المستشار الدمرداش بن زكي العقالي
المستشار الدمرداش بن زكي العقالي
من مواليد دولة مصر، نشأ في أواسط صعيد مصر في اقليم أسيوط قرية العقال، واصل دراسته الأكاديمية حتى تخرّج عام 1954 م من كلية الحقوق ـ جامعة القاهرة.
تصديه للمهام المختلفة:
اشتغل فترة بالمحاماة، ثم عُيّن قاضياً في وزارة العدل المصرية، وتدرج في سلك القضاء إلى درجه مستشار بمحكمة استئناف القاهرة.
عُيّن حوالي عام 1975م مستشاراً لوزارة الداخلية في السعودية ومعاون فيها من قبل القضاء المصري.
ثم عاد إلى مصر فلم تمض فترة حتى استقل من القضاء لأجل الاشتغال بالعمل السياسي، فانتمى لحزب العمل المصري حتى انتخب عام 1984 م باجماع قواعد هذا الحزب نائباً لرئيس الحزب.
وفي عام 1986 م صدر قرار من قبل رئيس جمهورية مصر العربية بتعيينه عضواً في مجلس الشورى المصري.
وفي عام 1987م رشّح نفسه في انتخابات مجلس الشعب المصري، فانتخب عضواً بعد حصوله على 127 ألف صوت وهي أعلى نسبة حصل عليها عضو بمجلس الشعب المصري أنذاك، فقام بعدها بممارسة دوره في هذا المجال لتحقيق السلام الاجتماعي للأمة.
رحلته الفكرية:
واجه خلال عمله في شتى الأصعدة جملة من القضايا دعته لأن يعيد النظر في عقائده الموروثة، فتوجه إلى البحث ملتمساً سبيل الحق، حتى انار الله سبحانه وتعالى قلبه، فوجد الحق عند أهل البيت (عليهم السلام) ، فاسرع بعد ذلك إلى اتباع نهجهم والسير على خطاهم.
أول محطة جادة دفعته للاستبصار:
يقول المستشار الدمرداش: "لقد مرّ عليّ زمن استغرق عقدين من السنين حاولت خلالها أن أتعرف على وجه الحق في الاعتقاد بمذهب أهل البيت (عليهم السلام) ، وكان منطلقي في بداية البحث ريفيٌ حيث جُبلت على حب أهل البيت (عليهم السلام) واعطائهم الولاء القلبي الكامل.
ثم اتفق لي لما شغلت منصب القضاء في مصر أن وُكِل إليّ في الأعوام 65 ـ 1967م الفصل في قضايا الاحوال الشخصية للمسلمين والمسيحيين في احدى مدن الصعيد وهي مدينة "كومومبو" في محافظة "اسوان" حيث يتعايش المسلمون والمسيحيون في سلام اجتماعي واحترام متبادل.
فاتفق لي أن عرضت عليّ قضية تطليق بين مسيحي ومسيحية، وكان مبنى الدعوة التي اقامها الزوج على الزوجة هو الزنا، وهو السبب الوحيد لفصل العروة الزوجية عند الاقباط الارثوذكس.
وكان القانون ينص على أن القاضي عند نظره الدعاوي بين المسيحيين يحضر معه رجل الدين المسيحي، وكان القسيس الذي حضر معي الجلسة يبدو عليه التوتر والازعاج مما يرمي به المدعى الزوج زوجته المدعى عليها، فاشفقت عليه مما يعانيه واردت أن اداعبه، فقلت له: هلا استطعتم أن تبحثوا عن طريق لتخفيف الانفلاق في مسألة الطلاق بحيث يستطيع الزوج عندكم أن يطلق من غير حاجة إلى اتهام زوجته بالزنا؟!
فجاء رد الرجل سريعاً منفعلاً قائلا: أتريد أن تجعل الطلاق عندنا مثل ما عند المسلمين حيث تطلَّق المرأة من غير ضوابط؟!
فتركت هذه العبارة أثرها العميق في نفس الدمرداش واورثته صدمه لم يكن متوقعاً لها.
وعي أفضلية الفقه الجعفري:
ذهب المستشار الدمرداش بعد تلقيه هذه الصدمة إلى فضيلة المرحوم الشيخ أبو زهرة وكان استاذاً له في كلية الحقوق وشكى اليه قواعد الطلاق في مذهب أبي حنيفة، فكان جواب الشيخ أبو زهرة: يا ولدي لو كان الأمر بيدي ما جاوزت في القضاء والفتيا مذهب الإمام الصادق (عليه السلام) ، ثم وجهه الى أن يعود إلى أحكام الطلاق عند مذهب أهل البيت (عليهم السلام) .
