السيد جمال الدين الأفغاني
السيد جمال الدين الأسد آبادي (1254 - 1314 هـ) كما اشتهر بجمال الدين الأفغاني في الوسط العربي، يعد داعية إسلامي، بعد أن حمل عقيدة التقريب والإصلاح بين الفرق الإسلامية. كما يعتبر من المثقفين الذين سعوا من أجل توحيد كلمة المسلمين بأجمعهم -من دون إعطائه طابعاً قومياً أو مذهبياً- فقام بالسفر إلى أرجاء المعمورة والبلاد الإسلامية.
تركت أفكاره أثراً بالغاً في نفوس المثقفين وأصحاب الرأي خاصة في ايران ومصر.
لا تجتمع كلمة الباحثين فيما يخصّ مولد الرجل وحياته وأفكاره.
من تلاميذه من قام بتصفية السلطان الإيراني ناصرالدين شاه القاجاري عام 1313 هـ.
الولادة والنسب
أبوه السيد صفدر الحسين، وأمّه سكينة بيكم. تعدّ الأسرة -بحسب المصادر- من السادة الحسينيین.[١]ولد سنة 1254 هـ (1839 م) في قرية أسد آباد التابعة لمدينة همدان الإيرانية، وقيل في قرية أسعد آباد الأفغانية. فهذا الغموض الذي أحاط بمسقط رأسه صار السبب الرئيسي للاختلاف في أصل هويته، بين من يعتبره إيرانياً ومن يراه أفغانياً.
قد أكّد شخص يدعى صفات الله الجمالي - يقال بأنه حفيد أخت جمال الدين - على أن أحد أبرز الأدلة المثبة لأصول الشخصية، هو تواجد الكثير من أفراد عشيرته الذين لايزال يقطنون في أسد آباد الإيرانية، "فكون السيد من أصول إيرانية، أظهر من الشمس وأبين من أمس" على حد قوله.[٢]
تضمنت الوثائق التاريخية شواهد وقرائن تدل على جنسيته الإيرانية، إضافة إلى امتلاكه جوازين إيرانيين للسفر.[٣] يرى البعض بأن نضال السيد جمال الدين في سبيل الدعوة إلى نبذ الطائفية والفرقة ما بين أبناء الأمة الإسلامية کان السبب الرئيسي بأن لا يُفصح لا عن جنسيته ولا مذهبه الواقعيين، كما ألزمه ألا يكتسي بزيّ يدل على انتمائه العرقي أو الطائفي أحياناً، فكان يعتبر نفسه مسلماً وحسب، ليمكنه من بناء أواصر الصداقة مع الشخصيات العلمية وعلماء أهل الجماعة إلى جانب الشيعة منهم، وأن يتعامل معهم دون قيود.[٤]
فقد صرّح - على سبيل المثال - في مقابلة مع صحيفة بال مال: "أنا أفغاني من أنقح عرقٍ ايراني".[٥]
مع ذلك ينسبه البعض إلى أسد آباد أو أسعد آباد الأفغانية، ويروون بأن جمال الدين همّ بالدراسة في كابل، ثم غادرها نحو الهند لإكمالها. والدليل على ذلك أنه أعرب عن هويته في عباراة تضمنتها رسائله، قائلاً: أن البريطانيين يعتبرونه روسياً والسنة رافضياً والشيعة ناصبياً. "لا ينتسب بي الكافر ولا يتخذني المسلم أخاً. أُقصيت من المسجد وأُحجبت من الدير، فقد حِرت بمن أتشبث ومن أُجادل".[٦]
الدراسة
بدأت حياته العلمية منذ طفولته وهو في الخامسة من العمر، فتعلم القرآن وقواعد اللغة العربية بإشراف أبويه في مستهلّ مشواره، ثم رحل مع أبيه (السيد صفدر) سنة 1264 هـ إلى مدينة قزوين ولبث فيها 4 سنوات؛[٧] ليلتحق بمدرسة العلوم الدينية، فدرس هناك العلوم العربية والمنطق إلى جانب الفقه وأصوله، ثم ذهب مع أبيه إلى طهران العاصمة بعد سنتين، وتابع دراسته عند العالم الفاضل آنذاك السيد محمد صادق الطباطبائي الهمداني، فانضمّ إلى المؤسسة الدينية.[٨]
غادر جمال الدين وأبوه طهران نحو العتبات المقدسة سنة 1266 هـ قاصداً النجف، فبعد مكوث ثلاثة أشهر في مدينة واقعة على الطريق باسم بروجرد والنقاش العلمي مع علمائها دخل مدينة النجف. يقال بأنه حضر 4 سنوات حلقات درس الفقيه الشيعي الشهير الشيخ مرتضى الأنصاري.
