عبد الله بن سبأ
عبد الله بن سبأ، من أكثر الشخصيات إثارة للجدل في العقدين الثالث والرابع من القرن الأول الهجري، وقد رويت عنه حكايات متضاربة في المصادر التاريخية والرجالية.
ذكر اسم عبد الله بن سبأ لأول مرة من قبل المؤرّخ محمد بن جرير الطبري، أما في المصادر الشيعية فقد ورد ذكره لأول مرة في كتاب رجال الكشي. وبحسب هذه المصادر فهو يهودي اعتنق الإسلام في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان.
المؤرّخون من أهل السنّة يعتبرون عبد الله بن سبأ السبب الرئيسي في الثورة ضد عثمان، وأنه مؤسس المذهب الشيعي. لكن يقول مؤرّخي الشيعة: إن المسلم الجديد لا يمكن أن يؤثّر على المجتمع بما يكفي للتحريض أو يُقلّب الناس ضد الخليفة. وقد اعتبر بعض علماء الشيعة عبد الله بن سبأ من الغلاة، كما اعتبر البعض الآخر أن هذه الشخصية لا وجود لها أساساً.
هناك عدة دراسات عن ابن سبأ، أكثرها تفصيلاً كتاب عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى للباحث الشيعي السيد مرتضى العسكري (1332- 1428 هـ) .
شخصيته
بناءً على ما ذكره المؤرّخ السني محمد بن جرير الطبري، كان عبد الله بن سبأ يهودياً ومن أهل صنعاء عاصمة اليمن. اعتنق الإسلام في عهد الخليفة الثالث.[١] كذلك وفقاً لما قاله الطبري أن ابن سبأ كان يعتقد بأن عثمان بن عفان كان غاصباً للخلافة مما حرّض الناس على القيام ضده.[٢]
أما المؤرّخ الشيعي رسول جعفريان يعتقد أن لا يمكن اعتبار المجتمع المسلم ضعيفاً لدرجة أن سبب الثورة ضد الخليفة هو يهودي قد دخل للإسلام حديثاً.[٣]
اختلاف الآراء في عبد الله بن سبأ
اختلفت الآراء حول شخصية عبد الله بن سبأ في المصادر الإسلامية. ففي المصادر السنية يعتبر عبد الله ابن سبأ مؤسس الشيعة، وأنه سبب الثورة على عثمان بن عفان الخليفة الثالث. وهو عند الكثير من علماء الشيعة من الغلاة. كما أن بعض علماء الشيعة المعاصرين يعتبرون أن لا وجود له في الواقع الخارجي. الطبري المؤرخ السني وكثير من الناس تبعاً له، يعتبر عبد الله بن سبأ السبب الرئيسي لأحداث مهمة في بداية الإسلام، مثل اغتيال عثمان وتأسيس المذهب الشيعي.[٤]
ويعتبر علماء الشيعة أن عبد الله بن سبأ من المحبين الذين بالغوا في الإمام علي، والذي رفعه إلى مرتبة الإله، ولهذا لعنه أئمة الشيعة.[٥] كما يعتقد بعض المحققين المعاصرين مثل العلامة الطباطبائي والعلامة العسكري والدكتور طه حسين أن شخصاً اسمه عبد الله بن سبأ لم يكن موجوداً في الواقع الخارجي، وأن شخصيته من صنع أشخاص مثل سيف بن عمر.[٦]
يؤكّد علي الوردي وهو باحث اجتماعي، أن نظرية عبد الله بن سبأ وهمية، مدعياً أن معظم الصفات التي ذكرت له في تاريخ الطبري وما شابه كانت موجودة في عمار بن ياسر، وهو من صحابة نبي الإسلامصلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي. واستنتج أن عمار بن ياسر يمكن اعتباره قائد السبائيين أو هو عبد الله بن سبأ نفسه.[٧]
علاقة عمار بن ياسر القوية بالإمام علي ودعوته للناس في مبايعة أمير المؤمنين، ودوره الفاعل في حرب الجمل، هي من الأمور المشابهة بين شخصية عمار وعبد الله بن سبأ.[٨]
تقييم المصادر
من بين المصادر التي ذكرت عبد الله بن سبأ هو تاريخ الطبري لأهل السنة، ورجال الكشي للشيعة. إنّ أول مصدر هو تاريخ الطبري (224 - 310 هـ). وكان سنده في قصة عبد الله بن سبأ هو شخص اسمه سيف بن عمر. وقد نقل مؤرّخون آخرون مثل ابن الأثير (ت 630 هـ)، وابن عساكر (ت 571 هـ) الحديث بالإشارة إلى سيف بن عمر.
الراوي الرئيسي للطبري في إثبات وجود ابن سبأ هو سيف بن عمر، وفي نظر الكثير من علماء أهل السنة أنه ضعيف ولا يمكن الاعتماد عليه. علماء مثل يحيى بن معين (ت 233 هـ) والنسائي (ت 303 هـ)، [٩] وأبو داوود (ت 275 هـ)،[١٠] وابن حماد العقيلي (ت 322 هـ)،[١١] وابن أبي حاتم (ت 327 هـ)،[١٢] وابن حبان (ت 354 هـ)،[١٣] ذكروه بعناوين: ضعيف في الرواية، واضع للحديث، وغير قابل للاعتماد.
كما اعتبر بعض العلماء أن الروايات الموجودة في رجال الكشي عن ابن سبأ غير معتبرة، كما ذكر المؤرّخ السيد مرتضى العسكري دليلين على ذلك:
- هذه الروايات غير موجودة في كتب الشيعة الأربعة، وهذا دليل على عدم وثاقة علماء الشيعة في هذه الروايات.
