انصار لمبان
انصار لمبان
ولد عام 1398هـ (1978م) في تايلند بمدينة باتالوم، ونشأ في عائلة حنفية المذهب.
يقول "أنصار لمبان": درست القرآن الكريم في مسجد منطقتنا عند أحد الأساتذة، وبعد ثلاث سنوات من تتلمذي تشيّع هذا الأستاذ وبدأ يدعونا للبحث عن الحقّ ويبين لنا أدلة أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام).
فاستغرب جميع الطلبة من تغيير الأستاد لانتمائه العقائدي، وادعائه ما يلزم أنّه الوحيد على الحقّ وجميع من في منطقتنا على باطل!
وانصرف البعض عن الحضور في درس الأستاذ، ولكنّني كنت ممّن واصل المشاركة في جلساته التعليمية، لأنّني كنت واثقاً بعدالة الأستاذ ومستواه العلمي، وكنت على يقين بأنّ الأستاذ لم يغيّر انتماءه المذهبي ولم يتحمّل المصاعب التي واجهته بعد الاستبصار لأغراض دنيويّة أو لمصالح شخصية، وإنّما يسير من منطلق القناعة التي توصّل إليها بالأدلة والبراهين ومن منطلق ورعه وتقواه الذي يفرض عليه الالتزام العملي بالأدلة العلمية التي يتوصّل إليها.
لماذا ظُلمت الزهراء(عليها السلام) :
يقول "أنصار لمبان": من الأُمور التي لفتت انتباهي خلال مطالعتي لتاريخنا الإسلامي هو أسلوب تعامل أبي بكر بن أبي قحافة وعمر بن الخطّاب مع سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليها.
وطرأ هذا التساؤل في ذهني: لماذا "لما توفيّت (فاطمة)(عليها السلام) دفنها زوجها علي(عليه السلام) ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر أن يصلّي عليها"(1).
ومن منطلق هذا البحث توصّلت إلى حقائق غيّرت رؤيتي الدينيّة، وعرفت بأنّني كنت فيما سبق اتّبع أهل السنّة من منطلق التقليد الأعمى فحسب، وأنّ الأدلة تفرض عليّ أن أُعيد النظر في انتمائي المذهبي.
الهجوم على بيت الزهراء(عليها السلام) :
عندما توفى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) اجتمع القوم في سقيفة بني ساعدة وجثمان النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) لم يُغسّل ولم يدفن بعد؟!
فتشاجروا في أمر الخلافة، ثمّ تمّت مبايعة أبي بكر فلتةً(2)، وخرج التكتل السياسي الغالب يزفّ خلافة أبي بكر، ويهرّج لها ويدعوا الناس إليها، "فسمع العبّاس وعلي التكبير في المسجد ولم يفرغوا من غسل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)"(3).
وبما إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد بيّن في العديد من المواقف النصّ إلالهي على خلافة الإمام علي(عليه السلام) فلهذا لم يبايع أمير المؤمنين(عليه السلام) ومجموعة من الصحابة أبا بكر:
وذكر أحمد بن محمّد بن عبد ربّه الأندلسي في العقد الفريد أسماء الذين لم يبايعوا أبا بكر، "وقعدوا في بيت فاطمة حتّى بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطاب ليخرجوا من بيت فاطمة، وقال له: إن أبوا فاقتلهم!
فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار، فلقيته فاطمة فقالت: يا بن الخطاب، أجئت لتُحرق دارنا؟ قال: نعم..."(4).
وذكر ابن قتيبه في كتابه الإمامة والسياسية:
إنّ أبا بكر تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند عليّ(عليه السلام)، فبعث إليهم عمر، فجاء فناداهم وهم في دار علي، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنها على من فيها.
فقيل له: يا أبا حفص، إن فيها فاطمة؟
فقال: وإن...
فوقفت فاطمة(عليها السلام) على بابها، فقالت: "لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم، تركتم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) جنازة بين أيدينا، وقطعتم أمركم بينكم، لم تستأمرونا، ولم تردوا لنا حقّاً".
فأتى عمر أبا بكر، فقال له: ألاّ تأخذ هذا المتخلّف عنك بالبيعة؟
فقال أبو بكر لقنفد وهو مولى له: اذهب فادع لي علياً.
قال: فذهب إلى علي، فقال له: "ما حاجتك"؟
فقال: يدعوك خليفة رسول الله.
فقال علي: "لسريع ما كذبتم على رسول الله".
فرجع فأبلغ الرسالة، قال: فبكى أبو بكر طويلاً.
فقال عمر الثانية: لا تمهل هذا المتخلّف عنك بالبيعة.
فقال أبو بكر لقنفد: عد إليه، فقل له: خليفة رسول الله يدعوك لتبايع.
فجاءه قنفد، فأدى ما أمر به.
فرفع علي صوته فقال: "سبحان الله لقد ادعى ما ليس له.
فرجع قنفد، فأبلغ الرسالة، فبكى أبو بكر طويلاً، ثمّ قام عمر، فمشى معه جماعة، حتّى أتوا باب فاطمة، فدقوا الباب، فلمّا سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت يا رسول الله، ماذا لقينا بعدك من ابن الخطاب وابن أبي قحافة.
فلمّا سمع القوم صوتها وبكائها، انصرفوا باكين، وكادت قلوبهم تنصدع، وأكبادهم تنفطر، وبقي عمر ومعه قوم، فأخرجوا علياً، فمضوا به إلى أبي بكر، فقالوا له: بايع.
