مكتبة الروضة الحيدرية جهود و جهاد

من ويكي علوي
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

الكتاب

مكتبة الروضة الحيدرية جهود و جهاد

المؤلف

السيد هاشم الميلاني

المقدمة

بدأ المؤلف كتابه القيم بتمهيد شامل بين من خلاله مكانة وقدسية مدينة النجف الاشرف متناولا في الوقت ذاته تاريخ المرقد العلوي المقدس وما مر به من مراحل التشيد و الاعمار  تحت عنوان ( عمارات المشهد الشريف ) ثم بين ( الأدوار الثقافية للعتبة العلوية المقدسة ) حيث سلط الضوء على اهم المجالات التي تكفلت بها العتبة العلوية المقدسة  والتي يمكن ايجازها  ضمن النقاط التالية:

1 ـ تحمّل الحديث.

2 ـ تأليف واستنساخ وقراءة وعرض الكتب.

3 ـ المدرسة الغروية.

4 ـ الندوات العلمية والحفلات ومجالس المناظرات.

5 ـ المكتبة.

ليعرج بعدها على ( مكتبة الروضة الحيدرية المباركة )  وما يتعلق بها و نورد هنا بعض ما جاء فيه :

مكتبة الروضة الحيدرية

انّ البشر من أقدم عصوره، وعندما اكتشف الخط في بدايات حضارته، وعندما كان يكتب على الطين والحجر والصخور، اهتمّ بشأن الكتابة وضرورة حفظها شيئاً فشيئاً. وتدرّج الإنسان في ذلك وأبدع ما كان يحتاجه في هذا الشأن، فحصلت تطورات كبيرة وسريعة بشأن أدوات الكتابة من قلم وورق وغلاف، وأنواع الخطوط، وكيفية معالجة الآفات التي تسبّب ضياع هذا المجهود البشري وغير ذلك.

ومن أهمّ الأمور التي اهتم لها الإنسان في هذا المجال، وتطوّر فيها سريعاً، كيفية الحفاظ على هذا النتاج البشري بمختلف علومه وفنونه، وانتقاله للأجيال القادمة، ومن هنا تشكّلت خزائن الكتب العامة والخاصة لتجمع بين جنبيها الكتب وأوعية المعلومات المختلفة حفاظاً عليها، وتسهيلاً لعملية العثور عليها وحفظها للأجيال القادمة.

وبعد ظهور الإسلام، واهتمام الشريعة الإسلامية بطلب العلم والمعرفة، وضرورة التدوين والكتابة، كما ورد في كثير من الروايات الشريفة، نحو قول رسول الله9: «قيّدوا العلم بالكتاب» ([1]).

وما ورد عن الإمام الصادق(ع)حيث قال: «احتفظوا بكتبكم فإنّكم تحتاجون إليها» ([2])، وقال(ع): «اكتبوا فإنّكم لا تحفظون حتى تكتبوا» ([3]).

وقال(ع): «بالكتابة تقيّد أخبار الماضين للباقين، وأخبار الباقين للآتين، وبها تخلد الكتب في العلوم والآداب وغيرها، ولولاه لانقطع أخبار بعض الأزمنة عن بعض، ودرست العلوم وضاعت الآداب، وعظم ما يدخل على الناس من الخلل من اُمورهم، وما يحتاجون إلى النظر فيه من أمر دينهم، وما روي لهم ممّا لا يسعهم جهله» ([4]).

وبمثل هذه التوصيات عمل المسلمون وبدأوا بجمع الكتب وحفظها وتداولها والاستفادة منها، سيّما في فترة الحكم المأموني حيث اهتم بشأن ترجمة كتب الأقدمين من الحضارات المختلفة، فتكونت دور  العلم وخزائن الكتب الضخمة في عصره، وهكذا استمر الأمر بالشدة والضعف وبحسب الظروف السياسية والإجتماعية التي كانت تسود العالم.

