برن هارد واهين
برن هارد واهين (مهدي)
(مسيحيّ / ألمانيا)
ولد في مدينة "مولهايم" بألمانيا ، ثمّ واصل دراسته الأكاديميّة حتّى التحق بالجامعة ، ثمّ زار إيران مع اثنين من أصدقائه أيّام دراسته الجامعيّة ، فالتقى ببعض العلماء فيها ، وخاض نقاشات علميّة معهم في أمور الدين ولاسيّما فيما يخصّ إثبات وجود الخالق ، فلمس "برن هارد" في الفكر الشيعيّ قوّة في الدليل والبرهان ، فاستغرب من ذلك; لأنّه كان يتصوّر بأنّ الإسلام هو مجموعة أعراف وتقاليد للعرب ترتبط بالعهد الجاهلي ، ولكنّه رأى بأنّ الإسلام المتمثّل بمذهب أهل البيت(عليهم السلام) هو عبارة عن منظمومة فكريّة متينة لها في كلّ مفردة من مفرداتها العقائديّة مجموعة أدلّة لا يمكن ترك الإذعان بها إلاّ عناداً أو تعصّباً ، وهذا ما دفعه إلى قبول الإسلام ديناً وأهل البيت(عليهم السلام) قادة على سبيل النجاة ، ثمّ اختار لنفسه اسم "مهدي" تيمناً باسم إمام العصر والزمان.
وقد جاء في إحدى محاوراته مع أحد العلماء حول إثبات وجود الخالق
سأل "برن هارد واهين": عن أسهل الأدلّة لإثبات وجود الخالق؟
فاجابه العالم: إنّ أحد الطرق لإثبات وجود الله سبحانه هو برهان "النظم" أو دليل "الأثر يدلّ على المؤثّر".
"برن هارد واهين": أرجو تبيين هذا الدليل ، وشرحه ولو بصورة مبسّطة.
العالم: لتوضيح هذا الأمر وفهمه بصورة أفضل نضرب لك هذا المثال.
حساب الاحتمالات:
لو بعثرنا أوراق كتاب مؤلف من مائة ورقة ، ثمّ كلّفنا رجلاً أعمى بأن يقوم بترتيب أوراق هذا الكتاب وإعادتها كما كانت عليه فيما سبق ، فإنّ حساب الاحتمالات يقول: إنّ هذا الأعمى سوف يلتقط الصفحة رقم (1) لأوّل مرّة بنسبة 100/1 ، وأنّه لو أراد التقاط الصفحة رقم (1) ثم الصفحة رقم (2) متعاقباً ، فستكون النسبة 10000/1 ، ثمّ أنّه لو أراد التقاط الصفحة رقم (1)، ثمّ الصفحة رقم (2)، ثمّ الصفحة رقم (3) متعاقباً فتكون النسبة 1000000/1 ، وهكذا لو واصل هذا الأعمى هذه العمليّة لتنظيم أوراق هذا الكتاب ، فسوف يتضاعف عدد الاحتمالات في كلّ مرة مائة مرّة وبالتالي يصل احتمال تنظيم الكتاب من قبل هذا الأعمى إلى الصفر والعدم، ولا يتصوّر عاقل أنّه يمكنه تنظيم الكتاب بدون استخدام وسائل أخرى تعينه على ذلك.
ومنه نستنتج عدم إمكان تنظيم الكتاب لوحده عن طريق الصدفة، وعن طريق أعمى لا يمكنه معرفة أرقام الصفحات ، ونستنتج أيضاً أنّ كلّ نظام وترتيب يدلّ على وجود الناظم له; لأنّ النظم والترتيب لا يأتي عن طريق الصدفة.
وعليه فيمكننا أن نجزم بأنّ النظام الموجود في عالم الخلقة يدلّ على وجود ناظم وخالق قد قام بتنظيمه بهذه الصورة الماثلة أمام أعيننا.
مظاهر النظام في وجودنا:
أقرب الأشياء إلينا هي نفوسنا وأجسامنا ، فمن الأفضل أن نرى مظاهر النظام العجيبة فيها أوّلاً ، وقد ورد في الحديث: "من عرف نفسه فقد عرف ربّه".
ونكتفي بمثال واحد.
خطوط رؤوس الأصابع:
لو لاحظ الشخص الخطوط الموجودة في رؤوس أصابعه، وقارنها مع الخطوط الموجودة في رؤوس أصابع صديقه ، للاحظ وجود الاختلاف في انسيابها وتركيبها ، ويمكن امتحان ذلك بوضع رؤوس الأصابع في الحبر وضغطها على الورق الأبيض; لملاحظة نقوشها المختلفة التي تظهر على الورق.
