سورة الزمر
سورة الزمر، هي السورة التاسعة والثلاثون ضمن الجزء (23 و 24) من القرآن الكريم، وهي من السور المكية، واسمها مأخوذ من الآية (71) فيها، وتسمى أيضاً بسورة الغُرَف، وتتحدث عن الدعوة إلى توحيد الله، وعن الإخلاص في العبادة، وتتطرق السورة إلى مسألة المعاد، وعن الثواب والعقاب وغُرَف الجنة، كما تتناول أهمية القرآن الكريم، وعن مصير الأقوام السابقة، وتُبيّن مسألة التوبة وأنّ أبوابها مفتوحة لمن يرغب في العودة إلى الله تعالى.
ومن آياتها المشهورة قوله تعالى في الآية (7): وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، وقوله تعالى في الآية (18): الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ، وقوله تعالى في الآية (30): إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ، وقوله تعالى في الآية (53): {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
ورد في فضل قراءتها روايات كثيرة، منها ما رويَ عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم: من قرأ سورة الزمر لم يقطع الله رجاءه يوم القيامة وأعطاه الله ثواب الخائفين الذين خافوه.
تسميتها وآياتها
سُميت بسورة الزمَر؛ لقوله تعالى في الآية الواحدة والسبعين: وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا...، وقوله تعالى في الآية الثالثة والسبعين: وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا...، فلهذا سُميت بسورة الزمر،[١] وتسمى أيضاً بسورة الغُرَف، لقوله تعالى: لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ...،[٢] وآيات هذه السورة (75)، تتألف من (1180) كلمة في (4871) حرف.[٣] وتُعتبر هذه السورة من سور المثاني، وهي السور التي تُثنّى، أي: تكرّر قراءتها أكثر مما تُقرأ غيرها من الطوال والمئين.[٤]
ترتيب نزولها
سورة الزمر، من السور المكية،[٥] ومن حيث الترتيب نزلت على النبي صلی الله عليه وآله وسلم بالتسلسل (59)، لكن تسلسلها في المصحف الموجود حالياً في الجزء (23 و 24) بالتسلسل (39) من سور القرآن.[٦]
معاني مفرداتها
أهم المعاني لمفردات السورة:
- (يُكَوِّرُ): التكوير: هو طرح الشيء بعضه على بعض، ومنه كَوّر العمامة إذا لفّها.
- (تَقْنَطُوا): تيأسوا.
- (زُمَرًا): جمع زُمرَة: وهي الجماعة.[٧]
محتواها
يتلخّص محتوى السورة في عدّة أقسام:
- الأول: يتطرق إلى مسألة الدعوة إلى توحيد الله، في الخالقية والربوبية والعبودية، كما تُسلّط الضوء على مسألة الإخلاص في العبادة لله تعالى.
- الثاني: يتحدث عن مسألة المعاد، والمحكمة الإلهية الكبرى، ومسألة الثواب والعقاب، وغُرَف الجنة، ومسألة الخوف والرهبة يوم القيامة.
- الثالث: يتناول أهمية القرآن الكريم، ويُبيّن تأثيره القوي على القلوب و الأرواح.
- الرابع: يُبيّن مصير الأقوام السابقة، والعذاب الأليم الذي نزل بهم من جَرّاء تكذيبهم لآيات الله تعالى.
- الخامس: تتعرض السورة إلى مسألة التوبة، وكون أبوابها مفتوحة لمن يرغب في العودة إلى الله تعالى.[٨]
الظلمات الثلاث
جاء في كتب التفسير في قوله تعالى: ...خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلاثٍ...،[٩] إنّ الظلمات ثلاثة، هي: ظلمة البطن، وظلمة الرحم، وظلمة المشيمة، وقيل: المراد بها ظلمة الصلب والرحم والمشيمة، ولكن قوله تعالى: فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ صريحٌ في أنّ المراد بالظلمات ما في بطون النساء دون أصلاب الرجال.[١٠]
آياتها المشهورة
- قوله تعالى: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى... ،[١١] أي: لا تجزي نفس عن نفس شيئاً،[١٢] وبمعنى آخر: لا تحمِلُ نفس حِمل نفس أخرى، أي: لا يؤاخذ إلا من ارتكب الذنب.[١٣]
- قوله تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ،[١٤] جاء في كتب التفسير: الذين يصغون إلى تلاوة القرآن والأقوال الدالة على توحيده، فيتبعون أحسنه، وهنا قال تعالى: قالب:قرآن ولم يقل: (حَسِنه)؛ لأنه أراد ما يستحق به المدح والثواب، وليس كل حسِن يستحق به ذلك، لأنّ المباح حسِن أيضاً، ولا يستحق به مدح ولا ثواب.[١٥]
- قوله تعالى: إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ،[١٦] الخطاب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنّك وإياهم وإن كنتم أحياء فأنتم في عِداد الموتى، لأنّ الموت لا يستثني أحداً، فكل البشر يموتون.[١٧]
- قوله تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ،[١٨] ذكر المفسرون: إنّ هذه الآية تعطي الأمل للجميع في أنّ طريق العودة والتوبة مفتوح أمامهم،[١٩]كما رويَ عن أمير المؤمنين إنه قال: ما في القرآن آية أوسع من يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا.[٢٠]
