عمر بن عبد العزيز
عُمَر بن عَبدالعَزيز بن مَروان، (63 - 101 هـ)، هو ثامن خلفاء بني أمية حكم سنة 99 حتى 101 هـ، حيث كان أسلوبه يختلف في الحكم عن سائر خلفاء بني أمية، ومن هنا روي في مصادر أهل السنة عن الإمام الباقر أنه عدّ عمر بن عبد العزيز نجيب بني أمية، غير أنه ورد في رواية أخرى أنه لعن في السماء لجلوسه مكاناً ليس حقه، بل هو حق أئمة الشيعة.
مدة خلافته سنتان وستة شهور، ومن أبرز أعماله في خلافته رفع السب عن الإمام علي، وردّ فدك إلى أولاد فاطمة، وجواز تدوين الحديث النبوي، وردّ مظالم الناس مما غصبتها أسرته بنو أمية، كما كان والياً على المدينة من قبل الخليفة الذي سبقه وليد بن عبد الملك، فقام بتوسعة المسجد النبوي، وأدخل حجرات زوجات النبيصلی الله عليه وآله وسلم في المسجد.
توفي عمر بن عبد العزيز سنة 101 هـ في خناصرة، ودفن في دير سمعان، وقبره يقع في سوريا.
الأسرة
ولد عمر بن عبد العزيز سنة 61،[١] أو 62،[٢] أو 63 هـ.[٣] كنيته أبو حفص، وأبوه عبد العزيز بن مروان بن الحكم،[٤] وأمه أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب.[٥] إن عبد الملك بن مروان (حكم: 65-86) وهو عم عمر بن عبد العزيز دعاه من المدينة إلى الشام وزوّجه من بنته فاطمة، وذلك في أواخر خلافته سنة 85 هـ وبعد وفاة والد عمر .[٦]
قبل الخلافة
في سنة 85 هـ ولّى عبدُ الملك بن مروان عمرَ بن عبد العزيز[٧] ولاية خناصرة (منطقة في حلب)،[٨] وفي سنة 87 للهجرة ولّى الوليد بن عبد الملك ولاية المدينة إلى عمر بن عبد العزيز،[٩] وفوّض إليه شؤون الحج، لكن نُحّي عن ولاية المدينة،[١٠] وذلك بطلب من الحجاج بن يوسف، فكتب الحجاج إلى الوليد يذكره بأمور المجتمع، وقال: "إن من قبلي من مُرّاق أهل العراق وأهل الثقاف قد جلوا عن العراق، ولجأوا إلى المدينة ومكة، وإن ذلك وهن".[١١]
وقد أعاد بناء المسجد النبي (ص) وقام بتوسعته في فترة ولايته على المدينة،[١٢] ففي سنة 88 هـ أمره وليد بن عبد الملك بتوسعة المسجد النبوي، وأن يضم حجرات زوجات النبي (ص) في المسجد.[١٣]
صلى عمر بن عبد العزيز على جنازة وليد بن عبد الملك سنة 97 هـ،[١٤] وكان عمر مستشاراً في زمن خلافة سليمان بن عبد الملك (96-99 هـ)، كما صلى أيضا على جنازته بعد وفاته.[١٥]
الخلافة
تولى عمر بن عبد العزيز الخلافة سنة 99 هـ بعد سليمان بن عبد الملك، وبقي فيها حتى سنة 101 هـ،[١٦] وكانت خلافته سنتان ونصف، ويقول سليمان بن عبد الملك أنه للحد من الفتنة استخلف عمر بن عبد العزيز مكانه،[١٧] ثم الخليفة من بعده يزيد بن عبد الملك،[١٨] وذكر الطبري أن عمر بن عبد العزيز بعد أن بلغ الخلافة استرجع (أي: قال إنا لله وإنا إليه راجعون)،[١٩] وورد أنه قال في بداية خلافته: " ليس بعد نبيكم نبي، ولا بعد الكتاب الذي أنزل عليه كتاب،... ألا إني لست بقاضٍ، ولكني منفّذ، ألا وإني لست بمبتدع ولكني متبع".[٢٠]
الإجراءات
- رفع السب عن الإمام علي (ع): أمر عمر بن عبد العزيز أنه لا يحق لأحد أن يسب الإمام علي (ع)،[٢١] وكان معاوية بن أبي سفيان قد أمر بسب الإمام علي (ع) صحابي النبي والإمام الأول للشيعة على المنابر، في فترة طالت حوالي 60 سنة.[٢٢] ورد أن عمر بن عبد العزيز عند ما كان أبوه حيا وهو شاب مراهق ينتقص من الإمام علي (ع)، ولكن مواقف أستاذه عبيد الله بن عبد الله جعله أن يذكر الإمام علي بخير.[٢٣]
