آية الاعتصام

من ويكي علوي
اذهب إلى التنقل اذهب إلى البحث

آية الاعتصام أو آية الوحدة، هي الآية 103 من سورة آل عمران، حيث يأمر الله تعالى فيها المسلمين أن يتسمكوا بالحبل الإلهي، ويتذكروا عندما كانوا أعداء لبعضهم البعض، وكيف أوجد الله تعالى الرحمة في قلوبهم بالإسلام، وجعلهم إخوة متحابين. وفي شأن نزول هذه الآية يرى العديد من المفسرين الشيعة والسنة أنَّها نزلت في قبيلة الأوس والخزرج.

نص الآية

هي الآية 103 من سورة آل عمران قال تعالى: وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [١]


شأن النزول

ذهب الكثير من المفسرين، إنَّ مضمون هذه الآية يدل على أنِّها نزلت في المدينة وعن قبيلتي الأوس والخزرج.[٢] حيث افتخر رجلان من الأوس والخزرج ببعض أفراد قبيلتهما المعروفين، فأدى هذا التفاخر إلى نشوب نزاع بينهما، فطلب كل واحد منهما المساعدة من قبيلته، فتحول الجدال بين رجلين إلى جدال بين قبيلتين، فأحضرت كلتا القبيلتين السلاح من أجل الاقتتال،[٣] فلما وصل الخبر إلى رسول الله(ص) ذهب إلى ذلك المكان فأنزل الله تعالى هذه الآية فقرأها عليهم.[٤]

محتوى الآية

ذكر الكثير من المفسرين أنَّ المحتوى الرئيسي لهذه الآية هو الدعوة إلى الاتحاد ومحاربة أي نوع من أنواع التفرقة بين المسلمين.[٥] حيث وصف الله تعالى في هذه الآية الأخوة والمحبة بأنها هي السبيل لخلاص المسلمين، الذين كانوا على حافة هاوية النار، والنار في هذه الآية ليس نار جهنم، بل هي كناية عن نيران الحروب والنزاعات الطويلة التي كانت تقع بين العرب في زمن الجاهيلة كالتي وقعت بين قبيلة الأوس والخزرج قبل الإسلام، والتي اطفئها الله تعالى بالإسلام عن طريق توطيد المحبة والأخوة فيما بين المجتمع الواحد.[٦]

يرى العلامة الطباطبائي إن الآية السابقة على هذه الآية تتعرض لحكم الأفراد، وتأمرهم بشكل شخصي التسمك بالكتاب والسنة، وهذه الآية تتعرض لحكم الجماعة المجتمعة والدليل عليه قوله:(جميعاً) وقوله: (ولا تتفرقوا) فالآيات تأمر المجتمع الاسلامي بالاعتصام بالكتاب والسنة كما تأمر الفرد بذلك.[٧]

حبل الله

وقد وردت آراء مختلفة حول المقصود من عبارة «حبل الله» في هذه الآية،[٨] وقد ذكر مجموعة من المفسرين الشيعة والسنة أنَّها القرآن أو الإسلام.[٩] وذكر بعض المفسرين من أهل السنة إنَّها تعني الجماعة.[١٠] وذهب مفسري الشيعة إن عبارة «حبل الله» يٌقصد بها عترة النبي(ص) والأئمة.[١١] وقال البعض أنها العهد بين الإنسان والله تعالى.[١٢] وذهب العلامة الطباطبائي ومن خلال الاستفادة من الآية 101 من سورة آل عمرانقالب:ملاحظة إنَّ المراد من عبارة (ومن يعتصم بالله) هو التمسك بآيات الله وبرسوله، وهما في الواقع الكتاب والسنة؛ لأن التمسك بالنبي وبحسب ما ورد في سورة الحشر الآية 7قالب:ملاحظة هو التمسك بالقرآن، وقد تم التعبير بالتمسك بالقرآن والنبي بحبل الله في هذه الآية.[١٣] ويرى الطبرسي في مجمع البيان إنَّ أفضل معاني عبارة (حبل الله) هو القرآن وعترة النبي(ص). ولإثبات ما ذهب إليه يستشهد برواية عن أبي سعيد الخدري عن النبي(ص) أنَّه قال: أيها الناس إني قد تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلوا بعدي، أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض و عترتي أهل بيتي، ألا وإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض‌.[١٤]

يرى البعض إنَّه لا يوجد إختلاف وتضارب بين تلك الأقوال في عبارة (حبل الله)؛ لأن المراد من الحبل الإلهي هو كل وسيلة تؤدي إلى الإرتياط بالله تعالى،[١٥] سواء كانت هذه الوسيلة هي الإسلام، أم القرآن الكريم، أم النبي وأهل بيته الطاهرين، ويرى الشيخ مكارم الشيرازي إنَّ الإهتمام في هذه الآية بحبل الله، فهو إشارة إلى حقيقة، وهي أن الإنسان سيبقى في حضيض الجهل، والغفلة، ومن أجل الإرتفاع من هذا الحضيض لابد من حبل متين يتمسك به ليخرجه من بئر المادية والجهل والغفلة، وهذا الحبل ليس إلاَّ الإرتباط بالله عن طريق الأخذ بتعاليم القرآن الكريم وأهل البيت.[١٦]