إنّ هذا الاختلاف لا يوجد فقط بين شخصين أو ثلاثة أو أربعة ، بل هو موجود بين خطوط رؤوس أصابع جميع البشر في الدنيا ، بحيث لا يوجد شخصان تتشابه خطوط رؤوس أصابعهما بالكامل.
"برن هارد واهين": نعم هذا من العجائب ، وإنّ هذه القضيّة أصبحت علماً خاصّاً تستفيد منه أجهزة الأمن في العالم لمعرفة المجرمين.
العالم: إضافة إلى ذلك لقد ثبت لدى العلماء أنّ هذه الخطوط تختلف أيضاً عند كلّ الأجيال السابقة التي وجدت على الأرض ، وكذلك الأمر عند الأجيال اللاحقة التي ستحيا على هذه الأرض ، وعليه أنّ المجرم يمكن القبض عليه بواسطة خطوط رؤوس الأصابع ولو بعد مرور عشرات السنين على ارتكابه للجناية.
فهل كانت هذه الظاهرة العجيبة والدقيقة من عمل الطبيعة الصمّاء والعمياء؟
وهل يمكن أن يوضع هذا النظام المحيّر للعقول في حساب الصدفة؟
وهل يتصوّر عاقل أنّ هذا النظام وجد تلقائيّاً ولم يكن هناك خالق؟
كلاّ وألف كلاّ!!
إنّ عقولنا لا تقبل إمكانيّة ترتيب كتاب مؤلف من مائة ورقة من دون استعمال الحواس والفكر ، فكيف تقبل بأن يكون هذا النظام مخلوقاً للطبيعة وعن طريق الصدفة ، وأن لا يكون هناك خالق عالم وصانع مقتدر؟!
من المسلّم به أنّ كلّ عاقل يعرف جيّداً بأدنى تأمّل أنّ النظام العجيب الموجود في جسم الإنسان هو من خلق ناظم عالم قدير خلق الإنسان ، وهو "الله" سبحانه وتعالى.
إنّ كلّ الأمور في هذا الكون تجري وفق نظام خاصّ، وحساب دقيق لكلّ واحد واحد أو مجموعة منّها ، وكلّ الأشياء وجدت على أساس من العلم والمصلحة حسب ما قدّره لها خالقها وموجدها.
هل هناك مظاهر عشوائيّة في نظام العالم:
"برن هارد واهين": نرى أحياناً في عالم الخلقة حالات من عدم النظام ، قد يكون لها آثار تبدو عشوائيّة ، ألا تخالف هذه الحالات نظام العالم؟.
العالم: إذا نظر الإنسان بصورة سطحيّة إلى هذا الكون ، فإنّه قد لا ينتبه للنظام الموجود فيه ، بل يمكن أن يتصوّر بأنّ العالم ليس منظّماً ، وعلى سبيل المثال: أن ينظر إلى النجوم في السماء ويعتقد أنّ النظم سيتحقّق فيها لو كانت مرتّبة حسب الحجم والكبر ، لا أن تكون نجمة صغيرة وسط نجمتين كبيرتين بحيث يبدو عدم وجود نظام في عالم النجوم جميعاً، لكن العالم المفكّر المستنير الذي يعلم قوانين الجاذبيّة والطرد المركزي ، ويعرف حركات الأرض وسائر الأجرام الموضعيّة والانتقاليّة لا يرى في هذا الكون إلاّ النظام والترتيب ، ويعلن ذلك على الأشهاد ، ويورد الأدلّة عليه من آثار هذه الحركات كظاهرة الليل والنهار وكحساب السنة والأشهر والأسابيع.
وهكذا لو رأى شخص عادي ـ لا علم له بالأمور الفنّية لصناعة السيّارات ـ محرّك السيّارة مثلاً فلا يمكنه تصوّر النظام فيه ; لأنّه يرى ظاهراً غير مرتّب، وغير مفهوم لديه.
أمّا لو أبصر المحرّك شخص ميكانيكيّ خبير وماهر لم يرَ إلاّ النظام والترتيب في شكل المحرّك وعمله وطريقة ارتباط بعض اجزائه بالبعض الآخر.
هكذا أيضاً لو شرح جسد إنسان أمام شخص جاهل وأُمّي، فإنّه لا يرى حسب تصوّره سوى أجهزة غير منظّمة ، ولكن الطبيب الحاذق يرى هذا الجسد وأجهزته مرتّبة ومنظّمة وليس فيها أيّ نقص.
وهكذا النظام الموجود ، فإنّ لكلّ ظاهرة من ظواهره وإن كانت تبدو ظاهرة سلبيّة لبعض الناس ، لكنّها تتّضح لمن له الرؤية الشموليّة لهذا النظام أنّها ظاهرة ضروريّة، ولها دور أساسيّ لتحقّق التوازن في نظام الكون.