ثم اتجه نحو مدينة بومباي الهندية عبر الأراضي الإيرانية مرة أخرى سنة 1270 هـ[٩]بتقدير بعض الخبراء كانت هذه الرحلة في سنة 1282 هـ. المعروف أن مدة إقامته في النجف كان يفكر في "طريق لإيجاد أواصر العلاقة، بين الحكومات والأمم الإسلامية" وحاول لتطبيق الخطة بإشراف السلطان العثماني. فبادئ ذي بدء، راسل مدحت باشا وطلب منه إصدار توصيات إلى أصحاب السلطة الهندية والأفغان ومنطقة بلوتشستان، لما كان يتطلّع إلى زيارتها.[١٠]
الرحلات
سافر إلى الهند بعد إكمال دراساته الأولية، ما أدى إلى تطور في حياته وتكوين شخصيته الجديدة. أحاط على بعض المشاكل لدى المسلمين في الهند إلى حد، كما عرف آليات حلّها وكيفية تطوّر المسلمين، والذي لا يحصل إلا باتحادهم وبمقاومة قوى الاستعمار، فأخذ يسافر إلى مختلف الدول الإسلامية والأوروبية، فكانت فترات إقامته في مختلف البلدان قصيرة، ويتردّد بينها لنشر عقائده.[١١]
أعمال ونشاطات
على بعض الأقوال شدّ الرحال إلى الهند بإيعاز من المرجع الشيعي عندئذ الشيخ الأنصاري ليتحرّى أوضاع المسلمين هناك عن كثب ويعمل على حشدهم ضد الاستعمار البريطاني.[١٢]ذهب إلى مكة وزار الحجاز بعد أن أمضى مدة في الهند، فإتجه نحو افغانستان في ايام حكم الأمير دوست محمد خان فأصبح من خواص أصحابه وخاض معه في حرب هرات. ثم سافر إلى مصر وعاشر علماءها فأشتهر وبدأ يدرّس في الجامعات، المنطق والفلسفة. حضر دروسه الشيخ محمد عبده وثلة من فضلاء البلد.[١٣]
العمل في الماسونية
أخذت أفكار جمال الدين تنتشر بين سنة 1288 و1290 هـ بين الشبان المصريين، ورسخت في نفوسهم. فبعض المصادر تدعي بأنه إلى جانب نشاطاته الثقافية والصحفية، إستغلّ الجمعية الماسونية في سبيل بثّ عقائده السياسية المستقبلية. [١٤]فقيل بعد ذلك التحق بالفرع المصري للجمعية، في سنة 1292 ه متطوعاً، واستناداً لما جاء في رسالة أحد أعضاء الفرع الشرقي للمؤسسة (أوريان) - التي هي في حوزة وثائق لأمين الضرب- قام جمع بترشيحه لتصدي منصب الرئاسة للفرع المصري.[١٥].
اختلفت المصادر في انتماءات المترجم وميوله، خاصة وأن عضويته في الجمعية الماسونية تكتنفها غموض شديد، حيث اعتبرته الأطراف المختلفة عميلاً يعمل لصالح الطرف الآخر. فالبعض نسبه إلى الروس واعتقد بأنّ عمله ضد مصالح بريطانيا العظمى[١٦]والآخر نسبه إلى بريطانيا واعتبر بأنّ عمله ضد مصالح الدولة الروسية.
لکن لم تدم عضويته، وفقاً للمصادر، فاعتراضاً لوفود الملك البريطاني، ولما قاموا به الأعضاء الإيطاليين للفرع من استقبال رسمي له، قدم استقالته للجمعية.
تأسيس الجرائد والمجلات
- الشفيق: ذهب جمال الدين إلى مدينة حيدر آباد الهندية – منفى المبعّدين في الشبه القارة الهندية - في الجمادي الآخرة سنة 1296 هـ، وأصدر مجلة تحت عنوان المعلم الشفيق باللغتين الأردية والفارسية في هذه المنطقة.
- العروة الوثقى: سافر المترجم إلى مدينة باريس في 1301 هـ، وأسس الجريدة التي لم ينشر منها إلا 18 عدداً.