- رد فدك: أرجع عمر بن عبد العزيز فدكا إلى أولاد فاطمة،[٢٤] وكان معاوية أعطاها إلى مروان، وهو أيضا وهبها إلى ابنه عبد العزيز، ومن ثم استارثها عمر.[٢٥] كانت فدك قرية خصبة بالقرب من خيبر في منطقة الحجاز،[٢٦] وتبعد 160 كيلومتر عن المدينة،[٢٧] وكان يعيش فيها اليهود، وفتحها النبي (ص) دون حربا، ونحلها النبي (ص) إلى ابنته فاطمة (ع)،[٢٨] فأخذها أبو بكر من فاطمة، وصادرها بصلاح الخلافة.[٢٩] ومن أعمال عمر بن عبد العزيز هو إعطاء الخمس إلى بني هاشم.[٣٠]
- جواز تدوين الحديث: أمر عمر بن عبد العزيز في رسالة بعثها إلى أبي بكر بن حزم أن يكتب أحاديث النبي الأكرم (ص)،[٣١] وقد سبق منذ خلافة أبي بكر منع كتابة الأحاديث النبوية وتدوينها.[٣٢]
- إسقاط الخراج والجزية: وفي رسالة بعثها عمر بن عبد العزيز إلى عامله على الكوفة عبد الحميد بن عبد الرحمن فضلا عن إقامة العدل والإحسان والعمران أمره أيضا أن يسقط الخراج عن المسلمين،[٣٣] كما أمر عماله أيضا بعدم أخذ الجزية من الذين أسلموا حديثا.[٣٤]
- التفاوض مع الخوارج: فاوض عمر بن عبد العزيز مع الخوارج، وأقنعهم بعدم سفك الدماء،[٣٥] فدعا شوذب الخارجي والذي خرج على الدولة آنذاك إلى المناظرة، فلبى دعوته، وأرسل شخصين من الخوارج للمناظرة.[٣٦]
- رد المظالم: ورد في الأخبار أنه اعتنى في خلافته بردّ الأموال التي أخذت بالجور من الناس.[٣٧]
موقف الإمام الباقر(ع)
بما أن فترة حكم عمر بن عبد العزيز (99 - 101 هـ) كانت تقارن مع إمامة الإمام الباقر (ع) (95 - 114 هـ)، فهناك أخبار تتحدث عن ارتباط الإمام الخامس بعمر بن عبد العزيز، ويعتقد بعض الباحثين أن موقف الإمام الباقر (ع) منه موقف الناصح،[٣٨] فكان الإمام الباقر (ع) يوصيه بالخير إلى الناس، ويحذره من عاقبة الظلم والجور. وكان الإمام يرى إن هذه المواعظ والنصائح تناسب نفسية عمر بن عبد العزيز والذي كان يسعى أن يكون رجلا عادلا.[٣٩]
وذكرت الأخبار أن الإمام الباقر (ع) كان يخاطبه بنجيب بني أمية،[٤٠] ومع ذلك كان يعتقد أن السماء تلعنه بعد موته، وذلك رغم عدله؛ إذ كان يجلس في مكان ليس حقه وهو حق الأئمة عليهم السلام.[٤١]
الوفاة
توفي عمر بن عبد العزيز في رجب سنة 101 هـ في خناصرة، وكان عمره 39 سنة، ودفن في دير سمعان،[٤٢] وهي تقع في منطقة حمص في سوريا،[٤٣] وتبعد 6 كيلومترات عن معرة النعمان (مدينة في شرق سوريا)، وفي القرن السادس للهجرة بنى الأيوبيون ضريحا على قبره، ويعقتد البعض أن الأسرة الأموية سمّت عمر بن العزيز خشية أن تخرج الخلافة من أيديها.[٤٤]
الهوامش
المصادر والمراجع
- ابن أبي الحديد، عبد الحميد بن هبة الله، تحقيق: محمد إبراهيم أبو الفضل، قم، مکتبة آية الله العظمي المرعشي النجفي، د.ت.
- ابن خلدون، عبد الرحمن بن محمد، ديوان المبتدأ والخبر في تاريخ العرب والبربر ومن عاصرهم من ذوي الشأن الأکبر (تاريخ ابن خلدون)، تحقيق: خليل شحادة، بيروت، دار الفکر، ط 2، 1408 هـ.
- ابن سعد، محمد بن سعد، الطبقات الکبرى، تحقيق: محمد عبدالقادر عطا، بيروت، دار الکتب العلمية، 1410 هـ/ 1990 م.
- ابن کثير الدمشقي، إسماعيل بن عمر، البدايه والنهاية، بيروت، دار الفکر، 1407 هـ/ 1968 م.
