ابن بقية
ابن بقية
ابوطالب احمد بن بكر بن بقية العبدي النحوي شارح كتاب الايضاح في النحو لابي علي الفارسي تلمذ على السيرافي والرمانى والفارسي توفي سنة ٤٠٦ (وقد يطلق) على ابن بقية الوزير وهو ابوطاهر محمد بن بقية بن علي وزير عز الدولة بختيار بن معز الدولة بن بويه، كان من اجلة الرؤساء واكابر الوزراء واعيان الكرماء، حكي انه لما ملك عضد الدولة بغداد ودخلها طلب ابن بقية والقاه تحت ارجل الفيلة لهناة كانت بينه وبينه فلما قتل صلبه بحضرة البيمارستان العضدي ببغداد وذلك في ست خلون من شوال سنة ٣٦٧ (شسز).
ولما صلب رثاه ابو الحسن محمد بن عمر الانباري بقوله:
علو في الحياة وفي الممات | لحق أنت إحدى المعجزات | |
كأن الناس حولك حين قاموا | وفود نداك ايام الصلات | |
كأنك قائم فيهم خطيبا | وكلهم قيام للصلاة | |
مددت يديك نحوهم احتفالا | كمدهما اليهم بالهبات | |
ولما ضاق بطن الارض عن ان | تضم علاك من بعد الممات | |
أصاروا الجو قبرك واستنابوا | عن الاكفان ثوب السافيات | |
لعظمك في النفوس تبيت ترعى | بحفاظ وحراس ثقات | |
وتشعل عند النيران ليلا | كذلك كنت أيام الحياة | |
ركبت مطية من قبل زيد | علاها في السنين الماضيات | |
ولم أر قبل جذعك قط جذعا | تمكن من عناق المكرمات | |
ولو اني قدرت على قيام | لفرضك والحقوق الواجبات | |
ملات الارض من نظم القوافي | ونحت بها خلاف النائحات |
قال ابن عساكر في تأريخ دمشق ينقل ابن خلكان عنه لما صنع ابوالحسن المرثية التائية كتبها ورماها بشوارع بغداد فتداولتها الادباء إلى ان وصل الخبر إلى عضد الدولة فلما انشدت بين يديه تمنى ان يكون هو المصلوب دونه فقال علي بهذا الرجل فطلب سنة كاملة واتصل الخبر بالصاحب بن عباد وهو بالرى فكتب له الامان فلما سمع ابوالحسن الانباري بذكر الامان قصد حضرته فقال له: انت قائل هذه الابيات؟ قال نعم، قال انشدنيها من فيك، فلما انشد:
ولم أر قبل جذعك قط جذعا | تمكن من عناق المكرمات |
قام اليه الصاحب وعانقه وقبل فاه وانفذه إلى عضد الدولة، فلما مثل بين يديه قال ما الذي حملك على مرثية عدوي؟ فقال حقوق سلفت واياد مضت فجاش الحزن في قلبي فرثيته، فقال هل يحضرك شئ في الشموع والشموع تزهر بين يديه؟ فأنشأ يقول:
كأن الشموع وقد اظهرت | من النار في كل رأس سنانا | |
أصابع اعدائك الخائفين | تضرع تطلب منك الامانا |
فلما سمعها خلع عليه واعطاه فرسا وبدرة انتهى.
وزيد هذا هو ابوالحسين زيد بن علي بن ابي طالبعليهالسلام ظهر في ايام هشام ابن عبدالملك الاموي وتبعه خلق كثير من الاشراف والقراء فحاربه يوسف ابن عمر الثقفى امير العراقين، فانهزم اصحاب زيد فبقي في جماعة يسيرة فقاتلهم اشد قتال وحال المساء بين الفريقين، فانصرف زيد مثخنا بالجراح وقد اصابه سهم في جبهته، فطلبوا من ينزع النصل فاتى بحجام من بعض القرى فاستكتموه فاستخرج النصل فمات من ساعته فدفنوه في ساقية ماء وجعلوا على قبره التراب والحشيش واجروا الماء على ذلك، وحضر الحجام مواراته فعرف الموضع، فلما اصبح مضى إلى يوسف منتصحا له فدله على موضع قبره، فاستخرجه يوسف بن عمر فقطع رأسه وبعث به إلى هشام فكتب اليه هشام ان اصلبه عريانا، فصلبه يوسف عريانا بكناسة الكوفة فروي انه نسجت العنكبوت على عورته فسترتها.
