ابن سنان الخفاجي
ابن سنان الخفاجي، أبو محمد عبد الله بن محمد (تـ 466هـ/ 1074م)، أديب وشاعر شامي شيعي. صاحب كتاب "سر الفصاحة" في البلاغة. تولى إدارة قلعة عزاز القريبة من الكوفة في فترة الأمير محمود بن نصر وقد قتل ابن سنان بأمره.
نسبه وأسرته
يعود أصله إلى قبيلة خفاجة التي هاجرت في مطلع القرن 4هـ/ 10م من الصحراء العربية والحجاز إلى الشام الأعلى[١]. وقد دان أهل حلب بعقيدة الإمامية الاثني عشرية على الأغلب آنذاك بمساع من سيف الدولة الحمداني (301ـ356هـ)،[٢] ولذلك ربما كانت أسرة ابن سنان شيعية المذهب أيضا. وكان والده من أشراف بني خفاجة (الصعيدي، "ج").
الولادة
ويبدو مما ذكره ابن خلكان (ج5، ص 273)، أنه ولد في الربع الأول من القرن 5هـ.[٣]
التعلّم
قرأ أولا القرآن الكريم والحديث، وأتم فنون الأدب على علماء حلب، وأصبح من المحدّثين وقرّاء القرآن.[٤] وقد عرفه القاصي والداني لقراءته القرآن بأسلوبه الخاص وبنغمة أهل حلب.[٥]
أساتذته
من أساتذته أبو نصر المنازي وأبو العلاء المعري حيث رحل إلى مدينة معرة النعمان للاستفادة من درسه فاستقبله بحفاوة وتكريم.[٦]
نظم الشعر
نظم ابن سنان الشعر صغيرا، ورثى مخلص الدولة المنقذي في 435هـ وهو لا يزال يافعا،[٧] ورثى أخاه أبا المغيث في 439هـ،[٨] وحينما توفيت والدته في 446هـ رثاها أيضا ولهذا اشتهر شاعرا وهو في عنفوان شبابه. وأنشد أبو العلاء بن حسول [٩] الباخرزي بيتين له بالري في دار الكتب سنة 443هـ.[١٠]
في البلاط
تحلى ابن سنان بعدد من الفضائل بالإضافة إلى الشعر والأدب، وسرعان ما دخل بلاط الأمراء الشيعة في الشام الأعلى والجزيرة منهم بنو منقذ وبنو ملهم ولا سيما آل مرداس [١١]، فمدح أمراءهم وجالس كتابهم ووزراءهم،[١٢] وشق طريقه عن هذا السبيل في السياسة فأرسله آل مرداس سفيرا إلى القسطينية في 453هـ.[١٣] وأكبر الظن أن الغاية من سفارته هذه استنجاد [حمود بن نصر بإمبراطور بيزنطة لتقوية مركزه تجاه عمه ثمال.[١٤]
وكان ابن سنان كمن عاصره من الشعراء كابن أبي حصينة وابن حبوس يتلقى راتبا سنويا في بلاط آل مرداس فضلا عن الهدايا والأعطيات، ومنح أيضا لقب "أمير" لما له من مكانة في الأدب والسياسة.[١٥] وسافر إلى مصر ومدح ناصر الدولة بن حمدان الثاني بعدّة قصائد.[١٦] ويروى أيضا أنه سافر إلى مكة في 463هـ.[١٧]
ديوان شعره
وبالنظر إلى هذه العلاقات والمعلومات يمكن اعتبار ديوان شعره وثيقة تاريخية موثوقة عن تلك الفترة بالإضافة إلى ما فيها من قيمة فنية. ذلك أنه يتضمن معلومات تاريخية زاخرة عن العلاقات بين آل مرداس وكل من الإمبراطورية البيزنطية والخلافة الفاطمية.[١٨] كما أن الوصف الذي أورده عن فن بناء القصور والقلاع وزخرفتها من الداخل والخارج في غاية القيمة، خاصة وأنه لم يبق أثر من هذه الأنبية اليوم.[١٩]
تولي قعلة عزاز
وكان قد خطر للأمير محمود بن نصر في 465هـ أن يؤمر على قلاعه رجالا من أهل حلب،[٢٠] فاختار ابن سنان لقلعة عزاز الواقعة قرب حلب وهي ذات موقع استراتيجي وذلك رأي وزيره ابن أبي الثريا، وتأييد كاتبه أبي نصر ابن النحاس الذي كان صديقا لابن سنان.[٢١]
مدحه للأمير محمود
وقبل ذلك بسنتين، حينما خطب الأمير محمود بإيعاز من شيوخ القبائل في شوال 463/ تموز 1071 باسم الخليفة العباسي القائم بأمر الله، مدحه ابن سنان بقصيدة،[٢٢] غير أن عامة أهالي حلب لم يرضوا عن ذلك، وما أن قرئت الخطبة الأولى باسم القائد وألب أرسلان حتى تركوا المسجد، واضطر الأمير في الأسبوع التالي إلى أن يبقي الناس فيه بقوة السيف، حتى يتم صلاته. غير أن النقمة لم تخمد، فضعفت مكانته.[٢٣] ويبدو أن هذه الأوضاع هي التي دعت ابن سنان إلى شق عصا الطاعة ضد محمود وعصى في قعلة عزاز.
