التولي
التولي، مصطلح كلامي في مقابل التبري. والتولي في الإصطلاح الشيعي يعني محبة الأئمة الأطهار عليهم السلام والإنقياد لهم وولايتهم. والتولي والتبري -وهما مفهومان متضادان- من أهم الواجبات الدينية، بل من أهم الواجبات الشرعية.[١] كما أنه من الأركان المهمة للإيمان.[٢]
وقد أولت الثقافة الشيعية مقولتي التولّي والتبرّي أهمية كبيرة حتى عُدّا شرطين أساسيين لقبول صالح الأعمال، فلا يُقبل عمل مع انتفائهما؛ وقد وردت في ذلك روايات كثيرة سجلتها مصادر الحديث الاسلامي، ويظهر ذلك جلياً في زيارة عاشوراء التي تم التركيز فيها على مفهومي التولّي لأولياء الله والتبرّي من الكافرين والمشركين وأعداء الرسالة والناصبين العداء لأهل البيتعليهم السلام.
معنى التولي
التولي وبحسب التراث الشيعي: هو المحبة و التصديق والإتباع وقبول ولاية الله تعالى ورسولهصلى الله عليه وآله وسلم والأئمة المعصومين(ع) و عادة يأتي مع اصطلاح التبري المقابل له في المعنى.
التولّي والولاية، يعني موالاة أولياء الله وإتباعهم وجعلهم القدوة في كلّ الأمور. وتولّى على وزن ترقى من باب تفعّل ومشتق من مادة "ولي"، وقد يطلق (الوَليُّ) أيضا على المعتق والعتيق وابن العم والناصر وحافظ النسب والصديق ذكراً كان أو أنثى وقد يؤنث بالهاء فيقال هي (وَلِيَّةٌ). ويأتي التولّي بمعنى قبول الولاية والمحبّة والرضا بقيادة ومدبرية الآخرين. والتولّي في مدرسة أهل البيت يعني محبتهم والإنصياع لأوامرهم وطاعتهم والتبيعة لهم والتسليم بولاية الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم والأئمة (ع)، وهي عين الحبّ في الله والبغض في الله الوارد في الكثير من الروايات. ويقترن التولّي دائما مع التبرّي من أعداء الله ورسوله وخصوم أهل البيت (عليهم السلام).
والتولي والتبري من فروع الدين، وهما واجبان من وجهة النظر الفقهية.
التولي في القرآن
من الأمور التي أكدها القرآن الكريم محبة النبيصلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته(عليهم السلام) وكذلك محبة المؤمنين فيما بينهم، ومن الأمثلة القرآنية:
تدل هذه الآية على أن مجازة النبيصلى الله عليه وآله وسلم هي محبة أهل بيته.
تدل هذه الآية على ولاية الله تعالى والنبيصلى الله عليه وآله وسلم وأولي الأمر.
و هذه الآية تنهى عن أن يوالي المؤمنون غير المؤمنين.
التولي في الأحاديث
توفرت المصادر الحديثية والتفسيرية وغيرها، على مجموعة كبيرة من الأحاديث المؤكدة على التولّي والحبّ لله ولرسوله وللصالحين، وبين أيدينا الكثير من الأحاديث التي تدل على محبة أهل البيت عليهم السلام وبالخصوص الإمام عليقالب:عليه السلام. نقل السيد هاشم البحراني 95 رواية من كتب السنة.[٧]و52 حديثا من كتب الشيعة[٨] وكل هذه الروايات تشير إلى فضل عليقالب:عليه السلام والأئمة من ولده و محبيهم و مواليهم.
