سورة البلد
سورة البلد، هي السورة التسعون ضمن الجزء الثلاثين من القرآن الكريم، وهي من السور المكية، واسمها مأخوذ من أول آية فيها. حيثُ تبدأ بالقَسَم في أرض مكة لكونها مولد النبي (ص) واستقراره فيها، والسورة تُبيّن أنّ خِلقة الإنسان مبنيّة على التعب والمشقة، لذا فهي تدعو إلى الصبر على الطاعة والابتعاد عن المعصية ونشر الرحمة على اليتامى والفقراء ومساعدتهم. وورد في قرائتها فضائل كثيرة، منها: ما رويَ عن النبي (ص) أنه قال: من قرأ هذه السورة أعطاه الله تعالى الأمان من غضبه يوم القيامة.
تسميتها وآياتها
سُميت هذه السورة بالبلد؛ على أول آية منها، وفيها أَقسَم الله تعالى بالبلد الحرام [١] والمعنى : التنبيه على شرف البلد بشرف من حلّ فيه وهو الرسولصلى الله عليه وآله وسلم الداعي إلى تعظيم الله وإخلاص العبادة له، المبشّر بالثواب والمُنذر بالعقاب، [٢] وقيل: إنّ (لا) نافية فيكون المعنى: لا أُقسم بهذا البلد المقدس كون حرمته قد هتكت والأنفس والأموال والأعراض فيه قد أٌحلت وأُبيحت، فيكون المعنى توبيخ لكفار قريش.[٣] وآيات هذه سورة (20)، تتألف من (82) كلمة في (343) حرف.[٤] وتعتبر هذه السورة من حيث المقدار من السور المفصلات، أي: السور التي لها آيات متعددة وصغيرة.[٥]
ترتيب نزولها
ذكر المفسرون أنّ سورة البلد مكية،[٦] وقيل: إنها مدنية بتمامها، وقيل: مدنية إلا أربع آيات من أولها، [٧] والسورة من حيث الترتيب نزلت على النبي (ص) بالتسلسل (35)، لكن تسلسلها في المصحف الموجود حالياً في الجزء الثلاثين بالتسلسل (90) من سور القرآن.[٨]
سبب نزولها
ذكر المفسرون في آية أَهْلَكْتُ مَالا لُّبَدًا[٩] أنّ سياق هذه الآية وما بعدها إلى آخر السورة مُشعر بأنّ هناك بعض من أظهر الإسلام أو مال إليه، فقد أنفق بعض ماله وامتنَّ به مستكثراً له بقوله أَهْلَكْتُ مَالا لُّبَدًا، فنزلت الآيات وردّ عليه الله بأنّ الفوز بميمنة الحياة لا يتم إلا باقتحام عقبة الإنفاق في سبيل الله.[١٠] وقيل: إنها نزلت في نفر أنفقوا الأموال الطائلة في معاداة الرسول والرسالة، [١١] وقيل: إنها نزلت في بعض رجال قريش وهو الحارث بن نوفل، وذلك أنه أذنب ذنباً فاستفتى رسول اللهصلى الله عليه وآله وسلم فأمره أن يكفّر، فقال: لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد.[١٢]
معاني مفرداتها
أهم المفردات في السورة:
- (الْبَلَدِ): يُقصد بها مكة.
- (حِلٌّ): أي: حال، بمعنى: مُقيم وساكن.
- (كَبَدٍ): الكبد: المشقة والتعب، من كبد الرجل كبداً: إذا وجعته كبده وانتفخت، ومنها اشتقت المكابدة واستعملت لكل تعب ومشقة.
- (قدحاً): وهو الضرب لإخراج النار، كأن تضرب حجراً بآخر ليخرج شرار النار.
- (لُّبَدًا): كثيراً.
- (النَّجْدَيْنِ): المقصود من النجدين: هما طريق الخير وطريق الشر.
- (الْعَقَبَةَ): الطريق الوعر في الجبل.
- (مَسْغَبَةٍ): من السغب وهو الجوع، والمسغبة هو المجاعة.
