آية حكومة المستضعفين
آية حكومة المستضعفين هي الآية 5 من سورة القصص، تُشير إلى زعامة وحكومة المستضعفين في الأرض، وخلافتهم بدل من حكومة المستكبرين. ظاهر الآية يتعلق بمواجهة النبي موسى(ع) وبني إسرائيل لحكومة فرعون، ولكن المعنى الباطني للآية يتعلق بأهل البيتعلیهم السلام وأعدائهم، وقد ورد في تأويل الآية روايات كثيرة تذكر إنَّ المستضعفين المشار إليهم فيها بأنهم الأئمة المعصومين وآخرهم الإمام المهدي(عج).
إنَّ هذه الآية عبارة عن قانون كلي لجميع العصور والقرون، ومن مصاديق هذا القانون حكومة بني إسرائيل وزوال حكومة الفراعنة، وحكومة نبي الإسلام(ص) وأصحابه الذين يتغلبون على الظلم في العالم، واعتبر علماء ومفسرين الشيعة وبالاعتماد على الروايات، إنَّ المصداق التام للآية هي حكومة الإمام المهديقالب:اختصار/ع في آخر الزمان.
نص الآية
هي الآية 5 من سورة القصص، قال تعالى: وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ
التفسير
تتناول هذه الآية من سورة القصص قصة بني إسرائيل وفرعون.[١] وأشار الله تعالى فيها إنَّ فرعون أراد أن يقضي على بني إسرائيل من خلال بقاء الحكومة بيد المستكبرين إلى الأبد، ولكن مشيئة الله تعالى اقتضت أن تكون الحكومة بيد المستضعفين.[٢] والمراد من المستضعف في الآية هو الذي لم يكن من المستضعفين بفعل نفسه، بل بسبب استكبار المستكبرين عليه،[٣] فهو يحاول التخلص من الظالمين؛ لذلك لا يشمل هذا الأمر الجبناء.[٤] إن سبب نجاح بني إسرائيل في أن يكونوا ورثة حكم الفراعنة؛ هو إعداد القوة وقيادة النبي موسى(ع).[٥]
تأويل الآية
يرى بعض المفسرين إنَّ ظاهر الآية يتعلق بمواجهة النبي موسىقالب:اختصار/ع لفرعون، ولكن الباطن منها يختص بأهل البيتعلیهم السلام وأعدائهم،[٦] بمعنى آخر، إنَّ المخاطب هم الرسول وأهل البيت، وخاطب الله تعالى في هذه الآية النبي موسى وبني إسرائيل على سبيل المثال،[٧] والفراعنة كناية عمن غصب حق أهل البيت.[٨] رد بعض المفسرين الشيعة الرأي الظاهري للآية الذي ذهب إليه مفسري أهل السنة، على إنّها تختص فقط بالنبي موسى وفرعون وحكومة بني إسرائيل، وعدوه مخالف لنص وظاهر الآية؛ لأن المقصود من الحكومة فيها هو الحكم على جميع الكرة الأرضية، ولم يُسيطر بني إسرائيل على كل الأرض، وكذلك كلمة الأئمة لا تنطبق على بني إسرائيل.[٩]
مصاديق المستضعفين في الروايات
ورد عن الأئمةعلیهم السلام روايات كثيرة في تفسير هذه الآية[١٠] حيث ذكرت بعض الأحاديث إنَّ المستضعفين هم بني هاشم[١١] والأئمة[١٢] أو أهل البيتعلیهم السلام[١٣] وأتباعهم[١٤] وآخرهم هو الإمام المهديقالب:اختصار/ع،[١٥] كذلك ورد في الروايات الأخرى أسماء بعض الأئمة بعنوان المستضعفين كالإمام علي والإمام الحسن، والإمام الحسين،[١٦] وحتى الإمام الصادقعلیهم السلام،[١٧] وأعدائهم بمنزلت فرعون وأتباعه. [١٨] وفي رواية أشار النبي(ص) إلى إنَّ الآية تخصه وأهل بيته، حيث يتعرضون إلى الظلم، وهم الإمام علي، وفاطمة الزهراء، والإمام الحسن، والإمام الحسين، والتسعة من ذرية الإمام الحسين.[١٩]
شبه الإمام علي(ع) في نهج البلاغة ما سيحدث على أهل البيت من جموح الدنيا عنهم ومن ثم انقيادها لهم، بالناقة التي لا تعطي اللبن لصاحبها؛ لتحفظه من أجل ولدها، ومن ثم تلا هذه الآية.[٢٠] وجاء في رواية إنَّ الإمام المهدي(عج) في اليوم السابع من ولادته نطق بأمر أبيه فشهد بالتوحيد وأثنى بالصلاة على محمد وآبائه ثم قرأ هذه الآية.[٢١]
السنن الإلهية في التاريخ
ذكر صادقي الطهراني ومكارم الشيرازي من مفسري الشيعة في القرن الرابع عشر، إنَّ هذه الآية عبارة عن قانون كلي لجميع العصور والقرون ولجميع الأمم والأقوام؛[٢٢] لذلك فهي بشرى سارة لجميع الأحرار الذين يريدون العدالة وحكومة العدل والقضاء على الظلم والجور.[٢٣]