- قد اعتبر علماء مثل النجاشي، ومحمد النوري، ومحمد تقي الشوشتري أن كتاب الكشي فيه اشتباهات وأخطاء وروايات ضعيفة.[١٤]
الدراسات
قد ذُكر موضوع عبد الله بن سبأ في مؤلّفات كثيرة وأصبح مورداً للاهتمام، من بينها كتاب الفتنة الكبرى لطه حسين، وكتاب وعاظ السلاطين لعلي الوردي، حيث ذُكر فيهما عبد الله بن سبأ. وتوجد هناك كتب أخرى مستقلة في هذا الشأن:
- عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى: هذا الكتاب من مؤلفات السيد مرتضى العسكري (1386 - 1383 ش) وهو كاتب سيرة ومؤرّخ شيعي، نُشر عام 1375 هـ/ 1335 ش. تمت ترجمة هذا الكتاب إلى الإنجليزية والفارسية والأردية والتركية.
- آراء وأصداء حول عبد الله بن سبأ وروایات سیف في الصحف السعودیة: في هذا الكتاب انتقادات لأساتذة جامعات المملكة العربية السعودية في منشورات هذا البلد وهو نقد على كتاب عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى. وهناك ردود وأجوبة للسيد مرتضى العسكري.
- عبد الله بن سبأ بمعنى آخر: هذا الكتاب من تأليف أسد حيدر (1911 - 1980 م). ترجمته بالفارسية تحت عنوان: رؤية جديدة عن عبد الله بن سبأ.
- عبد الله بن سبأ بين الواقع والخيال: للسيد هادي خسروشاهي (1317 - 1398 ش).
- عبد الله بن سبأ حقيقةٌ أم خرافة: لعلي آل محسن. هذا الكتاب بعنوان عبد الله بن سبأ حقيقة أم خيال قد تُرجم إلى الفارسية.
الهوامش
المصادر والمراجع
- ابن أبي حاتم، عبد الرحمن بن محمد، الجرح والتعديل، حيدر آباد، مجلس دائرة المعارف العثمانية، 1371هـ 1952 م.
- ابن اثير الجزري، علي بن محمد، الکامل في التاريخ، بيروت، دار صادر، 1385 هـ.
- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، تهذيب التهذيب، هند، مطبعة دائرة المعارف النظامية، 1326 هـ.
- ابن حماد العقيلي، محمد بن عمرو، الضعفاء الکبير، تحقيق: عبد المعطي امين قلعجي، بيروت، دار المکتبة العلمية،1404 هـ، 1984م.
- ابن عساکر، علي بن حسن، تاريخ مدينة دمشق، تحقيق: علي شيري، بيروت، دار الفکر، ط، د.ت.
- ابنحبان، محمد، المجروحين من المحدثين والضعفاء والمتروکين، تحقيق: محمود ابراهيم زايد، حلب، دار الوعي، 1396 هـ.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، 1403 هـ.
- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الأمم و الملوك، تحقيق: محمد أبو الفضل ابراهيم، لبنان، بيروت، د. ط، د.ت.
- الطوسي، محمد بن الحسن، رجال الكشي، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ط1، 1427 هـ.
- العسكري، السيد مرتضى، عبد الله بن سبأ وأساطير أُخرى، بيروت، دار الزهراء، ط6، 1412 هـ.
- النسائي، أحمد بن شعيب، الضعفاء والمتروکون للنسائي، حلب، دار الوعي، 1396 هـ.
- الوردي، علي، وعاظ السلاطين، لندن، دار كوفان، ط 2، 1995 هـ.
- جعفريان، رسول، تاريخ الخلفاء من وفاة الرسول إلى سقوط الأمويين، قم، دليلنا، 1394 ش.
- حسين، طه، الفتنة الكبرى، القاهرة، دار المعارف، ط13، د.ت.
- ↑ الطبري، تاریخ الأمم و الملوك، ج 4، ص 340۰.
- ↑ الطبري، تاریخ الأمم و الملوك، ج 4، ص 340۰.
- ↑ جعفریان، تاریخ الخلفاء، ص 160.
- ↑ الطبري، تاریخ الامم و الملوك، ج 4، ص 340؛ ابناثیر، الکامل في التاریخ، ج 3، ص 154؛ ابنعساکر، تاریخ مدینة دمشق، ج 29، صص 3-6.
- ↑ الطوسي، اختیار معرفة الرجال، ج 1، ص 323-324.
- ↑ العسکري، عبد الله بن سبأ و أساطیر أخری، ج 2، ص 308؛ الطباطبائي، عبد الله بن سبأ، ص 194؛ طه حسین، الفتنة الکبری، ج 2، ص 134.
- ↑ الوردي، وعاظ السلاطین، ص 174.
- ↑ الطباطبائي، عبد الله بن سبأ، صص 220-221.
- ↑ النسائي، الضعفاء والمتروکون، ص 50.
- ↑ ابن حجر، تهذیب التهذیب، ج 4، ص 295.
- ↑ ابنحماد، الضعفاء الکبیر، ج 2، ص 175.
- ↑ ابن ابي حاتم، الجرح والتعدیل، ج 4، ص 278.
- ↑ ابن حبان، المجروحین، ج 1، ص 345.
- ↑ العسکري، عبد الله بن سبأ و أساطیر أخری، ج 2، صص 177-180.