- الأميني، عبدالحسين، الغدير، قم، مرکز الغدير، 1349 هـ.
- البخاري، محمد بن اسماعيل، صحيح البخاري، بيروت، دار الفکر، 1401 هـ.
- البلاذري، أحمد بن يحيي، فتوح البلدان، بيروت، دار ومکتبة الهلال، 1988 م.
- ديلمي، أحمد، مجلة تاريخ اسلام، العدد 31، 1386 ش.
- ترکمني آذر، پروين، تاريخ سياسي شيعيان اثناعشري در ايران: از ورود مسلمانان به ايران تا تشکيل حکومت صفوية، قم، مؤسسة: شيعه شناسي، 1390 ش.
- الذهبي، محمد بن أحمد، تذکرة الحفاظ، بيروت، دار احياء التراث العربي، د.ت.
- الذهبي، محمد بن أحمد، تذکرة الحفاظ، بيروت، دار الکتب العلمية، 1419 هـ.
- الراوندي، قطب الدين سعيد، الخرائج والجرائح، قم، موسسة الإمام المهدي (ع)، 1409 هـ.
- السبحاني، جعفر، فروغ ولايت: تاريخ تحليلي زندگاني امير مؤمنان علي(ع)، قم، مؤسسه امام صادق(ع)، ط 6، 1380 ش.
- الشيخ المفيد، محمد بن محمد بن نعمان، المقنعة، قم، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 2، 1410 هـ.
- الطبرسي، فضل بن حسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، طهران، ناصرخسرو، 1372 ش.
- الطبري، محمد بن جرير، تاريخ الامم والملوک، تحقيق:: محمد أبو الفضل إبراهيم، بيروت، دار التراث، 1387 هـ/ 1967 م.
- طقوش، محمد سهيل، تاريخ الدولة الأموية، بيروت، دار النفائس، ط 7، 1431 هـ/ 2010 م.
- المسعودي، علي بن حسين، التنبيه والإشراف، تصحيح عبد الله إسماعيل الصاوى، القاهرة، دار الصاوي، د.ت(افست قم، مؤسسة نشر المنابع الثقافه الاسلاميه).
- المسعودي، علي بن حسين، مروج الذهب ومعادن الجوهر، تحقيق: أسعذ داغر، قم، دار الهجرة، 1409 هـ.
- ياقوت الحموي، ياقوت بن عبد الله، معجم البلدان، بيروت، دار صادر، 1995 م.
- اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب، تاريخ اليعقوبي، بيروت، دار صادر، د.ت.
- ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، ج 9، ص 192.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج6، ص427.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 254.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 253.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 253.
- ↑ ابن کثیر، البدایه والنهایه، ج 9، ص 193.
- ↑ طقوش، تاريخ الدولة الأموية، ص 136.
- ↑ الحموي، معجم البلدان، ج 2، ص 314.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 255؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 427.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 481.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 481 - 482.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 284.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 284؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 436.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 495.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 260.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 566.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 550.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج6، ص578.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 552.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 262.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 305.
- ↑ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ج 3، ص 94.
- ↑ ابن كثير، البداية والنهاية، ج 9، ص 193.
- ↑ البلاذري، فتوح البلدان،، ص 41؛ الأمیني، الغدیر، ج 7، ص 264؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 305.
- ↑ ابن أبي الحديد، شرخ نهج البلاغة، ج 16، ص 216؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 305 - 306.
- ↑ الحموي، معجم البلدان، ج 4، ص 238.
- ↑ الحموي، معجم البلدان، ج 4، ص 238.
- ↑ سبحانی، فروغ ولایت، 1380ش، ص219؛ الطبرسي، مجمع البيان، ج 8، ص 478.
- ↑ المفيد، المقنعة، ص 289 ــ 290.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 305.
- ↑ البخاري، صحيح البخاري، ج 1، ص 33.
- ↑ الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج 1، ص 11 - 12.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 569.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 301، 275؛ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 599.
- ↑ المسعودي، مروج الذهب، ج 3، ص 190 - 193.
- ↑ ابن خلدون، تاريخ ابن خلدون، ج 3، ص 203.
- ↑ ابن سعد، الطبقات الكبرى، ج 5، ص 263؛ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 305.
- ↑ دیلمی، «شخصیت وعملکرد عمربن عبدالعزیز ودیدگاه امام باقر(ع) درباره او».
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 305.
- ↑ الذهبي، تذكرة الحفاظ، ج 1، ص 119.
- ↑ الراوندي، الخرائج والجرائح، ص 276.
- ↑ الطبري، تاريخ الأمم والملوك، ج 6، ص 566.
- ↑ المسعودي، التنيه والإشراف، ص 276.
- ↑ اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج 2، ص 308.