فراجع الدمرداش مصادر المذهب الإمامي الجعفري فتبين له أنّ الطلاق عندهم لا يقع إلاّ بشروط وضوابط، فقال في نفسه: "سبحان الله كيف غاب هذا عن فقهاء خلفوا مذاهب يدين بها الناس وتتأثر بها العلاقات ويصبح بها الحلال حراماً والحرام حلالاً".
فكانت هذه أول محطة جادة وضعته مع نفسه، ثم اتفق له أن قرأ كتاباً مطبوعاً على نفقه وزارة الأوقاف المصرية في عهد وزيرها الشيخ أحمد حسن الباقوري عام 1955 عن الفقه الإمامي الشيعي عنوانه "المختصر النافع في فقه الإمامية" للمحقق الحلي، فايقن بمقولة الشيخ الباقوري بأن الأهواء هي التي باعدتنا أهل السنة عن فقه الإمامية رغم ما فيه من العلاج الأمثل لكثير من العلل الاجتماعية.
يقول المستشار الدمرداش: "كانت قراءتي لهذا الكتاب متعاصرة مع قراءتي لفتوى أصدرها فضيلة الشيخ محمود شلتوت ـ شيخ الازهر الاسبق ـ حيث أفتى: "إن مذهب الجعفرية المعروف بمذهب الشيعة الإمامية الاثنا عشرية، مذهب يجوز التعبد به شرعاً" فلهذا من يومها بدأتْ رحلتي في التعبد بمذهب الامامية مؤملاً أن يزيدني الله اطلاعاً واستبصاراً على كتب أخرى".
طلب الاستنارة من القرآن الكريم:
عكف المستشار الدمرداش بعدها على القرآن الكريم الذي كان قد حفظ الكثير منه في صغره، فجعل يتأمل في آياته البينات معالم أهل البيت، وبدأ يراجع التفاسير المعتمدة عند العامة، فهاله ما وجد من مواقف قرآنية قطعية تبيّن أن هذا القرآن الذي أنزله الله بين محكم ومتشابه لابد لفهمه من أن يكون هناك دليل هاد يقود العقل بين آياته قيادة مبرأة من الجهل والهوى.
ومن هذا المنطلق أدرك المستشار الدمرداش أنّ الأمامة تحتل مركزاً متميزاً في القرآن، وبدونها يصبح القرآن عرضة للتحريف في الفهم والخطأ في التأويل، ويظل القرآن كتاباً مستشكلاً فيه بدون وجود الإمام المعصوم الذي يدل على الحقيقة.
ثم واصل المستشار بحثه حتى تبيّنت له حقائق اطمأن اليها من مصادر السنة قبل مصادر الشيعة، فاستعان بالله عزوجل طالباً المزيد من البيان والأدلة والمزيد من الاطلاع على فقه أهل البيت (عليهم السلام) .
ثاني محطة جادة دفعته للاستبصار:
بعد مباشرة المستشار الدمرداش مهمة المستشارية لوزارة الداخلية في السعودية وبعد تعيينه ومعاوناً فيها من قبل القضاء المصري، تم تعينه عضواً ضمن لجنة مهمتها الاطلاع على بعض الكتب التي يتم ضبطها من قبل الشرطة السعودية من وفد الحجيج الايراني واصدار حكم مصادرتها فيما لو كانت تستحق ذلك.
وكان غرض الحكومة السعودية من تعيين هذه اللجنة هو التظاهر حين مصادرتها للكتب الشيعية بأن هذا الأمر يتم عبر لجنة علمية وقانونية مشرفة عليه بحيث لا يتم أمر المصادرة إلاّ عن وعي بضرر دخول هذه الكتب إلى البلد وكونها من كتب الضلال التي يجب مصادرتها.
فصادف ذات يوم بعد تكوين هذه اللجنة وقبل مباشرتها لعملها أن تم ضبط كمية كبيرة من الكتب من وفد الحجاج الايرانيين، فارتأت الحكومة السعودية أن يتم أمر مصادرة هذه الكتب من قبل هذه اللجنة التي فيها الدمرداش.
فلم تمض فترة بعد قرار الحكومة السعودية، جاء رئيس اللجنة السعودي إلى المستشار الدمرداش وقدّم له كتاباً ينص على اطلاع اللجنة على الكتب ووجوب مصادرتها ثم طلب منه أن يوقّع أسفل هذا التقرير كأحد اعضاء اللجنة.
فيقول المستشار الدمرداش: "قلت له: أخي العزيز كيف يأتي لي أن اصدر حكماً بمصادرة كتب لم اطلع على أي شيء منها؟!".