مقتله
استدعى الأمير محمود ابن سنان عدة مرات للحضور، فلم يستجب، وأخيرا هدد أبا نصر ابن النحاس بالقتل إن لم يخلصه منه، فذهب أبو نصر إلى القلعة واحتال عليه وسمه فارداه قتيلا دون إثارة للنفوس،[٢٤] ولم يسمح الامير محمود بأن يشترك ابنه في تشييع جثمان أبيه من القلعة إلى حلب، وربما كان ذلك خوفا من انكشاف المؤامرة، غير أنه حضر بنفسه مع عدد من أسرة ابن سنان مراسم التشييع وصلى عليه بنفسه؛[٢٥]
أدبه
الشعر
وتشبه في شعره بالشريف الرضي منذ كان يافعا حتى إنه عارض بعض قصائده.[٢٦] يمتاز شعره بالبساطة والرقة وأنه سهل ممتنع، ولكنه مع ذلك يطفح بالصناعات البلاغية والبديعية كالتشبيه والتورية والأمثال. وقد نظم القصائد والمقطوعات الغزلية وغير الغزلية وحتى الرسائل المنظومة في مختلف الأغراض كالمدح والرثاء والفخر والملاحم والعتاب والزهد والحكمة والهزل ووصف الطبيعة والدفاع عن أصول المذهب الشيعي.[٢٧]
واقتبس الشعراء بعض ما ابتكر من المعاني.[٢٨] كما أن ابن داغر الحلي وهو شاعر شيعي عاش في القرن 9هـ / 15م ضمن بيتا معروفا لابن سنان في مدح الإمام علي (ع) في قصيدة له على نفس الوزن والقافية.[٢٩]
النثر
أما أسلوبه في النثر فهو فني وواضح لا تعقيد فيه وعلمي نقدي، ولكنه ومع ذلك مزج المباحث والمواضيع المختلفة والمتنوعة بشكل يصعب معه تقسيمها وتبويبها،[٣٠] وألف كتابه سر الفصاحة في علم البلاغة بنفس الأسلوب، فأصبح مؤسس مدرسة لها ميزاتها الخاصة (الصعيدي، "هـ ـو"). أثرت مدرسة ابن سنان في آثار الأدباء والنقاد الكبار بعده كـالسكاكي وابن الأثير والخطيب القزويني وحتى السبكي تأثيرا يستحق الدراسة.[٣١]
البلاغة
وقد عرف ابن سنان بأنه صاحب رأي مهم في كتب البلاغة، ونقدت آثاره ودرست واستند إليها.[٣٢]
قيمة كتاب سر الفصاحة
يقول ابن الأثير "لم يجد ما ينتفع به في ذلك [علم البلاغة والبيان] إلا كتاب الموازنة للآمدي وكتاب سر الفصاحة لأبي محمد عبدالله ابن سنان الخفاجي.[٣٣] كما يرى ابن سنان نفسه بأن كتابه "فريد في باب غريب في غرضه".[٣٤] ورغم أن موضوع الكتاب الأصلي هو الفصاحة والبلاغة غير أن ابن سنان أورد فيه جريا على أسلوبه المزجي، البحوث الصرفية واللغوية والنحوية والمنطقية والكلامية وحتى البحوث المتعلقة بالأصوات في اللغة العربية،[٣٥] والحروف الهجائية،[٣٦] مما دعا حاجي خليفة إلى الخطأ في تحديد موضوعه (ج2، ص 988)، وردد القمي هذا الخطأ أيضا.[٣٧] والأسلوب المزجي الذي اتبعه في تأليف سر الفصاحة أدى إلى عدم الاكتراث بهذا الكتاب، بينما هو أسهل وأكثر فائدة من كتاب السكاكي وكتابي عبد القاهر، دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة.[٣٨]
آثاره
المطبوعة
- الأصوات ومخارج الحروف العربية، حققه فؤاد حنا الترزي وطبع في بيروت (1382هـ/ 1962م)
- ديوان شعر الخفاجي، طبع في بيروت (1316هـ)
- سرالفصاحة، حققه مرة علي فودة وطبع في القاهرة (1350هـ/ 1932م)، وطبع ثانية فيها (1372هـ/1953م) بتحقيق عبد المتعال الصعيدي.