يقول الإمام الرضاقالب:عليه السلام :«کمالُ الدّینِ وَلایتُنا وَ البَراءَةُ مِن عَدُوِّنا»،[٩] وللولاية آثار كثيرة في الدنيا والآخرة كما جاء في العديد من الروايات.[١٠] فالزهد والحرص على العمل والورع في الدين والرغبة في العبادة والتوبة قبل الموت والنشاط في قيام الليل واليأس ممّا في أيدي الناس والحفظ لأمر الله ونهيّه والتاسعة بغض الدنيا والعاشرة السخاء؛ وأمّا التي في الآخرة: فلا ينشر له ديوان ولا ينصب له ميزان ويعطى كتابه بيمينه ويكتب له براءة من النار ويبيض وجهه ويكسى من حلل الجنة ويشفع في مائة من أهل بيته وينظر الله إليه بالرحمة ويتوّج من تيجان الجنة والعاشرة يدخل الجنة بغير حساب.[١١]
فلسفة التولي
إنّ الانسان الرسالي وصاحب العقيدة الذي رسم لحياته طريقاً خاصاً ونهجاً واضحاً، لابد- شاء أم أبى- أن يكون محكوما بهذه العقيدة والاتجاه ويحدد مسار حياته وفقا لهذه العقيدة ولا يمكن بحال من الأحول أن يكون لا أباليّا ومتكاسلا في هذا المجال، وهذا بدوره يجرّه إلى عدم مسايرة الجميع في عقائدهم ومتبنياتهم الفكرية والايدلوجية إذا كانت حركتهم لا تنسجم مع الاتجاه الذي يسر عليه! ومن هنا نرى القرآن الكريم يحذر من مسايرة غير المؤمنين في عقائدهم والولاء والمودة لهم.
كما إن له دوافع مختلفة و لابد أن يكون واضحا في منهجه اليومي و الحياتي، أي إما أن يكون من أهل الإيمان أو يكون من أهل الكفر أو النفاق. فلابد أن يكون قريبا من أهل الإيمان و منجذب اليهم و يندع نحوهم، كما لابد أن يبتعد عن أهل الكفر و النفاق و هذا ما يقره كل عاقل. من هنا نقول:لابد للإنسان من ميزان يميز من خلاله الحق من الباطل و الإيمان من النفاق، من هنا نقول:إن التولي و كذلك التبري تجعل من الإنسان صاحب قرار و نزعة نحو الحق دون الباطل، و عدم الحياد أمام المسائل الدينية، بل لابد له من موقف واضح في كل المواقف الدينية و الدنيوية و اتخاذ القرارات الصحيحة من خلال الإعتماد على ميزان التولي و التبري.
التولي مع التبري
من خلال النظر في وظيفة التولي نكتشف إنه ملازم للتبري و لا ينفك عنه. أي كما يجب على الإنسان المؤمن موالاة أهل البيت فلابد أن يتبرأ من أعدائهم. و هذا لايعني تكفير الأطراف و المذاهب الإسلامية التي لاتعتقد بهذين الفرعين(التولي و التبري) لأن أغلبهم لا تكون الإمامة عنده من أصول الدين. بل إن الإمامة من أصول المذهب الشيعي فقط.
وقد أشار الشهيد المطهري إلى أن الولاء والحبّ لا يعني الانفلات والترهل بحيث يخرج الانسان عن ثوابته ومسلمات عقيدته ويهادن الجميع مع تضاد معتقداتهم وتنافرها مع ما يذهب إليه ويتبناه من عقيدة، بقوله: إنّ الناس لا يفكرون بطريقة واحدة، ولا يتشابهون في مشاعرهم، ولا في رغباتهم وأهوائهم.. إنّ فيهم العادل، وفيهم الظالم. فيهم الصالح، وفيهم الطالح، كما أن في المجتمع المنصف، والمعتدي، والعادل، والفاسق. فليس من الممكن أن يجتمع هؤلاء على حبّ شخص بعينه، وهو يسعى للوصول إلى هدف لا يستهوي الجميع فيصطدم ـ حتماً ـ مع مصالح بعض دون بعض.
