مقبرة وادي السلام

من ويكي علوي
(بالتحويل من مقبرة النجف)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

مقبرة وادي السلام هي أكبر مقابر العالم ولعل أقدمها تاريخياً، الواقعة في جوار مرقد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام في النجف الأشرف، وقد حظيت المقبرة بشهرة واسعة بسبب الأحداث والروايات الدالة على فضلها، والتي ترددت على الألسن، مما جعل الشيعة يتوقون إلى أن تكون هذه المقبرة مثواهم الأخير، وقد جاء في بعض الروايات أنها محل رجعة بعض الأنبياء والصالحين، وفي روايات أخرى أن أرواح المؤمنين تنقل إلى تلك البقعة في عالم البرزخ.

وربما كان مجاورتها للعتبة العلوية المقدسة (ع) و الحوزة العلمية تبعاً، الدور الأكبر في منحها هذه المكانة الكبيرة، وقد اعتاد الزائرون للعتبات المقدسة المرور بوادي السلام وقراءة الفاتحة للراقدين فيها والترحم عليهم والتشرف بالأماكن المباركة فيها.

وقد تضم المقبرة - إلى جانب الأولياء والصالحين - رفاة الكثير من الشخصيات العلمية والدينية والاجتماعية من أبناء الطائفة الشيعية.

وجه التسمية

يتركب الاسم من مفردتي "وادي" و"السلام"، فأما الوادي فهو: كلّ مفرج بين جبال وآكام وتلال يكون مسلكاً للسيل أو منفذاً.[١] وأمّا "السلام" فهو عند المسلمين اسم من أسماء الله تعالى، وتعني في اللغة العربية: التّعرّي من الآفات الظاهرة والباطنة.[٢]

وجاء في بعض المصادر أنّ وجه التسمية يعود إلى تسمية النبي الأكرم (ص) بل جبرائيل لهذه البقعة، بمعنى أنّ المدفون فيها يسْلَم من عذاب عالم البرزخ وحسابه.[٣] ونقل الشيخ الكليني عن حبّة العرني عن أمير المؤمنين عليه السلام رواية جاء فيها عنوان وادي السلام كاسم لهذه المقبرة.[٤]

وادي السلام في الروايات

أطلقت الروايات على هذه البقعة، عنوان (ظهر الكوفة).[٥] كما في رواية العلامة المجلسي عن العياشي: "قال أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه: [أنّ][٦] أوّل بقعة عُبِدَ اللّه عليها، [هي][٧] ظهر الكوفة، لمّا أمر اللّه الملائكة أن يسجدوا لآدم، [فـ]سجدوا على ظهر الكوفة"[٨]

موقعها الجغرافي وجذورها التاريخية

تقع مقبرة وادي السلام في محافظة النجف الأشرف إحدى المحافظات العراقية، ويحدها من الجنوب مرقد الإمام علي عليه السلام والشارع المعروف بشارع علي بن أبي طالب، ويحدها من الجانب الشرقي طريق النجف الممتد باتجاه كربلاء، ومن الشمال حي المهندسين، فيما تنتهي في الجانب الغربي بـبحر النجف القديم.

تؤكد الروايات، عودة المقبرة إلى عصور ما قبل الاسلام، كما يظهر من الروايات أنّها كانت - ومنذ القديم - مكانًا لدفن الموتى، بل أكّدت بعض الروايات أنّها محل سجود الملائكة لآدم عليه السلام.

وجاء في بعض الروايات أنّها مدفن عددٍ من الأنبياء عليهم السلام، وفي رواية المجلسي عن العياشي أنّها: مَسجِدُ آدم عليه السلام ومُصلَّى الأَنبِياءِ عليهم السَّلام.[٩]

أهميتها وفضلها

من أبرز العوامل التي أضْفَت على مقبرة وادي السلام أهمية كبيرة وزادت في فضلها, مجاورتها لمرقد أمير المؤمنين عليه السلام، مضافاً إلى ذكرها في المصادر الروائية والأحاديث المروية عن المعصومين وبيان فضلها ومكانتها. ولعل أقدم رواية تعرضت للحديث عنها ما رواه الكليني (258 - 328 هـ) وعنه أخذت المصادر الأخرى.

والرواية هي: عن ذَريح المُحَاربِيِّ عن عَبَايَةَ الأَسديِّ عن حَبَّةَ العُرَنِيِّ قال: خرجتُ مع أَمير المؤمنين (ع) إلى الظَّهْرِ فوقفَ بوادي السَّلام .... فقال عليه السلام: ما من مؤمنٍ يمُوتُ في بُقْعَةٍ من بقاعِ الأَرضِ إِلَّا قيلَ لرُوحِهِ الحَقِي بوادي السَّلامِ، وإِنَّها لَبُقْعَةٌ من جَنَّةِ عَدْنٍ.[١٠]

وروي عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أنّه نظر إلى ظهر الكوفة، فقال: ما أحسن منظرك وأطيب قعرك. اللّهم اجعل قبري بها".[١١]

