الحسد
الحسد من الآفات الأخلاقية، وتعني تمني زوال النعمة عن الآخرين، وقد جاء ذمه في القرآن الكريم والروايات الكثيرة، وله آثار سلبية وانعكاسات نفسية على الإنسان والمحيطين به، وقد ذكرت كتب الأخلاق عدة طرق لعلاجه والتخلص منه.
معنى الحسد
الحسد لغة:
الحَسَد في اللغة هو تمني المرء أن تتحول النعمة إليه، أو أن يسلبها[١]
الحسد اصطلاحا:
هو تمني زوال النعمة من مستحق لها، وربما كان مع ذلك سعي في إزالتها،[٢] وذكر الإمام الخميني في كتابه الأربعين حديثا: أنّ الحسد حالة نفسية يتمنى صاحبها سلب الكمال والنعمة التي يتصورهما عند الآخرين. سواء كان عنده مثلها أو لا, وسواء أرادها لنفسه أم لم يردها.[٣]
الحسد في القرآن
جاء ذكر الحسد في مواضع عدّة من القرآن الكريم أبرزها في قصّة ابْنَي نبيِّ الله آدم (ع) عندما تقبّل الله من هابيل ولم يتقبل من أخيه قابيل، فاشتعلت نيران الحسد في قلبه فسوّلت له نفسه قتل أخيه :
وكذلك قصة سيدنا يوسف (ع) وإخوته، حيث من المعلوم شدّة حب نبي الله يعقوب له، لذا تجرأوا بسبب حسدهم أن يتهموا أبيهم بالضلال وأيضا قاموا بإبعاد أخيهم يوسف وتسببوا بحزن أبيهم الشديد:
وأيضا حسد اليهود الذي منعهم من الإيمان بنبوّة نبيّ الله محمد(ص)[٦]:
وكذلك وردت آيات عن اليهود أيضا الذين تجذّر الحسد في قلوبهم لدرجة أرادوا بها سلب نعمة الإيمان بالله من المسلمين رغم اطلاعهم على نبوّة رسول الله :
ومن جهة أخرى هناك آيات تتحدث عن صفات أهل الجنة التي من بينها أنّ الله نزع من قلوبهم الغل الذي هو شكل من أشكال الحسد، مما جعلهم يعيشون في الجنة مطمئنين آمنين[١٠]:
الحسد في الروايات
تناولت الأحاديث المروية عن طريق النبي الأعظم(ص) وأئمة أهل البيت(ع) الحسد وآفاته ، منها:
ماقاله الإمام علي (ع):
- «رأس الرذائل الحسد».
- «لله دَرُّ الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله».
- «الحسد مقنصة إبليس الكبرى»[١٢].
وعن الإمام الباقر(ع):« إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النار الحطب».[١٣].
وكذلك تناولت الأخبار الحاسد وأحواله:
- روي عن الإمام الصادق(ع) قال لقمان لابنه: «للحاسد ثلاث علامات: يغتاب إذا غاب، ويتملق إذا شهد، ويشمت بالمصيبة».[١٤]
- وعن أمير المؤمنين (ع):« ما رأيت ظالما أشبه بمظلوم من الحاسد: نفس دائم، وقلب هائم، وحزن لازم»[١٥].
وأيضا جاءت روايات تشير إلى أنّ الحسد أساس الكفر:
- فعن أبي عبدالله (ع): «إياكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فإنّ الكفر أصله الحسد»[١٦]
أسباب الحسد
للحسد عدة أسباب منها:
- العداوة: أنْ يكره الحاسد النعمة على المحسود لأنّه عدوّه.
- التعزز: أنّ الحاسد يعتقد أنّ الآخرين سيتكبّرون عليه من خلال النعم المتوفرة عندهم وهو لا يطيق ذلك لعزّة نفسه.
- الكبر: أنْ يكون الحاسد بطبيعته يتكبّر على الناس ، وحصول النعم عند غيره سَيَحِدُّ من تكبّره عليهم.