وعن الحدائق الوردية: إذا اصبح اهل الكوفة ورأوا النسيج هتكوه بالرماح، فاذا جاء الليل نسجت العنكوت عليه.
وعن مقاتل الطالبيين: صلبوه عريانا فارتخى على بطنه من قدامه وظهره من خلفه حتى سترت عورته من القبل والدبر ولعل هذا بعد ان صنعوا ذلك في نسج العنكبوت.
وعن الحدائق يحدث شبيب بن غرقد قال: قدمنا الكوفة من الحج فدخلنا الكناسة ليلا، فلما كنا بالقرب من خشبة زيد أضاء الليل فلم نزل نسير نحوها فنفحت منها رائحة المسك فقلت لاصحابي هكذا توجد رائحة المصلوبين؟ وإذا بهاتف يقول: هكذا توجد رأئحة اولاد النبيين الذي يقضون بالحق وبه يعدلون.
وعن تأريخ ابن عساكر ويحدث المتوكل بخشبة زيد: انه رأى النبي صلى الله عليه وآله في النوم واقفا على الخشبة ويقول: هكذا تصنعون بولدي من بعدي؟ يا بنى يا زيد قتلوك قتلهم الله صلبوك صلبهم الله. ففشى الحديث بين الناس وظهر بذلك فضله ومظلوميته وعرف حتى حراس خشبته مكانته من الشرف وصدق دعواه، وانه محبو بجنان واسعة، ومن اجل هذا لم يمنعوا من يرغب من اهل الكوفة في زيارته والتمسك بجسده المقدس.
حدث ابن تيمية في محكى منهاج السنة: انه لما صلب زيد كان اهل الكوفة يأتون خشبته ليلا ويتعبدون عندها انتهى.
حكي انه لما اتى هشام برأس زيد دفع لمن اتاه بالرأس عشرة دراهم، وانه القى الرأس امامه فاقبل الديك ينقر رأسه فقال بعض من حضر من الشاميين:
اطردوا الديك عن ذوابة زيد | فلقد كان لا يطاه الدجاج |
وبعث هشام بالرأس من الشام إلى مدينة الرسول فنصب عند قبر النبي صلى الله عليه وآله يوما وليلة وكان العامل على المدينة محمد بن ابراهيم بن هشام المخزومي، فتكلم معه ناس من اهل المدينة ان ينزله فابى إلا ذلك فضجت المدينة بالبكاء من دور بنى هاشم وكان كيوم الحسينعليهالسلام .
وحدث عن عيسى بن سوادة قال: كنت بالمدينة لما جئ برأس زيد ونصب في مؤخر المسجد على رمح وامر الوالي فنودي في المدينة برأت الذمة من رجل بلغ الحلم لم يحضر المسجد، فحضر الناس الغرباء وغيرهم ولبثوا سبعة ايام، كل يوم يخرج الوالي فيقوم الخطباء من الرؤساء فيلعنون عليا والحسين وزيداعليهالسلام واشياعهم فاذا فرغوا قام القبائل عربيهم وعجميهم وكان بنو عثمان اول من قام إلى ذلك حتى إذا صلى العصر انصرف وعاد بالغد مثلها سبعة ايام ثم سير الرأس الشريف إلى مصر فنصب بالجامع فسرقه اهل مصر ودفنوه في مسجد محرس الخصي.
قال ابن خلكان: ذكر ابوعمرو الكندي في كتاب امراء مصر ان ابا الحكم ابن ابي الابيض القيسي قدم إلى مصر برأس زيد بن علي يوم الاحد لعشر خلون من جمادي الآخرة سنة ١٢٢ (قكب) واجتمع اليه الناس في المسجد وهو صاحب المشهد الذي بين مصر وبركة قارون بالقرب من جامع ابن طولون يقال ان رأسه مدفون به.
حكي انه لما قتل زيد نصب هشام بن عبدالملك العداوة لآل ابى طالب وشيعتهم، وامر عماله بالتضييق عليهم ومحق آثارهم بالحبس والتبعيد عن الاوطان والفتك بهم وحرمانهم عطاءهم، وكتب إلى عامله بالكوفة يوسف بن عمران يأخذ الكميت بن زيد الاسدي ويقطع لسانه ويده لانه رثى زيد بن علي بقصيدة وفيها يمدح بني هاشم، وزاد على ذلك ان كلف آل ابي طالب بالبراءة من زيد فقام بذلك خطباؤهم مكرهين مقهورين.