- (مَتْرَبَةٍ): من تَرِبَ إذا افتقر، ومعناه التصق بالتراب، ومعناه الفقر الشديد.
- (الْمَشْأَمَةِ): جهة الشمال، وهم أصحاب الشقاء.
- (مُّؤْصَدَةٌ): مُغلقة ومُقفلة.[١٣]
محتواها
جاء في كتب التفسير أنّ السورة تُبيّن خِلقة الإنسان المبنية على التعب والمشقة، ولا تجد شأناً من شؤون الحياة إلا ومقروناً بمرارة الكد والتعب، فلا راحة وسعادة من غير شقاء وتعب إلا في الدار الآخرة، لذا فهي تدعو إلى الصبر على الطاعة والابتعاد عن المعصية، وأن ينشر الرحمة على اليتامى والفقراء وغيرهم، حتى يكون من أصحاب الميمنة، وإلا فهو من أصحاب المشأمة الذين عليهم نار مؤصدة.[١٤]
فضيلتها وخواصها
وردت فضائل كثيرة في قراءتها، منها:
- رويَ عن النبي (ص): «من قرأ هذه السورة أعطاه الله تعالى الأمان من غضبه يوم القيامة، ومن كتبها وعلّقها على الطفل، أو ما يُولد أمِنَ عليه من كل ما يُعرض للأطفال».[١٥]
- وورد عن الإمام الصادق: «من كانت قراءته في الفريضة (لا أُقسم بهذا البلد) كان في الدنيا معروفاً إنه من الصالحين، وكان في الآخرة معروفاً إنّ له من الله مكاناً، وكان من رُفقاء النبيين والشهداء والصالحين».[١٦]
قبلها سورة الفجر |
سورة البلد |
بعدها سورة الشمس |
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الألوسي، محمود بن عبد الله، روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1421 هـ.
- البحراني، هاشم بن سليمان، البرهان في تفسير القرآن، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1429 هـ.
- الخرمشاهي، بهاء الدين، موسوعة القرآن والدراسات القرآنية، إيران - طهران، مؤسسة الأصدقاء، 1377 ش.
- الزمخشري، محمود بن عمر، الكشّاف، بيروت - لبنان، دار صادر، ط 1، 1431 هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، قم-إيران، دار المجتبى، ط 1، 1430 هـ.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، تفسير جوامع الجامع، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي لجماعة المدرسين، ط 2، 1430 هـ.
- الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، قم - إيران، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1، 1431 هـ.
- الموسوي، عباس، الواضح في التفسير، بيروت- لبنان، مركز الغدير، ط 1، 1433 هـ.
- معرفة، محمد هادي، التمهيد في علوم القرآن، قم-إيران، ذوي القربى، ط 1، 1428 هـ.
- مكارم الشيرازي، ناصر، الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، بيروت - لبنان، مؤسسة الأميرة، ط 2، 1430 هـ.
وصلات خارجية
- ↑ الزمخشري، تفسير الكشّاف، ج 4، ص 1786.
- ↑ الطوسي، تفسير التبيان، ج 11، ص 608.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 20، ص 127.
- ↑ الخرمشاهي، موسوعة القرآن والبحوث، ج 2، ص 1266.
- ↑ معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج 1، ص 313.
- ↑ الطوسي، تفسير التبيان، ج 11، ص 607.
- ↑ الألوسي، روح المعاني، ج 30، 488، الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 20، ص 328.
- ↑ معرفة، التمهيد في علوم القرآن، ج 1، ص 168.
- ↑ سورة البلد: 6.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 20، ص 331.
- ↑ مكارم الشيرازي، تفسير الأمثل، ج 20، ص 129.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 20، ص 334.
- ↑ الموسوي، الواضح في التفسير، ج 17، ص 269.
- ↑ الطباطبائي، تفسير الميزان، ج 20، ص 327 - 328.
- ↑ البحراني، تفسیر البرهان، ج 10، ص 162.
- ↑ الطبرسي، جوامع الجامع، ج 3، ص 787.