ثم طلب منه الدمرداش أن يتيح له فرصة الاطلاع على هذه الكتب ليسعه بعد ذلك أن يوقع مؤيداً مفاد هذا التقرير.
فلم يقتنع مسؤول اللجنة بذلك فوقع هو وزميله السعودي، ثم رفع التقرير إلى وكيل الوزارة طالباً بأن يكتفي بتوقيعها ويُستغني عن توقيع المستشار القانوني المصري.
ويقول المستشار الدمرداش: "كان وكيل الوزارة الذي رُفع إليه التقرير منصفاً، فاستدعاني وطيب خاطري وقال لي: أنت حرّ في أن تقرأ الكتب كما تشاء.
فأعاد أعضاء اللجنة القول بأنّهم لن يقرؤوا شيئاً من هذه الكتب، لأنهم يعلمون ما فيها!".
ويضيف المستشار الدمرداش: "فزاد الله من فضل وكيل الوزارة عليّ، فاجازني عن العمل لمدة شهرين، لمراجعة هذه الكتب، لأنه كان رجلاً مثقفا، أدرك أن البحث في هذه الكتب يستغرق كل هذه الفترة، فأخذت الكتب وعكفت على قراءتها، فوجدت نفسي عند كل سطر اقرأه يولد في أعماقي انسان جديد! وكانت آخر قراءة لي حول حديث الثقلين، فقلبت فيه النظر سواءً فيما هو وارد بشأنه في مذهب أهل البيت أو مرويات العامة. فاودعني ربي أن لا أعجل إلى اتخاذ قرار هو مصيري إلى الجنة أو النار!".
نهاية مطاف البحث:
بعد ذلك توجه المستشار الدمرداش حول البحث الجاد من أجل تحديد مصيره العقائدي، وكان معظم اهتمامه استنباط العقيدة من القرآن الكريم، وبالتدريج اكتسب الرؤية الواضحة حتى أسفر الصبح وظهرت له شمس الحقيقة ساطعة، فلم يجد مجالاً للبقاء على الموروث العقائدي، فنبذ التقليد والاتباع الأعمى واختار عن وعي اتباع مذهب أهل البيت والتمسك بهديهم وملازمة سمتهم (عليهم السلام) .
مؤلفاته:
(1) "دعائم المنهج الاسلامي":
الناشر: دار الصفوة / بيروت سنة 1417هـ ـ 1996 م.
جاء في تعريف مجلة المنهاج ـ العدد الرابع ـ شتاء 1417 هـ ـ 1996 م: "يرى المؤلف ان دعائم المنهج الاسلامي تكمن في بيان الطريقة الموصلة الى معرفة النفس وصولاً إلى معرفة الرب.
وتحقيقاً لمقام العبودية. وعلى ذلك حصر بحثه هذا في فصلين هما: المعرفة والعبودية في حديثه عن المعرفة يتحدث عن مصادرها موضحاً التباين بين الباحثين ـ في مصادر المعرفة بحسب تباين مدارسهم الفكرية ليعالج بعد ذلك الفطرة والحس والعقل والالهام والوحي وختم المؤلف كتابه ببحث عن دور العقل من حيث الاطمئنان لصدور الوحي. ولم يعالج موضوع العبودية كما أشار لذلك في مقدمة الكتاب.
(2) "محاضرات عقائدية":
صدر عن مركز الأبحاث العقائدية، ضمن سلسلة الرحلة إلى الثقلين.
مجموعة محاضرات ألقاها في إيران عند زيارته لها عام 1421هـ وغيره، وذلك بدعوة خاصّة له من مركز الأبحاث العقائدية، وهي:
1 ـ "الرحلة إلى الثقلين"، يذكر فيها شيئاً من حياته وكيفية انتقاله إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) وبيان علو شأنهم وأنهم أحد الثقلين الذي يفسر الثقل الآخر.
2 ـ "الإمامة في القرآن"، استدلال رائع ومتسلسل بآيات من القرآن الكريم في اثبات امامة أهل البيت (عليهم السلام) واجاب في نهاية المحاضرة على استفسارات واسئلة الحاضرين.
3 ـ "الإمام الحسين (عليه السلام) في سفر الشهداء"، محاضرة مطولة حول تاريخ الانبياء (عليهم السلام) من زمان أبيهم ابراهيم إلى زمان الخاتم(صلى الله عليه وآله)، وذكر حسد قريش للنبي(صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام) ومقاومتها لدين الاسلام من الخارج ومحاولة هدمه من الداخل بعد ذلك. وقارن خروج الامام الحسين (عليه السلام) من المدينة بخروج موسى خائفاً مترقباً من مصر. وذكر ما تعرض له بني أمية بعد قتل الامام الحسين (عليه السلام) وما سيتعرض له الظالمون عند خروج الامام المهدي (عليه السلام) .
