زين الدين بن محمد
زين الدين بن محمد:
قال الشيخ الحر في أمل الآمل (84): «الشيخ الأجل زين الدين بن محمد بن الحسن بن زين الدين الشهيد الثاني العاملي الجبعي. شيخنا الأوحد، كان عالما فاضلا، كاملا متبحرا محققا [مدققا ثقة، صالحا، عابدا، ورعا، شاعرا، منشئا، أديبا، حافظا، جامعا لفنون العلم و النقليات، جليل القدر، عظيم المنزلة لا نظير له في زمانه، قرأ على أبيه، و على الشيخ الأجل بهاء
الدين [محمد العاملي و على مولانا محمد أمين الأسترآبادي، و جماعة من علماء العرب و العجم، و جاور بمكة مدة و توفي بها و دفن عند خديجة الكبرى. قرأت عليه جملة من كتب العربية و الرياضي و الحديث و الفقه و غيرها، و كان له شعر رائق و فوائد و حواش كثيرة و ديوان شعر صغير رأيته بخطه. و لم يؤلف كتابا مدونا لشدة احتياطه و لخوف الشهرة، و كان يقول: قد أكثر المتأخرون التأليف و في مؤلفاتهم سقطات كثيرة عفا الله عنا و عنهم و قد أدى ذلك إلى قتل جماعة منهم، و كان يتعجب من جده الشهيد الثاني و من الشهيد الأول و من العلامة في كثرة قراءتهم على علماء العامة و كثرة تتبع كتبهم في الفقه و الحديث و الأصولين و قراءتها عندهم و كان ينكر عليهم و [كان] يقول: قد ترتب على ذلك ما ترتب، عفا الله عنهم. و ذكره أخوه الشيخ علي بن محمد العاملي في كتاب الدر المنثور، فقال فيه: كان فاضلا زكيا و عالما لوذعيا و كاملا رضيا و عابدا تقيا اشتغل أول أمره في بلادنا على تلامذة أبيه و جده ثم سافر إلى العراق في أوقات إقامة والده بها، ثم سافر إلى بلاد العجم فأنزله المرحوم المبرور الشيخ بهاء الدين [العاملي] في منزلة و أكرمه إكراما تاما و بقي عنده مدة طويلة مشتغلا عنده قراءة و سماعا لمصنفاته و غيرها و كان يقرأ عند غيره من الفضلاء في تلك البلاد في العلوم الرياضية و غيرها، ثم سافر إلى مكة في السنة التي انتقل فيها الشيخ بهاء الدين فأقام بها ثم رجع إلى بلادنا و كان مولده سنة 1009 و توفي سنة 1064 انتهى ملخصا. و من شعره قوله:
إن خنت عهدي إن قلبي لم يخن* * * عهد الحبيب و إن أطال جفاءه
لكنه يبدي السلو تجلدا* * * حذرا من الواشي و يخفي داءه
و شعره كله جيد ما رأيت له بيتا واحدا رديئا كما قالوه في شعر الرضي، و كان حسن التقرير و التحرير جدا عظيم الاستحضار حاضر الجواب دقيق الفكر.
أخبرني(قدس سره) أن بعض أمراء الملاحدة قال له: قد سألت علماء هذه البلاد عن مسألتين فلم يقدروا على الجواب: إحداهما أن ما ذكر في القرآن في نوح (فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلّٰا خَمْسِينَ عٰاماً) لا يقبله العقل! لأنا رأينا كثيرا من القلاع و العمارات المحكمة المبنية بالصخر المنحوت قد خربت و تكسرت أحجارها و تفرقت أجزاء صخورها في مدة يسيرة أقل من ثلاثمائة سنة، فكيف يبقى البدن المؤلف من لحم و دم ألف سنة؟. قال: فقلت له في الحال: ليس هذا عجيبا و لا بعيدا، لأن الحجر ليس فيه نمو و زيادة فإذا تحلل منه جزء و لم يخلف مكانه أجزاء أخر تحلل في عشر سنين و بدن الحيوان إذا تحلل منه جزء حصل مكانه جزء بسبب الغذاء و النمو كما هو مشاهد في من جرح أو قطع منه لحم أو شعر أو ظفر فإنه يخلف مكانه في وقت يسير، فاستحسن الجواب. قال: الثانية إن عندنا تفسيرا صنفه بعض المتأخرين و ذكر أنه ألفه لرجل من الأكابر و أثنى عليه ثناء بليغا جدا بما يليق بالملوك و لم يذكر اسمه و إنما قال: اسمه مذكور في سورة الرحمن. فقال الأمير. أحب أن تعرفوني اسم هذا الرجل و لم يذكر المؤلف اسمه مع هذا الثناء البليغ؟. قال: فقلت له في الحال: اسمه «مرجان» لأني سمعت في بغداد مدرسة تسمى المرجانية، و إنما لم يذكر اسمه لأنه من أسماء العبيد. فاستحسن منه الجوابين و تعجب منه و كان يكثر الثناء عليه. و قد رثيته بقصيدة طويلة بليغة قضاء لبعض حقوقه لكنها ذهبت في بلادنا مع ما ذهب من شعري و لم يبق في خاطري إلا هذا البيت:
و بالرغم قولي (قدس الله روحه)* * * و قد كنت أدعو أن يطول له البقا
. و قد مدحه الشيخ إبراهيم العاملي البازوري بقصيدة تقدم في ترجمته أبيات منها و مدحته أنا بقصيدة لم يحضرني منها شيء.
و قد ذكره السيد علي بن الميرزا أحمد في كتاب سلافة العصر في محاسن أعيان العصر، فقال فيه: زين الأئمة، و فاضل الأمة و ملث غمام الفضل و كاشف الغمة، شرح الله صدره للعلوم شرحا و بنى له من رفيع الذكر في الدارين صرحا إلى زهد أسس بنيانه على التقوى و صلاح أهل به ربعه فما أقوى، و آداب تحمر خدود الورد من أنفاسها خجلا و شيم أوضح بها غوامض مكارم الأخلاق وجلا. ثم مدحه بفقرات أخر و ذكر من شعره كثيرا. نروي عنه (قدس سره) عن مشايخه جميع مروياتهم».