علي بن محمد بن مكي
علي بن محمد بن مكي:
قال الشيخ الحر في أمل الآمل (140): «الشيخ نجيب الدين علي بن محمد بن مكي العاملي الجبيلي، ثم الجبعي: كان عالما، فاضلا، فقيها محدثا (محققا)،
مدققا متكلما، شاعرا، أديبا منشئا، جليل القدر، قرأ على الشيخ حسن، و السيد محمد، و الشيخ بهاء الدين و غيرهم، له شرح الرسالة الاثني عشرية للشيخ حسن، و جمع ديوان الشيخ حسن، و له رحلة منظومة لطيفة، نحو ألفين و خمسمائة بيت، و له رسالة في حساب الخطأين، و له شعر جيد، رأيته في أوائل سني قبل البلوغ و لم أقرأ عنده. يروي عن أبيه، عن جده عن الشهيد الثاني، و يروي عن مشايخه المذكورين، و غيرهم، و كان حسن الخط و الحفظ، له إجازة لولده و لجميع معاصريه، و ذكره السيد علي بن ميرزا أحمد في سلافة العصر، فقال فيه: نجيب أعرق فضله و أنجب، و كماله في العلم معجب، و أدبه أعجب، سقى روض آدابه صيب البيان، فجنت منه أزهار الكلام أسماع الأعيان، فهو للإحسان داع و مجيب، و ليس ذلك بعجيب من نجيب، و له مؤلفات أبان فيها عن طول باعه، و اقتفائه لآثار الفضل و اتباعه، و كان قد ساح في الأرض، و طوى منها الطول و العرض، فدخل الحجاز، و اليمن، و الهند، و العجم، و العراق، و نظم في ذلك رحلة أودعها من بديع نظمه ما رق و راق، و قد حذا فيها حذو الصادح و الباغم، و رد حاسد فضله بحسن بيانها و هو راغم، وقفت عليها فرأيت الحسن عليها موقوفا، و اجتليت محاسن ألفاظها و معانيها أنواعا و صنوفا، و اصطفيت منها لهذا الكتاب ما هو أرق من لطيف العتاب (انتهى). ثم نقل منها نحو مائة بيت، و أنا أذكر يسيرا من شعره، فمنه قوله:
يا أمير المؤمنين المرتضى* * * لم أزل أرغب في أن أمدحك
غير أني لا أرى لي فسحة* * * بعد أن رب البرايا مدحك
و قوله:
مدت حبائلها عيون العين* * * فاحفظ فؤادك يا نجيب الدين
في هجرها الدنيا تضيع و وصلها* * * فيه إذا وصلت ضياع الدين
و قوله:
لي نفس أشكو إلى الله منها* * * هي أصل لكل ما أنا فيه
فمليح الخصال لا يرتضيني* * * و قبيح الخصال لا أرتضيه
فالبرايا لذا و ذاك جميعا* * * لي خصوم من عاقل و سفيه
و قوله:
يا ما رأينا و ما رأينا* * * و كل شيء له انقضاء
و الحكم لله في البرايا* * * كما به قد جرى القضاء
و قوله:
كل امرئ بين امرأين* * * بين الأنام مقصر
إما امرؤ متوكل* * * أو آخر متهور
و قوله في مرثية شيخه السيد محمد:
جودي بدمع مستهل غزير* * * يا عين فالرزء جليل خطير
و إن رقى الدمع فسيحي دما* * * ففادح الرزء بهذا جدير
دك لعمري جبل شامخ* * * كادت له الشم العوالي تسير
طود على بحر نهى يا له* * * من أوحد ليس له من نظير
و قوله:
يا رب ما لي عمل صالح* * * به أنال الفوز في الآخرة
إلا ولائي لبني هاشم* * * آل النبي العترة الطاهرة
و قوله:
يا من تحار البرايا في وصف عز جلاله* * * حرم على النار وجهي بالمصطفى، و بآله
و قوله من قصيدة يرثي بها الشيخ حسن و السيد محمد (رحمهما الله):
أسفا لفقد أئمة لفواتهم* * * أيدي الفضائل و العلى جذاء
هم عزة كانت لجبهة دهرنا* * * ميمونة وضاحة غراء
إن عد ذو فضل و علم زاخر* * * فهم لعمري القادة العلماء
أو عد ذو كرم و فضل شامخ* * * فهم لعمري السادة الكرماء
حبران ما لهما و حقك ثالث* * * فاعلم بأن الثالث العنقاء
بحران ماؤهما فرات سائغ* * * عذب و فيه رقة و صفاء
و قوله:
علة شيبي قبل إبانه* * * هجر حبيبي في المقال الصحيح
و يدعي العلة في هجره* * * شيبي و في ذلك دور صريح
أقول: و قد كتبت الرحلة المذكورة بخطي من خطه في أوائل الشباب و كتبت على ظهرها من شعري هذه الأبيات:
يا رحلة بديعة في فنها* * * كاملة في لطفها و حسنها
بليغة أنيقة طريفة* * * لطيفة رشيقة شريفة
فهي كروض مونق نضير* * * ليس له في الحسن من نظير
لست ترى في نظمها تكلفا* * * كلا و لا في سبكها تعسفا
تفوق في اللطف شذى النسيم* * * و العنبر الفائح في التسنيم
جامعة للوعظ و الأمثال* * * بارعة عديمة المثال
ألفها أفصح أهل دهره* * * فتى علا عن كل أهل عصره
فيا له من كامل ممجد* * * أحرز أصناف العلى و السؤدد
سقى ثراه سحب الرضوان* * * و كان مثواه لدى رضوان
في جنة الخلد مع الأئمة* * * أهل العلى و شفعاء الأمة
(عليهم السلام) ما دار فلك* * * و سبح الله مدى الدهر ملك