إنّ الشخص الوحيد القادر على جذب حب الناس جميعاً ـ على اختلاف طبقاتهم ومثلهم واتجاهاتهم ـ هو المرائي الكذّاب الّذي يظهر لكلّ شخص ما يحبّ أن يسمع ويرى. أمّا إذا كان المرء ذا وجه واحد وسلوك واحد، فلا شك في أنّ جمعاً من الناس سيكونون من أصدقائه، بينما سوف يعاديه جمع آخر. فالذين يتجهون وجهته سينجذبون إليه، والّذين يختلفون معه في وجهة نظره سوف يطردونه ويحاربونه. بعض المسيحيين الّذين يقولون عن أنفسهم وعن دينهم: إنّهم يبشرون بالمحبة، يزعمون أن الإنسان الكامل لا يملك سوى المحبّة، ولا شيء غيرها. أيّ إن فيهم قوّة الجذب فقط. ولعل بعض الهندوس يدعي الشيء نفسه.
إن ما يلفت النظر كثيراً في الفلسفات المسيحية والهندية هو المحبة. إنهم يقولون: إنّ على المرء أن يميل إلى كلّ شيء وأن يظهر حبّه له. فإذا نحن أحببنا الجميع لا يكون هناك ما يمنع من أن يحبنا الجميع، بما فيهم الأشرار الّذين لم يروا منا غير الحبّ. إلاّ أنّ على هؤلاء أن يدركوا أنّ مجرّد كون المرء من أهل المحبّة لا يكفي، إذ عليه أن يكون ذا مسلك أيضاً. وأن المحبّة يجب أن تصاحب الحقيقة، فإذا صاحبت الحقيقة، لابدّ أن تكون وفق سلوك معين، وكونك ذا سلوك معين سوف يخلق لك الأعداء شئت أم أبيت، وهذا في الواقع هو قوّة الدفع الّتي تحمل عدداً من الناس على الاعتراض والمعارضة وتطرد عدداً آخر.
إنّ الحب الّذي يذهب إليه القرآن لا يعني أن نعامل كلّ شخص على وفق هواه ورغبته، فلا نفعل إلاّ ما يجوز رضاه ويجذبه حتماً نحونا. ليست المحبّة أن نترك كلّ امرىءٍ حرّاً فيما يشاء ويهوى ونؤيده في ذلك. ليس هذا من المحبّة في شيء، بل هو النفاق والازدواجية. فالمحبّة تصاحب الحقّ وتوصل الخير. [١٢]
مكانة التولي في عقائد الشيعة
يعتبر التولّي ثمرة طبيعية وغصناً من الغصون المتفرعة عن شجرة محبّة أهل البيت عليهم السلام، بل يعتبر من المفاهيم المحورية والركائز الأساسية في الثقافة الشيعية التي توزعت على أكثر من محور من محاور البحث العلمي والمعرفي فقد تمّت دراسته من الزاوية الفقهية والكلامية والأخلاقية والنفسية و... بل اعتبر التولّي والتبرّي شرطا في قبول العمل الصالح، وهذا ما أشارت إليه الروايات الكثيرة، حيث اعتبر البعض منها أنّ التولّي والتبرّي من فروع الدين وأنهما من الواجبات الشرعية.[١٣] وأن المحتضر والميت يلقن بهما.[١٤] التولي من المفاتيح المهمة لمعرفة العقيدة الشيعية إلى جانب التبري ((أي التولي لأهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم و التبري من أعدائهم)). و هما شرطان أساسيان لقبول الأعمال الصالحة عند الله تعالى، و بدونهما لا يقبل أي عمل من الأعمال.
ويعد التولي وكذلك التبري من فروع الدين عند الشيعة ومن الواجبات الفقهية.[١٥] و يلقن بهما المحتضر و كذلك الميت،[١٦] و من هنا تعرف أهميتهما عند الشيعة.
