ــ 86.
  9. الشهرستاني، الملل والنحل، ج 1، ص 60 ــ 62.
  10. البغدادي، الفرق بين الفرق، ص 273 ــ 278.
  11. علي، خطط الشام، ج 6، ص 265.
  12. ماهو رأي الإسلام بخصوص التناسخ.
  13. الجرجاني، كتاب التعريفات، ص 53.
  14. السبحاني، الإلهيات، ج 4، ص 299 ــ 300.
  15. تفاحة، النفس البشرية، ص 80.
  16. البقرة: 65؛ الأعراف: 166.
  17. العاملي، الإسلام والتناسخ، ص 98.
  18. صدر المتألهين، الأسفار، ج 9، ص 4.
  19. الحيدري، كتاب المعاد، ج 1، ص 68 ــ 70.
  20. المؤمنون: 99 ــ 100.
  21. غافر: 11.
  22. المجلسي، بحار الأنوار، ج 4، ص 320.
  23. المجلسي، بحار الأنوار، ج 4، ص 320.
  24. الساعدي، المعاد الجسماني، ص 130.
  25. السبحاني، الإلهيات، ج 4، ص 303.
  26. السبحاني، الإلهيات، ج 4، ص 304.
  27. الساعدي، المعاد الجسماني، ص 131.
  28. حمود، الفوائد البهية، ج 2، ص 501.
  29. صدر المتألهين، الأسفار، ج 9، ص 10.
  30. السبحاني، الفكر الخالد، ج 2، ص 221 ــ 222.
  31. حمود، الفوائد البهية، ج 2، ص 502.
  32. الساعدي، المعاد الجسماني، ص 133.
  33. حمود، الفوائد البهية، ج 2، ص 504.
  34. المجلسي، بحار الأنوار، ج 53، ص 39 ــ 142.
  35. السبحاني، الفكر الخالد، ج 2، ص 228.
  36. السبحاني، منشور جاويد، ج 9، ص 206.