شأن نزول الآية (53)
وردت عدّة أقوال في شأن نزول هذه الآية، منها:
- الأول: إنها نزلت في (وحشي) قاتل الحمزة عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما أراد أن يسلِم، وخاف أن لا تُقبل توبته، فلما نزلت الآية أسلَمَ.[٢١]
- الثاني: إنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة، والوليد بن الوليد، ونفر من المسلمين، كانوا قد أسلموا ثم فُتِنوا وعُذّبوا. وقيل: إنها نزلت في قوم كانوا يرون أهل الكبائر من أهل النار، فأعلمهم الله بذلك أنه يغفر الذنوب جميعاً لمن يشاء. وقيل: إنها نزلت بأهل مكة من الذين عبدوا الأصنام وقتلوا النفس التي حرم الله.[٢٢]
- الثالث: إنها نزلت في النباش الذي كان ينبش القبور لسبع سنين، ويخرج الأموات، وينزع الأكفان.[٢٣]
فضيلتها وخواصها
وردت فضائل كثيرة في قراءتها، منها:
- عن النبي صلی الله عليه وآله وسلم: «من قرأ سورة الزمر لم يقطع الله رجاءه يوم القيامة وأعطاه الله ثواب الخائفين الذين خافوه».[٢٤]
- عن الإمام الصادق : «من قرأ الزمر أعطاه الله شرف الدنيا والآخرة، وأعزّه بلا مالٍ ولا عشيرةٍ حتى يهابه من يراه، وحرّم جسده على النار».[٢٥]
وردت خواص كثيرة، منها:
- عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: «من كتبها وعلّقها عليه، فكل من دخل عليه أو خرج، أثنى عليه بالخير وشكره في كل مكانٍ دائماً».[٢٦]
قبلها سورة ص |
سورة الزمر |
بعدها سورة غافر |
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الألوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1421 هـ.
- البحراني، هاشم بن سليمان، البرهان في تفسير القرآن، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1429 هـ.
- الحويزي، عبد علي بن جمعة، تفسير نور الثقلين، بيروت-لبنان، مؤسسة التاريخ العربي، ط 1، د. ت.
- الخرمشاهي، بهاء الدين، موسوعة القرآن والدراسات القرآنية، إيران - طهران، مؤسسة الأصدقاء، 1377 ش.
- الرازي، محمد بن عمر، التفسير الكبير، بيروت - لبنان، دار الكتب العلمية، ط 4. 1434 هـ.
- الزمخشري، محمود بن عمر، الكشّاف، بيروت - لبنان، دار صادر، ط 1، 1431 هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم - إيران، دار المجتبى، ط 1، 1430 هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، تفسير جوامع الجامع، قم-ايران، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرّسين، ط 2، 1430 هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان، طهران-إيران، دار الأسوة، ط 1، 1426 هـ.
- الطبري، محمد بن جرير، تفسير الطبري المعروف بــ (جامع البيان عن تأويل القرآن)، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، ط 1، د.ت.
- الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1431 هـ.
- الموسوي، عباس بن علي، الواضح في التفسير، بيروت - لبنان، مركز الغدير، ط 1، 1433 هـ.
- معرفة، محمد هادي، التمهيد في علوم القرآن، قم-إيران، ذوي القربى، ط 1، 1428 هـ.
- مغنية، محمد جواد، تفسير الكاشف، بيروت- لبنان، دار الأنوار، ط 4، د.ت.
- مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، بيروت - لبنان، مؤسسة الأميرة، ط 2، 1430 هـ.
وصلات خارجية
- ↑ الموسوي، الواضح في التفسير، ج 13، ص 408.
- ↑ الألوسي، روح المعاني، ج 23، ص 307.
- ↑ الخرمشاهي، موسوعة القرآن والبحوث، ج 2، ص 1248.
- ↑ معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج 1، ص 313.
- ↑ الطوسي، تفسير التبيان، ج 10، ص 215؛ الرازي، التفسير الكبير، ج 26، ص 207.
- ↑ معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج 1، ص 169.
- ↑ الموسوي، الواضح في التفسير، ج 13، ص 414-491.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 11، ص 451-452.
- ↑ سورة الزمر: 6.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 17، ص 239.
- ↑ سورة الزمر: 7.
- ↑ مغنية، تفسير الكاشف، ج 6، ص 397.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 17، ص 241.
- ↑ سورة الزمر: 18.
- ↑ الطوسي، تفسير التبيان، ج 10، ص 233.
- ↑ سورة الزمر: 30.
- ↑ الزمخشري، تفسير الكشاف، ج 4، ص 1378.
- ↑ سورة الزمر: 53.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 11، ص 541.
- ↑ الطبرسي، مجمع البيان، ج 8، ص 603.
- ↑ الحويزي، نور الثقلين، ج 6، ص 300.
- ↑ الطبري، تفسير الطبري، ج 24، ص 19-21.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 11، ص 544-545.
- ↑ الزمخشري، تفسير الكشاف، ج 4، ص 1392.
- ↑ الطبرسي، جوامع الجامع، ج 3، ص 207.
- ↑ البحراني، تفسیر البرهان، ج 8، ص 207.