الأبنية والآثار المشيدة فيها

يضاف إلى القبور التي يضمها وادي السلام هناك الكثير من الأبنية والآثار التي حظيت باهتمام الزائرين، بالإضافة إلى ما شيّد حول القبور وفوقها من أبنية ذات قيمة دينية وتاريخية وطراز عمراني رفيع، من قبيل:

مقبرة النبيين هود وصالح

يوجد هناك - وفقا لبعض الروايات - مقبرة منسوبة للنبيين هود وصالح عليهما السلام، وكان السيد بحر العلوم أوّل من شيّد ضريحاً لهذين القبرين، ثم أعيد تشييدهما عام 1337 هـ من قبل بعض المحسنيين الإيرانيين بعمارة حديثة مطرزة بالقاشاني.[١٢]

مقام الإمام المهدي ومقام الإمام الصادق عليهما السلام

يقع في الجانب الشمالي من مقبرة وادي السلام مقام منسوب للإمامين المهدي والصادق عليهما السلام، تعلوه بناية قديمة بلوحتين تشيران إلى مكان صلاتهما عليهما السلام وتعلوه قبة زرقاء، وتوجد في داخل البناء بئر الإمام المهدي عليه السلام يحيطها مجموعة من القبور، يقال أنّ الإمام شوهد هناك.

وقد شَيّد البناء السيد بحر العلوم، وبقي حتى عام 1310 هـ حيث قام السيد محمد خان بإعادة عمارته، وهو ما يزال ماثلاً للعيان تعلوه قبّة مزينة بالقاشاني الأزرق.

وفي داخل البناء صخرة حُكّ عليها متن زيارة الإمام الحجّة عليه السلام تعود كتابتها إلى عام 1200 هـ.

وروي أنّ الإمام الصادق عليه السلام جاء إلى الغري، وصلّى ركعتين، ثمّ صار ونزل وصلّى، ثمّ صار ونزل وصلّى ركعتين، فسأله صفوان عن ذلك فقال: الركعتان الأوليتان موضع قبر أمير المؤمنين عليه السلام، والركعتان الثانيتان موضع رأس الحسين عليه السلام، والركعتان الثالثتان موضع منبر القائم عليه السلام.[١٣]

ويوجد في المكان نفسه مكان آخر منسوب إلى الإمام الصادق عليه السلام لم نعرف وجه التسمية فيه.

مقام الإمام زين العابدين (ع)

وفي الجانب الغربي من الحرم العلوي الشريف وعلى مشارف بحر النجف يوجد مسجد ومقام ينسب إلى الإمام السجّاد تيمناً بمبيته وصلاته عليه السلام هناك، بجدران (ذات أبعاد 18 و15 مترا) مزينة بالقاشاني تعلوها قبّة مزخرفة، وفي داخله محراب يشير إلى محل صلاة الإمام السجّاد عليه السلام عندما جاء لزيارة جدّه الإمام أميرالمؤمنين عليه السلام.

شُيِّد المقام في العصر الصفوي، وما زال ماثلاً حتى الساعة، وقد أعيد ترميم البناء في نهايات الدولة العثمانية، ونصبت في محرابه صخرة جميلة كُتب عليها بالحروف المقطعة التي لم تفك رموزها حتى الساعة.[١٤]

المصادر والمراجع

  • البراقي، حسين، تاريخ النجف المعروف باليتيمة الغروية والتحفة النجفية في الارض المباركة الزكية، بيروت، دار المورخ العربي، ط 1، 2009 م.
  • الديلمي، حسن بن ابي الحسن، إرشاد القلوب، قم، انتشارات شريف رضي، 1412 هـ.
  • الراغب الأصفهاني، حسين بن محمد، مفردات ألفاظ القرآن، لبنان ـ سورية، دار العلم- الدار الشامية، 1412 هـ.
  • قائدان، علي اصغر، عتبات عاليات عراق، طهران، نشر مشعر، 1387 ش.
  • الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1365 هـ.
  • المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1404 هـ.
  • مصطفوي، حسن، التحقيق لكلمات القرآن الكريم، د.م، مركز الكتاب للترجمة والنشر، 1402 هـ.
  1. الراغب الأصفهاني، مفردات ألفاظ القرآن، ص 421؛ القرشي، ج ‏3 ص 296.
  2. البراقي، تاريخ النجف، ص 243.
  3. الكليني، الكافي، ج 3، ص 243.
  4. المجلسي، بحار الأنوار، ج 22، ص 37.
  5. كما يشمل المصطلح (ظهر الكوفة) ناحية الغري.
  6. الإضافة من عندنا لتسهيل فهم الرواية.
  7. الإضافة من عندنا لتسهيل فهم الرواية.
  8. المجلسي، بحار الأنوار، ج 22 ص 37.
  9. المجلسي، بحار الأنوار، ج 18 ص 384.
  10. الكليني، الكافي، ج 3، ص 243.
  11. الديلمي، إرشاد القلوب، ج 2، ص 238.
  12. قائدان، عتبات عاليات عراق، ص 50.
  13. قائدان، عتبات عاليات عراق، ص50.
  14. قائدان، عتبات عاليات عراق، ص 50 ــ 51.