أعماله في مصر
- تشكيل حلقات علمية:
بدأ يشكل حلقاته العلمية والدراسية بشكل رسمي في مصر، حيث حضر فيها العلماء الأعلام من أمثال الشيخ محمد عبده والشيخ عبد الكريم سلمان والشيخ إبراهيم اللقاني والشيخ سعيد زغلول والشيخ إبراهيم الهلباوي.[١٧]كان الشيخ محمد عبده من أبرز تلاميذه على الإطلاق والذي أتبعه لاحقاً، فترك فيه جمال الدين أثراً عميقاً، ما جعله ينشر أفكار الأستاد الإصلاحية، كما لم يكن يقتصر الحضور في حلقاته على المسلمين فحسب، بل شمل أفراداً من الديانات الأخرى، مثل: يعقوب صنوع اليهودي، ولويس صابونجي، وأديب إسحاق، وشبيلي شميل المسيحي.[١٨].
ومن بين ما تأثّر بالسيد جمال الدين هو الأدب المصري. فكان السيد سبباً في تطوير الأدب المصري المتبختر الخاص بالنبلاء والذي كان يفرّط في مديح السلاطين والأمراء وعدّ أعمالهم البارزة، وأعطاها طابعاً جماهيرياً، فبلغة القلم، طالب بالحقوق المدنية للشعوب وتصدّى للاضطهاد وللمضطهدين على حدّ سواء. [١٩].
- تأسيس الحزب الوطني:
ومن ضمن ما قام به في مصر، تأسيس الحزب الوطني الذي اكتسب شهرة وصيتاً بفضل مثابرة جمال الدين وتلاميذه. أقرّ المستشار البريطاني في مصر يدعى "لرد كرومير" في تقرير له، بأنه تقلّص النفوذ البريطاني في البلاد، إلى نسبة 45 والعمل التجاري إلى نسبة 35 بفعاليّات هذا الحزب. إلى ذلك أعلن مركز "دعاة نصارا" بعد مقارنة أجراها بين عمل هذا الحزب والنشاط الذي صرفته كافة المبشّرين المسيحيين طوال مدة 35 سنة على الصعيد القارة الأفريقية، تكون نسبتها 16 مقابل 1.[٢٠].
بلغ تأثير وشعبية هذا الحزب إلى حد وصفه كرومير في تقرير بعثه إلى لندن: "إذا استمرّت فعاليات تنظيم الحزب الوطني ولو لمدة سنة على هذا المنوال، وظلّ السيد جمال الهمداني، المحرّك الرئيسي في آسيا الوسطى والغربية، وأفريقيا الشرقية والشمالية، يعيش هكذا مرتاح وخالي البال في مصر، بهيمنة هذا التنظيم الغريب، سيتمّ القضاء على جلّ المشاريع التجارية والخطط السياسة البريطانية لأفريقيا بالمرّة، ثمّ لا يبعد أن تتعرّض السيادة على القارة الأوروبية إلى الزوال من دون رجعة، وتمحى من على الوجه الكرة الأرضية نهائياً".[٢١]وفي تقرير آخر، طلب (مرعوباً) القضاء على الحزب الوطني.[٢٢]
وقد جاء في تقرير أحد دعاة نصارى القاهرة، معرباً عن استغرابه من انتشار أفكار الأسد آبادي ورسوخها في الأذهان وبشكل متسارع، بواسطة الحزب الوطني، التالي: "لم يخطر ببال أحد أغرب من أنّ 700 مليون من أولاد الإنجيل، بفضل كل ما يتمتّعون من العَلَمية والمُكنتة والغيرة التي هي من الطبائع البشرية، ينهزمون أمام 40 نفراً هم ليسوا إلا الروح الحقيقية لسيد إيراني متقشفٍ.[٢٣]
وفقاً لبعض المصادر، قد أرعب مدى تأثير آراء جمال الدين في مصر، الحكومة البريطانية، مما أدى إلى حرمان المترجم وتلامذته من العمل الفكري والسياسي، ومنع تنظيم "الحزب الوطني" أو (مفتاح سعادة مصر) من العمل، بعد ما يقارب من 9 أشهر وبضعة أيام.[٢٤]
وفي 17 من شهر رمضان 1296، وبأمر من توفيق باشا، اُعتقل جمال الدين وأرسل إلى السويس على الحدود، لينفى من هناك إلى ايران. وتفادياً لحصول أي لقاء بينه وبين الناس ولقطع آثار تعاليمه الدينية، تمّ حجزه لمدة في ميناء السويس.[٢٥]
أعماله في الهند
انطلاقاً من ميناء السويس، اتجه نحو الهند، عوضاً عن إيران، فوصل مدينة حيدر آباد.[٢٦]تشمل نشاطاته في الهند: إلقاء المحاضرات على جيل الشباب،[٢٧] العمل المشترك مع الصحف، تشكيل الجمعية السرية باسم "العروة"،[٢٨]ومعارضة السيد أحمد خان، أحد الإصلاحيين الإسلاميين آنذاك.
