جعفر بن الحسن بن يحيى
جعفر بن الحسن بن يحيى
قال ابن داود في القسم الأول (300): «جعفر بن الحسن بن يحيى بن سعيد الحلي، شيخنا نجم الدين أبو القاسم المحقق، المدقق، الإمام العلامة، واحد عصره، كان ألسن أهل زمانه، و أقومهم بالحجة، و أسرعهم استحضارا، قرأت عليه، و رباني صغيرا، و كان له علي إحسان عظيم و التفات، و أجاز لي جميع ما صنفه، و قرأه، و رواه، و كل ما تصح روايته عنه. توفي في شهر ربيع الآخر سنة 676. له تصانيف حسنة، محققة، محررة، عذبة، فمنها: كتاب شرائع الإسلام مجلدان، كتاب النافع في مختصره مجلد، كتاب المعتبر في شرح المختصر لم يتم، مجلدان، كتاب نكت النهاية، مجلد، كتاب المسائل الغرية مجلد، كتاب المسائل المصرية، مجلد، كتاب المسلك في أصول الدين، مجلد، كتاب المعارج في أصول الفقه، مجلد، كتاب النكهة في المنطق، مجلد. و له كتب غير ذلك، ليس هذا موضع استيفائها، فأمرها ظاهر. و له تلاميذ: فقهاء، فضلاء، (رحمه الله)». و قال الشيخ الحر في تذكرة المتبحرين (127): «نجم الدين أبو القاسم جعفر بن الحسن بن يحيى بن الحسن بن سعيد الحلي، حاله في الفضل و العلم، و الثقة، و الجلالة، و التحقيق و التدقيق، و الفصاحة، و الشعر، و الأدب و الإنشاء، و جميع [جمع العلوم و الفضائل و المحاسن أشهر من أن يذكر، و كان عظيم الشأن، جليل القدر، رفيع المنزلة، لا نظير له في زمانه». ثم قال: له كتب، فعد ما تقدم ذكره، و زاد رسالة التياسر في القبلة، و كتاب نهج الوصول إلى علم الأصول.
ثم قال: «و له شعر جيد، و إنشاء حسن بليغ، من تلامذته العلامة، و ابن داود. و نقل أن المحقق الطوسي، نصير الدين حضر مجلس درسه، و أمرهم بإكمال الدرس، فجرى البحث في مسألة استحباب التياسر، فقال المحقق الطوسي: لا وجه للاستحباب، لأن التياسر إن كان من القبلة إلى غيرها فهو حرام، و إن كان من غيرها إليها فواجب. فقال المحقق في الحال: بل منها إليها، فسكت المحقق الطوسي، ثم ألف المحقق في ذلك، رسالة لطيفة، أوردها الشيخ أحمد بن فهد في المهذب بتمامها، و أرسلها إلى المحقق الطوسي فاستحسنها. و كان مرجع أهل عصره في الفقه و غيره، يروي عن أبيه، عن جده يحيى الأكبر. و قال العلامة في بعض إجازاته عند ذكر المحقق: كان أفضل أهل زمانه في الفقه. قال الشيخ حسن في إجازته: لو ترك التقييد بأهل زمانه كان أصوب إذ لا أرى في فقهائنا مثله،- انتهى». ثم قال الشيخ الحر: و من شعره قوله كتبه إلى أبيه:
ليهنك أني كل يوم إلى العلا* * * أقدم رجلا لا تزل بها النعل
و غير بعيد أن تراني مقدما على* * * الناس حتى قيل ليس له مثل
تطاوعني بكر المعاني و عونها* * * و تنقاد لي حتى كأني لها بعل
و يشهد لي بالفضل كل مبرز* * * و لا فاضل إلا و لي فوقه فضل
قال المحقق: فكتب أبي فوق هذه الأبيات: لئن أحسنت في شعرك لقد أسأت في نفسك، أ ما علمت أن الشعر صناعة من خلع الفقه، و لبس الخرقة و الشاعر ملعون و إن أصاب، و منقوص و لو أتى بالشيء العجاب و كأني بك قد دهمك الشعر بفضيلته، فجعلت تنفق منه ما تلفق بين جماعة لا يرون لك فضلا غيره، فسموك به، و لقد كان ذلك وصمة عليك آخر الدهر، أ ما تسمع:
و لست أرضى أن يقال شاعر* * * تبا لها من عدد الفضائل
قال: فوقف عند ذلك خاطري حتى كأني لم أقرع له بابا، و لم أرفع له حجابا. و من شعره أيضا قوله:
هجرت صوغ قوافي الشعر من زمن* * * هيهات يرضى و قد أغضبته زمنا
و عدت أوقظ أفكاري و قد هجعت* * * عنفا و أزعجت عزمي بعد ما سكنا
إن الخواطر كالآبار إن نزحت* * * طابت و إن يبق فيها ماؤها أجنا
فاصفح شكرت أياديك التي سلفت* * * ما كنت أظهر عيبي بعد ما كمنا
و قوله:
يا راقدا و المنايا غير راقدة* * * و غافلا و سهام الدهر ترميه
بم اغترارك و الأيام مرصدة* * * و الدهر قد ملأ الأسماع داعيه
أما رأتك الليالي قبح دخلتها* * * و غدرها بالذي كانت تصافيه
رفقا بنفسك يا مغرور إن لها* * * يوما تشيب النواصي من دواهيه
و لما توفي رثاه جماعة، منهم: الشيخ محفوظ بن وشاح، فمن قصيدته يرثيه، قوله:
أقلقني الهم و فرط الأسى* * * و زاد في قلبي لهيب الضرام
لفقد بحر العلم و المرتضى* * * في القول و الفعل و فصل الخصام
أعني أبا القاسم شمس العلى* * * الماجد المقدام ليث الزحام
أزمة الدين بتدبيره* * * منظومة أحسن بذاك النظام
شبه به البازي في بحثه* * * و عنده الفاضل فرخ الحمام
قد أوضح الدين بتصنيفه* * * من بعد ما كان شديد الظلام
بعدك أضحى الناس في حيرة* * * عالمهم مشتبه بالعوام
لو لا الذي بين في كتبه* * * لأشرف الدين على الاصطلام
قد قلت للقبر الذي ضمه* * * كيف حويت البحر و البحر طام
عليك مني ما حدا سائق* * * أو غرد القمري ألفا سلام».