إبن أبي الحديد

من ويكي علوي
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

ابن أبي الحديد، هو عز الدين‌ أبو حامد عبد الحميد بن‌ هبة الله‌، من كبار شرّاح نهج البلاغة، سنيّ معتزليّ. شاعر، أديب، فقيه شافعيّ. يذهب إلى تفضيل الإمام علي عليه السلام على الخلفاء الثلاثة، الأمر الذي أثار حنق خصومة عليه فوصفوه بالباغي الفاسق والهالك في الجحيم ما لم يتب عن مقولته ويتراجع عنها. وله القصيدة العينية المشهورة التي أنشدها في مدح أمير المؤمنين عليه السلام، وقد خط بعض أبياتها على أطراف ضريح الإمام عليه السلام بماء الذهب، كما له شعر في واقعة الطف أيضاً.

نسبه، ولادته ووفاته

عز الدين‌ أبو حامد عبد الحميد بن‌ هبة الله‌ بن‌ محمد بن‌ محمد بن‌ محمد بن‌ حسين‌ بن‌ أبي‌ الحديد المدائني‌، أحد جهابذة العلماء، وأثبات المؤرخين، كان فقيهاً شافعياً وأصولياً معتزلياً، وله في ذلك مصنفات معروفة مشهورة، وكان متكلماً جدلياً مناظراً، سار على مذهب الاعتزال، وعلى أساسه جادل وناظر، وحاجج وناقش‌، وكان أديبا ناقدا، ثاقب النظر، خبيرا بمحاسن الكلام ومساوئه، ولد بالمدائن في غرة ذي الحجة سنة 586 هـ/ 30 من ديسمبر1190ق، وتوفي فيها سنة 656 هـ/1258م.

حُكم على ابن أبي الحديد بالقتل عند اجتياح هولاكو لبغداد وأُسقط الحكم عنه بشفاعة من ابن العلقمي ووساطة الخواجة نصير الدين الطوسي.[١] إلا أنّ عمره لم يدم طويلا حيث توفي بعد ذلك بفترة وجيزة.

اختلفت كلمة الباحثين والمؤرخين في تحديد تاريخ وفاته، حيث مال الذهبي في تاريخ الإسلام إلى القول بأنّها كانت عام 650 هـ.[٢] وذهب صاحب الوافي بالوفيات إلى القول بأنّه توفي عام 655 هـ.[٣] وأدرجه الفوطي في قائمة المتوفين عام 656 هـ.[٤]

إطلالة على حياته ودراسته

تلقّى العلم منذ نعومة أظفاره عن شيوخ المدائن، ودرس المذاهب الكلامية فيها، ثم مال إلى مذهب الاعتزال منها.[٥] وحينما انقضت أيام صباه، وطوى رداء شبابه، سافر إلى بغداد، والتي كانت حينها مركز العلم والعلماء حيث خزائنها معمورة بالكتب، ومجالسها بالعلم والأدب مأهولة، فقرأ الكتب واستزاد من العلم، وأوغل في البحث، ووعى المسائل، ومحّص الحقائق، واختلط بالعلماء من أصحاب المذاهب، ثم جنح إلى الاعتدال، وأصبح كما يقول صاحب نسمة السحر: «معتزلياً جاحظياً ...[٦] تتلمذ في الأدب على يد أبي البقاء العكبري وأبي الخير مصدق بن شبيب الواسطي.[٧] وكان أحد الكتاب والشعراء بالديوان الخليفتي في قصر المستعصم العباسي، لما كان له من حظوة عند الوزير ابن العلقميّ، ولما بينهما من المناسبة والمقاربة والأدب والفضيلة.[٨] ومن هنا عنون ابن أبي الحديد القصائد السبعة وشرح نهج البلاغة باسم الوزير العلقمي.