ذكر أيضاً محمد جواد مغنية إنَّ هذا القانون الإلهي شامل لجميع الأمم إذا صبروا وجاهدوا في سبيل الله، وليس هذا الأمر خاص فقط ببني إسرائيل؛[٢٤] فإنَّ حكومة بني إسرائيل وزوال حكومة الفراعنة ما هي إلّا نموذج لتحقق هذه المشيئة الإلهية في سيطرة المستضعفين.[٢٥] وإنَّ المثل الأكمل هو حكومة نبيّ الإسلام(ص) وأصحابه الذين يتغلبون على الظلم في العالم.[٢٦] ويذهب البعض إنَّ هذه السنة الإلهية لم تتحقق بالكامل، ولن تتحقق إلا بظهور الإمام المهدي(عج).[٢٧]
حكومة الإمام المهدي(عج)
ذهب بعض المفسرين إنَّ هذه الآية في مورد الإمام المهدي(عج)[٢٨] الذي يظهر في آخر الزمان.[٢٩] وذهب الشيخ الطوسي وبالاعتماد على أراء علماء الشيعة إنَّ الآية نزلت في شأن الإمام المهدي، وإنَّ الله تعالى يمن عليه ويجعله حاكماً على الأرض، ويورثه ما كان في ايدي الظلمة.[٣٠]
ذكر بعض المفسرين وبالاعتماد على أحاديث أهل البيتعلیهم السلام، إنَّ حكومة الإمام المهدي(عج) هي المثال الأكمل والأوسع للمشيئة الإلهية في ظهور حكومة الحق والعدل في الكرة الأرضية، وإنَّ هذه الآية من جملة الآيات التي تبشّر بظهور مثل هذه الحكومة.[٣١] وجاء في بعض الروايات إنَّ المصداق التام لحكومة المستضعفين هي حكومة الإمام المهدي(عج) الذي وصل إلى السلطة بعد معاناة وتحمل ضغوط مختلفة من قبل أعدائه.[٣٢]
سبب نزول الآية
يعتقد بعض المفسرين الشيعة إنَّ سبب نزول آية حكومة المستضعفين هي تسلية للنبي(ص) لما يلحق أهل بيتهعلیهم السلام من ظلم من بعده، وإنَّ الله تعالى يجعلهم حكامًا وخلفاء على الأرض بعد تحمل جميع المصاعب.[٣٣] وذكر البعض إنَّ الزعامة تختص بالأئمة، فقالوا برجعتهم إلى الدنيا مع أعدائهم من أجل الانتقام منهم.[٣٤]
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الاسترابادي النجفي، شرف الدين علي، تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة، تحقيق: حسين أستاذ ولي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1409هـ.
- البحراني، هاشم، البرهان في تفسير القرآن، قم، مؤسسة البعثة، 1415هـ.
- البروجردي، محمد إبراهيم، تفسير جامع، طهران، انتشارات صدرا، ط6، د.ت.
- الجوهري البصري، أحمد بن عبد العزيز، مقتضب الأثر في النص على الأئمة الاثني عشر، قم، انتشارات الطباطبائي، د.ت.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، إثبات الهداة بالنصوص والمعجزات، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1425هـ.
- الحسكاني، عبيد الله بن عبد الله بن أحمد، شواهد التنزيل، تحقيق: محمد باقر المحمودي، طهران، وزارة الإرشاد الإسلامي، 1411 هـ.
- الحسيني الشيرازي، محمد، تبيين القرآن، بيروت، دار العلوم، ط2، 1423هـ.
- الخصيبي، الحسين بن حمدان، الهداية الكبرى، بيروت، مؤسسة البلاغ، ط4، 1411هـ/ 1991م.
- الشريف الرضي، محمد بن حسين، نهج البلاغة، تصحيح: صبحي صالح، قم، هجرت، ط1، 1404هـ.
- الشيباني، محمد بن حسن، نهج البيان عن كشف معاني القرآن، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، 1413هـ.
- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، الأمالي، طهران، كتابچي، ط6، 1376ش.
- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، كمال الدين وتمام النعمة، طهران، إسلامية، ط2، 1395 هـ.
- الصدوق، محمد بن علي بن الحسين، معاني الأخبار، تصحيح: على أكبر غفاري، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، 1403هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط 1، 1417 هـ/ 1997 م.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، تحقيق وتعليق: هاشم رسولي وفضل الله اليزدي، طهران، ناصر خسرو، ط3، 1372ش.
- الطبرسي، علي بن الحسن، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، النجف، المكتبة الحيدرية، ط2، 1385هـ/ 1965م.
- الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
- الطوسي، محمد بن الحسن، الغيبة، تحقيق: عباد الله الطهراني وعلي أحمد ناصح، قم، مؤسسة المعارف الإسلامية، ط1، 1411هـ.
- الفخر الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ.
- القاضي المغربي، النعمان بن محمد، شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار، تحقيق: محمد الحسيني الجلالي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ط2، 1431هـ.
- القمي، علي بن ابراهيم القمي، تفسير القمّي، قم، دار الكتب، ط3، 1363ش.
- الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، تصحيح: علي أكبر الغفاري ومحمد الآخوندي، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط4، 1407هـ.
- الكوفي، فرات بن إبراهيم، تفسير فرات الكوفي، تحقيق: محمد كاظم، طهران، وزارة الثقافة والارشاد الإسلامي، ط 1، 1410 هـ.
- المسعودي، علي بن حسين، إثبات الوصية للإمام علي بن أبي طالب، قم، انصاريان، 1423هـ.
- المشهدي، محمد بن محمد رضا، تفسير كنز الدقائق وبحر الغرائب، طهران، وزارت فرهنگ وارشاد اسلامی، 1368ش.
- صادقي الطهراني، محمد، البلاغ في تفسير القرآن بالقرآن، قم، د.ن، 1419هـ.
- صادقي الطهراني، محمد، الفرقان في تفسير القرآن بالقرآن، قم، انتشارات فرهنگ اسلامی، ط2، 1365ش.
- قراءتي، محسن، تفسير النور، بيروت، دار المؤرخ العربي، ط1، 1435هـ/ 2014م.
- مغنية، محمد جواد، التفسير المبين، قم، مؤسسة البعثة، ط3، د.ت.
- مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط10، 1371ش.
- ↑ الطوسي، التبيان، ج 8، ص 129.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج 16، ص 9 ـ 10؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 16، ص 16.
- ↑ قراءتي، تفسير النور، ج 7، ص 18.
- ↑ صادقي الطهراني، الفرقان، ج 22، ص 296 ـ 297.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 16، ص 19.
- ↑ الأسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة، ص 407؛ البروجردي، تفسير جامع، ج 5، ص 151.
- ↑ القمي المشهدي، كنز الدقائق، ج 10، ص 30.
- ↑ القمي، تفسير القمي، ج 2، ص 134.
- ↑ البروجردي، تفسير جامع، ج 5، ص 151 ـ 152.
- ↑ البحراني، البرهان، ج 4، ص 250؛ فرات الكوفي، تفسير فرات الكوفي، ص 314 ـ 316.
- ↑ الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 1، ص 559.
- ↑ الصدوق، الأمالي، ص 479؛ القاضي النعمان، شرح الأخبار، ج 2، ص 344؛ الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 1، ص 557؛ البحراني، البرهان، ج 4، ص 250.
- ↑ صادقي الطهراني، الفرقان، ج 22، ص 294.
- ↑ الطوسي، الغيبة، ص 184؛ الحر العاملي، إثبات الهداة، ج 5، ص 122.
- ↑ صادقي الطهراني، الفرقان، ج 22، ص 295.
- ↑ الصدوق، معاني الأخبار، ص 79؛ البحراني، البرهان، ج 4، ص 250؛ الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 1، ص 560.
- ↑ الكليني، الكافي، ج 1، ص 306؛ الطبرسي، مجمع البيان، ج 7، ص 375؛ البحراني، البرهان، ج 4، ص 250.
- ↑ الخصيبي، الهداية الكبرى، ص 421؛ الطبرسي، مشكاة الأنوار، ص 95؛ الأسترآبادي، تأويل الآيات الظاهرة، ص 407.
- ↑ الخصيبي، الهداية الكبرى، ص 376؛ الجوهري، مقتضب الأثر، ص 8.
- ↑ الشريف الرضي، نهج البلاغة، ص 506؛ الحسكاني، شواهد التنزيل، ج 1، ص 556.
- ↑ الخصيبي، الهداية الكبرى، ص 356؛ المسعودي، إثبات الوصية، ص 259؛ الصدوق، كمال الدين، ج 2، ص 425.
- ↑ صادقي الطهراني، الفرقان، ج 22، ص 294؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 16، ص 21.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 16، ص 21.
- ↑ مغنية، التفسير المبين، ص 506.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 16، ص 21.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 16، ص 21.
- ↑ صادقي الطهراني، البلاغ، ص 385.
- ↑ الحسيني الشيرازي، تبيين القرآن، ص 397.
- ↑ الشيباني، نهج البيان، ج 4، ص 144.
- ↑ الطوسي، التبيان، ج 8، ص 129.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 16، ص 21؛ قراءتي، تفسیر نور، ۱۳۸۸ش، ج 7، ص 11.
- ↑ الطوسي، الغيبة، ص 184؛ الحر العاملي، إثبات الهداة، ج 5، ص 122.
- ↑ القمي، تفسير القمي، ج 2، ص 134.
- ↑ القمي، تفسير القمي، ج 2، ص 134.