المفقودة
- الحكم بين النظم والنثر، صغير الحجم[٣٩]
- حكم منثورة[٤٠]
- الصرفة، كتاب حول "نظرية الصرفة" للرماني في إعجاز القرآن الكريم[٤١]
- عبارة المتكلمين في أصول الدين، كتاب في علم الكلام وأصول العقائد[٤٢]
- العروض
- في رؤية الهلال[٤٣]
الهوامش
المصادر
- ابن الأثير، ضياء الدين، المثل السائر، تقـ: أحمد الحوفي وآخرون، القاهرة، 1379هـ/ 1959م
- ابن الأثير، عز الدين، الكامل
- ابن تغري بردي، النجوم
- ابن خلكان، وفيات
- ابن سنان، عبد الله، سر الفصاحة، تقـ: عبد المتعال الصعيدي، القاهرة، 1372هـ/ 1953م
- ابن شاكر الكتبي، محمد، فوات الوفيات، تقـ : إحسان عباس، بيروت، 1972م
- ابن ظافر، علي، بدائع البدائه، تقـ: محمد أبوالفضل إبراهيم، القاهرة، 1970م
- ابن العديم، عمر، زبدة الحلب، تقـ : سامي الدها، دمشق، 1372هـ
- ابن القلانسي، حمزة، ذيل التاريخ، دمشق، بيروت، 1908م
- ابن معصوم المدني، علي، أنوار الربيع، تقـ: شاكر هادي شكر، كربلاء، 1389هـ
- الأمين، محسن، أعيان الشيعة، تقـ: حسن الأمين، بيروت، 1403هـ
- الأميني، عبد الحسين، الغدير، بيروت، 1387هـ
- الباخرزي، علي، دمية القصرن تقـ: محمد التونجي، دمشق، 1391هـ
- حاجي خليفة، كشف
- الزركلي، الأعلام
- زكار، سهيل، إمارة حلب، دمشق، دار الكتاب العربي
- السمعاني، عبد الكريم، الأنساب، تقـ: عبد الرحمان بن يحيى المعلمي، حيدر آباد الدكن، 1385هـ/ 196م
- السيد، عز الدين علي، التكرير، بيروت، 1407هـ/ 1986م
- الصعيدي، عبد المتعال، مقدمة سر الفصاحة (ظ: همـ، ابن سنان)
- الصفدي، خليل، الوافي بالوفيات، تقـ: دوروتيا كرافولمسكي، بيروت، 1401هـ/ 1981م
- الطباخ، محمد راغب، إعلام النبلاء، حلب، 1343هـ/ 1925م
- عباس، إحسان، تاريخ النقد الأدبي عند العرب، عمان، 1971م
- عماد الدين الكاتب، محمد، خريدة القصر، قسم شعراء الشام، تقـ: شكري فيصل، دمشق، 1378هـ/ 1959
- فروخ، عمر، تاريخ الأدب العربي، بيروت، 1984م
- الفقي، محمد كامل، "ابن سنان الخفاجي وسر الفصاحة"، مجلة الأزهر، القاهرة، 1361هـ/ 1942م، ج16/ عدد 1
- فيصل، شكري، حواش على خريدة القصر (ظ: همـ، عماد الدين الكاتب)
- القمي، عباس، الكنى والألقاب، النجف، 1389هـ
- القمي، عباس، هدية الأحباب، طهران، 1362ش