- التعجب: أن تكون النعمة عظيمة في نظر الحاسد فيتعجب من حصول المحسود بمثلها.
- الخوف: أن يخاف الحاسد من أن يزاحمه المحسود بالنعم.
- حب الرئاسة : التي تبتنى على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها.
- خبث الطينة: أن تكون نفس الحاسد خبيثة ولا تحب الخير لعباد الله[١٧].
نتائج الحسد
إنّ النتائج السلبية للحسد لا تقتصر على المستوى الفردي بل له نتائجه على المستوى الاجتماعي والمادي والمعنوي، أهمها:
- أن الحسود يعيش الغمّ والهمّ دائما، مما يتسبب له بالأمراض الجسمية والنفسية.
- أن الحسد يأكل دعائم الإيمان ويمزّق علاقة العبد مع ربّه.
- الحسد يعمل على تمزيق روابط المحبة والمودّة بين الناس.
- الحسد يتسبب بضيق القبر وظلمته[١٨].
علاج الحسد
ورد في كتب الأخلاق أنّه يوجد طرق لعلاج الحسد منها:
- ترك المرء النظر إلى من هم فوقه من رخاء وجاه، والنظر إلى من هم دونه ليستشعر نعم الله به.
- تذكّر مساوئ الحسد ،ومايعانيه الحسّاد من صنوف المكاره والأزمات.
- الاستشعار بمراقبة الله تعالى ، والإيمان بحكمة تدبيره لعباده[١٩].
الفرق بين الحسد والغبطة
الغبطة: هي أن يتمنى المرء أن تكون له نعمة مثلما للآخرين أو أكثر منها بدون أن يتمنى زوال تلك النعمة عن الآخر[٢٠].
وهي صفة محمودة وليست بمذمومة كالحسد، بل إنّ الإمام الصادق (ع) جعلها من صفات المؤمن: «إنَّ المؤمن يَغْبُطُ ولا يَحْسُدُ ، والمنافق يحْسُدُ ولا يَغْبُطُ»[٢١].
الهوامش
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- الطبرسي، الفضل بن الحسن، مجمع البيان في تفسير القرآن، طهران، المكتبة الرضوية، ط 1، 1431 هـ.
- غرر الحكم ودرر الكلم، مركز الأبحاث والدراسات الإسلامية، قم، دفتر تبليغات إسلامي، ط 2، 1430 هـ.
- الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، قم، دار الحديث، ط 1، 1422 هـ.
- الخميني، روح الله، الأربعون حديثا، بيروت، جمعية المعارف الإسلامية، ط 2، 1426 هـ/ 2007 م.
- مكارم الشيرازي، ناصر، الأخلاق في القرآن، قم، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب، ط 3، 1428 هـ.
- ↑ المعجم المحيط، ص 172.
- ↑ مفردات الراغب ص 234.
- ↑ الخميني، الأربعون حديثا، ص 97.
- ↑ المائدة: 27 ـ 30.
- ↑ يوسف: 8.
- ↑ راجع تفسير الميزان ص 386، تفسير النور ص 74.
- ↑ النساء(54)
- ↑ البقرة(109)
- ↑ راجع تفسير الطبرسي ص 448
- ↑ راجع الأخلاق في القرآن، الشيرازي ج2 ص115
- ↑ الحجر : 47.
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ح3906-3908-3901
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ج 2، ص 835، ح 3938.
- ↑ الريشهري، ميزان الحمكة، ح 3954.
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ح 3919.
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ح 3943.
- ↑ الأربعون حديثا، الإمام الخميني، ص 98.
- ↑ الأخلاق في القرآن، ج 2، ص 123-124.
- ↑ مهدي الصدر، أخلاق أهل البيت، ص 148.
- ↑ مكارم الشيرازي، الأخلاق في القرآن، ج 2، ص 119.
- ↑ الريشهري، ميزان الحكمة، ح 3958.