محمد ابو النجا

من ويكي علوي
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

محمد ابو النجا

ولد عام 1391هـ ، (1972م)، بمدينة "تبسة"، ونشأ في أسرة ملتزمة فرضت عليه محبّة شخصيات إسلامية تأثّر بها، ولكن الأدلّة ساقته بعد ذلك إلى رفض بعضاً وإخراجها من نطاق الهالة التي وضعها الآخرون فيها.

الأزمة التي عشناها:

يقول "محمّد أبو النجا" كانت الجزائر تعيش حالة من المخاض السياسي والفكري، ولعلّ أبرز التحرّكات غير الظاهرة تلك التي ولدت انفجار الشارع، وهي تطلّعات على المستوى الاجتماعي، كان ذلك بتاريخ 5 إكتوب سنة 1408هـ ، (1988م)، وتحولّت العاصمة إلى فناء واسع لصراعات أديولوجية، ثُمّ فلت زمام الغضب والتثور وفاض على شوارعها غضباً عشوائياً، فتحوّل في يوم وبضع ساعات من الليل كلّ شيء فيها إلى حطام ودمار ورميم...

تربّع الوهابيون على أعتى وأقوى الأحزاب... لحى طويلة ولباس أفغاني... حتّى أنّ الزائر والغريب يحسب نفسه إمّا في دولة باكستان أو أفغانستان، كنت طالباً في الثانوية راغباً في نيل شهادة، وحصلت على شهادة الباكالوريا سنة 1410هـ ، (1990م)، ولم يكن أمامي إلاّ التوجّه إلى معهد المدّرسين.

زرت المحافظة وكان الجو مشحونا بالمظاهرات، أزقة تموج، وهرج في كلّ مكان، حلقات دينية حتّى في الحافلات والقطارات يديرها القادمون من كابل والشيشان... كنت كثير الردّ على ما لا يعجبني حتّى أنّهم كانوا يرمقونني بنظرات حادّة ; لأنّي أفرنجي اللباس إخواني الفكر لا أتحمّل أفكارهم... اتّهموني بالزندقة ; لأنّي أدرس الفلسفة والمنطق.. تَمّ تسجيلي بالمعهد بحمد الله، لكن بعد عام واحد تغيّرت الأمور هنا... كتب ملوّنة وصغيرة غريبة كثيرة جدّاً بالمجان، تدعوا إلى عدم زيارة القبور... وكتب أخرى تشتم علماء مصريين، وتسبّ فرقاً إسلامية..

أعيان المجتمع لم يجدوا إلى ردعهم سبيلاً، إنّ الشعوب التي فرخ في أحضانها بيض هذا المذهب دّمرت نفسها بنفسها، انصرف الناس عن العمل والعلم، وشغل الجميع بالجدل والمناقشات العقيمة ; لأنّ الفهم الخاطئ عند الأمم يولّد أفكاراً مشوّهة...

كانت أفواه الوهابية لا تنفك تقول للعوام من الناس أنّكم كفّار وملحدين وعليكم تسليم الأمر لنا، لأنّنا فرق وكتائب الله المختارة التي تخرجكم من الظلمات إلى النور.

أنهيت دراستي بالمعهد التربوي للمدرسين، وبدأنا العمل في أرياف المدينة ونتابع ما يحدث في الإعلام الوطني والأجنبي... دوّامة من العنف نار من السبي والخطف، زوبعة الانتقام مخلّفة الخراب، الوطن ينزف بشدّة، قتلى هنا وجرح هناك لماذا؟ لأنّ علل كثيرة جعلت الأمّة تدفع الثمن، منها أفكار قادمة من كتاتيب قندهار وجبال لاهور.

كان شهر رمضان المبارك يحّل في تلك السنوات مع دماء كثيرة، وأعلن عدد القتلى في قرية بن طلحة نحو400 قتيل في ليلة العيد، واعقبتها قرية مفتاح بـ300 مذبوح في ساعات قليلة، رؤوس مقطوعة، وأطفال في سن الزهور وضعت جثثهم في آلات الغسل وطحنت، أحشاء متناقرة فوق موائد على الأرض، دماء في كلّ مكان، أياً كان صاحب هذه الأفكار فهو ليس إنسان.

