محمد مرعي الأمين الأنطاكي

من ويكي علوي
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

محمد مرعي الأمين الأنطاكي

(شافعي / سوريا)

ولد عام 1314هـ. في سوريا بقرية تدعى "عنصو" التابعة إلى مدينة أنطاكية، ترعرع في أسرة تنتمي إلى المذهب الشافعي.

حياته العلمية:

لما بلغ الشيخ محمد مرعي سن الرشد وقع في نفسه حُبّ أهل العلم والعلماء، وكان حينئذ شيخ في قرية قرب قريته يُدعى الشيخ رجب، وهو من أهل العلم، فسافر الشيخ محمد مرعي مع أخيه الشيخ أحمد اليها وبقيا عنده ما يقرب من ثلاث سنين.

بعد ذلك دخل المدرسة في انطاكية بواسطة شيخ يدعى الشيخ نظيف، حيث يقول الشيخ مرعي: فأخذنا بالدراسة عنده، وعند والده الشيخ أحمد أفندي الطويل، وبقينا فيها مدة سبع سنين تقريباً.

ثم ارتحلنا إلى مصر، وكان السابق إليها أخي، ودخلنا الجامع الأزهر للدراسة، وتتلمذنا على أيدي جملة من الاساتذة في الأزهر، منهم العلامة الشيخ مصطفى المراغي، شيخ الجامع الأزهر، ورئيس المجلس الإسلامي الأعلى.

ولما فرغنا من التحصيل، وحصلت لنا شهادات راقية، أردنا العودة إلى بلادنا، طلب منّا بعض أعلام مصر، أن نبقى فيها لنكون من عداد المدرسين بالأزهر، غير أنّا وجدنا بلادنا أحوج إلينا من بقائنا في (مصر)، فعدنا إلى البلاد، وأخذنا نمتهن إمامة الجماعة والجمعة، والتدريس والإفتاء، والخطابة، مدة طويلة، نحو خمسة عشر عاماً.

البحث حول الوهابية:

يقول الشيخ محمد مرعي: كنت أسمع عن الوهابيّة بأنهم يقيمون الحدود، ويجرون الأحكام الشرعية تماماً، فهاجرت إلى الحجاز، وتخلّلت بينهم مدّة، فوجدت الأخبار التي وصلتني من القطر الحجازي كانت خلاف الواقع، فإنهم أضرّ على الإسلام من كل شيء، وقد شوّهوا سمعة الإسلام بأعمالهم وأفعالهم، وبسوء فتاوى علمائهم، وبسوء صنيعهم بالعترة الطاهرة الأئمة الصالحين وغيرهم، وذلك بهدم قبورهم.

ولعمري! لقد أرادوا هدم ضريح النبيّ المقدس(صلى الله عليه وآله وسلم)، فعارضهم كثير من المؤمنين من شرق الأرض وغربها، فتركوه خوف الفتنة والإثارة فانظر إلى غريب فتواهم.

وبالجملة، لما رأيت ما رأيت منهم، رجعت إلى بلادي، وعدت إلى ما كنت امتهن من ذي قبل.

التعرف على بعض علماء الشيعة:

يقول الشيخ محمد مرعي: ثم حدثت لي أسباب دعتني الى الاتصال بالطائفة الشيعية، فجرت بيني وبين بعض علماء الشيعة مناظرات كثيرة، وفي حال المناظرة كنت أجد نفسي محجوجاً معهم، غير أني اتجلّد وأدافع دفاع المغلوب، مع ما أنا عليه بحمد الله تعالى من الاطلاع الواسع، والعلم الغزير في مذهب السنّة الشافعية، وغيره، إذ أنني تلمّذت حوالي ربع قرن على فطاحل العلماء والجهابذة في مشيخة الأزهر، حتى حصلت على شهادات راقية، وقد طالت المناظرة بيننا زماناً طويلا، لا يقل عن ثلاث سنين تقريباً، وقد وقع في نفسي شيء من الريب في المذاهب الأربعة، لكثرة الخلاف فيها.

الظفر بكتاب المراجعات:

يقول الشيخ محمد مرعي: عثرت ذات يوم على كتاب جليل وهو كتاب (المراجعات) للسيد عبدالحسين شرف الدين الموسوي العاملي (قدس الله روحه الطاهرة، وأسكنه فسيح جنّته) فأخذت الكتاب، وبدأت أتصفحه، وأتدبّر مقالاته بدقة وإمعان، فأدهشتني بلاغته، وسبك جمله، وعذوبة ألفاظه، وحسن معانيه التي قلّ أنْ يأتي كاتب بمثلها، فقمت أفكّر في هذا الأثر القيّم، والسفر العظيم، وما فيه من الحكميات والمحاكمات بين مؤلفه المفدّى، وبين الشيخ الأكبر، الشيخ سليم البشري، شيخ الجامع الأزهر، وذلك بأدلته القاطعة وحججه البالغة، مما يفحم الخصم، ويقطع عليه حجّته.

