السيد موسى بن السيد جعفر الطالقاني
السيد موسى بن السيد جعفر الطالقاني
ولد السيد موسى بن السيد جعفر بن السيد علي الطالقاني في مدينة النجف الأشرف بتاريخ 22 صفر 1230 ه ، وتربى في حجر أبيه ، وشمله برعايته ، وكان منذ صغره شديد الذكاء ، قوي الحافظة ، فأتقن القراءة والكتابة منذ السنة العاشرة من عمره ، وأخذ في التقدم في العلوم ، فدرس المقدمات من نحو وصرف ومنطق وبلاغة على والده ، ومن ثم تتلمذ على أعلام عصره في النجف الأشرف منهم:
1 - الشيخ مرتضى الأنصاري ، وقد أجازه .
2 - السيد رضا الطالقاني ، خاله .
3 - الشيخ مولى علي الخليلي .
4 - الشيخ عبد الحسين الطريحي .
5 - الشيخ نوح الجعفري القرشي .
وأصبح السيد موسى الطالقاني عالما فاضلا ، وأديبا كاملا لبيبا ، وشاعرا ماهرا منشأ ويقول الشيخ حرز الدين : أن له نظما محفوظا ومجموعة أدبية حوت طائفة كبيرة من شعره ، وكان الغالب على نظمه الشعر في تهنئة العلماء ورثائهم وتاريخ مواليد العلماء والأدباء ووفياتهم ، وله محاضرات حسنة جدا ، ومطايبات مع أدباء عصره ويقول الأستاذ الشريفي : " انه نظم في الموشح على الطريقة الأندلسية ، فكان بذلك قرينا للحبوبي الكبير ، وقد حوى ديوانه على أكثر أبواب الشعر وفنونه من غزل ونسيب ومدح وهجاء ورثاء وفخر وحماسة فأجاد وأبدع وأوجز وأطنب ، فكان ذلك الشاعر المجلى المتين السبك ، الرائع المعاني ، والقوي الأسلوب " وأشار الآلوسي إلى شاعرية السيد موسى الطالقاني بقوله :
شاعر خفيف الروح ، أبي النفس ، حسن المفاكهة ، جيد البديهية ، نشأ في بلدته النجف ، وهو من بيت علم وشرف ، وبرع في الشعر ، وتنقل من نجد إلى وهد ، ومن سهل إلى وعر وكان له صوت مدوي في مجالس النجف الأدبية ، وأحد شيوخ القريض في العراق ، ويقول الشيخ جعفر النقدي : انه كان عالما فاضلا ، أديبا ماهرا في العلوم العربية ، ولا سيما في العروض والقوافي وكان إضافة ذلك فقيها أصوليا ، أخذ العلوم الشرعية من أعلام عصره ، ولكنه قبل أن يصل إلى مرتبة الاجتهاد تاقت نفسه إلى الأدب ، وقد أشار إليه السيد مشكور الطالقاني المتوفى عام 1354 ه : انه فقيه عصره ، ومتنبي زمانه ، وعلامة المعقول والمنقول ، وفهامة الفقه والأصول وقد أعطاه مكانة علمية لعلها أكبر من حجمه ، فهو لا شك فيه قد جمع بين العلوم الفقهية والعلوم الأدبية كما تدل تآليفه إلى ذلك وهي :
1 - ديوان شعر كبير ، جمعه وحققه السيد محمد حسن الطالقاني .
2 - الرضاعية ، في مسائل الرضاع .
3 - سلوة الكرام ونشوة المرام ، في أحوال الأجداد والأعمام .
4 - عقود الجواهر في أحوال النبي وآل بيته الطواهر ، نسخه عند السيد محمد حسن الطالقاني .
5 - فيض الأذهان في تفسير القرآن ، يقع في تسعة مجلدات .
6 - مواهب المنان في الهيئة والميزان .
7 - السلافة في المجون والظرافة .
8 - مجموع خطي في الأدب الشعبي ، جمعه السيد محمد حسن الطالقاني .
9 - نفائس الأحكام في مسائل الحلال والحرام ، فقه مبسوط من درس أستاذه الإمام الشيخ مرتضى الأنصاري .