مرّت علينا عشر سنوات رعب في النفوس وتخريب للممتلكات العامة، يأتون في الظلام يذبحون، ينهبون، في القرى، المدن، الطرقات، كانت الحياة مديرة...

نمط من الحياة الحرجة، شوارع المدينة خالية من الحركة ساعات المساء... تؤخذ أرواح الأبرياء بدافع الجهاد، وأيادي حملت السلاح في لاهور والشيشان، ونعقت وباضت في وطني الطيّب.

خفافيش الظلام يهجمون على القرى وينهبون بيت الفلاّح البسيط ، يأخذون أغنامه عنوة، يصطحبون ابنته البكر، العائلة كلّها ترتجف تحت وقع التهديد...

يد على الزناد وأخرى تحمل سكيناً إنّه المعنى بالذبيحة... روح شريرة تضرب رأس الأب المحزوزة عن الجسد، تبطش بكلّ ما هو جديد على كلّ ما هو حي! ويغادرون مسرعين تحت جلباب الليل إلى المغارات والكهوف هناك بعيداً.. تاركين ورائهم ي عتمة دهماء سيل من النواح وحمّاماً من الدماء، كأنّ جهنم فتحت لها باباً على الأبرياء من الفقراء والمساكين، سيعودن مرّة أخرى لذبح البقية.. كتائب الرحمن.. عصابة الفرقان.. جماعة أبو مصعب.. أبو دجانة، وغيرها من الأسماء!

مكامنهم في كهوف معزولة وموحشة ليس فيها سوى أشرطة الفتاوى بأنّ الشعب كافر، والويل لمن لفظ ضدّهم كلاماً أو نبر ببنت شفة عنهم...

انتشر الشرّ في كلّ مكان، وعمّت رياح الخبث والنتانة كلّ أنحاء الوطن.

يصعدون إلى الحافلة.. اسمك؟ لقبلك؟ بطاقة هوّيتك، هل عملت في الجيش؟ نعم سيّدي.. انزل من الحافلة، اذبحوه!

أنت.. أخوك يعمل في المشفى أليس كذلك.. نعم، اذبحوه.

أنتِ.. مرتدة احملوها مع أدوات تجميلها.

حواجز مزيّفة في كلّ طريق ودرب ومكان، نار تأتي على الأخضر واليابس، إنّه الوجه الحقيقي لهم.

الصحوة:

العفن الضارب أطنابه حرّك أيادي الخير الصالحة، وبدأت حملة التوعية، قرّرات الشعب لفظ هؤلاء، واحتضان صوت الخير والانفراج... عملت العيون الطيّبة على الحراسة، نمت الأفكار العادلة، وأُصدر قانون الرحمة.. الشعب موافق على الرحمة.. ثُمّ الوئام المدني، وأخيراً المصالحة الوطنية.

مرّت سنوات من الجمر وبدأت الجزائر تستعيد عافيتها، الجزائر الطيبة.. الصلح مع النفس نزع الفتيل عن الوهابية، وجاء غطاء جديد هو السلفية العلمية..

بداية تعرّفي على الشيعة:

كان لي صديق سلفي يجالسني لشيء واحد هو أنّه درس معي المرحلة الثانوية، وكان يتحدّث عن كتاب يقول: إنّه ممتاز، عنوانّه "وجاء دور المجوس".

قلت له: منذ أيام وأنت تمصّ ثدي هذا الكتاب كالفصيل.

فردّ: نعم، إنّه يفضح الشيعة.

فقلت بحيرة: لماذا هل سرقوا لك شيئاً؟

فضحك، ثُمّ أقطب غاضباً، وقال: إنّهم فرقة كافرة تسبّ الصحابة!

فقاطعته: هل عرفت ذلك من خلال كتبهم.

قال: العلماء يحذّرون من قراءة كتبهم.

قلت: لماذا؟ أليس من الأحسن أن تقرأ للجميع.

فتذمّر من كلامي، وبدأ يبيّن لي أسباب تكفيره للشيعة...

لقد كنت كثير الجلوس في مكتبة لأحد سكّان الحي، وفي يوم جاء شخصان عليهما آثار الغضب وطلب منه كتاب "أسد الغابة في معرفة الصحابة".