ولمّا انهزم الجيش المغولي في الحملة الأولى على بغداد سنة 642 ق/ 1244 م، والتي تصدى لهم فيها القائد شرف الدين إقبال الشرابي قائد المستعصم بالله العباسي، كتب ابن أبي الحديد إلى الوزير ابن العلقمي عقيب هذه الوقعة التي نصر فيها الإسلام ورجع التتر مخذولين ناكصين على أعقابهم أبياتا ينسب إليه الفتح وأنه هو الذي قام بذلك بحنكته وفطنته، وأنشد في ذلك شعراً ذكر بعضه في نهج البلاغة، منه:

أبقى لنا الله الوزير و حاطه بكتائب من نصره و مقانب‏.[٩]

وفي بغداد أيضاً نال الحظوة عند الخلفاء، وأخذ جوائزهم، ونال عندهم سني المراتب ورفيع المناصب، فكان كاتبا في دار التشريفات، ثم في الديوان، ثم ناظرا للبيمارستان، وأخيراً فُوّض إليه أمر خزائن الكتب في بغداد.[١٠] وكان مع اشتغاله بالمناصب، ومعاناته للتأليف، شاعراً مجيداً، ذكره صاحب نسمة السحر في ذكر من تشيع وشعر، وكان له ديوان، ذكر ابن شاكر أنه كان معروفا مشهوراً.

وقد جال بشعره في شتّى المعاني ومختلف الأغراض، فقال في المدح والرثاء، والحكم والوصف والغزل، إلا أن الغرض الذي غلب عليه واشتهر به هو المناجاة والمخاطبة على مسلك العرفاء وأرباب الطريقة. روى العلامة الحلي المتوفى سنة 726 ق/ 1326 م عن أبيه عن أبي الحديد.[١١]

مذهبه

سار ابن أبي الحديد على مذهب الاعتزال في الأصول واعتمد في الفروع والفقه مذهبَ الشافعي. وقيل أنه اختار طريقاً وسطاً بين التسنن والتشيع. وقد صرح في شرحه لنهج البلاغة بموافقته للجاحظ في المباحث العقائدية؛[١٢] ومن هنا وسم بالمعتزلي الجاحظي.

والمطالع لكتاب النهج يكتشف عدم صوابية ما ذهب إليه ابن كثير من أنّ ابن أبي الحديد كان شيعيا مغاليا،[١٣] وإنما كان الرجل معتزلياً معتدلاً. وكيف يكون شيعياً مغالياً وقد صرح في مقدمة كتابه بتصحيح خلافة أبي بكر قائلا: «اتفق شيوخنا كافة المتقدمون منهم والمتأخرون والبصريون ووالبغداديون على أن بيعة أبي بكر بيعة صحيحة شرعية، وأنها لم تكن عن نص وإنما كانت بالاختيار الذي ثبت بالإجماع وبغير الإجماع كونه طريقاً إلى الإمامة».[١٤]

عقيدته في الإمام علي (ع) وخصومه

يذهب ابن أبي الحديد انطلاقاً من مذهب الاعتزال إلى تفضيل أمير المؤمنين (ع) على سائر الخلفاء بما فيهم الخلفاء الثلاثة، حيث قال: «وأما نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون من تفضيله (ع) وقد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل، وهل المراد به الأكثر ثوابا أو الأجمع لمزايا الفضل والخلال الحميدة؟ وبينا أنّه (ع) أفضل على التفسيرين معاً».[١٥] ومع ذلك لا يرى وجوب كون الحاكم هو الأفضل، ومن هنا نراه يصرح بذلك بقوله: «الحمد لله الذي قدم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف».[١٦]

وأشار في موضع آخر إلى موقفه من أصحاب الجمل بقوله: «وأما القول في البغاة عليه – عليه السلام- والخوارج فهو على ما أذكره لك. أما أصحاب الجمل فهم عند أصحابنا هالكون كلهم إلا عائشة وطلحة والزبير فإنهم تابوا، ولو لا التوبة لحكم لهم بالنار لإصرارهم على البغي».[١٧]

«وأما عسكر الشام بصفين فإنهم هالكون كلهم عند أصحابنا لا يحكم لأحد منهم إلا بالنار لإصرارهم على البغي وموتهم عليه رؤساؤهم والأتباع جميعاً».[١٨]