وقد أمتلك السيد موسى الطالقاني نثرا فنيا بعيد الأشواط ، فلم يكن يتخلف عن أخدانه الذين برعوا في الصناعتين ، بل جاراهم وفات الكثير منهم ، وقد برع وتجلى فيه ، فجاء أسلوبه عربيا محكما وسبكه جميلا رصينا ، يبدو ذلك في لفظ مليح عذب ، وتعلوه بلاغة واضحة ، مما يدل على سعة اطلاعه وتضلعه في العلوم ، ومن يقرأ رسائله لا بد وان يعود عليه بذكريات البديع والخوارزمي وغيرهما ، فيقول في رسالة بعث بها لأحد أصدقائه : " ما شعرت بوصال من ذهب شعوري بصدوده حتى عبث الحمى فشممت أريج أخلاقه وعوده ، ولا برحت ليالي المحاق مسدلة على براقع الظلماء حتى رأيت في وجه حبيبي الهلال ، ولا هجر الوجد الضني حتى من حبيبي بالوصال ، فمرحبا بك من قادم قرت به العيون إذ كان نورا لسوادها ونامت به الأجفان بعد طول سهادها " أما موقعه من الشعر فإنه كان مبدعا في نظمه ، وقد أجاد في موشحاته حتى عد من أبرز الوشاحين في عصره ومنه في تهنئة الشيخ مهدي بن الشيخ عبد الحسين الطهراني :
أيها الساقي ومن خمر اللمى * نشوتي فأذهب ببنت العنب
عدها عني كئوسا كم سبت * من نفوس وعقول سلبت
زعم النشوان أن قد طربت * نفسه لما احتساها وبما
أحتسى من ريق سلمى طربي * أين هذا الخمر من ذاك الرضاب
وهو عذب للمعنّى وعذاب * فاسقنيها من ثناياها العذاب
وأطف فيها فؤادي الضرما * وأقض هذا اليوم فيها أربي
وقد نسبت هذه الموشحة للسيد محمد سعيد الحبوبي ، ولكن هناك من يذهب إلى أنها في الحقيقة للسيد موسى الطالقاني وهي تلتقي مع شعره الذي يفيض رقة وشعورا ، ويتنزى بهذه الحساسية المرهفة التي تحدث في النفس هذه شعورية تتخطى ثنايا الظلوع ، وكان من الذين أغناهم اللّه بفضله عن اتخاذ الشعر وسيلة للتعيش وآلة للتسكب ، وقد كان الشعر عنده فيض نفس ومتعة روحية لا يقوله إلا تسلية للنفس وترفيها عن الخاطر ، ولذلك نجد معظم شعره الغزل الذي كان يؤنس به نفسه ، ويفرح قلبه ويبث أشواقه وقد كتب المحامي الأستاذ توفيق الفكيكي بحثا بعنوان " السيد الطالقاني قدوة شعراء الغزل في عصره " ويقول الدكتور الخياط : أن السيد موسى الطالقاني تجنب المديح في شعره ، وهو تعبير غير مباشر عما ساد عصره من استبداد وتفسخ وظلم وإرهاق نفي ديوانه ( 28 ) قصيدة مديح و ( 172 ) قصيدة غزل من مجموع ( 324 ) قصيدة.
وكان السيد موسى الطالقاني ينتقل بين النجف وبدرة وجصان وجيزان وجبل الفيلية يدير شؤون أملاكه في مدينة بدرة فيقيم بها شهورا ثم يعود إلى النجف الأشرف ، وإذا طال ابتعاده عنها فإنه يحن لأجوائها العلمية ومجالسها الأدبية فيقول:
تذكرت ( الغري ) وساكنيه * فهاج الشوق واشتعل الغليل
غداة النفر إذ حنّت نياقي * وقد سرت الضعائن والحمول
وطوحت الحداة وهاج صحبي * وساق العيس سائقها العجول
فناديت الحداة وما أجابوا * إلى أرض ( الحمى ) تاللّه ميلوا
فما رقّت قلوبهم لصب * نحيل الجسم رقّ له العذول
فمال القلب يقطع كل فج * إليهم والغرام له دليل
وهمّ الطرف يتبعه فحالت * سيول الدمع وانقطع السبيل
على أرض ( الغري ) سلام صب * بثغر الوجد يمضغه الرحيل
وتلفظه التلال إلى حضيض * وللاوعار تقذفه السهول
يبيت الليل محتضنا جواه * وبين ضلوعه داء دخيل
بكل فتى أسيل الخد مهما * فقدنا البدر فهو له بديل
يجاذبنا السرى انضاء سقم * نحافا والنعاس بنا تميل
نميل على الرحال تخال أنا * نشاوى والشمال لنا شمول
نمر على الربوع وما تمنت * سوى أنا بمربعها نزول
تحيينا المنازل أن نزلنا * ونحي من مدامعنا الطلول
إلا من مبلغ الأحباب عني * بأني ذلك المضني العليل
على عهد الغرام أقام قلبي * وأقسم للقيامة لا يحول
وكم ليل قطعت به الفيافي * ولي من عزمي العضب الصقيل
توفى السيد موسى الطالقاني عام 1298 ه ، وهناك من يؤرخ وفاته عام 1296 ه في مدينة بدرة ، ونقل جثمانه إلى مدينة النجف الأشرف ودفن فيها ، أما مولده فهو في عام 1230 ه ، وهناك من يؤرخه عام 1250 ه ومن الغريب أن الآلوسي قد أرخ مولده عام 1213 ه.