4 ـ "انتخاب الطريق من الظلمات إلى النور"، وفيها تفاصيل أخرى عن كيفية انتقاله إلى مذهب أهل البيت (عليهم السلام) غير ما ذكره في المحاضرة رقم (1)، وفيها ذكر قصة إطلاعه على كتب اوردها الحجاج الايرانيون إلى الحجاز وكيف اسندت إليه مسؤولية اصدار الحكم بمصادرتها عندما كان يعمل مستشاراً في الوزارة الداخلية بالسعودية، وكيف استفاد من هذه الكتب وتمكن من اكتشاف دور آل البيت من حديث الثقلين.
5 ـ "من هم الشيعة"، تعرض فيها إلى أمور متعددة من تفسير لبعض آيات القرآن الكريم وعرض لسيرة النبي(صلى الله عليه وآله) والائمة (عليهم السلام) وكيفية انتقال الهداية الالهية بعد النبي(صلى الله عليه وآله) خاتم الأنبياء إلى الامام علي وأولاده (عليهم السلام) ، ووراثة الشيعة بحبهم آل البيت (عليهم السلام) كل الدين والهداية الالهية وانهم الذين سينتصر بهم الله على الدين كله بظهور القائم (عج).
أبحاث:
(1) "مسؤوليات الامة الاسلامية في الانتظار والتحديات":
بحث القاه في ملتقى الفكر الإسلامي الثاني عشر الذي عقد في المركز الإسلامي في انجلترا، وقد نشرته مجلة شؤون اسلامية التي تصدر عن المركز العدد 7 ـ سنة 1421 هـ، عقد الملتقى تحت عنوان "مستقبل الأمة الإسلامية بين تحديات عصر العولمة والاطروحة الالهية لمستقبل البشرية".
يتحدث في هذه المقالة عن مصطلح العولمة الذي يرى أن الإسلام يقبله لأنه دين عالمي وأنّ سيادة الإسلام العالمية ستحقق بقيادة الإمام المهدي (عليه السلام) .
ويتحدث عن بشرى المسيح بالنبيّ محمد(صلى الله عليه وآله) وأنّ للمسيح عودة إلى الأرض لنصرة الإمام المهدي الذي سيطبق القرآن الذي هو لكل العصور بما فيها عصر العولمة.
وقفة مع ((الإمامة في كتاب الله الحكيم)) من كتابه محاضرات عقائدية
أهمية الإمامة:
يرى الكاتب أنّ موضوع الإمامة ـ كما هو الحق ـ من أشرف الموضوعات الدينية وأهمها، وهو خليق بأن تتوجه له العقول وتتوفر على بحثه والتثبت منه.
ويشبه الإمامة بالثمرة في شجرة الإيمان، إذ أنّ الشجرة المباركة التي جعل الله أصلها ثابتاً في الأرض بلا اله إلا الله وفرعها منبثقاً في السماء برسول الله(صلى الله عليه وآله)إنما ثمرتها الحقيقية الإمامة، وإذا تجردت الشجرة من الثمرة فقدت وظيفتها وأصبحت عالة على الأرض التي تستقل بها.
كما يتحدث عن مظلومية الإمامة كركن من أركان الدين نقضت عروته وتهدم أساسه أولاً ثم نقضت الأركان الاخرى وتهدمت عروة عروة عبر التاريخ نتيجة لظلم هذا الركن وتضييعه من قبل المسلمين.
الاختيار الالهي في الخلق:
يرى الكاتب أنّ كل مخلوق خلق على قاعدة الاختيار الالهي له، يعني أنّه ليس مخلوقاً عبثاً; لأنّ العبثية في المخلوقات ممتنعة، قال تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـكُمْ عَبَثاً) (المؤمنون: 115)، فكل المخلوقات خلقت بتقدير واختيار وبحيث يستطيع الباحث المدقق أن يسجل هذه السنة: سُنة الخلق مقرونة بسنة الاختيار، قال تعالى: (وَ رَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ وَ يَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَـنَ اللَّهِ وَ تَعَــلَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) (القصص: 68).