وكتب هشام إلى عامل المدينة ان يمنع اهل مكة والمدينة عطاءهم سنة لانه عرف منهم الميل إلى زيد واظهروا الحزن ايام مجئ خبره وكتب ايضا إلى عامل المدينة ان يحبس قوما من بني هاشم ويعرضهم كل اسبوع مرة ويقيم لهم الكفلاء ألا يخرجوا.
فقال الفضل بن عبدالرحمن ابن العباس بن ربيعة بن الحرث بن عبدالمطلب من قصيدة طويلة:
كلما احدثوا بأرض نقيقا | ضمنونا السجون أو سيرونا | |
قتلونا بغير ذنب اليهم | قاتل الله امة قتلونا | |
مارعوا حقنا ولا حفظوا في | نا وصاة الاله بالاقربينا | |
جعلونا ادنى عدو اليهم | فهم في دمائهم يسبحونا | |
انكروا حقنا وجاروا علينا | وعلى غير إحنة ابغضونا |
غير ان النبي منا وإنا | لم نزل في صلاتهم راغبينا | |
إن دعونا إلى الهدى لم يجيبو | نا وكانوا عن الهدى ناكبينا | |
فعسى الله ان يديل اناسا | من اناس فيصبحوا ظاهرينا | |
فتقر العيون من قوم سوء | قد اخافوا وقتلوا المؤمنينا | |
من بني هاشم ومن كل حي | ينصرون الاسلام مستنصرينا | |
في اناس آباؤهم نصروا الد | ين وكانوا لربهم ناصرينا | |
تحكم المرهفات في الهام منهم | بأكف المعاشر الثأئرينا | |
اين قتلى منهم بغيتم عليهم | ثم قتلتموهم ظالمينا | |
ارجعوا هاشما وردوا ابا ال | يقظان وابن البديل في آخرينا | |
وارجعوا ذا الشهادتين وقتلى | انتم في قتالهم قاجرونا | |
ثم ردوا ابا عمير وردوا | لي رشيدا وميثما والذينا | |
قتلوا بالطفوف يوم حسين | من بنى هاشم وردوا حسينا | |
اين عمرو واين بشر وقتلى | معهم في العراء ما يدفنونا | |
ارجعوا عامرا وردوا زهيرا | ثم عثمان فارجعوا غارمينا | |
وارجعوا هانيا وردوا الينا | كل من قد قتلتم اجمعينا | |
إن تردوهم الينا ولسنا | منكم غير ذلكم قابلينا |
وذكر ابوبكر بن عياش وجماعة من الاخباريين: ان زيدا اقام مصلوبا خمس سنين عريانا فلم ير احد له عورة سترا من الله تعالى، فلم كان في ايام الوليد ابن يزيد كتب الوليد إلى عامله بالكوفة ان احرق زيدا بخشبته ففعل به ذلك واذرى رماده في الرياح على شاطئ الفرات، فصار هذا سببا لما فعل بنو العباس بقبور بنى امية انتهى.
حكى المسعودي عن الهيثم بن عدي عن معمر بن هانى الطائي قال: خرجت مع عبدالله بن علي وهو عم السفاح والمنصور فانتهينا إلى قبر هشام بن عبدالملك فاستخرجناه صحيحا ما فقدنا منه إلا خرمة انفه فضربه عبدالله ثمانين سوطا ثم احرقه، فاستخرجنا سليمان بن عبدالملك من ارض دابق فلم نجد منه شيئا إلا صلبه واضلاعه ورأسه فاحرقناه، وفعلنا ذلك بغيره من بنى امية، وكانت قبورهم بقنسرين ثم انتهينا إلى دمشق فاخرجنا الوليد بن عبدالملك فما وجدنا إلا شؤون رأسه ثم احتفرنا عن يزيد بن معاوية فما وجدنا منه إلا عظما واحدا ووجدنا خطا اسود كأنما خط بالرماد بالطول في لحده ثم تتبعنا قبورهم في جميع البلدان فاحرقنا ما وجدنا فيها منهم.