عينية ابن أبي الحديد
عينية ابن أبي الحديد قصيدة في مدح الإمام علي (ع) أنشأها ابن أبي الحديد في 80 بيتا. عرّف ابن أبي الحديد الإمام علي (ع) في هذه القصيدة بالأمانة الإلهية، وحاكم يوم القيامة، وهو سبب خلق الدنيا والناس، كما أن الشاعر يتمنى إدراك عصر ظهور الإمام المهدي (ع)، وأشار فيها أيضا إلى مصاب الحسين (ع) وأهل بيت النبي (ص). كُتب بعض أبيات هذه القصيدة في ضريح وقبة مرقد الإمام علي (ع)، وشرح بعض العلماء كرضي الدين الأسترآبادي، والسيد محمد الموسوي العاملي هذه القصيدة. تعد هذه القصيدة، القصيدة السادسة لقصائد السبع لابن أبي الحديد الشهيرة بالقصائد السبع العلويات، وقد طبعت هذه القصائد السبع في بعض المدن كمبومباي، والقاهرة، وبيروت.
التوضيح والمكانة
القصيدة العينية لابن أبي الحديد هي قصيدة في مدح الإمام علي (ع) من إنشاء في 80 بيتا،[١] وتعد من الناحية الأدبية في ذروة الشعر العربي[٢] حتى أن بعض أبيات هذه القصيدة قد كتبت على قبة مرقد الإمام علي (ع) وضريحه.
وبحسب كلمات بعض الباحثين أن الفضائل التي ذكرها ابن أبي الحديد في هذه القصيدة تكشف عن حبه للإمام علي (ع)، وقد نقلت هذه الفضائل بناء على الآيات القرآنية وروايات المعصومين وأخبار تاريخية التي لا غلو فيها،[٣] إلا أن بعض المحققين يعتقدون أن بعض أبيات هذه القصيدة فيها قصور في حق الإمام علي (ع)، حيث اعتبر الشاعر على سبيل المثال مقام جبرئيل وبعض الملائكة أعلى من مقامه عليه السلام،[٤] كما أن عاطفة الشاعر في هذه القصيدة صادقة وقوية تجاه الإمام علي (ع)، وتمكن الشاعر أيضا أن يستخدم قوة الخيال بصورة مناسبة في هذه القصيدة.[٥]
وتعد القصيدة العينية القصيدة السادسة من القصائد السبع العلويات، وهذه القصائد أنشأها ابن أبي الحديد باللغة العربية في مدح النبي (ص) والإمام علي (ع)، وفتح خيبر، ومكة، واستشهاد الإمام الحسين (ع) في سنة 61 للهجرة.
الشاعر
ابن أبي الحديد، هو عبد الحميد بن هبة الله المدائني، من كبار شرّاح نهج البلاغة، سنيّ، ومعتزليّ، وشاعر، وأديب، وفقيه شافعيّ..[٦] يذهب إلى تفضيل الإمام علي عليه السلام على الخلفاء الثلاثة، الأمر الذي أثار حنق خصومة عليه فوصفوه بالباغي الفاسق والهالك في الجحيم.[٧] قيل كان شيعيا مغاليا، ثم أصبح معتزلياً معتدلاً.[٨] وكان شاعرا مجيدا، وقد جال بشعره في شتّى المعاني ومختلف الأغراض،[٩] ومن مؤلفاته هو شرح نهج البلاغة وقد ورد أنه أعظم الشروح وأطولها، و أشملها بالعلوم والآداب والمعارف.[١٠]
الفحوى
شرع ابن أبي الحديد قصيدته العينية بالكلام عن فضائل الإمام علي (ع)،[١١] وخاطب أرض النجف بأنها بقعة ضمت جثمان وصي النبي (ص)،[١٢] ثم بعد أن تطرق إلى شجاعة الإمام علي (ع) وخوضه المعارك في تشييد الدين وصفه بأنه الأمانة الإلهية التي ما تمكنت الجبال والسموات من حملها،[١٣] وتابع أن من أجل خلق الباري الخلق، كما أن حسابهم في يوم القيامة عليه، وإنه الشافع وشفيع الناس في يوم المحشر، [١٤] وعدّ الإمام المهدي (عج) من ولده، وهو يتوقع ظهوره ليصبح تحت رايته،[١٥] وأشار أيضا إلى واقعة الطف وشهادة الحسين (ع) وانتهاك حرمة أهل البيت (ع) من سبي النساء والعيال.[١٦]