وقد أشار القرآن الكريم إلى أنّ الاختيار يشمل العوالم الثلاثة: عالم الجماد وعالم النبات وعالم الحيوان، قال تعالى: (ثَمَرَات مُّخْتَلِفاً أَلْوَانُهَا وَ مِنَ الْجِبَالِ جُدَدُم بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَ غَرَابِيبُ سُودٌ* وَ مِنَ النَّاسِ وَ الدَّوَآبِّ وَ الاَْنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ) (فاطر: 27 ـ 28)، ففي هذه الاية الكريمة اشارة إلى انواع الخلق المختلف في العوالم الثلاثة مما يدل على الاختيار الالهي لهذه الانواع المصاحب لخلقها. وهذان الأمران ـ أي الخلق والاختيار هما من مظاهر ربوبية الله في تصرفه وتقديره لأمور الكون.
نقطة التحدي في رفض الاختيار:
يوضح الكاتب أنّ الله سبحانه وتعالى لمّا اختار أن يخلق بشراً من صلصال.
وأنبأ الملائكة بمشيئته وتحققت هذه المشيئة وخلق الانسان، جاء وقت الاذعان لهذه المشيئة بالسجود لهذا المخلوق كما أمر بذلك سبحانه.
هنا أبى إبليس واستكبر وكفر، وهو لم يكفر بالله خالقاً ولا كفر بالله رازقاً ولا كفر بالله فاطراً، ولكنه نازع وأبى اختيار الله لآدم كخليفة في الأرض وتفضيله على غيره بتعليمه الاسماء كلها. قال يخاطب الله سبحانه (خَلَقْتَنِى مِن نَّار وَخَلَقْتَهُ مِن طِين ) (الأعراف: 12) (ءَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِيناً) (الاسراء: 61)، وجاءه الرد الالهي (فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّـغِرِينَ ) (الاعراف: 13)، فالله سبحانه لم يقل له أنك لم تعبدني أو أنك لم تذكر أني خالقك أو أنك تصورت نفسك إلهاً بل قال: لا يحق لك التكبر على أمري في اختيار آدم وجعله خليفة بل كان عليك الاذعان وعدم التحدي.
بني آدم وسنة الاختيار:
ينتقل الكاتب إلى عرض سنة الاختيار الالهي على البشر وامتحانهم بها بقبولها أو رفضها حيث يكون القبول والتسليم والرضى بما اختاره الله سبباً في النجاة والنجاح في الامتحان ويكون التكبر والاباء والتحدي سبباً في الهلاك والفشل في هذا الامتحان.
قال ابليس: يا رب أنا عبدتك في الأرض وعبدتك في السماء حتى ابتليتني بهذا المخلوق الذى خلقته من طين وأمرتني بالسجود له، فعظم عليّ أن اسجد للطين، هلاّ ابتليت ذريته بما ابتليتني به ففضلت بعضهم على بعض لترى كيف يفعلون ببعضهم(1)؟
وعن هذا تتحدث الآية في السنة الكونية، يقول الحق: (وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُم بِبَعْض لِّيَقُولُواْ أَهَـؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنم بَيْنِنَآ أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ) (الانعام: 53).
الله تعالى وجد أن احتجاج إبليس وجيه، وبعدله وبتقديره في الأزل اجرى الاختيار على بني آدم منذ فجر الخليقة.
عندما أصبح ابناء آدم أكثر من واحد تحركت سنة الاختيار لكي يتبين من يرضى باختيار الله.
كان ابنا آدم قبل الاختيار مسلمين، والدليل انهما قربا لله قرباناً، فلو كان أحدهما كافراً محضاً ومنكراً فانه لا يقدم قرباناً، قال تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَىْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الاَْخَرِ قَالَ لاََقْتُلَنَّكَ) (المائدة: 27).
رفض ابن آدم الشقي الاختيار، رغم انه قبل ذلك كان يقدم قرباناً، أي أنه عارف بالله مؤمن به لكنه رفض الاختيار فطرد واصبح شقياً مطروداً وارتكب جريمة القتل لأخيه.
إن ابليس فرح مع أول دفقة دم لابن آدم على يد أخيه. وقال:ها قد نجحت في التحدي ولهذا يقول الحق عن ابليس: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِى وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوُّم بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا) (الكهف: 50)، وهكذا أخذت سنة الاختيار مجراها لا تجدها لها تبديلا ولا تحويلا لما تكاثر البشر وكانت النبوات.
الاختيار في زمان نوح وإبراهيم(عليهما السلام):
يواصل الكاتب بيانه لسنة الاختيار الالهي بالاستفادة من آيات القرآن، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ءَادَمَ وَنُوحاً) والاصطفاء يعني اختيار الصفوة وهو ليس مجرد اختيار، بل اختيار يتجلى فيه العلم والقدرة والبصر بالعباد.