«وأما الخوارج فإنهم مرقوا عن الدين بالخبر النبوي المجمع عليه ولا يختلف أصحابنا في أنهم من أهل النار».[١٩]

ثم قال: «وجملة الأمر أن أصحابنا يحكمون بالنار لكل فاسق مات على فسقه ولا ريب في أن الباغي على الإمام الحق والخارج عليه بشبهة أو بغير شبهة فاسق».[٢٠]

آثاره ومؤلفاته

‏بلغت مؤلفاته وآثاره إلى خمسة عشر مؤلفاً، أشهرها:

  • شرح نهج البلاغة:

وهو من أشهر كتبه والذي يقع في عشرين مجلداً، وقد أشار في خاتمته إلى دور ابن العلقمي في تذليل الصعاب في انجازه بقوله: «وكان لسعادة المجلس المولوي المؤيدي الوزيري أجرى الله بالخير أقلامه وأمضى‏ في طلى الأعداء حسامه في المعونة عليه أوفر قسط و أوفى نصيب وحظ إذ كان مصنوعا لخزانته وموسوما بسمته ولأن همته أعلاها الله ما زالت تتقاضى عنده بإتمامه وتحثه على إنجازه وإبرامه وناهيك بها من همة راضت الصعب الجامح وخففت العب‏ء الفادح ويسرت الأمر العسير وقطعت المدى الطويل في الزمن القصير».

وأشار إلى المدة التي قضاها في تأليف الكتاب بقوله [٢١]: «فتمّ تصنيفه في مدة قدرها أربع سنين وثمانية أشهر وأولها غرة شهر رجب من سنة أربع وأربعين وستمائة وآخرها سلخ صفر من سنة تسع وأربعين وستمائة وهو مقدار مدة خلافة أمير المؤمنين (ع)، وما كان في الظن والتقدير أن الفراغ منه يقع في أقل من عشر سنين إلا أن الألطاف الإلهية والعناية السماوية شملتنا بارتفاع العوائق، وانتفاء الصوارف، وشحذت بصيرتنا فيه، وأرهفت همتنا في تشييد مبانيه، وتنضيد ألفاظه ومعانيه».[٢٢]

  • الفلك الدائر على المثل السائر؛ يعد الكتاب من المصنفات المهمة في البلاغة والنقد الأدبي، حيث نقد فيه كتاب المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر لضياء الدين أبي الفتوح المعروف بابن الأثير الجزري الموصلي (558 -637ق‌/1163-1239م‌).[٢٣] تم تأليف الكتاب خلال ثلاثة عشر يوما.[٢٤]

ومن أشهر تلك القصائد القصيدة العينية المشهورة والتي أنشدها في مدح أمير المؤمنين (ع) وقد خط بعض أبياتها على أراف ضريح الإمام (ع) بماء الذهب.[٢٦]

  • نظام كتاب الفصيح؛ وكتاب الفصيح لأبي العباس أحمد بن يحيى المعروف بثعلب الكوفي نحو (200-291ق‌/ 816 -904م‌) نظمه ابن أبي الحديد في يوم وليلة والكتاب صغير الحجم كثير الفائدة حظي باهتمام اللغويين.[٢٧]

سائر آثاره

يضاف إلى نقده للمستصفى من علم الأصول للغزالي، وشرحه للآيات البينات للزمخشري في علم الكلام ومنظومة ابن سينا في الطب.[٣٣]


