خداش العبدي
خداش العبدي
فارس. اشترك في حرب البصرة سنة 36 ه ، واستشهد فيها. عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) ، قال : بعث طلحة ، والزبير ، رجلا من عبد القيس يقال له خداش إلى أمير المؤمنين (عليه السلام) ، وقالا له : إنّا نبعثك إلى رجل طال ما كنّا نعرفه وأهل بيته بالسحر والكهانة ، وأنت أوثق من بحضرتنا من أنفسنا من أن تمتنع من ذلك ، وأن تحاجه لنا حتّى تقفه على أمر معلوم ، واعلم أنّه أعظم الناس دعوى فلا يكسرنّك ذلك عنه ، ومن الأبواب التي يخدع الناس بها الطعام ، والشراب ، والعسل ، والدهن ، وأن يخالي الرجل فلا تأكل له طعاما ولا تشرب له شرابا ، ولا تمس له عسلا ولا دهنا ، ولا تخل معه ، واحذر هذا كله منه ، وانطلق على بركة الله فإذا رأيته فاقرأ آية السخرة ، وتعوّذ بالله من كيده وكيد الشيطان. فإذا جلست إليه فلا تمكنه من بصرك كله ولا تستأنس به ، ثم قل له : إنّ أخويك في الدين ، وابني عمك في القرابة يناشدانك القطيعة ، ويقولان لك : أما تعلم أنا تركنا الناس لك وخالفنا عشائرنا فيك ، منذ قبض الله عزّ وجل محمدا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلما نلت أدنى منال ضيّعت حرمتنا ، وقطعت رجاءنا ، ثم قد رأيت أفعالنا فيك وقدرتنا على النأي عنك ، وسعة البلاد دونك ، وإنّ من كان يصرفك عنّا وعن صلتنا كان أقلّ لك نفعا ، وأضعف عنك دفعا منّا ، وقد وضح الصبح الذي عينين ، وقد بلغنا عنك انتهاك لنا ودعاء علينا ، فما الذي يحملك على ذلك؟ فقد كنا نرى أنّك أشجع فرسان العرب ، أتتخذ اللعن لنا دينا وترى أنّ ذلك يكسرنا عنك.
فلما أتى خداش أمير المؤمنين (عليه السلام) ، صنع ما أمراه فلما نظر إليه عليّ (عليه السلام) ـ وهو يناجي نفسه ـ ضحك ، وقال : هاهنا يا أخا عبد قيس ، وأشار إلى مجلس قريب منه ، فقال : ما أوسع المكان أريد أن أؤدي إليك رسالة ، قال : بل تطعم ، وتشرب وتحل ثيابك ، وتدهن ، ثم تؤدّى رسالتك ، قم يا قنبر فأنزله ، قال : ما بي إلى شيء مما ذكرت حاجة. قال : فأخلو بك؟ قال : كلّ سرّ لي علانية.
قال : فأنشدك بالله الّذي هو أقرب إليك من نفسك ، الحائل بينك وبين قلبك الذي يعلم خائنه الأعين ، وما تخفي الصدور ، أتقدّم إليك الزبير بما عرضت عليك؟ قال : اللهم نعم ، قال : لو كتمت بعد ما سألتك ما ارتد إليك طرفك ، فأنشدك الله هل علمك كلاما تقوله إذا أتيتني؟ قال : اللهم نعم ، قال عليّ (عليه السلام) : آية السخرة؟ قال : نعم ، قال : فاقرأها ، فقرأها وجعل عليّ (عليه السلام) يكرّرها ويردّدها ، ويفتح عليه إذا أخطأ حتّى إذا قرأها سبعين مرّة ، قال الرجل : ما يرى أمير المؤمنين (عليه السلام) أمره بترددها سبعين مرّة ، ثم قال له : أتجد قلبك اطمأنّ؟ قال : اي والذي نفسي بيده.
قال : فما قالا لك؟ فأخبره ، فقال : قل لهما : كفى بمنطقكما حجة عليكما ، ولكن الله لا يهدي القوم الظالمين. زعمتما أنّكما أخواي في الدّين ، وابنا عمّي في النسب ، فأما النسب فلا أنكره وإن كان النسب مقطوعا إلّا ما وصله الله بالإسلام.
وأما قولكما إنّكما أخواي في الدّين ، فإن كنتما صادقين فقد فارقتما كتاب الله عزّ وجل ، وعصيتما أمره بأفعالكما في أخيكما في الدّين ، وإلّا فقد كذبتما وافتريتما بادعائكما أنّكما أخواي في الدّين.
وأما مفارقتكما الناس منذ قبض الله محمدا (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فإن كنتما فارقتماهم بحق فقد نقضتما ذلك الحق بفراقكما إيّاي أخيرا ، وإن فارقتماهم بباطل فقد وقع إثم ذلك الباطل عليكما مع الحدث الذي أحدثتما ، مع أنّ صفقتكما بمفارقتكما الناس لم تكن إلّا لطمع الدنيا ، زعمتما وذلك قولكما «فقطعت رجاءنا» لا تعيبان بحمد الله من ديني شيئا.
وأما الّذي صرفني عن صلتكما فالذي صرفكما عن الحق ، وحملكما على خلعه من رقابكما كما يخلع الحرون لجامه وهو الله ربّي لا أشرك به شيئا فلا تقولا : «أقل نفعا وأضعف دفعا» فتستحقا اسم الشرك مع النفاق.
وأما قولكما : إنّي أشجع فرسان العرب ، وهربكما من لعني ودعائي ، فإن لكل موقف عملا إذا اختلفت الأسنة وماجت لبود الخيل ، وملأ سحراكما أجوافكما ، فثم يكفيني الله بكمال القلب ، وأما إذا أبيتما بأنّي أدعو الله فلا تجزعا من أن يدعو عليكما رجل ساحر من قوم سحرة زعمتما.
اللهم أقعص الزبير بشرّ قتلة ، واسفك دمه على ضلالة. وعرّف طلحة المذلّة وادّخر لهما في الآخرة شرّا من ذلك. إن كانا ظلماني ، وافتريا عليّ وكتما شهادتهما ، وعصياك وعصيا رسولك فيّ. قل : آمين ، قال خداش : آمين.
ثم قال خداش لنفسه : والله ما رأيت لحية قط أبين خطأ منك حامل حجة ينقض بعضها بعضا لم يجعل الله لها مساكا ، أنا أبرأ إلى الله منهما. قال عليّ (عليه السلام) : ارجع إليهما وأعلمهما ما قلت ، قال : لا والله حتّى تسأل الله أن يردّني إليك عاجلا ، وأن يوفقني لرضاه فيك. ففعل ، فلم يلبث أن انصرف وانضم إلى عليّ (عليه السلام) ، وقتل معه يوم الجمل رحمه الله.[١]
- ↑ أصول الكافي 1 / 334. أعيان الشيعة 5 / 307. سفينة البحار 1 / 381.