شعب أبي طالب

من ويكي علوي
(بالتحويل من شعب أبي يوسف)
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

شِعب أبي طالب منطقة في مكة تقع بين جبل أبو قبيس وجبل الخندمة، وقد كان هذا الشعب ملكاً لعبد المطلب، ثم أصبح ملاذاً للمسلمين وبني هاشم حين فرضت عليهم قريش حصاراً اقتصادياً واجتماعياً في السنة السادسة من البعثة النبوية بسبب عدم تخليهم عن النبي (ص) ودعوته، وقد استمر الحصار لمدة ثلاث سنوات.

تعود شهرة هذا الشعب إلى هذا الحدث التاريخي، كما أنّ في الوقت الحاضر أصبح جزءاً كبيراً من هذا الشِعب ضمن حرم الكعبة المشرفة بعد عدة توسعات على مدار التاريخ، ولم يبق منه إلا مساحة قليلة تعرف باسم سوق الليل.

المعنى اللغوي

يطلق الشِعب في اللغة ويراد منه الفجوة التي بين جبلين،[١] وقد يراد منه الوادي،[٢] وقد يطلق على المنطقة التي بين جبلين.

أسماءه

كان هذا الشِعب ملكاً لبني هاشم، وقد سمي بأسماء مختلفة خلال الفترات المتعاقبة، مثل شعب بني هاشم، وشعب أبي طالب، وشعب علي بن أبي طالب، وشعب أبي يوسف.[٣]

موقعه الجغرافي

يقع شعب أبي طالب بالقرب من المسجد الحرام خلف الصفا والمروة بين جبل أبو قبيس وجبل حنتمة.[٤] ويحتوي الشِعب على فضاء واسع مرصع بالحجر المرمر وأصبح موضع استراحة الحجاج في زمان الحج.[٥]

وقد أخطا البعض حين افترض أن مقبرة الحجون ــــ التي دفن فيها أبوطالب ـــ توجد في هذا الشِعب؛ إذ إن الحجون كانت مقبرة أهل مكة وهي خارج المدينة.[٦]

في الوقت الحاضر أصبح جزءا كبيرا من هذا الشِعب ضمن حرم الكعبة المشرفة بعد عدة توسعات على مدار التاريخ، ولم يبق منه إلا مساحة قليلة تعرف باسم سوق الليل.

مكانته الدينية والتاريخية

عندما حكم قُصَيّ بن كلاب مكة، أعطى لكل قبيلة من قريش مكانا يكون سكنا لهم. وكان هذا المكان ((شعب أبي طالب)) يقع مقابل الكعبة، جعله قصي له ولأولاده عبد مناف وعبد الدار.[٧]

ثم أصبح هذا الشِعب فيما بعد ذلك تحت تصرف عبد المطلب، حيث قسمه على أولاده في آخر حياته، وقد حصل النبي (ص) على حصة أبيه.[٨]

لقد ولد في هذا الشِعب النبي الأكرم (ص)؛[٩] ولهذا يقال لهذا الشِعب في بعض الأحيان شِعب المولد.[١٠]

وقد كان هذا الشِعب محل سكن النبي (ص) وخديجة (ع)، وقد ولدت السيدة الزهراء (ع) في هذا الشِعب.[١١]

كما إن ابن عباس ولد في هذا الشِعب، وعاش فيه.[١٢]

محاصرة بني هاشم

في ظل الحصار الاقتصادي والاجتماعي الذي فرضته قريش على النبي (ص) وبني هاشم لجأ بنو هاشم إلى هذا الشعب وقضوا فيه مدة الحصار الذي استمر لمدة ثلاث سنوات تحملوا فيها أنواع المشقة وأنواع العذاب.[١٣]

وقد تمت محاصرة النبي (ص) مع بني هاشم في السنة السادسة من البعثة المباركة، وهي أحد الوسائل التي اتخذتها قريش بعد أن عجزت عن اقناع النبي (ص) بالتنازل عن دعوته إلى الإسلام. كما أنها حاولت تفريق المسلمين عنه لكنها لم تنفع في نهاية المطاف.