مصاديق التولي
قد يعتقد البعض أن المقصود من الولاية لأهل بيت النبي محمدصلى الله عليه وآله وسلم تكون من خلال حبه لهم. ولكن هذا الفهم غير صحيح فالمراد من التولي هو الإعتقاد بإمامتهم وتقديمهم على غيرهم و الإعتقاد بأنهم خلفاء النبي محمدصلى الله عليه وآله وسلم.[١٧] وبشكل مختصر نقول إن التولي ينطوي على مراتب و مصاديق هي:
- قبول ولاية الله تعالى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم و إمامة أهل البيت (عليهم السلام).
- حب الله و جميع الأنبياء و الأئمة من أهل البيت(ع) والسيدة فاطمة الزهراء.
- حب المؤمنين والسائرين في طريق الله.
التولي و التبري في زيارة عاشوراء
هناك عبارات وردت في زيارة عاشوراء تدل على التولي و التبري، و من هذه المقاطع:
- یا اَباعَبْدِاللهِ اِنّی سِلْمٌ لِمَنْ سالَمَکمْ وَ حَرْبٌ لِمَنْ حارَبَکمْ اِلی یوْمِ الْقِیامَةِ؛
- یا اَبا عَبْدِاللهِ اِنّی اَتَقَرَّبُ اِلی اللهِ وَ اِلیٰ رَسُولِهِ، وَ اِلیٰ امیرِالْمُؤْمِنینَ وَ اِلیٰ فاطِمَةَ، وَاِلَی الْحَسَنِ وَ اِلَیک بِمُوالاتِک، وَ بِالْبَرائَةِ مِمَّنْ قاتَلَک وَ نَصَبَ لَک الْحَرْبَ.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- البحراني، هاشم، غاية المرام وحجة الخصام في تعيين الإمام، تحقيق: علي عاشور، بيروت، مؤسسة التاريخ العربي، ط 1، 1422 هـ/ 2001 م.
- البحراني، يوسف، الحدائق الناضرة، قم، مؤسسة النشر الاسلامي، 1408 هـ.
- البحراني، يوسف، الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب، تحقيق: مهدي الرجائي، قم، ط 1، 1419 هـ.
- الحر العاملي، محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، قم، مؤسسة آل البيتقالب:عليهم السلام لإحياء التراث، 1410 هـ.
- الطبرسي، علي بن الحسن، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، تحقيق: مهدي هوشمند، قم، دار الحديث، ط 1، 1418 هـ.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1403 هـ/ 1983 م.
- المطهري، مرتضى، الإمام عليّ (عليه السلام) في قوّته الجاذبة والدافعة، ترجمة: جعفر صادق الخليلي، بيروت، مؤسسة البعثة، ط 2، 1412 هـ/ 1992 م.
- كاشف الغطاء، جعفر، كشف الغطاء، مشهد، مكتب الإعلام الإسلامي، د.ت.
- ↑ الطبرسي، مشكاة الأنوار في غرر الأخبار، ص 125.
- ↑ البحراني، الحدائق الناضرة، ج 18، ص 423.
- ↑ الشورى: 23.
- ↑ المائدة: 55.
- ↑ الممتحنة: 13.
- ↑ البقرة: 165.
- ↑ البحراني، غاية المرام، ج 6، ص 46 ــ 71.
- ↑ البحراني، غاية المرام، ج 6، ص 72-91.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 27، ص 58.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 27، ص 74 ــ 78.
- ↑ المجلسي، بحار الانوار، ج 27، ص 78 ــ 79، و ج 26، ص 158.
- ↑ الشهيد المطهري، جاذبه ودافعه علي(ع)، ص 145 وانظر الشهيد مطهري: الإمام عليّ (عليه السلام) في قوّته الجاذبة والدافعة، ترجمة جعفر صادق الخليلي مقدمة الكتاب.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 16، ص176.
- ↑ کاشف الغطاء، کشف الغطاء، ج 2، ص 251.
- ↑ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج 16، ص 176.
- ↑ كاشف الغطاء، كتاب كشف الغطاء، ج 2، ص 251.
- ↑ البحراني، كتاب الشهاب الثاقب في بيان معنى الناصب، ص 144.