الميرزا محمد تقي الشيرازي
الميرزا محمد تقي الشيرازي (1256-1338 هـ) الشهير بالميرزا الثاني أو الميرزا الصغير، من مراجع تقليد الشيعة، تزعّم ثورة العشرين في العراق وأصدر فتوى الجهاد ضد الاستعمار البريطاني.
ولد في إيران، ثم هاجر إلى العراق، وأقام في كربلاء، ثم شدّ الرحال مع أستاذه الميرزا حسن الشيرازي إلى سامراء، وبعد وفاة أستاذه استلم زعامة الحوزة العليمة في سامراء، كما وتم تقليده من قبل بعض الشيعة، ثم أصبح مرجعاً مطلقاً للطائفة الشيعية، وذلك بعد وفاة السيد محمد كاظم اليزدي.
حياته ودراسته
هو محمد تقي بن محب علي بن الميرزا محمد علي كلشن الحائري الشيرازي، وابن أخ الشاعر الفارسي في عصر القاجاري الميرزا حبيب الله القاآني. ولد سنة 1256 بمدينة شيراز الإيرانية، ورحل إلى كربلاء، وأقام فيها سنة 1271 هـ.
وقد حضر الميرزا محمد تقي درس زين العابدين المازندراني، وفاضل الأردكاني، والسيد علي تقي الطباطبائي، وفي سنة 1291 هـ التحق بحلقة درس الميرزا محمد حسن الشيرازي بسامراء مع زميله في البحث السيد محمد فشاركي الأصفهاني، وتزامناً مع ذلك وبأمر من أستاذه شرع بتدريس جمع من تلامذته.
وبعد أن توفي أستاذه المجدد الشيرازي تعين خلفاً له بالأولوية فقام بالوظائف من الإفتاء وتربية العلماء، وقد تخرج من درسه جمع من أجلاء العلماء والمجتهدين.[١]
أعقب أولاداً ثلاثة: محمد رضا، وعبد الحسين، ومحمد حسن.[٢]
تلامذته
فمن تلامذته:
- آغا بزرك الطهراني
- عبد الكريم الحائري
- محمد جواد البلاغي
- السيد حسین الطباطبایی القمی
- السيد جمال الدين الكبايكاني
- محمد كاظم الشيرازي
- محمد علي الشاه آبادي
- السيد شهاب الدين المرعشي النجفي
فتاوى الجهاد
نص فتوى الميرزا للعراقيين:
- مطالبة الحقوق واجبة على العراقيين، ويجب عليهم في ضمن مطالبتهم، رعاية السلم والأمن، ويجوز لهم التوسل بالقوة الدفاعية، إذا امتنع الانكليز عن قبول مطالبهم.
أصدر السيد محمد تقي فتوى سنة 1329 هـ، وذلك بعد اعتداءات قوات الروس في شمال إيران وارتكاب المجازر بحق الأحرار الإيرانيين؛ ضرورة مواجهة المعتدين الروس، وقد أعلن الجهاد أيضاً مع بقية العلماء وكبار مراجع العراق ضد اعتداءات دول الحلفاء على الأراضي العثمانية، وذلك في بداية الحرب العالمية الأولى سنة 1914 م. [٣]
وهاجر الميرزا محمد تقي الشيرازي إلى كربلاء، وكان لانتقاله إلى هناك دور هام في التنسيق بين علماء كربلاء والنجف واتصاله بالعشائر من أجل تنظيمهم وتأهيلهم لمواجهة المعتدين.
وأصدر الميرزا محمد تقي فتاوى جهادية ثلاثة دعا خلالها إلى استنفار عام للعشائر وجميع المسلمين لتصدي الاحتلال البريطاني، جاء ذلك بعد أن احتلت القوات البريطانية فاو العراقية والذي يعتبر مقدمة لاحتلال العراق، كما أرسل ابنه الشيخ محمد رضا نيابة عنه إلى الكاظمية وجبهات القتال مع المناضلين لاصصحابهم في المعارك.
تأسيس منظمة الجمعية الإسلامية
فتوى الميرزا عندما أراد الإنكليز أن يفرضوا مندوبهم رئيساً لحكومة العراق الجديدة:
ليس لأحد من المسلمين أن ينتخب ويختار غير المسلم للإمارة والسلطنة على المسلمين.