- كحالة، عمر رضا، معجم المؤلفين، بيروت، دار إحياء التراث العربي
- نصر الله، إبراهيم، حلب والتشيع، بيروت، 1403هـ
- ياقوت، الأدباء
- ياقوت، البلدان
- ↑ (ظ: زكار، ص 59)
- ↑ ظ: زكار، ص 212ـ215
- ↑ قا: كحالة، ج5، ص 120؛ الصعيدي، "ج"؛ الزركلي، ج4، ص 122
- ↑ ابن تغري بردي، ج5، ص 96؛ نصر الله، ص 98
- ↑ الطباخ، ج4، ص 142
- ↑ ابن شاكر، ج2، ص 220؛ الصفدي، ج17، ص 504؛ الطباخ، ج4، ص 142
- ↑ ابن خلكان، ج5، ص 270
- ↑ ابن خلكان، ج5، ص 273
- ↑ ظ: ن.د، ج1، ص 490
- ↑ الباخرزي، ج1، ص169
- ↑ الباخرزي، ج1، ص 169
- ↑ عماد الدين، ج2، ص 69، 178؛ الأمين، ج8، ص 71
- ↑ ابن القلانسي، ص 91؛ زكار، ص 26؛ الأمين، ج8، ص 71
- ↑ ظ: زكار، ص 130
- ↑ زكار، ص 221ـ222
- ↑ الأمين، ج8، ص 71
- ↑ فيصل، ج3، ص 76
- ↑ زكار، ص 25ـ26
- ↑ زكار، ص 25ـ26
- ↑ ابن العديم، ج2، ص 36؛ زكار، ص 146
- ↑ ابن العديم، ج2، ص 36ـ37
- ↑ ابن الأثير، عز الدين، ج10، ص 63؛ الأمين، ج8، ص 81
- ↑ ظ: الصعيدي، ص 215
- ↑ ابن العديم، ج2، ص 37ـ39؛ ابن شاكر، ج2، ص 220، الصفدي، ج17، ص 505
- ↑ ابن النديم، ج5، ص170؛ الأمين، ج8، ص 71؛ فروغ، ج3، ص168؛ نصر الله، ص 9
- ↑ الأمين، ج7، ص 75
- ↑ ظ: ياقوت، البلدان، ج3، ص 170، ج4، ص 1004؛ عماد الدين، ج3، 75ـ76؛ الصفدي، ج17، ص 504ـ508؛ ابن شاكر، ج2، ص221ـ224؛ ابن خلكان، ج1، ص 459، ج3، ص 235، ج5، 273؛ ابن تغري بردي، ج5، ص 96؛ الأمين، ج8، ص 71ـ82؛ الصعيدي، "ك ـ ن"؛ نصر الله، ص 98ـ100؛ فروخ، ج3، ص 168ـ169
- ↑ ابن خلدون، ج1، ص 459؛ عماد الدين، ج3، 75ـ76
- ↑ ظ: الأميني، ج7، ص 24ـ25
- ↑ ظ: ابن سنان، مخـ؛ الصعيدي، "وـز"
- ↑ الفقهي، ص 190ـ192
- ↑ ظ: ابن الأثير، ضياء الدين، ج1، 36، ج2، ص 109ـ110؛ ج3، ص 213؛ الفقي، ص 190ـ192؛ ابن معصوم، ج5، ص 280، ج6، ص 253ـ254، 270؛ السيد، ص 104ـ106
- ↑ ج1، ص 35ـ36
- ↑ ص5
- ↑ ظ: ص 5ـ14
- ↑ ص 15ـ21
- ↑ ظ: الكني، ج2، ص 217؛ هدية، ص 133
- ↑ الصعيدي، "ي"
- ↑ ابن شاكر، ج2، ص 222؛ الصفدي، ج17، ص 505
- ↑ ابن شاكر، ج2، ص 222؛ الصفدي، ج17، ص 505
- ↑ ياقوت، الأدباء، ج3، ص 139؛ ابن شاكر، ج2، ص 222؛ الصفدي، ج17، ص 505
- ↑ ابن شاكر، ج2، ص 222؛ الصفدي، ج17، ص 505
- ↑ ابن شاكر، ج2، ص 222؛ الصفدي، ج17، ص 505