نص القصيدة
يا رَسمُ لا رَسَمتك ريح زَعزَع | وَسرَت بليلٍ في عراصك خروعُ | |
لم أُلفِ صدري من فؤادي بلقعا | إلا وأنتَ منَ الأحبَّةِ بلقَعُ | |
جاري الغمام مدامِعي بك فَانثنت | جون السحائبِ فهي حَسرى ظلَّعُ | |
لايمحُك الهتنُ المُلِثُّ فقد مَحا | صَبري دُثورك مُذ مَحتك الأدمعُ | |
ما تمَّ يومُك وهو أسعدُ أيمنٌ | حتى تبدَّل فهو أنكدُ أشنعُ | |
شروَي الزَّمان يضيء صُبحٌ مُسفرٌ | فيه فَيشفعهُ ظلام أسفعُ | |
للَّه درُّك والضلالُ يقودني | بيدِ الهوي فأنا الحرون فأتبعُ | |
يقتادني سكرُ الصبابةِ والصبا | ويصيحُ بيداعي الغرام فأسمعُ | |
دَهراً تقوَّضَ رَاحلاً ما عيب من | عُقباهُ إلا أنه لا يرجعُ | |
يا أيها الوادي أجلُّك وادياً | وأعزُّ إلا في حماك فأخضعُ | |
وأسوف تُربَك صاغراً وأذلُّ في | تلك الرُّبي وَأنا الجليدُ فأخنعُ | |
أَسَفي عَلى مغناك إذ هوَ غابةٌ | وعلى سبيلك وهي لحب مهيعُ | |
أَيام أنجم قضعبٍ درّية | في غير أوجه مطلع لا تطلعُ | |
والبيضُ تُوردُ في الوَريدِ فترتوي | والسُّمر تشرعُ في الوتين فتشرعُ | |
والسَّابقاتُ اللاحِقاتُ كأنَّها | العقبان تردي في الشكيم وتمزعُ | |
والرَّبع أنورُ بالنسيم مُضمخٌ | والجوُّ أزهر بالعبيرِ مردَّعُ | |
ذاك الزّمانُ هو الزَّمانُ كأنما | قيظُ الخطوبِ بهِ رَبيعٌ ممرِعُ | |
وكأنَّما هوَ رَوضةٌ ممطورةٌ | أو مُزنَة في عَارضٍ لاتقلعُ | |
قَد قُلتُ للبرقِ الذي شَقَّ الدُّجي | فَكأنَّ زنجياً هُناك يجدَّعُ | |
يا بَرقُ إن جئتَ الغري فقل له | أَترَاك تَعلمُ من بأرضِك مودعُ | |
فيك ابنعُمرَانَ الكليم وَبعدهُ | عيسي يقفِّيهِ وأحمدُ يتبعُ | |
بَل فيك جبريلٌ وميكالٌ وإسرا | فيل والملأُ المقدَّس أجمعُ | |
بَل فِيك نُورُ اللَّه جَلَّ جَلالُه | لِذوي البَصائر يستشفُّ ويلمعُ | |
فيك الإمامُ المرتَضى فيك الوَصي | المجتبي فيك البطينُ الأنزعُ | |
الضَّارِبُ الهام المقَنَّع في الوَغي | بالخوفِ للبهم الكماةِ يقنّعُ | |
والمترعُ الحوضِ المدَعدعِ حَيثُ لا | وادٍ يفيضُ ولا قليبٌ يترعُ | |
ومبدِّدُ الأبطال حيث تألَّبوا | ومفرق الأحزاب حيث تَجمّعوا | |
والحبر يصدع بالمواعظ خاشعاً | حتى تكاد لها القلوب تصدَّعُ | |
حتى إذا استعر الوغي متلظِّياً | شرب الدماء بغلَّةٍ لا تُنقعُ | |
متجلبباً ثَوباً من الدّم قَانِياً | يعلوه من نَقع الملاحم برقعُ | |
زُهدُ المسيح وفتكةُ الدَّهرِ الذي | أودي بِهِ كسري وَفوَّزَ تُبَّعُ | |
هذا ضَميرُ العالم الموجُود عَن | عَدَمٍ وسرُّ وُجوده المستودعُ | |
هذي الأمانَةُ لا يقومُ بحملها | خَلقاءُ هَابطةٌ وأَطلسُ أرفَعُ | |
تأبي الجبالُ الشمُّ عن تَقليدها | وتَضجُّ تَيهاءٌ وتشفق برقعُ | |
هذا هُوَ النُّورُ الذي عَذَباته | كانَت بِجَبهَةِ آدَمٍ تَتَطَلَّعُ | |
وَشِهَابُ موسي حيثُ أظلم ليله | رَفعت لهُ لألاؤه تتشعشعُ | |
يا من لهُ ردت ذكاءُ ولم يفز | بِنظيرها من قَبل إلا يوشَعُ | |
