السيد موسى بن السيد جعفر الطالقاني

من ويكي علوي
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

السيد موسى بن السيد جعفر الطالقاني

ولد السيد موسى بن السيد جعفر بن السيد علي الطالقاني في مدينة النجف الأشرف بتاريخ 22 صفر 1230 ه ، وتربى في حجر أبيه ، وشمله برعايته ، وكان منذ صغره شديد الذكاء ، قوي الحافظة ، فأتقن القراءة والكتابة منذ السنة العاشرة من عمره ، وأخذ في التقدم في العلوم ، فدرس المقدمات من نحو وصرف ومنطق وبلاغة على والده ، ومن ثم تتلمذ على أعلام عصره في النجف الأشرف منهم:

1 - الشيخ مرتضى الأنصاري ، وقد أجازه .

2 - السيد رضا الطالقاني ، خاله .

3 - الشيخ مولى علي الخليلي .

4 - الشيخ عبد الحسين الطريحي .

5 - الشيخ نوح الجعفري القرشي .

وأصبح السيد موسى الطالقاني عالما فاضلا ، وأديبا كاملا لبيبا ، وشاعرا ماهرا منشأ ويقول الشيخ حرز الدين : أن له نظما محفوظا ومجموعة أدبية حوت طائفة كبيرة من شعره ، وكان الغالب على نظمه الشعر في تهنئة العلماء ورثائهم وتاريخ مواليد العلماء والأدباء ووفياتهم ، وله محاضرات حسنة جدا ، ومطايبات مع أدباء عصره ويقول الأستاذ الشريفي : " انه نظم في الموشح على الطريقة الأندلسية ، فكان بذلك قرينا للحبوبي الكبير ، وقد حوى ديوانه على أكثر أبواب الشعر وفنونه من غزل ونسيب ومدح وهجاء ورثاء وفخر وحماسة فأجاد وأبدع وأوجز وأطنب ، فكان ذلك الشاعر المجلى المتين السبك ، الرائع المعاني ، والقوي الأسلوب " وأشار الآلوسي إلى شاعرية السيد موسى الطالقاني بقوله :

شاعر خفيف الروح ، أبي النفس ، حسن المفاكهة ، جيد البديهية ، نشأ في بلدته النجف ، وهو من بيت علم وشرف ، وبرع في الشعر ، وتنقل من نجد إلى وهد ، ومن سهل إلى وعر وكان له صوت مدوي في مجالس النجف الأدبية ، وأحد شيوخ القريض في العراق ، ويقول الشيخ جعفر النقدي : انه كان عالما فاضلا ، أديبا ماهرا في العلوم العربية ، ولا سيما في العروض والقوافي وكان إضافة ذلك فقيها أصوليا ، أخذ العلوم الشرعية من أعلام عصره ، ولكنه قبل أن يصل إلى مرتبة الاجتهاد تاقت نفسه إلى الأدب ، وقد أشار إليه السيد مشكور الطالقاني المتوفى عام 1354 ه : انه فقيه عصره ، ومتنبي زمانه ، وعلامة المعقول والمنقول ، وفهامة الفقه والأصول وقد أعطاه مكانة علمية لعلها أكبر من حجمه ، فهو لا شك فيه قد جمع بين العلوم الفقهية والعلوم الأدبية كما تدل تآليفه إلى ذلك وهي :

1 - ديوان شعر كبير ، جمعه وحققه السيد محمد حسن الطالقاني .

2 - الرضاعية ، في مسائل الرضاع .

3 - سلوة الكرام ونشوة المرام ، في أحوال الأجداد والأعمام .

4 - عقود الجواهر في أحوال النبي وآل بيته الطواهر ، نسخه عند السيد محمد حسن الطالقاني .

5 - فيض الأذهان في تفسير القرآن ، يقع في تسعة مجلدات .

6 - مواهب المنان في الهيئة والميزان .

7 - السلافة في المجون والظرافة .

8 - مجموع خطي في الأدب الشعبي ، جمعه السيد محمد حسن الطالقاني .

9 - نفائس الأحكام في مسائل الحلال والحرام ، فقه مبسوط من درس أستاذه الإمام الشيخ مرتضى الأنصاري .