- معارضته العقيدة المادية:
طيلة إقامته في الهند، أثار انتباه المترجم، أفكار وآراء السيد أحمد خان الهندي والتي قد اتسمت بنظرة سمحة وشبه مادية تجاه عنصر الدين، فقام الأفغاني بمناهضة هذه النظرة. تسود على آثار السيد أحمد خان، صبغة مؤيدة للوهابيين الأوائل. عقب الإنتفاضة المعروفة سنة 1857 م بذل السيد أحمد خان، جهوداً لتوطيد العلاقات بين المسلمين والبريطانيين بصورة فاعلة، فبادر إلى إستخلاص رؤية جديدة من الإسلام، شبه إنتقائية، لا تختلف أساساً مع نظيرتها المسيحية. من وجهة نظر السيد أحمد، الوجه المشترك بين هذين الدينين، يجتمع في شأن واحد وهو الأخلاق الطبيعي المجرّد من العناصر ما فوق الطبيعية. وقيل أن هذا الأمر كان الحافز لكتابة "الرسالة النيجرية" لدى الأسد آبادي.[٢٩]أعدت الرسالة باللغة الفارسية، ثم ترجمت إلى الأردية والفرنسية لاحقاً قام به الشيخ محمد عبده وعارف أبو تراب.[٣٠]
في هذه الرسالة يقوم السيد بالرد على العقيدة المادية ودورها في انحطاط أفراد البشر ومجتمعاتهم من جانب وتثبيت عنصر الدين وأثره في رقي الفضائل الإنسانية من جانب آخر، فيستجمع قواه للرد على الأفكار الشبه مادية للسيد أحمد خان وأتباعه. فبعد نفي المدرستين المادية والدهرية، يقوم جمال الدين بتبيين العامل الديني في تنمیة البشرية وتحضيره.
في مقالة تحت عنوان "تفسير مفسّر"، انتقد وبشدة، تفسيراً للسيد أحمد خان. إستمر في معاضرته لأحمد خان وهو في باريس فهاجم أفكاره بكتابة مقالة باسم "الدهرييون في الهند" وصرّح بأن السيد أحمد خان قام في تفسير له حول القرآن، بتحريف العبارات وغيّر في ما أنزل الله تعالى.[٣١]
إلا أنه لم يكتفي جمال الدين بالرد والإجابة على منهجية أحمد خان في تفسيره للقرآن فقط، بل كانت آراءه الإصلاحية تشمل البعد السياسي أيضاً، فقام بدوره بالردّ على عقائد السيد أحمد خان السياسية، حيث أن الأخير كان يعمل لصالح البريطانيين، ويعتقد أنه ينبغي القبول بالثقافة الغربية لأجل الوصول إلى التنمية.[٣٢]فبالإضافة إلى نشر آراءه الإصلاحية الشاملة لتحسين أوضاع الأمة الإسلامية، تصدّى وبجدية لعقائد أحمد خان، ما عبّر عنه البعض عاملاً لصرف انتباه المترجم من غايته العليا المنشودة في مجالي السياسة وفلسفة الاجتماع.[٣٣]
آرائه الإصلاحية وأثرها على الشارع الإيراني
مراسلة الميرزا الشيرازي في حركة التنباك
عندما أقرّ السلطان ناصر الدين القاجاري منح حصر امتياز التبغ والتنباك لشركة بريطانية، واجه معارضة من قبل علماء الشيعة، كما وإن جمال الدين ومريده الخاص، ميرزا رضا الكرماني كانا من بين أشد المعارضين للامتياز.[٣٤]
"رغم نفي السيد من إيران، إلا أنه لم يتهاون يوماً ما لإلغاء الامتياز وهو خارج البلاد، فبدأ بإرسال رسائل إلى الميرزا الشيرازي الأول، وأخبره في إحدى رسائله بوجه الخصوص عن ظلامات السلطان وحثُ المرجع الشيعي على المضي قدماً في إبطال امتياز التتن والتنباك. وفضلاً عن ذلك فكان يحرّض العلماء في إيران عبر رسائله الموجهه إليهم للنهوض ضد الشاه القاجاري، واغتنامهم الفرصة المتاحة للإطاحة بالحكم الملكي المتغطرس".[٣٥]
