يوسف غسان الجبوري
يوسف غسّان الجبوري (سنّي / العراق)
ولد سنة ١٤١١ه (١٩٩١م) في مدينة «المحمودية» قرب العاصمة «بغداد» في العراق، ونشأ في عائلة سنّية الأب وشيعيّة الأُم واصل الدراسة إلى المرحلة المتوسطة، ثُمّ هاجر إلى خارج العراق.
الإسلام بين التشيّع والتسنّن:
يقول «يوسف»: «لم أكن أعرف التشيّع على حقيقته رغم أنّ والدتي كانت شيعيّة نظراً للأجواء الخانقة التي كانت تحكم العراق أيّام النظام البعثي السابق، فكانت عائلتنا تبدو سنّية تماماً أمام الناس، وفي المناسبات الدينيّة، والاجتماعية، حيث إنّ النظام السابق لم يكن يسمح للشيعة بأداء مراسيمهم الدينيّة، فكان يشدّد عليهم في طقوسهم الدينيّة، كزيارات مراقد الأئمّة المعصومين عليهمالسلام، وكإقامة المجالس
الحسينيّة، أو يمنعها تماماً في بعض الأزمنة الخاصة، أو في بعض الأماكن المحدّدة، كما كان يعاقب الناس على إقامة العزاء الحسيني الذي لا يخلو من المظاهر الحماسيّة التي تبيّن الظلم الذي واجهه آل البيت عليهمالسلام على طول التاريخ، أو تعظّم شأنهم وتحفظ قدسيّتهم كما هو اللائق بهم عليهمالسلام».
ويتابع «يوسف» كلامه قائلاً: «دفعتنا الظروف الصعبة في العراق إلى مغادرة البلد، فذهبنا أولاً إلى الأردن، ومنها إلى سوريا حيث استقرّ بنا المقام في العاصمة «دمشق»، وهناك كنّا نذهب إلى زيارة مرقد الحوراء زينب بنت الإمام علي عليهالسلام، ونحضر المجالس الدينيّة التي تقام في الحرم أو في أطرافه ممّا نوّر أفكاري الدينيّة، وأفكار أفراد أُسرتي جميعاً، ومهّد الطريق أمامي وأمام أُسرتي للتشرّف بنيل ولاية أهل البيت عليهمالسلام والبراءة من أعدائهم.
شيّعني الحقّ المبين، والحجّة الدامغة للباطل:
يضيف «يوسف» القول: «منذ الطفولة كان يداعبني هاجس البحث عن الحقّ، ويثير فضولي معرفة حقائق الدين، رغم أنّ مسألة التشيّع والتسنّن لم تكن متناولةً في أُسرتنا بشكل حاد، فقد كانت والدتي تؤدّي صلاتها وفروضها الأُخرى وفق فقه المذهب الشيعي، إلاّ أنّها كانت متوافقة مع أبي في كلّ الأُمور، ولم تكن مسألة المذهب من المسائل التي قد تثير خلافاً بينهما، نعم كان يحصل بعض المزاح الشبيه بالجدّ في بعض المسائل الخلافية الموجودة بين الطرفين ثُمّ شبّ معي هذا الهاجس أيّام المراهقة والشباب، وساقني للسؤال والاستفسار عن هذه المسائل كي يمكنني تشكيل هويتي الدينيّة بشكل واضح لا
يلفّه الغموض.
وأشكر اللّه كثيراً وأحمده متصّلاً على أن تهيّأت لي فرصة معرفة أهل البيت عليهمالسلام وأنا في مقتبل الشباب، وعنفوان العمر، حيث حصلت لي رؤية واضحة لحقّهم الذي أعطاه اللّه لهم، وبيّنه واسّسه الرسول الكريم صلى الله عليه و آله و سلم لهم في أكثر من مناسبة، وفي العديد من الأحاديث المتواترة المستفيضة التي نقلها المسلمون على اختلاف مذاهبهم في كتبهم المعتبرة عندهم.
لقد وفّر لي المذهب الشيعي الموالي لأهل البيت عليهمالسلام أجوبة على كلّ التساؤلات التي وردت في خاطري، وقدّم جواباً وافيا شافياً لكلّ الإشكالات التي كانت تؤرّق ذهني في بعض الأحيان، فهو مذهب لا يلزمك بالخضوع للمقدّسات الدينيّة بدون فهم، وخاصّه في المسائل المشكلة التي تحتاج إلى استدلال واضح، وبيان يبعّد الشُّبه والأوهام.
سيرة المعصومين عليهم السلام :
يعرف القاصي والداني أنّ سيرة المعصومين عليهمالسلام يسودها اللّطف والرحمة في التعامل مع الآخرين، فهم أهل الفضائل والمناقب، ولم يكن تعاملهم مع المؤمنين أو الموالين لهم حسناً فقط، بل شمل لطفهم حتّى المخالفين لهم، فكانوا يترفّقون بهم، ويسعون في هدايتهم قدر الإمكان حتّى لا يدخلوا النّار بسبب عنادهم وجهلهم من دون إتمام الحجّة، وتبيين معالم الدين أمامهم.
كما أنّ لطف المعصومين عليهمالسلام لم يختصّ بالمسلمين فقط، بل شمل الآخرين من غيرهم، وخصوصاً من أهل الكتاب الذين يؤمنون باللّه وبالأنبياء السابقين وكتبهم السماويّة التي أنزلها اللّه هداية للناس.
وهنا يقول «يوسف»: «لقد أعجبني تعامل المعصومين عليهمالسلام مع غير المسلمين بكلّ معنى اللّطف لا القسوة وخصوصاً الإمام علي عليهالسلام، وكانت هذه المسألة قد خطرت على بالي بعد هجرتنا إلى السويد، حيث إنّ العلاقات بين المسلمين والمسيحيّين - خصوصاً - مورد بحث ونقاش وتبادل في وجهات النظر، فكان لي أن افتخر أنّ من أُواليهم في أُمور ديني، وأُسلّمهم مقاليد أُموري هم القدوة العظمى،
والأُسوة الحسنة في هذا المجال، كما أنّهم السابقون السابقون دائماً في كلّ مجالات الخير والشّرف والفخر.
فقد نقل عنهم وخاصة عن الإمام علي عليهالسلام مناقب كثيرة في هذا المجال، ومنها أنّه: «مرَّ شيخ مكفوف كبير يسأل، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام: ما هذا؟ قالوا: يا أمير المؤمنين نصراني، فقال أمير المؤمنين عليهالسلام: استعملتموه حتّى إذا كبر وعجز منعتموه، أنفقوا عليه من بيت المال».