والتفت الأوّل للثاني قائلاً: لا تشتريه فتأريخ المسعودي أفضل وما صبرت فقلت: لأنّه أكبر حجماً وأوسع معلومات.

فقال: لا، لأنّ الشيعي الكافر عبد الحسين شرف الدين أخذ منه قصّة، ونريد أن نستقصي الأمر، فقلت في نفسي: والله الفرصة..!

أدخلت رأسي وسط المعمعة، فقال أحدهم وتغيّر لونه: القصّة صحيحة، فأشرت بإصبعي إلى الهامش: إنّها في كتاب الكامل والطبقات.

فغضب وأردف: ولكنها قد تكون غير موجودة في كتب ابن كثير.

حينها قلت: ما القصّة؟

قال الثاني: تصوّر يا أخ أنّ صحابي يزني! إنّه صحابي جليل.

قلت له: هل نقلها أيّ القصّة كاملة دون تحريف؟

قال: نعم، ولكنه علّق وشنّع وشوّه.

قلت: كيف؟! هل زاد فيها أو أنّك تقصد شرح وفصّل في القضية، هل أعطى الرجل أمانة النقل حقّها؟

قال الأوّل: كان عليه أن لا يعلّق ويكشف ستر هذا الرمز.

قلت مرّة ثانية: هل القصّة صحيحة؟

ردّ الثاني: نعم... وحملق وأقطب وأزبد.

وأردف بقوله: إنّه صحابي، ويجب إخفاء هذه الأشياء عن العوام.

حينها تحرّكت عاطفة علوية سماوية في فؤادي، ووقع هذا التساؤل في نفسي: من هم الشيعة؟

نظرت إلى يده وهي تمسك كتاباً عليه عنوان "النص والاجتهاد"، وكانت نسخة رثّة عليها آثار الإهمال، ثُمّ ناديتهما حين هما بالانصراف: هل الكتاب لكما؟

قال أحدهم: لعنه الله على كاتبه، ورمى به إلى الشارع.

أسرعت قبل أن يهوى إلى الأرض ; وحملته.

قلت: بكم تبيعه؟

قال صاحبه: لا، أعطني إيّاه، أمزّقه.

قال الثاني: احرقه أمامي حتّى ينتهي الأمر.

تدخّل صاحب المحل: خذا أي كتاب بدلاً عنه.

فقالا معاً: صحيح! أعطنا كتاب لابن فلان.

حينها أدرت رأسي إلى صاحب المكتبة: كم ثمنه؟

قال: كما تشاء.

أعطيته مبلغاً، ثُمّ جلست معه أشكره وأنا أريد أن أفتح الكتاب اللغز، ففهم منّي ذلك، فأحضر لي كأساً من الشاي وقال: هيّا أتريد أن تسمعنا فصلاً، ويالها من صدمة حين رأيت الأدلّة والحجج الناصعة...

وبعد عودتي إلى البيت دفعتني سلاسة الرجل المؤلف لكتاب النص والاجتهاد على قراءته جملةً وتفصيلاً.

بدأت أقارن أقواله بأقوال وروايات أمّهات الكتب حتّى تفتق الحقّ من جوانح الحجج والأدلّة، ناطقاً به، ومن ذلك الحين عرفت الشيعة.

مصير السنّة النبوّية:

ماذا حدث للعرب والمسلمين الأوائل حتّى يأتي رجل من بخارى ويصحّح لهم سنّة نبيّهم؟ ولماذا لم تدوّن حتّى ذلك الحين؟ هل صحيح ما ينقله الجمهور الخوف من خلطها مع القرآن؟ هل هذا عذر يقبله العقل؟!

لماذا ينقل البخاري عن معظّم الصحابة ولكنه لا ينقل عن أهل بيت النبيّ إلاّ النزر اليسير؟

أين نحن من أهل البيت؟!

ماذا نقول لربّنا إذا سألنا عنهم؟!

ماذا نفعل حتّى نوفيهم حقّهم؟

أين قبر فاطمة؟

ومن منطلق هذه الأسئلة بدأ "محمّد أبو النجا" بحثه العلمي الذي أوصله في نهاية المطاف إلى اعتناق مذهب التشيّع والالتحاق بركب أهل البيت(عليهم السلام).