يا هازِم الأحزَابِ لا يثنيهِ عَن | خَوضِ الحِمام مدَججٌ ومدَرَّعُ | |
يا قَالعَ البابِ الذي عن هَزَّها | عَجَزَت أكفٌّ أربَعونَ وأربعُ | |
لولا حُدوثُك قُلتُ إِنك جَاعل | الأَرواح في الأشباح والمتنزّعُ | |
لولا مَماتُك قلت إنك باسطُ ال | أرزاقِ تَقدِرُ في العطا وتوسِّعُ | |
ما العالَمُ العلوي إلا تُربَةٌ | فيها لجثَّتِك الشريفةِ مضجعُ | |
مَا الدَّهرُ إلا عَبدُك القِنُّ الذي | بنفوذِ أمرك في البريةِ مولعُ | |
أنا في مَديحك أَلكنٌ لا أَهتَدي | وأنا الخَطيب الهبرزي المصقعُ | |
أأقولُ فيك سُمَيدَعٌ كلا وَلا | حاشا لمثلِك أن يقال سُميدعُ | |
بَل أنتَ في يوم القيامةِ حَاكمٌ | في العالمينَ وشَافِعٌ وَمُشَفَّعُ | |
وَلقد جَهلتُ وكنتُ أحذَق عالمٍ | أغرَارُ عَزمِك أم حسامُك أقطعُ | |
وَفقدتُ معرفَتي فَلستُ بعارفٍ | هَل فَضلُ عِلمِك أم جَنابُك أوسَعُ | |
لي فيك مُعتقدٌ سَأكشفُ سِرَّهُ | فَليصغِ أربَابُ النُّهي وليسمعوا | |
هي نَفثةُ المصدُور يطفئ بَردَها | حَرُّ الصبابَةِ فاعذِلوني أو دَعوا | |
واللَّه لولا حَيدَرٌ ما كانَتِ ال | دُنيا ولا جَمعَ البرية مجمعُ | |
من أجله خُلقَ الزَّمان وضوّئت | شُهبٌ كنسنَ وَجنَّ لَيلٌ أدرعُ | |
علم الغيوبِ إليهِ غير مُدَافع | والصبح أبيض مُسفر لا يدفعُ | |
وإليهِ في يوم المعادِ حِسابنا | وهو الملاذ لنا غدا والمفزعُ | |
هذا اعتقادِي قَد كشفتُ غِطاءه | سَيضرُّ مُعتقداً لهُ أو ينفعُ | |
يا مَن لهُ في أَرض قَلبي مَنزلٌ | نِعمَ المراد الرَّحب والمستربَعُ | |
أَهوَاك حتى في حَشاشَة مُهجتي | نارٌ تَشبُّ على هَواك وتلذعُ | |
وتَكادُ نَفسي أَن تَذوب صَبابَةً | خُلقاً وطبعاً لا كمن يتطبعُ | |
ورأيتُ دينَ الإعتزَال وإِنني | أهوَي لأجلك كلَّ من يتشيعُ | |
وَلقد عَلمتُ بأنَّهُ لا بُدَّ من | مهديكم وليومهِ أتوَقَّعُ | |
يحميهِ مِن جُندِ الإله كتائبٌ | كاليمِّ أقبلَ زاخِراً يتدفَّعُ | |
فيها لآل أبي الحديد صَوارم | مَشهورَةٌ ورِماحُ خَط شُرَّعُ | |
ورجَال مَوتٍ مقدِمونَ كأنَّهم | أُسدُ العَرينِ الرّبد لا تتكعكعُ | |
تلك المني إمَّا أغب عَنها فلي | نفسٌ تُنازِعُني وشَوقٌ ينزعُ | |
ولَقد بَكيتُ لقتلِ آل محمد | بالطفِّ حتى كل عضو مدمعُ | |
عُقرت بنات الأعوجية هل درت | ما يستباح بها وماذا يصنعُ | |
وحَريمُ آل مُحمد بَينَ العدا | نَهبٌ تَقاسَمهُ اللئام الرُّضَّعُ | |
تلك الضغائن كالإماء متي تسق | يعنف بهن وبالسياط تقنّعُ | |
من فوق أقطاب الجمال يشلُّها | لكع على حنق وعبدٌ أكوعُ | |
مثل السبايا بل أذل يشق من | هنَّ الخمار ويستباح البرقعُ | |
فمصفَّدٌ في قَيده لا يفتدي | وكريمة تسبي وقرط ينزعُ | |
تاللَّه لا أنسي الحسين وشلوه | تحت السنابك بالعراء موزعُ | |
مُتلفعاً حُمرَ الثياب وفي غدٍ | بالخضر من فِردوسه يتلفَّعُ | |
تَطأ السنابك صدره وَجبينه | والأرض ترجف خيفةً وتضعضعُ | |
والشمس ناشِرة الذوائب ثاكل | والدهر مشقوق الرداء مقنَّعُ | |
لَهفي عَلي تِلك الدِّماء تراقُ في | أيدي أُمَيةَ عنوة وَتضيعُ | |