اتفاق المشركين

بعد أن رأى زعماء قريش فشل كل الوسائل المتبعة في محاربة النبي (ص) اجتمعوا في دار الندوة وقرروا محاصرة بني هاشم وبضمنهم النبي (ص)، وقد تواصوا على أن من يخرق قانون المحاصرة فإنه مهدور الدم. وما جاء في اتفاق القرشيين فهو عبارة عن:

  • لا نبيع لبني هاشم ومحمد وأصحابه ولا نشتري منهم.
  • لا نعاشر بني هاشم ولا المسلمين ولا نبني أي علاقة معهم.
  • لا نزوجهم من نسائنا ولا نتزوج منهم.
  • لابد من الدفاع عن كل من يعادي محمد.

بعد أن أعلنت قريش هذه الوثيقة وعلقتها على جدار الكعبة دعا أبوطالب بني هاشم أن ينزلوا في شعب أبي طالب ويسكنون متقاربين كي يحموا أنفسهم ويحموا النبي (ص)، وأسكنهم في بيت صغير له وسقيفة مختصرة. وجعل الشِعب تحت الحراسة الدائمة وبشكل متناوب. وكان المسلمون وبني هاشم يستطيعون الخروج من الشعب في موسم الحج ويتعاملون مع الحجيج القادمين من خارج مكة، ولما رأت قريش هذا الشيء أصدرت أمرا مفاده: كل من يتعامل مع بني هاشم من الحجيج تصادر أمواله.[١٤]

وكان النبي (ص) لا يتوانا عن دعوة الناس في موسم الحج إلى الإسلام، ولكن هذا العمل أزعج قريش ؛ ولهذا طلبوا من أبي طالب أن يسلمهم النبي (ص) كي يقتلوه، ولكن أبا طالب رفض طلبهم هذا ووقف حائلا دون قتل النبي (ص).[١٥]

وكان أبوطالب يغيّر المكان الذي ينام فيه النبي (ص) في كل ليلة، وكان إذا نام في مكان ما جعله ينام في الوسط، ويجعل أبنائه ينامون في الأطراف؛ حفاظاً على حياته (ص).

وضع بني هاشم المحزن

استمرت محاصرة بني هاشم لمدة ثلاث سنوات، ولم يستطيعوا أن ينالوا من بني هاشم وشبابها الذين صمدوا خلال هذه السنوات الثلاث ولم يتأثروا بها.[١٦]

كانت قريش قد وضعت الحراس على الشِعب من أجل منع من يريد أن يقدم مساعدة لبني هاشم من أهل مكة، ولكن على الرغم من هذا، استطاع حكيم بن حزام ــــ ابن أخ السيدة خديجة ـــ أن يصل إلى الشِعب بطريقة أو بأخرى[١٧]، وكذلك أبو العاص بن ربيع[١٨]، وهشام بن عمر، حيث كانوا يتسللون في أنصاف الليالي، ويقدمون لهم الحنطة والتمر، وكانت تسبب لهم هذه المساعدة التي يقدمونها مأزقا في بعض الأحيان.[١٩]

وقد أمضى النبي (ص) وأصحابه وزوجته خديجة وعمه أبو طالب سنوات صعبة في هذا الحصار، لكن قريش لم تستطع النيل منهم.