ثم دخل على الاصطفاء تطور جديد كان إبراهيم (عليه السلام) سبباً له، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى ادَمَ وَنُوحًا وَألَ إِبْرَاهِيمَ وَألَ عِمْرَانَ) (آل عمران: 33)، فالآية هنا لم تعبر ان الله اصطفى آدم ونوحاً وابراهيم، ومن هنا دخل في دائرة الاصطفاء الآل.
الله تبارك وتعالى لمّا أكرم ابراهيم وابتلاه بكلمات فاتمهن، خوطب بالبشرى: (إِنِّى جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً)، تقبل البشرى راغباً في سعة رحمة الله وفي استدامة هذا النور في ذريته (قَالَ وَ مِن ذُرِّيَّتِى) أُجيب جواب المثبت للامامة من حيث المبدأ المستبعد للظالمين منها (قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِى الظَّالِمِينَ) (البقرة: 124) أي: بلى يا ابراهيم يكون من ذريتك أئمة مع استبعاد الظالمين.
بيت الله وأهل البيت:
قد بوأ الله سبحانه بيته لإبراهيم الخليل ليرفع قواعده (وَ إِذْ بَوَّأْنَا لاِِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَن لاَّ تُشْرِكْ بِى شَيْـًا) (الحج: 26) (وَ إِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ) (البقرة: 127)، ولابد للبيت من أهل، وقد اختارهم الله بعد ابراهيم من ذريته فهم ليسوا أناساً مجهولين.
جاءت الملائكة إلى إبراهيم وحدثته بإرسالهم إلى قوم لوط، فأخذ ابراهيم يجادلهم في قوم لوط، وكانت امرأة إبراهيم البارة الصالحة سارة عميدة أهل البيت في زمانها قائمة، يقول الوحي مبشراً لها: (وَ امْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَ مِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ * قَالَتْ يَاوَيْلَتَى أَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَ هَذَا بَعْلِى شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَىْءٌ عَجِيبٌ * قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ) (هود: 71 ـ 73).
بدأت مرحلة أهل البيت منذ أن رفع إبراهيم القواعد من البيت، وبعد إبراهيم إسحاق وبعد إسحاق يعقوب، وهكذا حتى استتم بنو اسرائيل مواكب أنبيائهم نبياً بعد نبي، حتى إذا غيّر بنو اسرائيل ما بأنفسهم غير الله ما انعم عليهم، واستبدلوا بآل محمد (عليهم السلام) من ذرية اسماعيل بن إبراهيم.
آل عمران همزة الوصل:
ذكرت آية الاصطفاء(2) آل ابراهيم، وآل عمران، وآل عمران يتلخصون في مريم بنت عمران وابنها المسيح، وهذا يعني ان الله سبحانه جعل من مريم رحماً للآل كما جعل سارة قبل ذلك رحماً لهم وسبباً وأصلاً وبشرها بذلك.
إنّ من أقوى الأدلة العقلية والنقلية على جفاف ينابيع الخير في بني إسرائيل أنه لا يوجد أحد من ذكور بني اسرائيل أهلاً لمريم الطاهرة البتول، قال تعالى: (وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَ صَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَ كُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) (التحريم: 12).
ويبدو أنّ الله سبحانه وتعالى أراد أن يبيّن همزة الوصل بين انتهاء إمامة بني اسرائيل وبدء إمامة محمد(صلى الله عليه وآله) وآله (عليهم السلام) ، إذ جاء عيسى (عليه السلام) وهو كما يصفه القرآن همزة وصل فعلاً (وَ إِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِى إِسْرَائيلَ إِنِّى رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَىَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَ مُبَشِّرَاً بِرَسُول يَأْتِى مِن بَعْدِى اسْمُهُ أَحْمَدُ) (الصف: 6).
الاختيار في سورة الشورى:
وضحت سورة الشورى المنعطف الذي بيّن تسلسل الاختيار وبدء الإمامة في ذرية الزهراء(عليها السلام).
الحق تبارك وتعالى يقول في هذه السورة: (شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَ الَّذِى أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَ مَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَ مُوسَى وَ عِيسَى أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَ لاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ) (الشورى: 13).
أول شيء يقول الحق مخاطباً عبده ورسوله محمداً(صلى الله عليه وآله): يا عبدي ورسولي محمد، هاقد آل إليك ميراث النبيين جميعاً، هاقد آلت إليك أنوار الأنبياء جميعاً ووصاياي لهم جميعاً أصبحت وصاياي لك ولامتك.