المصادر والمراجع

  • ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن‌ هبة الله‌، شرح نهج البلاغة، تحقیق: محمد أبو الفضل إبراهیم، بیروت، دار إحیاء الکتب العربیة، 1378 هـ.
  • ابن‌ الفوطي‌، عبد الرزاق‌، تلخيص‌ مجمع‌ الآداب‌، تحقيق‌: مصطفى‌ جواد، دمشق‌، د.ن، 1963 م‌.
  • ابن خلكان، أحمد بن محمد بن إبراهيم، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، بيروت، دار صادر، ط 1، 1994 م.
  • ابن سنجر، هندوشاه‌، تجارب‌ السلف‌، تحقيق‌: عباس‌ إقبال‌ آشتياني، طهران‌، 1357 ش‌.
  • ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية، القاهرة‌، د.ن، 1351 هـ.
  • آقا بزرك الطهراني، محمد محسن، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، بيروت، دار الأضواء، ط 3، 1403 هـ/ 1983 م.
  • الاستادي، رضا، کتابنامه نهج البلاغه، طهران، بنیاد نهج البلاغه، 1359 ش.
  • البغدادي، إسماعيل‌، إيضاح‌ المكنون‌، اسطنبول‌، د.ن، 1364 هـ/ 1945 م‌.
  • الذهبي، محمد بن أحمد، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 2، 1413 هـ/ 1993 م.
  • الصفدي، خليل بن أيبك بن عبد الله، الوافي بالوفيات، بيروت، دار إحياء التراث العربي، 2000 م.
  • الطباطبائي، عبد العزيز، أهل البيت (ع) في المكتبة العربية، قم، مؤسسة آل البيت (ع)، 1417 هـ.
  • القمي، عباس‌، الكنى‌ والألقاب‌، تحقيق: محمد هادي‌ الأمينى‌، طهران‌، د.ن، 1397 هـ.
  • حاجي خليفة، مصطفى بن عبد الله، كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون، بيروت، دار احياء التراث العربي، 1941 م.
  • عباس، إحسان، تعلیقات بر وفیات الاعیان ابن خلکان، د.م، د.ن، د.ت.
  • فروخ‌، عمر، تاريخ‌ الأدب‌ العربي‌، بيروت‌، د.ن، 1401 هـ/ 1981 م‌.

وصلات خارجية

  1. هندو شاه‌، تجارب‌ السلف‌، ص 359.
  2. الذهبي، تاريخ الإسلام، ج 48، ص 202 - 203.
  3. الصفدي، الوافي بالوفيات، ج 18، ص 46.
  4. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مقدمه أبو الفضل إبراهيم، ص 18.
  5. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مقدمه أبو الفضل إبراهيم، ص 14.
  6. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مقدمه أبو الفضل إبراهيم، ص 15.
  7. عباس‌،تعلیقات بر وفیات الاعیان ابن خلکان، ج 7، ص 342.
  8. ابن‌ كثير، البداية والنهاية، ج 13، ص 199 -200.
  9. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، مقدمه أبو الفضل إبراهيم، ج 8، 242 ــ 243.
  10. ابن‌ فوطي‌، تلخيص‌ مجمع‌ الآداب‌، ج 4، 190 - 191.
  11. القمي‌، الكنى‌ والألقاب‌، ج 1، ص 193.
  12. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 185 ــ 186.
  13. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 13، ص 199.
  14. ابن‌ أبى‌ الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 7.
  15. ابن‌ أبى‌ الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 9.
  16. ابن‌ أبى‌ الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 3.
  17. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 9.
  18. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 9.
  19. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 9.
  20. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 9.
  21. ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 20، ص 249.
  22. هندو شاه‌، تجارب السلف، 358 - 359.
  23. ابن‌ خلكان‌، وفيات الأعيان، ج 5، ص 335 ــ 336.
  24. الصفدي، الوافي بالوفيات، ج 18، ص 46.
  25. آقا بزرك‌ الطهراني، الذريعة، ج 13، 391 ــ 392.
  26. الطباطبائي، أهل البيت (ع) في المكتبة العربية، ص 383.
  27. حاجي‌ خليفة‌، كشف الظنون، ج 2، ص 1272 - 1273.
  28. عباس‌، تعلیقات بر وفی ات الاعیان ابن خلکان، ج 7، ص 342.
  29. حاجى‌ خليفة‌، كشف الظنون، ج 2، ص 1614 - 1615.
  30. د 436ق‌/ 1044م‌.
  31. فروخ‌، تاريخ الأدب العربي، ج 3، ص 580.
  32. البغدادي‌، ايضاح المكنون، ص 484؛ حاجى‌ خليفة‌، كشف الظنون، ج 1ـ ص 799.
  33. 923) I/823, S. .(GAL,.