في رسالته التي يبعثها إلى المرجع الشيرازي، بعد أن يخصّه بالتحية والتأييد، يصف السلطان (ناصر الدين) كفرد ضعيف الإرادة وسيئ الخلق يعجز من أن يقود البلاد إلى برّ الأمان وأن يحافظ على المصالح العامة، فإنه بادر إلى بيع أجزاء من البلاد ومواردها لأعداء الدين. وبعد عدّ 8 فقرات من الخيانات التي حصلت على يد الشاه والتي تشتمل على الحصة الأسد من عوائد البلد التي خصّصت لأعداء الإسلام، يعبّر عن الشاه تحت عنوان "الخائن الأحمق" وباستخدام الكلمات والعبارات المثيرة، يطلب من الميرزا الشيرازي، أن يكسر صمته، ويتخذ قراراً صارماً في هذا الصدد.[٣٦]
مراسلة العلماء لإزاحة الحاكم الإيراني
يطلب الأسد آبادي وبكل صراحة في مراسلته للعلماء، أن يعملوا لإزاحة السلطان عن سدة الحكم:
- "يا رجال العلم! لا تتريثوا في إزاحة هذا الرجل المستولي على الحكم غصباً. من يتصف عمله بالفسق وأمره بالجور. الذي انجنّ، ويصبو إلى تسليم البلد الذي يكون داعياً للعزّ وملجأً للدين إلى الأجانب. من يعزم لإعلاء كلمة الكفار وأن يستقرّ تحت راية الشرك. أعيد وأكرّر مرة أخرى بأن الوزراء، فئات الشعب، قادة الجيش، وأولاد هذه الطاغية العاصي رهن إشارتكم، إنهم فقدوا صبرهم..."[٣٧]
آثاره
للمترجم مکتوبات غالبيتها تقريراته التي حرّرها الآخرون. قام "كلبة شروق" بمساعدة "مركز الدراسات الإسلامية" بنشر معظم هذه الآثار بمناسبة المؤتمر العالمي للسيد جمال - الذي عقد في طهران- ومنها:
- رسائل في الفلسفة والعرفان: المجموعة تحتوي على 6 رسائل والتي قام محمد عبده بتحرير معظمها وهي: "مرآة العارفين"، "الواردات"، "القضاء والقدر"، "فلسفة التربية وفلسفة الصناعة"، "العلم وتآثيره في الارادة والإختيار" وتعريب "الرسالة النيجرية".
- الرسالات والمستندات السياسية والتاريخية: من بين مستندات المترجم ووثائقه المتبقية على مرّ الزمان، هناك العشرات من الكتابات والرسالات التي كُتبت في مختلف المدن كطهران، كرمانشاه، بغداد، البصرة، بطرسبورغ، مسكو، إسطنبول، باريس، لندن و... تتصف غالبيتها بصبغة سياسية وانتقادية. الكتاب يضم 50 رسالة ووثيقة للمترجم باللغات العربية والتركية والفارسية.
- مجموعة من الرسائل والمقالات: يحتوي على 30 رسالة ومقالة من المترجم بعضها بقلم نفسه والآخر منقول من ما جاء على لسان السيد، وكتبت بخط شخص يسمّى محمد حسن آغا أمين الضرب الثاني. كما إشتملت المجموعة على حكايات السيد والتي نشرت لأول مرة، ويحتفظ بنُسَخها المخطوطة ضمن الوثائق السيد الموجودة في البارلمان الإيراني.
- الرسائل والمقالات: تحتوي المجموعة على 22 رسالة ومقالة للسيد باللغة العربية. منها: رسالة حول المهدية، الشرق والشرقيين، الرّد على رينان و... نشرت بعضها ولأول مرة في مجلات "اليوم السابع" في باريس و"العالم" في لندن.
- تاريخ ايران وتاريخ الأفغان: هو من قام بكتابتها
- ضياء الخافقين: السيد جمال الدين هو الكاتب لبعض مقالاته وقامت "كبة شروق" بمساعدة مركز الدراسات الإسلامية بإصداره. مُنع إصداره في بريطانيا بعد خمسة طبعات.
- العروة الوثقى: كانت تنتشر في باريس على هيئة مجلة. صدرت أول نسخة منها في 13 مارس آذار 1884 م واستمرّ الإصدار إلى أوكتوبر تشرين الأول 1884 م بمجموع 18 عدداً. كان الشيخ محمد عبده يرأس تحريرها. جُمعت أعداد المجلة على يد أطراف وناشرين ونُشرت في بلدان مختلفة كالعراق ولبنان ومصر وايران وأوروبا لعدة مرات وقام "مجمع التقريب بين المذاهب" بتجديد الطبعة مع مقدمة مفصلة في 516 صفحة، بمناسبة المؤتمر العالمي للسيد جمال الدين المنعقد في طهران يونيو حزيران 2008 م.