وقد رأيت مؤلفه العظيم لم يعتمد في احتجاجه على الخصم من كتب الشيعة، بل كان اعتماده على كتب السنّة والجماعة ليكون أبلغ في الردّ على الخصم، فبذلك زدت إعجاباً على إعجاب مما جرى به قلمه الشريف.

هذا ولم يمض عليّ الليل، إلاّ وأنا مقتنع تماماً بأنَّ الحق والصواب مع الشيعة، وأنهم على المذهب الحق الثابت عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، عن أهل بيته الطاهرين(عليهم السلام)، ولم يبق لي أدنى شبهة البتة، واعتقدت بأنهم على خلاف ما يقال فيهم من المطاعن والأقاويل المفتعلة الباطلة.

الانتماء إلى مذهب أهل البيت(عليهم السلام):

يضيف الشيخ محمد مرعي: ثم في صبيحة تلك الليلة، عرضت الكتاب الشريف على أخي وشقيقي، فضيلة العلامة الفذ، الحافظ، الشيخ أحمد أمين الأنطاكي، حفظه الله.

فقال لي: ما هذا؟

قلت: كتاب شيعي لمؤلف شيعي.

فقال: أبعده عنّي (ثلاثاً)، فإنه من كتب الضلال، وليس لي به حاجة، وإني أكره الشيعة، وما هم عليه.

فقلت: خذه واقرأه، ولا تعمل به، وماذا يضرك إن قرأته؟

فأخذ الكتاب ودرسه وطالعه بدقّة وإمعان، وحصل له ما حصل لي من الاعتراف بأحقّية المذهب الشيعي، وقال: إن الشيعة على الحق والصواب، وغيرهم خاطؤون.

ثم تركت أنا وأخي المذهب الشافعي، واعتنقنا المذهب الشيعي الجعفري الإمامي، وذلك لقيام الأدلة الكثيرة الواضحة، والبراهين الرصينة الناصعة، فاستراح ضميري بهذا التمسّك بالمذهب الجعفري، وهو مذهب آل بيت النبوّة ـ عليهم صلوات الله وسلامه ـ أبداً ما دام الليل والنهار، لعلمي أني قد حصلت على أقصى غاية ما أُريد بأخذ مذهب العترة الطاهرة. وبذلك أعتقد يقيناً لا يشوبه شك أني قد نجوت من عذاب الله تعالى، وأحمد الله تعالى ثانياً على نجاة عائلتي كلها، وكثير من أقربائي وأصدقائي وغيرهم، وهذا فضل ونعمة من الله لا يقدر قدرها إلاّ هو، وهي ولاية آل الرسول، فإنه لا نجاة إلاّ بولايتهم، والحديث متّفق عليه سُنّة وشيعة، وهو قول رسول الله(صلى الله عليه وآله): "مثل أهل بيتي كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلّف عنها غرق وهلك". ثم تشيّع معي وكذلك مع أخي، خلق كثير جداً من إخواننا السنة من (سورية)، و(لبنان) و(تركية)، وغيرها من البلاد، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وقد اشتهر هذا الأمر في البلاد، وذاع وشاع، وملأ الأسماع، حتى أخذ الناس يتراكضون إليهما يسألونهما عن السبب الذي دعاهما إلى الأخذ بمذهب أهل البيت(عليهم السلام)، مذهب الحق، وترك المذهب الشافعي.

فيقول الشيخ محمد مرعي: وكنا نجيبهم بأنّ الأدلة قامت لدينا، فمن أراد منكم أن نوضّح له المذهب الحق فليأت إلينا.

وفي هذه الفترة القصيرة التي هدانا الله تعالى خلالها، كانوا يأتون إلينا من كل حدب وصوب، ومن مختلف الطبقات من العلماء والأساتذة، والوجهاء والتجار، والكسبة والموظفين، وغيرهم، فكنا نلقي عليهم الحقائق من المصادر الموثوقة من مصادرهم، فمنهم من يسمع ويقتنع ويأخذ بالمذهب (مذهب أهل البيت(عليهم السلام))، ويرفض مذهبه السابق، ومنهم من يتعصّب على مذهبه، وعذره جهله وتعصّبه، مع العلم أنه غير قادر على الدفاع عن مذهبه.