ولنعم ما ذكره ابن إدريس الحلّي (ت 598 هـ ) في مقدمة كتابه السرائر في وصف الكتاب، حيث قال: «فإنّ الكتاب نعمة الذخر والعقد، ونعم الجليس والعقدة، ونعم النشرة والنزهة، ونعم المشتغل والحرفة، ونعم الأنيس في ساعة الوحدة، ونعم المعرفة ببلاد الغربة، ونعم القرين والرحيل، ونعم الوزير والنزيل، والكتاب وعاء ملئ علماً، وظرف حشي طرفاً، وإناء شحن مزاحاً وجداً... والكتاب هو الجليس الذي يطريك، والصديق الذي لا يغريك، والرفيق الذي لا يملّك، والمستميح الذي لا يستزيدك، والجار الذي لا يستبطنك، والصاحب الذي لا يريد استخراج ما عندك بالملق، ولا يعاملك بالمكر، ولا يخدعك بالنفاق، ولا يحتال لك بالكذب، والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال امتاعك، وشحذ طباعك، وبسط لسانك، وجوّد بيانك، ومنحك تعظيم العوام، وصداقة الملوك، وعرفت به في شهر ما لا تعرفه من أفواه الرجال في دهر، والكتاب هو الذي يطيعك بالليل طاعته بالنهار، ويطيعك في السفر طاعته في الحضر، لا يعتلّ بنوم، ولا يعتريه كلال السهر».

والخلاصة انّ الكتاب لا يُحفظ ولا يمكن تعميم الاستفادة منه مدّة مديدة إلّا بالمكتبات، ومن هنا تظهر أهمية المكتبات ودورها في النهوض الثقافي والمعرفي، وفي تطوير واقع النشاط العلمي والارتقاء بالمشهد الثقافي الذي من خلاله نستطيع أن نبني ثقافة متكاملة متحضرة، وهذا يتطلب النهوض الأمثل بالمكتبات العامة وتجهيزها بالمعدات اللازمة المتطورة، والسعي لإيصال الكتاب والوعاء المكتبي بصورة عامة إلى أبعد نقطة ممكنة في البلد.

«ولقد تبلورت وظائف المكتبات ومؤسسات المعلومات الحديثة في ثلاث وظائف أساسية هي:

1 ــ جمع مصادر المعلومات من مظانها المختلفة.

2ــ تنظيم واعداد هذه المصادر وتحليل ما بها من معلومات.

3 ــ تيسير الإفادة من تلك المصادر بأسرع وقت وأقل جهد.

ومن هذه الوظائف تكون المكتبات ومؤسسات المعلومات أداة للتقدم الإنساني في شتى مجالات العلم، حيث لا يمكن الآن إتخاذ أيّ قرار لا على المستوى الرسمي، ولا على المستوى الشخصي، ولا على مستوى البحث العلمي إلّا بالاستناد إلى المعلومات الدقيقة في الوقت المحدد».

من هذا المنطلق نشأت المكتبات في العصر الإسلامي، وأنشئت بيوت خاصة لجمع الكتب وحفظها في العواصم العلمية، ويحدّثنا التاريخ بأنّ بعض العلماء والوزراء كانت لهم مكتبات ضخمة ببغداد، فقد ورد بأنّ خزانة كتب السيّد المرتضى;كانت ثمانين ألف مجلد، وفي الري كانت كتب الصاحب ابن عبّاد تحتاج إلى سبعمائة بعير لحملها، إلى غيرها من المكتبات التي كانت ببغداد وغيرها من العواصم الإسلامية والتي أنشأها الملوك والحكّام والوزراء والعلماء([5]).

ولا يخفى بأن أهمية المكتبة والمكتبات تضاعفت في زماننا هذا، ولا سيّما بعد انتشار أزمة فقدان الهوية في الجوامع البشرية، وما نراه من تزايد المعلومات وكثرة تشعبها، وصعوبة حصرها في مكان واحد من دون الاستعانة بالمكتبات.

فالمكتبة إذاً مؤسسة علمية ثقافية تهدف إلى جمع مصادر المعلومات ووضها في متناول القرّاء والباحثين من أجل استخدامها في الأغراض الثقافية والعلمية.