أفكاره
يعدّد الباحث الإيراني مرتضى المطهري، في كتابه "الحركات الإسلامية في القرن الأخير في دراسة إجمالية" مصائب المجتمعات الإسلامية من وجهة نظر الأفغاني كالتالي:
- استبداد الحكام
- الجهل والغفلة المستشرية بين جميع الفئات المسلمة، والتخلف عن ركب الثقافة والحضارة
- تسرّب الخرافة في معتقدات المسلمين وابتعادهم عن الشريعة الأصيلة
- التشتت والفرقة بين الجماعات المسلمة تحت عناوين دينية أوغير دينينة
- تسلّل الاستعمار الغربي في البلدان الإسلامية.[٣٨]
ثم يشير المطهري إلى الطرق التي يراها جمال الدين بإمكانها أن تحلّ المصائب تلك: قالب:Div col
- مناهضة المستبدين في استئثارهم بالحكم، عبر تثقيف الشعب وتفهيمه مبدأ وجوب النضال السياسي على أساس الدين والشريعة
- التزوّد بالعلوم والصناعات الحديثة
- عودة المسلمين إلى الشريعة الأصلية ونبذ الخرافة والبدع والزوائد التي أُلحقت بالإسلام على مدى العصور. برأي السيد أن هذه العودة إلى الشريعة الإسلامية الأولى، لا تتم إلا من خلال العودة إلى القرآن والسنة الموثقة وسيرة السلف الصالح
- الثقة والعقيدة بالشريعة وبأن الإسلام كشريعة ومنظومة عقدية، قادر على تحرير المسلمين والقضاء على الإستبداد الداخلي والاستعمار الخارجي وأن يقدم العزة والسعادة للمسلمين
- معارضة الاستعمار الخارجي بجميع أشكاله السياسية والإقتصادية والثقافية
- وحدة الإسلام
- بث روح الكفاح والجهاد في جسد المجتمع الإسلامي الذي يلفظ أنفاسه الأخيرة. قام باسترجاع أصل الجهاد إلى الأذهان والذي قد أصبح مهجوراً، كما اعتبر نسيانه عاملاً رئيسياً في تخلّف المسلمين
- التصدي للذهول أمام الحضارة الغربية.[٣٩]
كان يحثّ المسلمين على ترك الخلافات الطائفية، وتقبلّهم للبعض لصالح الأمة وخيرها. من بين ما كان يطلبه من المسلمين أن يحاكوا الغرب في العلم والتقنية، شريطة أن يتحفّظوا على قيمهم الأخلاقية والدينية.[٤٠] كما كان مستاءاً من الخلافات والفرقة لدى المسلمين وحكامهم وقد برز هذا المعنى في ندائه المتوجّع والباعث للأسف حين قال: "توحّد المسلمون على أن لا يتوحّدوا ولايتوافقوا، للأسف الشديد هم تكالبوا فيما بينهم، وقاموا بضرب أنفسهم من الجذور. يستدبرون قبلة محمد (ص) لإرضاء أعدائه، ويتناسون القرآن، ويعتزون بالإغتراب فخورين بذلك لأنفسهم وأفاربهم.[٤١] فوضع معالجة هذا الأمر نصب عينيه: "لا أرغب في أن أصبح ولياً للعهد، ولا وزيراً، ولا ركناً من أركان الحكومة، لا أريد منصباً، لا أملك عيالاً ولا أمتلك عقاراً...قد عشت في حال واحد وسوف لن أتغير، لا غاية عندي غير النصيحة والإصلاح..."[٤٢]"لا أتشوق في هذه الدنيا سواءاً في غربها كنت أم في شرقها، إلا أن أسعى لإصلاح دنيا المسلمين وآخرتهم، ومبتغاي الأخير أن أتخضّب بدمي في هذا السبيل، كالشهداء الصالحين".[٤٣]
قيل فيه
- السيد الخميني: "کان رجلاً حاذقاً إلا أنه كان يعاني من نقاط ضعف أيضاً، فبما أنه لم يكن يتمتع بمكانة بين الجماهير لا على المستوى الديني ولا الشعبي، لم تؤدي جهوده المبذولة إلى النتائج المطلوبة..."[٤٤]
- محمد عبده: "في سنة 1286 هـ أقبل رجل غريب وذو نظرة صائبة وبصير بحقائق أمور الدين والبلاد، إنه کان عالماً بدقائق الأوضاع لدى الشعوب، کما كان يتمتّع بمعلومات وسيعة وقلب يفيض من المعرفة. كان يحمل قلبه على كفه، إنه يدعى جمال الدين الأفغاني الذي قام بتعليم جزءٍ من العلوم العقلية...فبالنتيجة أنهضت البصائر والعقول وخفّت عتمة الظلام والغفلة."[٤٥]