وبعد أن انتهت الحرب العالمية الأولى، واحتل القوات البريطانية العراق سنة 1336 هـ تم إعلان الانتداب في البلاد، الأمر الذي أدّى إلى مخالفة مراجع وعلماء الشيعة في العراق لهذا الاختيار، فأسس الشيخ محمد رضا نجل الميرزا محمد تقي الشيرازي منظمة تحت عنوان "الجمعية الإسلامية"، وقد ساهم فيها رجال دين معروفين كـ السيد هبة الدين الشهرستاني وعبد الكريم عواد وحسين القزويني، والغاية من تأسيس هذه الجمعية هو تحرير العراق والتصدي لانتداب بريطانيا.
رسائله
فتوى الميرزا في تأييد المقاومة المتصاعدة ضد المحتلين:
- أما بعد فإن إخوانكم في بغداد، والكاظمية، والنجف، وكربلاء، وغيرها من أنحاء العراق، فقد اتفقوا فيما بينهم على الاجتماع، والقيام بمظاهرات سلمية، وقد قامت جماعة كبيرة بتلك المظاهرات، مع المحافظة على الأمن، طالبين حقوقهم المشروعة المنتجة لاستقلال العراق إن شاء الله بحكومة إسلامية، ...فالواجب عليكم، بل على جميع المسلمين، الاتفاق مع إخوانكم في هذا المبدأ الشريف. وإياكم والإخلال بالأمن، والتخالف والتشاجر بعضكم مع بعض، فإن ذلك مضر بمقاصدكم، ومضيع لحقوقكم التي صار الآن أوان حصولها بأيديكم، وأوصيكم بالمحافظة على جميع الملل، والنحل التي في بلادكم، في نفوسهم وأموالهم وأعراضهم، ولا تنالوا أحدا منهم بسوء أبدا.
إن الميرزا محمد تقي بادر للقيام بطرح قضية استقلال العراق ومقاومة المحتلين البريطانيين لتلك البلاد في الساحة العربية والدولية، فكتب بعض الرسائل بهذا الشأن، منها:
- أرسل كتاباً مشتركاً هو وعدد من العلماء وبعثه إلى حاكم الحجاز الشريف حسين، مطالباً إياه دعم العراقيين مقابل اعتداءات المتجاوزين.
- أرسل كتابأ آخر إلى الأمير فيصل في دمشق طلب منه دعم مطالب الشعب العراقي، ونشر ظلامية العراقيين إلى الصحافة الحرة في كل أنحاء العالم، وإظهارها صريحة إلى الحكومات الأوربية والأمريكانية للحصول على مقاصد الشعب العراقي العالية.
- بعد فترة قصيرة من انطلاق عمل الجمعية الإسلامية، بادرت بريطانيا بالقبض على أعضاء هذه الجمعية ونفيهم، ففي شهر ذي القعدة سنة 1337 هـ اعتقل ستة من أعضاء هذه الجمعية، وبعثوا إلى بغداد كي يتم نفيهم إلى الهند، وبعد أن علم الميرزا الشيرازي من هذا الحدث أرسل كتاباً إلى آر نولد ويلسون الحاكم البريطاني للعراق محتجاً على القرار، ومطالباً بإطلاق سراحهم، فسخط الميرزا على هذا الأمر، وعزم على مغادرة العراق نحو إيران حتى يصدر من هناك فتوى الجهاد ضد بريطانيا، عندما تم نشر هذا الخبر أرسل إلى الميرزا كتب عديدة من النجف والكاظمية وبقية المدن العراقية لاصطحابه إلى إيران، فهذا القرار كان سبباً لعودة الذين تم نفيهم في أقل من أربعة أشهر إلى الوطن.
تحريم العمل مع البريطانيين
كتاب الميرزا إلى الحاج جعفر أبي التمن:
سرّنا اتحاد كلمة الأمة البغدادية واندفاع علمائها ووجوههها وأعيانها إلى المطالبة بحقوق الأمة المشروعة ومقاصدها المقدسة، فشكر الله سعيك ومساعي إخوانك وأقرانك من الأشراف، وحقق المولى آمالنا وآمال علماء وفضلاء حاضرتكم الذين قاموا بواجباتهم الإسلامية.