لا تفرقوا

ويرى الفخر الرازي إنَّ عبارة «لاتفرقوا» يُمكن أن يكون لها ثلاث معاني:

  1. النهي عن الاختلاف في الدين.
  2. النهي عن المُعاداة والمخاصمة بين المسلمين؛ لأنَّهم كانوا قبل الإسلام وفي الجاهيلة مواظبين عليها.
  3. النهي عما يؤدي إلى الفرقة ويزيل الألفة والمحبة بين المسلمين.[١٧]

ويرى الطبري إنّ معنى (لا تفرقوا) هو عدم التفرق عن رسول الله(ص)، وعدم الابتعاد عن القرآن؛ وذلك من خلال ترك العمل به، وعدم الانحراف عن دين الله.[١٨]

الوحدة نعمة

يرى العلامة الطباطبائي إنَّ الله تعالى ذكر في هذه الآية دليلين على ضرورة الاتحاد وعدم التفرق:

  1. الدليل الأول يستند على التجربة والسابقة التاريخية والإشارة إلى ما حدث بين قبيلة الأوس والخزرج (إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء).
  2. الدليل الثاني عقلي أيضاً (كُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ) وهذا يعني إنَّ الخلافات تؤدي إلى التنازع والقتال، وفي النهاية نسقط في نار الجهل.[١٩]

وقد ذكر إنَّ إثبات الأقوال والتعاليم الإلهية لا يحتاج إلى دليل، ولكن هذه هي طريقة الله تعالى في توضيح أسباب هدايته، وبالإضافة إلى ذلك، يريد الله من عباده ألا يقبلوا الكلمات على نحو أعمى، وأن يعرفوا أنَّ الحقائق الإلهية مرتبطة ببعضها البعض.[٢٠]


المصادر والمراجع

  • القرآن الكريم.
  • ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، بيروت، دار الكتب العلمية، 1419هـ.
  • الآلوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني، تحقيق: علي عبد الباري عطية، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1415هـ.
  • الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ط2، 1390هـ.
  • الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البیان في تفسير القرآن، طهران، ناصر خسرو، ط3، 1372ش.
  • الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تفسير القرآن، بيروت، دار المعرفة، ط1، 1412هـ.
  • الفخر الرازي، محمد بن عمر، مفاتيح الغيب، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط3، 1420هـ.
  • الماتريدي، محمد بن محمد، تأويلات أهل السنة، بيروت، دار الكتب العلمية، منشورات محمد علي بيضون، 1426هـ.
  • مكارم الشيرازي، ناصر، تفسير الأمثل، طهران، دار الكتب الإسلامية، ط10، 1371ش.
  1. سورة آل عمران، الآية 103.
  2. الطبري، جامع‌البیان، ج 4، ص 22؛ الطبرسي، مجمع‌البیان، ج 2، ص 804؛ الماتريدي، تأویلات أهل السنة، ج 2، ص 444؛ ابن كثير، تفسیر القرآن العظیم، ج 2، ص 77؛ الآلوسي، روح‌المعانی، ج 2، ص 236.
  3. الطبرسي، مجمع البيان، ج 2، ص 804.
  4. الطبرسي، مجمع البيان، ج 2، ص 804.
  5. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 3، ص 32.
  6. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 3، ص 32.
  7. الطباطبائي، الميزان، ج 3، ص 369.
  8. الطبري، جامع‌البیان، ج 4، ص 21؛ الطبرسي، مجمع‌ البیان، ج 2، ص 805؛ الماتريدي، تأویلات أهل السنة، ج 2، ص 444؛ الفخر الرازي،‌ مفاتیح الغیب، ج 8، ص 311؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 3، ص 29.
  9. الطبري، جامع البيان، ج 4، ص 21 ـ 22؛ الطبرسي، مجمع‌البیان، ج 2، ص 805؛ الماتريدي، تأویلات أهل السنة، ج 2، ص 444؛ الفخر الرازي،‌ مفاتیح الغیب، ج 8، ص 311.
  10. الطبري، جامع البيان، ج 4، ص 22؛ الماتريدي، تأویلات أهل السنة، ج 2، ص 444.
  11. الطبرسي، مجمع البيان، ج 2، ص 805.
  12. الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج 8، ص 311.
  13. الطباطبائي، الميزان، ج 3، ص 369.
  14. الطبرسي، مجمع‌ البیان، ج 2، ص 805.
  15. الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج 8، ص 311؛ مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 3، ص 29.
  16. مكارم الشيرازي، الأمثل، ج 3، ص 32.
  17. الفخر الرازي، مفاتيح الغيب، ج 8، ص 311 ـ 312.
  18. الطبري، جامع البيان، ج 4، ص 22.
  19. الطباطبائي، الميزان، ج 3، ص 370 ـ 371.
  20. الطباطبائي، الميزان، ج 3، ص 370.