- إقبال اللاهوري: "...على المسلمين المعاصرين بأن يعيدوا النظر في الأسس الدينية للإسلام بتفاصيلها مع الحفظ على التماسك بين الحاضر والماضي واستمراريته...أما الذي استوفى خطورة هذا الأمر تماماً، هو السيد جمال الدين الذي جعلته نظرته العميقة في تاريخ الفكر الإسلامي، بالإضافة إلى ما كان يتمتع بها من التجربة والحنكة الملمّة بما يتعلق بفئات المجتمع من آدابها وطقوسها، جعلته كحلقة وصل تربط بين الماضي والمستقبل..."[٤٦]
- الشهيد مرتضى المطهري: "إن السيد جمال الدين الأسد آبادي، هو الرائد في الحركاة الإصلاحية خلال القرن المنصرم. هو أول من بدأ بتحريك الصحوات الإسلامية، وكشف برؤية موضوعية عن هموم المجتمعات الإسلامية وقدّم الحلول للإصلاح والقضاء عليها...كانت حركته ذات طابع فكري واجتماعي في آن واحد... قد حظي السيد جمال الدين – بفضل حركته وحيويته - بمعرفة دقيقة للزمان والعالم المعاصرَين له وبمعضلات البلدان الإسلامية المطلوبة علاجها عنده. حسب تشخيصه يتصدر الإستبداد الداخلي في الحكم والاستعمار الخارجي قائمة أهمّ المشكلات المتجذرة في المجتمعات الإسلامية فقام بالتصدي لهما، وأخيراً بذل حياته في هذا السبيل."[٤٧]
- السيد الخامنئي: في خطبة له قبيل صلاة الجمعة في تاريخ 4 فبراير 2011 هكذا يصفه:"السيد جمال الدين الكبير، ذلك الرجل الداعي للإسلام والهمام والمناهض، الكبير، أفضل مكان وجده مناسباً لنهضته، هي مصر، ومن ثم تلامذته محمد عبده والآخرين، هكذا سوابق الحركات الإسلامية في مصر.
وفاته ومدفنه
توفي جمال الدين في شهر شوال سنة 1314 هـ عن عمر يناهز 60 في المبنى الملكية في إسطنبول، وأخذ أربعة حمّالين يحملون نعشه إلى مقبرة لمشيخة المحلة.[٤٨] وجّهت الدولة الأفغانية طلباً للحكومة العثمانية لنقل جثمانه إليها ولبّيَ الطلب، فعقب انتقاله، دفن في صحن جامعة كابل وبعدئذ سمّيت الجامعة بدار الفنون، وقاموا بتشييد صرح من الصخر الأسود فوق المقبرة لاحقاً.
- ↑ مقالات جمالية، ص 7؛ محيط طباطبائي، ص 33.
- ↑ مقالات جمالية، ص 8
- ↑ (بالفارسية): "مجموعه أسناد ومدارك جاب نشده درباره سيد جمال الدين"= "الوثائق والمستندات الغير مطبوعة حول جمال الدين الأفغاني" لوحة هاي 67 و70، تصاوير 149-153.
- ↑ دائرة المعارف الإسلامية الكبرى، ج 18، ص 403.
- ↑ ترجمة لمقتطف من الوثائق حول السيد جمال الدين الأسد آبادي، لدى الوزارة الخارجية البريطانية، ص 281 و282.
- ↑ (بالفارسية): "مجموعة أسناد ومدارك جاب نشده درباره سيد جمال الدين" = "الوثائق والمستندات غير المطبوعة حول جمال الدين الأفغاني، لوحة 3، تصوير 9.
- ↑ جمالي أسد آبادي، (بالفارسية): "أسناد ومدارك درباره سيد جمال الدين أسد آبادي" = "الوثائق والمستندات حول جمال الدين الأفغاني".
- ↑ مقدّم، محمد باقر، (بالفارسية): "شرح حال سيد جال الدين أسد آبادي"
- ↑ (بالفارسية): شرح حال وآثار سيد جمال الدين أسد آبادي، ص 31 و 32.
- ↑ محيط طباطبائي، محمد، (بالفارسية): سيد جمال الدين أسد آبادي وبيداري مشرق زمين، ص34.
- ↑ محيط طباطبائي، محمد (بالفارسية): "سيد جمال الدين أسد آبادي وبيداري مشرق زمين"، ص41؛ جمال الدين، نامه ها...، 49 - 51 - 54، بب و213، خاطرات ميرزا ملك آرا، ص180؛ درباره بيانات سيد در طهران، رك: امين الدولة، 137، مجموعة، 130 و205، محيط طباطبائي، سيد جمال الدين أسد آبادي وبيداري مشرق زمين، 35-45، نامه ها، 26 – 45.