ثم إنّ الحق تبارك وتعالى يقول: (اللَّهُ الَّذِى أَنزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَ الْمِيزَانَ) (الشورى: 17)، والميزان هو الإمام المعصوم الذي يكون مع الكتاب ضامناً لعدم تحريفه ومنافحاً عنه بالتفسير الصحيح الذي يدفع عنه التناقضات الظاهرية أو التفسير الخاطيء أو المحرف.
ثم أتت آية المودة في القربى (ذَلِكَ الَّذِى يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ أمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ قُل لاَّ أَسْـَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِى الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ) (الشورى: 23) بعد أن بين الوحي أن هدى الله استقر في الرسول والأئمة المعصومين من بعده، طلب المودة للقربى وهم هؤلاء الأئمة.
سارة ومريم والزهراء سلام الله عليهن:
ثم إنّ هبة الإمامة مرتبطة بأنوار الزهراء(عليها السلام)، فها هي سورة الشورى لا زالت تتحدث (لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَـوَاتِ وَ الاَْرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَاثًا وَ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَ إِنَاثًا وَ يَجْعَلُ مَن يَشَآءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) (الشورى: 49 ـ 50).
الهبة بدأت بالاناث ثم قال (وَ يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ الذُّكُورَ)، أي يهب لمن يشاء الذكور المناسبين للاناث في الزواج (أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَ إِنَاثًا)، والاناث هن التربة، وهن المستودع التي تستودع فيه النطف، ولذلك قلنا: ان سارة ارتبط بها آل البيت وكذلك مريم الذى كان عيسى ابنها ينادي: نضب الخير فيكم يا بني اسرائيل، من يستحق منكم ان يكون زوجاً لمريم؟
في سورة النور يقدم الله ذكر الطيبات على الطيبين يقول (الطيبات للطيبين) كما يقول (الخبيثات للخبيثين) (النور: 26) وهذه إشارة الى انه اذا نظف الرحم وطهر المستودع كان قميناً بان ينجب الرجال، ولذلك صح القول المأثور: "ما كان لفاطمة كفو غير علي"(3) فهو قد خلق من اجلها. وهذا هو الاختيار والاصطفاء للامامة.
رد فعل الأمة تجاه الاختيار الالهي:
بعد أن وضحت سورة الشورى معالم الاختيار الالهي، حذرت الأمة من التفريط بهذا الاختيار بالتفرق والبغي والشك والاضطراب والافتراء.
في الآية (13) كان جوهر الوصايا التي شرعها الله من زمان نوح إلى محمد(صلى الله عليه وآله): (أَنْ أَقِيمُواْ الدِّينَ وَ لاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ) لان التفرق لووقع سيكون ناشئاً بسبب البغي، فربنا يقول: (وَ مَا تَفَرَّقُواْ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيَا بَيْنَهُمْ) (الشورى: 14) ومعنى البغي بينهم ان يرفض بعضهم البعض الذي اختاره الله بعد علمهم بذلك كما حدث في تاريخ المسلمين عندما جائهم في يوم الغدير وغيره من المناسبات.
ثم يقول الحق بخصوص بغيهم هذا: (وَ لَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِىَ بَيْنَهُمْ) (1يونس: 19).
ولو لا هذه الكلمة التي سبقت من ربنا لما استطاع ان يجتريء على رسول الله(صلى الله عليه وآله)أحد بهذه الكلمة الرهيبة: "إنه يهجر"(4) إلاّ وأتاه العقاب الفوري.
وختام الآية يقول: (الَّذِينَ أُورِثُواْ الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِى شَكّ مِّنْهُ مُرِيب) (الشورى: 14).
أي أنّ نتيجة التفرق القائم على البغي تؤدي إلى الريب في الكتاب فيقع الاضطراب ويصير الناس في شك، ماذا فعل رسول الله وماذا لم يفعل؟ وما معنى هذه الآية وما معنى تلك؟ بحيث اصبح القرآن واحكامه وعبادات الرسول محل شك! لدرجة ان المسلمين لا يعرفون كيف توضأ الرسول، وهو كان يتوضا على مرآى من المسلمين طوال حياته، وهذا نتيجة نقضهم عروة الامامة بغياً فتفرقوا.