فقال: "إن أنا لم أفعل فمه".
قالوا: إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك.
فقال: "إذاً تقتلون عبد الله وأخا رسوله".
فقال عمر: أمّا عبد الله فنعم، وأمّا أخو رسوله فلا، وأبو بكر ساكت لا يتكلّم، فقال له عمر: ألا تأمر فيه بأمرك؟
فقال: لا أكرهه على شيء ما كانت فاطمة إلى جنبه، فلحق علي بقبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يصيح ويبكي، وينادي: "يابن أم إنّ القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني".
فقال عمر لأبي بكر: انطلق بنا إلى فاطمة، فإنا قد أغضبناها، فانطلقا جميعاً، فاستأذنا على فاطمة، فلم تأذن لهما، فأتيا علياً فكلّماه، فأدخلهما عليها، فلمّا قعدا عندها، حولت وجهها إلى الحائط ، فسّلما عليها، فلم ترد عليهما السلام.
فتكّلم أبو بكر فقال: يا حبيبة رسول الله! والله إنّ قرابة رسول الله أحبّ إلي من قرابتي، وإنّك لأّحب إلي من عائشة ابنتي، ولوددت يوم مات أبوك أنّي مت، ولا أبقى بعده، أفتراني أعرفك وأعرف فضلك وشرفك وامنعك حقك وميراثك من رسول الله، إلاّ أني سمعت أباك رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: "لا نورث، ما تركنا فهو صدقة".
فقالت: "أرأيتكما إن حدثتكما حديثاً عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) تعرفانه وتفعلان به"؟
قالا: نعم.
فقالت: "نشدتكما الله ألم تسمعا رسول الله يقول: رضى فاطمة من رضاي، وسخط فاطمة من سخطي، فمن أحب فاطمة ابنتي فقد أحبني، ومن أرضى فاطمة فقد أرضاني، ومن أسخط فاطمة فقد أسخطني"؟
قالا: نعم سمعناه من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم).
قالت: "فإنّي أُشهد الله وملائكته أنّكما أسخطتماني وما أرضيتماني، ولئن لقيت النبي لأشكونكما إليه".
فقال أبو بكر: أنا عائذ بالله تعالى من سخطه وسخطك يا فاطمة، ثمّ انتحب أبو بكر يبكي، حتّى كادت نفسه أن تزهق، وهي تقول: "والله لأدعون الله عليك في كلّ صلاة أصليها"(5).
وذكر المسعودي، صاحب كتاب تاريخ مروج الذهب في الحوادث التي أعقبت وفاة النبي(صلى الله عليه وآله وسلم):
عندما لم يبايع أمير المؤمنين(عليه السلام) أبا بكر "فانصرف عنهم فأقام أمير المؤمنين(عليه السلام) ومن معه من شيعته في منزله بما عهد إليه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فوجهوا إلى منزله فهجموا عليه، واحرقوا بابه، واستخرجوه منه كرهاً وضغطوا سيّدة النساء بالباب حتّى اسقطت (محسناً) واخذوه بالبيعة فأمتنع..."(6).
وقال القاضي النعماني المتوفي سنة 363هـ في أرجوزته المختارة:
فاقتحموا حجابها فأعولت ***** فضربوها بينهم فأسقطت
حتّى قال:
وقتلهم فاطمة الزهراءِ ***** اضرم حرّ النار في احشائي(7)
واعترف أبو بكر بهجومه على دار فاطمة(عليها السلام) وقال عندما جاءته المنية:
"فأمّا الثلاث التي فعلتهن ووددت أنّي لم أكن فعلتها، فوددت أنّي لم أكن اكشف عن بيت فاطمة..."(8).
نعم، كشف أبو بكر عن بيت فاطمة وهو يعلم قول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): "فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها"(9).
ويروي البخاري: أنّ فاطمة بنت رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)... هجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتّى توفّيت(10).
يقول "أنصار لمبان": عندما جمعت بين هذه الحقائق توصّلت إلى أحقيّة مذهب أهل البيت(عليهم السلام)، فأعلنت استبصاري، وبدأت بتوسيع نطاق معلوماتي الدينية فالتحقت بإحدى المدارس الشيعية الموجودة في بلدنا، ودرست فيها لمدّة ثلاث سنوات، ثمّ هاجرت إلى مدينة قم المقدسة في إيران لطلب العلم.
وها أنا الآن أشعر بالارتياح نتيجة اتباعي لعقائد توصلت إلى أحقيتها بنفسي نتيجة البحث والدراسة. (1) صحيح البخاري 5: 82 باب غزوة خيبر. (2) صحيح البخاري 8: 26، كتاب المحاربين من أهل... مسند أحمد 1: 55، حديث السقيفة. (3) العقد الفريد، سقيفة بني ساعدة 5: 22. (4) العقد الفريد 5: 13، الذين تخلفوا عن بيعة. (5) الإمامة والسياسة، ابن قتيبة الدينوري: 30 ـ 31. (6) إثبات الوصية، المسعودي: 146. (7) الأرجوزة المختارة: 88: 2 (و). (8) السقيفة وفدك، الجوهري: 42، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 5: 202، وذكره الطبراني في المعجم الكبير 1: 62، وذكره الذهبي في ميزان الاعتدال 3: 109. (9) صحيح مسلم، باب فضائل الصحابة، باب فضائل فاطمة بنت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، ح6258، 94، 62. (10) صحيح البخاري 4: 42 باب دعاء النبي، واُنظر مسند أحمد: 1: 6، مسند أبي بكر.