نهاية الحصار

وفي إحدى الليالي كان حكيم بن حزام وكعادته يأتي بالغذاء إلى من كانوا في الشعب، فصادف أن رآه أبو جهل فمنعه من الدخول إلى الشِعب، وقد تجمع عليهم جمعٌ من الناس، وأخذوا يلومون أبا جهل، ثم ندم مجموعة من أهل مكة لمحاصرتهم لبني هاشم، وقالوا أيتنعم بنو مخزوم (عشيرة أبو جهل)، وأولاد هاشم وعبد المطلب يعيشون الضيم والحصار، ثم قرروا إلغاء العهد الذي اتفقوا عليه من أجل محاصرة بني هاشم. وقد اجتمع مجموعة من الذين شاركوا في كتابة العهد، وقرروا أن يمزقوا العهد الذي كتبوه وعلقوه على الكعبة، ثم انطلقوا إلى الكعبة فوجدوا العهد المعلق على جدار الكعبة قد أكلته الإرضة، ولم يبقى منه إلا كلمة (بسمك اللهم)[٢٠]

في هذه الأثناء أخبر النبي (ص) عمه أبا طالب أن الإرضة قد أكلت العهد المعلق على أستار الكعبة ولم يبق منه إلا كلمة (بسمك اللهم)، فذهب أبو طالب إلى قريش وأخبرهم بقوله، ثم قال لهم إن صدق ابن أخي فأرفعوا عنّا الحصار، وإن كذب فسوف أسلّمه لكم. فذهبوا إلى العهد فوجدوه كما أخبر النبي (ص)، وبهذا انتهت المحاصرة عن النبي (ص) وأصحابه وبني هاشم.

المصادر والمراجع

  • ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى، تحقيق: محمد عبد القادر عطا، بيروت، دار الكتب العلمية، ط 1، 1410 هـ/ 1990 م.
  • ابن منظور، محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر، 1414 هـ.
  • ابن هشام، عبد الملك، السيرة النبوية، بيروت، دار المعرفة، د.ت.
  • أخبار الدولة العباسية،المؤلف مجهول، تحقيق عبد العزيز الدوري، وعبد الجبار المطلبي، بيروت، دار الطليعة، 1391 هـ.
  • الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان، بيروت، دار صادر، ط 2، 1995 م.
  • الطبرسي، الفضل بن الحسن، اعلام الورى بأعلام الهدى، قم، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث، ط 1، 1417 هـ.
  • الطريحي، فخر الدين، مجمع البحرين، قم، مؤسسة البعثة، 1414 هـ.
  • الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طهران، دار الكتب الإسلامية، 1407 هـ.
  • جعفر الشهيدي، التاريخ التحليلي للإسلام، طهران، مركز النشر الجامعي، 1390 هـ.
  • رسول جعفريان، الآثار الإسلامية في مكة والمدينة، د.م، د.ن، د.ت.
  1. ابن منظور، لسان العرب، ج 1، ص 449.
  2. الطريحي مجمع البحرين، ج 2، ص 90.
  3. ياقوت الحموي، معجم البلدان، ج 3، ص 347.
  4. ابن هشام، السيرة، ج 1، ص 353.
  5. رسول جعفريان، تاريخ الآثار الإسلامي، ص 151.
  6. تاريخ الآثار الإسلامية، ص 151.
  7. رسول جعفريان الآثار التاريخية لمكة والمدينة، ص 149.
  8. معجم البلدان، ياقوت الحموي،ج 3، ص 347.
  9. الكليني، كتاب الكافي، ج 1، ص 439.
  10. تاريخ الآثار الإسلامية في مكة والمدينة، ص 114.
  11. رسول جعفريان، التاريخ واآثار الإسلامية، ص 114.
  12. أخبار الدولة العباسية، ص 25.
  13. ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 1، ص 163.
  14. الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى، ص 71ــ 72.
  15. الطبرسي، إعلام الورى، ص 72ــ 73.
  16. رسول جعفريان، تاريخ الآثار الإسلامية في مكة والمدينة، ص 114.
  17. ابن هشام، السيرة، ج 1، ص 354.
  18. الطبرسي، إعلام الورى بأعلام الهدى،ص:73
  19. ابن هشام، السيرة النبوية، ج 1، ص 354.
  20. جعفر الشهيدي، التاريخ التحليلي للإسلام، ص 53.