- ↑ مركز مستندات الثورة الإيرانية، مراجعة 8 نيسان 2008.
- ↑ قاموس دهخدا، مدخل "جمال الدين الأسد آبادي"
- ↑ محيط طباطبائي، سيد جمال الدين أسد آبادي وبيداري مشرق زمين، ص37.
- ↑ أفشار، سواد وبياض، ص193
- ↑ صادقي نيا، ابراهيم، (بالفارسية): "فراماسونري وجمعيت هاي سري در ايران"، ص22-24.
- ↑ (باللفارسية) "زندكي وسفرهاي سيد جمال الدين أسد آبادي"، الحلبي، علي أصغر ، ص 5 و8.
- ↑ (بالفارسية) "سيد جمال، جمال حوزه ها"، لمجموعة كتّاب، ص187
- ↑ (باللفارسية) "زندكي وسفرهاي سيد جمال الدين أسد آبادي"، الحلبي، علي أصغر، ص10-11 و16
- ↑ محلاتي (بالفارسية) "كفتار خوش يار قلي" ص74، 75، 77
- ↑ محلاتي (بالفارسية) " كفتار خوش يارقلي"، طهران، ص 74،75، 77.
- ↑ محلاتي (بالفارسية) " كفتار خوش يارقلي"، طهران، ص 74،75، 77.
- ↑ محلاتي (بالفارسية) " كفتار خوش يارقلي"، طهران، ص 74،75، 77.
- ↑ محلاتي (بالفارسية) " كفتار خوش يارقلي"، طهران، ص 74،75، 77.
- ↑ محيط طباطبائي، محمد (بالفارسية): "سيد جمال الدين أسد آبادي وبيداري مشرق زمين"، ص111 و112.
- ↑ محيط طباطبائي، محمد (بالفارسية): "سيد جمال الدين أسد آبادي وبيداري مشرق زمين"، ص111 و112
- ↑ محيط طباطبائي، محمد (بالفارسية): "سيد جمال الدين أسد آبادي وبيداري مشرق زمين"، ص112
- ↑ (بالفارسية) "سيد جمال الدين، جمال حوزه ها" نقلاً عن مجموعة مستندات ووثائق لم تنشر حول السيد جمال الدين، 63، الوثيقة 216
- ↑ فخري، فخري (بالفارسية) "سير فلسفة در جهان اسلام"، ص373
- ↑ أمين ، أحمد، زعماء الإصلاح، ص77
- ↑ ذاكري، علي أكبر، مقالة (بالفارسية) "شرح حال وسال شمار زندكاني سيد جمال" ص380.
- ↑ ذاكري، علي أكبر، مقالة (بالفارسية) "شرح حال وسال شمار زندكاني سيد جمال" ص381
- ↑ محيط طباطبائي، محمد (بالفارسية): "سيد جمال الدين أسد آبادي وبيداري مشرق زمين"، ص113.
- ↑ التيموري، إبراهيم (بالفارسية) "تحريم تنباكو"، ص50-58.
- ↑ التيموري، إبراهيم (بالفارسية) "تحريم تنباكو"، ص52.
- ↑ التيموري، إبراهيم (بالفارسية) "تحريم تنباكو"، ص52-58.
- ↑ التيموري، إبراهيم (بالفارسية) "تحريم تنباكو"، ص52-58.
- ↑ المطهري، مرتضى (بالفارسية) "الحركات الإسلامية في القرن الأخير في دراسة إجمالية"، ص20-29.
- ↑ المطهري، مرتضى (بالفارسية) "الحركات الإسلامية في القرن الأخير في دراسة إجمالية"، ص20-29.
- ↑ Ali. E. Hillal Dessouki, Op. Cit
- ↑ مدرسي جهاردهي، مرتضى (بالفارسية) "سيد جمال الدين وانديشه هاي او" ص3.
- ↑ خسرو شاهي، سيد هادي، (بالفارسية) "نامه ها واسناد سياسي سيد جمال الدين أسد آبادي" = رسائل السيد جمال الدين الأفغاني ومستمسكاته، ص70 و71.
- ↑ مزيناني، محمد صادق، مقالة (بالفارسية) "مبارزة با استعمار" ص 186.
- ↑ صحيفة الإمام الخميني، ج5، ص290.
- ↑ سعيدي ، ص141.
- ↑ إقبال اللاهوري، ص175.
- ↑ المطهري، مرتضى (بالفارسية) نهضت هاي إسلامي در صد ساله أخير، ص17.
- ↑ محيط طباطبائي، محمد (بالفارسية): "سيد جمال الدين أسد آبادي وبيداري مشرق زمين"، ص48.