وفي الآية (24) يقول الحق: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً) ، وقد جاء في بعض الروايات عند أهل السنة، قال بعضهم: لعلّ هذا من عند رسول الله وليس من الله(5)، عندما بلغهم بالامامة وبين لهم وجوب المودة بما تنطوي عليه من تسليم لاختيار الله سبحانه. وأما هذا الذي اعترض في رزية الخميس وقال: انه يهجر، فاما انه ظنّ ان رسول الله يفتري على الله فيكون المعترض قد كفر، أو ظن إن هذا من أمر الله ولكنه لا يريد أمر الله، والحال واحد.
الاختيار في مملكة النحل:
يقول الكاتب وفقاً لرأيه بأنّ الاختيار الالهي يسري في الحيوانات أيضاً، ان هناك آيات في كتاب الله غريبة المأخذ والمنتهى ولا تقف عند حد لو تأملنا فيها، الله سبحانه يقول: (وَمَا مِن دَآبَّة فِى الاَْرْضِ وَلاَ طَائِر يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِى الْكِتَـبِ مِن شَىْء ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ) (الانعام: 38)، ويقول سبحانه في آية اخرى: (وَ إِن مِّنْ أُمَّة إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ) (فاطر: 24)، إذن حتى أمم الطيور والحيوان فيها اختيار وانذار.
تعالوا نتأمل الاختيار في مملكة النحل، وهو الاختيار المذهل الذى دعا إلى ان يختص النحل بسورة من طوال السور في القرآن، ويختص بوحي، ومعجزة النحل وحدها دليل على الإمامة.
الله سبحانه يقول: (وَ أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) (النحل: 68)، يا هل ترى جمع مذكر أم جمع مؤنث؟
سيظهر في الخطاب الآتي: (وَ أَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِى) فقد عدل بعدما كان يخاطب جمعاً، عدل في الأمر الصادر كأنه يخاطب مفرداً مؤنثاً، لانه لا جمع مؤنث: أن اتخذن، ولا جمع مذكر: أن اتخذوا، قال: (أَنِ اتَّخِذِى مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَ مِنَ الشَّجَرِ وَ مِمَّا يَعْرِشُونَ) (النحل: 68).
لقد اصبح معلوماً ـ وأي دارس في الاعدادية يعرف ـ أنّ في مملكة النحل ملكة، فما هذه الملكة، هل جاءت من السقيفة؟! هل اختاروها هناك؟!
بيض النحل عندما يفقس، يفقس عن ثلاثة أنواع: ذكور، وعاملات وواحدة فقط ملكة ولو فقس بيض الملكة عن اكثر من ملكة يستحيل ان تبقى الملكتان في الخلية، لابد أن تنفصل واحدة ببعض العاملات وتغادر لتكون خلية جديدة، لا امامان في خلية.
ملكة النحل هذه كيف اكتسبت صفاتها؟
آنها صفات تكوينية من الله عزوجل، ولأجل ان يضرب المثل بها، فاذا كانت حشرة قد انتظمت في طاعة امامها فانتجت عسلاً فيه شفاء للناس، فكيف لو انتظم الناس في طاعة امامهم، فماذا كانوا ينتجون؟!
لو استقام الناس على امامة امير المؤمنين لاصبحت هذه الأرض جنة، يقول تعالى: (ولو انهم اقاموا التوراة والانجيل وما انزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت ارجلهم) (المائدة: 66)، وقال تعالى: (وَ أَلَّوِ اسْتَقَـمُواْ عَلَى الطَّرِيقَةِ لاََسْقَيْنَاهُم مَّآءً غَدَقاً ) (الجن: 16).
الإمامة في الجماد:
إنّ الإمامة تسري في الكون حتى في الجماد والمواد، إن ما نقرأه عن البروتونات والنيوترونات والالكترونات، رغم انه بسيط فانه غريب!
إنّ الذرة تتكون من نواة والكترونات تدور حول نواة الذرة التي فيها، والنواة لها مركز ثابت وتتحرك بثبات. من الذي صنع لهذه النواة هذا المركز وللالكترونات هذه المدرات؟.
مسك الختام:
إن الله الذي أكرم المؤمنين بان جعلهم من أصحاب الولاء لمحمد وآل محمد يندبهم لأمر عظيم، لان يتهيأوا ويكونوا في جيش الامام القائم (عليه السلام) . قال تعالى: (بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) (هود: 86). (1) انظر تفسير الطبري: 8 / 172 ـ 175. (2) آل عمران: 33. (3) بحار الانوار: 43 / 101. (4) البخاري: 5 / 137، صحيح مسلم: 5 / 76، سنن النسائي: 3 / 433، أحمد: 1 / 325، فتح الباري: 1 / 186. (5) السيوطي في الدر المنثور عن الطبراني وابن مردويه من طريق ابن جبير، انظر الميزان: 18 / 53.