بدأت صفحة جديدة من المساعي لتعزيز المقاومة الشاملة ضد الاحتلال البريطاني سنة 1338 هـ / 1920 م، فأصدر الميرزا الشيرازي كأول خطوة في هذا الشأن فتوى تحريم التعيين والعمل في الدوائرة التي تعمل بصالح بريطانيا وذلك في 9 جمادى الآخرة سنة 1338 هـ / أول مارس 1920 م، وكانت حصيلة ذلك أنه استقال عدد كثير من الموظيفن، واستمرت هذه الوتيرة على هذا النحو.
وقبل فترة قصيرة من إصدار الفتوى اجتمع الميرزا في شهر جمادى الآخرة سنة 1338 هـ وبصورة سرية بعلماء وشيوخ عشائر وزعماء الفرات الأوسط وبموجبه تم قرار هجوم شامل من قبل الناس على الاحتلال البريطاني
وفي ليلة النصف من شعبان سنة 1338 هـ (21 أبريل 1920) انعقد اجتماع برئاسة الميرزا الشيرازي في منزله وخلال هذا الاجتماع ناقش المشاركون كيفية القيام والتصدي للاحتلال البريطاني، وعرضوا عليه بتلك الجلسه منوياتهم، وتعهدوا له بأن فيهم القوة الكاملة، فلم يزد فى اول مرة على قوله: «اذا كانت هذه نواياكم و هذه تعهداتكم فاللّه فى عونكم»، [٤] وبذلك أعلن الميرزا محمد تقي الشيرازي الثورة العراقية.
كما استدعى الحاكم العسكري لبغداد بلفور عدد من قادة الحركة الثورية إثر بعض النشاطات التي قام بها الثوريون في بغداد، وبوخهم وهددهم، فكتب الحاج جعفر أبو التمن أحد القادة إلى الميرزا الشيرازي مستغيثاً به لما حصل لهم من هذا الحاكم البريطاني.[٥]
وفاته
توفي الشيرازي مسموماً [٦]في كربلاء يوم 13 ذي الحجة سنة 1338 هـ عن عمر ناهز الثمانين، وصلى عليه شيخ الشريعة الأصفهاني، ودفن في الزاوية الجنوبية للصحن الحسيني الشريف.[٧]
أعماله ومؤلفاته
- الحاشية على مكاسب الشيخ الأنصاري
- شرح الأرجوزة الرضاعية للسيد صدر الدين العاملي
- رسالة الخلل
- القصائد الفاخرة في مدح العترة الطاهرة
- رسالة صلاة الجمعة
- ديوان شعره بالفارسية وأكثر أشعاره في مدح ورثاء أهل البيت (ع)، وكان يتخلص في آخر أشعاره بـ"كلشن" (بالفارسية: گلشن بمعنى حديقة الأزهار) [٨]
المصادر والمراجع
- آغا بزرك الطهراني، طبقات أعلام الشيعة و هو نقباء البشر في القرن الرابع عشر، تحقيق: عبد العزيز الطباطبائي، مشهد، دار المرتضى، الطبعة الثانية، 1404 هـ.
- البلدوي، أياد عيدان، تاريخ التشيع في سامراء، بغداد، مؤسسة البلداوي الثقافية، 1429 هـ.
- الجبوري، كامل سلمان، وثائق الثورة العراقية الكبرى، بيروت، دار المؤرخ العربي، 1430 هـ / 2009 م.
- حرز الدين، محمد حسين، معارف الرجال، قم، مكتبة آية الله المرعشي، 1405 هـ.
- الورعي، جواد، المبادئ التشريعية لنظرية الدفاع في الفقه الإسلامي، مجلة فقه أهل البيت (ع)، ناشر: مؤسسة دائرة فقه الإسلامي، عدد 32، 1424هـ/2003م.
- ↑ آغا بزرك، نقباء البشر، ج 1، ص 261-262.
- ↑ حرز الدين، معارف الرجال، ج 2، ص 218.
- ↑ ينظر: الورعي، المبادئ التشريعية، مجلة فقه أهل البيت (ع)، ج 32، ص 154.
- ↑ آغا بزرك الطهراني، نقباء البشر، ج1، ص262.
- ↑ الجبوري، وثائق الثورة العراقية الكبرى، ج 3، ص 69.
- ↑ البلدوي، تاريخ التشيع في سامراء، ص 43.
- ↑ حرز الدين، معارف الرجال، ج 2، ص 218.
- ↑ حرز الدين، معارف الرجال، ج2، ص217.