بأبي أَبو العبَّاسِ أحمدَ إنَّه | خَيرُ الوري من أن يطلَّ ويمنعُ | |
فَهوَ الولي لِثارِها وهُوَ الحمو | ل لِعبئها إذ كلّ عَودٌ يظلعُ | |
الدَّهرُ طَوعٌ والشبيبةُ غَضةٌ | وَالسيفُ عَضب وَالفؤاد مشيعُ |
الإصدارات والشروح والترجمات
صدرت القصيدة العينية لابن أبي الحديد وست قصائد أخرى له تحت عنوان القصائد السبع العلويات في مدينة مومباي، والقاهرة، وبيروت. وقد ترجمت بعض أبيات هذه القصيدة وبصورة مختارة من قبل محمد رضا حكيمي[١٧] وبشكل كامل من قبل علي محدث، وشرحت القصيدة لعدة مرات على يد العديد من الباحثين. ويعد ابن حمّاد العلوي الحسيني في كتاب تحت عنوان غرر الدلائل والآيات في شرح السبع العلويات"،[١٨] وشمس الدين محمد بن أبي الرضا الرواندي البغدادي،[١٩] ورضي الدين الأسترآبادي،[٢٠] ومحفوظ بن وشّاح الحلي،[٢١] والسيد محمد الموسوي العاملي (صاحب المدارك)، وأبو القاسم الخزعلي من شرّاح هذه القصيدة.
الهوامش
المصادر
- ابن أبي الحديد، عبدالحمید بن هبهالله، شرح نهجالبلاغه، قم، کتابخانه آیتالله مرعشی، چاپ سوم، 1404هـ.
- حکیمی، محمدرضا، ادبیات و تعهد در اسلام، قم، دلیل ما، 1389ش.
- آغا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، قم، اسماعیلیان، 1408هـ.
- الروضة المختارة القصائد الهاشمیات والقصائد العلویات، بیروت، مؤسسه اعلمی للمطبوعات، بیتا.
- ↑ حکیمی، ادبیات و تعهد در اسلام، 1389ش، ص284.
- ↑ الروضة المختاره، بیروت، ص6.
- ↑ باستان، وسعیدي، «دراسة نقدية في قصيدة ابن أبي الحديد العينية»، ص515.
- ↑ باستان، وسعیدي، «دراسة نقدية في قصيدة ابن أبي الحديد العينية»، ص512.
- ↑ باستان، وسعیدي، «دراسة نقدية في قصيدة ابن أبي الحديد العينية»، ص528.
- ↑ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة(مقدمه)، 1404هـ، ج1، ص13.
- ↑ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، 1404هـ، ج1، ص9.
- ↑ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة (مقدمه)، 1404هـ، ج1، ص15.
- ↑ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة (مقدمه)، 1404هـ، ج1، ص12.
- ↑ ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة(مقدمه)، 1404هـ، ج1، ص10.
- ↑ باستان، وسعیدي، «دراسة نقدية في قصيدة ابن أبي الحديد العينية»، ص509.
- ↑ حکیمی، ادبیات و تعهد در اسلام، 1389ش، ص288
- ↑ حکیمی، ادبیات و تعهد در اسلام، 1389ش، ص288-289
- ↑ حکیمی، ادبیات و تعهد در اسلام، 1389ش، ص290
- ↑ حکیمی، ادبیات و تعهد در اسلام، 1389ش، ص290
- ↑ حکیمی، ادبیات و تعهد در اسلام، 1389ش، ص291
- ↑ حکیمی، ادبیات و تعهد در اسلام، 1389ش، ص288-291
- ↑ آغا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، 1408هـ، ج13، ص391.
- ↑ آغا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، 1408هـ، ج13، ص391-392.
- ↑ آغا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، 1408هـ، ج13، ص391.
- ↑ آغا بزرك الطهراني، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، 1408هـ، ج13، ص392.