وقد أمتلك السيد موسى الطالقاني نثرا فنيا بعيد الأشواط ، فلم يكن يتخلف عن أخدانه الذين برعوا في الصناعتين ، بل جاراهم وفات الكثير منهم ، وقد برع وتجلى فيه ، فجاء أسلوبه عربيا محكما وسبكه جميلا رصينا ، يبدو ذلك في لفظ مليح عذب ، وتعلوه بلاغة واضحة ، مما يدل على سعة اطلاعه وتضلعه في العلوم ، ومن يقرأ رسائله لا بد وان يعود عليه بذكريات البديع والخوارزمي وغيرهما ، فيقول في رسالة بعث بها لأحد أصدقائه : " ما شعرت بوصال من ذهب شعوري بصدوده حتى عبث الحمى فشممت أريج أخلاقه وعوده ، ولا برحت ليالي المحاق مسدلة على براقع الظلماء حتى رأيت في وجه حبيبي الهلال ، ولا هجر الوجد الضني حتى من حبيبي بالوصال ، فمرحبا بك من قادم قرت به العيون إذ كان نورا لسوادها ونامت به الأجفان بعد طول سهادها " أما موقعه من الشعر فإنه كان مبدعا في نظمه ، وقد أجاد في موشحاته حتى عد من أبرز الوشاحين في عصره ومنه في تهنئة الشيخ مهدي بن الشيخ عبد الحسين الطهراني :

أيها الساقي ومن خمر اللمى * نشوتي فأذهب ببنت العنب

عدها عني كئوسا كم سبت * من نفوس وعقول سلبت

زعم النشوان أن قد طربت * نفسه لما احتساها وبما

أحتسى من ريق سلمى طربي * أين هذا الخمر من ذاك الرضاب

وهو عذب للمعنّى وعذاب * فاسقنيها من ثناياها العذاب

وأطف فيها فؤادي الضرما * وأقض هذا اليوم فيها أربي

وقد نسبت هذه الموشحة للسيد محمد سعيد الحبوبي ، ولكن هناك من يذهب إلى أنها في الحقيقة للسيد موسى الطالقاني وهي تلتقي مع شعره الذي يفيض رقة وشعورا ، ويتنزى بهذه الحساسية المرهفة التي تحدث في النفس هذه شعورية تتخطى ثنايا الظلوع ، وكان من الذين أغناهم اللّه بفضله عن اتخاذ الشعر وسيلة للتعيش وآلة للتسكب ، وقد كان الشعر عنده فيض نفس ومتعة روحية لا يقوله إلا تسلية للنفس وترفيها عن الخاطر ، ولذلك نجد معظم شعره الغزل الذي كان يؤنس به نفسه ، ويفرح قلبه ويبث أشواقه وقد كتب المحامي الأستاذ توفيق الفكيكي بحثا بعنوان " السيد الطالقاني قدوة شعراء الغزل في عصره " ويقول الدكتور الخياط : أن السيد موسى الطالقاني تجنب المديح في شعره ، وهو تعبير غير مباشر عما ساد عصره من استبداد وتفسخ وظلم وإرهاق نفي ديوانه ( 28 ) قصيدة مديح و ( 172 ) قصيدة غزل من مجموع ( 324 ) قصيدة.

وكان السيد موسى الطالقاني ينتقل بين النجف وبدرة وجصان وجيزان وجبل الفيلية يدير شؤون أملاكه في مدينة بدرة فيقيم بها شهورا ثم يعود إلى النجف الأشرف ، وإذا طال ابتعاده عنها فإنه يحن لأجوائها العلمية ومجالسها الأدبية فيقول:

تذكرت ( الغري ) وساكنيه * فهاج الشوق واشتعل الغليل

غداة النفر إذ حنّت نياقي * وقد سرت الضعائن والحمول

وطوحت الحداة وهاج صحبي * وساق العيس سائقها العجول

فناديت الحداة وما أجابوا * إلى أرض ( الحمى ) تاللّه ميلوا

فما رقّت قلوبهم لصب * نحيل الجسم رقّ له العذول

فمال القلب يقطع كل فج * إليهم والغرام له دليل

وهمّ الطرف يتبعه فحالت * سيول الدمع وانقطع السبيل

على أرض ( الغري ) سلام صب * بثغر الوجد يمضغه الرحيل

وتلفظه التلال إلى حضيض * وللاوعار تقذفه السهول

يبيت الليل محتضنا جواه * وبين ضلوعه داء دخيل

بكل فتى أسيل الخد مهما * فقدنا البدر فهو له بديل

يجاذبنا السرى انضاء سقم * نحافا والنعاس بنا تميل

نميل على الرحال تخال أنا * نشاوى والشمال لنا شمول

نمر على الربوع وما تمنت * سوى أنا بمربعها نزول

تحيينا المنازل أن نزلنا * ونحي من مدامعنا الطلول

إلا من مبلغ الأحباب عني * بأني ذلك المضني العليل

على عهد الغرام أقام قلبي * وأقسم للقيامة لا يحول

وكم ليل قطعت به الفيافي * ولي من عزمي العضب الصقيل

توفى السيد موسى الطالقاني عام 1298 ه ، وهناك من يؤرخ وفاته عام 1296 ه في مدينة بدرة ، ونقل جثمانه إلى مدينة النجف الأشرف ودفن فيها ، أما مولده فهو في عام 1230 ه ، وهناك من يؤرخه عام 1250 ه ومن الغريب أن الآلوسي قد أرخ مولده عام 1213 ه.