الإجماع
الإجماع اصطلاح فقهي يعني اتفاق الفقهاء في مسألة شرعية معينة على رأي واحد، وله أهمية كبيرة في الفقه السني، ولهذا فهو أحد مصادر الاستنباط عندهم، ويدخل الإجماع عندهم في المسائل السياسية أيضاً، مثل إجماع أهل الحل والعقد، إذ عليه اعتمدوا في إثبات خلافة أبي بكر وتسويغه.
ويرى الشيعة بأنّ الإجماع لايصلح أن يكون دليلاً بنفسه، وليس له اعتبار شرعي إلا إذا كان كاشفاً عن رأي المعصوم، أي إنّ الإجماع عندهم حجة لأنّه يدل على رأي المعصوم، لا لكونه حجة بنفسه.
مفهوم الإجماع
هناك عدة تعاريف للإجماع ومن جملة هذه التعاريف:
- اتفاق رأي الفقهاء المسلمين على حكم شرعي واحد.
- اتفاق أهل الحل والعقد على حكم واحد.[١]
- اتفاق أمّة النبي (ص) على حكم واحد.[٢]
وأهم الاختلافات في تعريف الإجماع هو الاختلاف في هوية المجمعين. وقد ذكر علماء الإسلام عدّة مصاديق مختلفة في هذا المجال. فبعضهم ذكر أنّ الإجماع الحجة هو إجماع أهل الحرمين ( المدينة ومكة)،[٣] وبعضهم قال أهل المصرين (الكوفة والبصرة)،[٤] وبعضهم قال إجماع الشيخين،[٥] وبعضهم قال : إجماع الخلفاء الأربعة.[٦]
مكانته
يعد الإجماع أحد المصادر الأربعة في استنباط الحكم الشرعي. ويرى أهل السنة بأنّ الإجماع دليل مستقل بنفسه، ولهذا فهم يسمّون أنفسهم بأهل السنة والجماعة.[٧]
أمّا فقهاء الإمامية فيرون أنّ الإجماع ليس دليلاً مستقلاً إلى جانب القرآن والسنة، بل هم يرون بأنّ الإجماع كاشف عن رأي المعصوم. ولا يمكن الإعتماد عليه إلا من خلال هذه الجهة.[٨]
المباني النظرية لحجية الإجماع
لقد حاول الأصوليون إثبات حجية الإجماع من خلال الإعتماد على الكتاب والسنة والعقل، ومن الآيات التي استندوا إليها هي الآية 115 من سورة النساء : قالب:قرآن.
ولكن بعض المحققين يرى بأنّ هذه الآية ليس فيها تصريح في إثبات حجية الإجماع ولم يقبلوا الإستدلال بها على إثبات حجية الإجماع.[٩]
الإجماع عند أهل السنة حجة بل هو أحد الأدلة الشرعية التي يثبت من خلالها الحكم الشرعي عندهم.[١٠] أمّا عند الشيعة فالإجماع غير حجة بنفسه بل إنه كاشف عن رأي المعصوم. أي إن إجماع العلماء ناشئ بسبب وصول الدليل اليهم عن الإمام والذي لم يصلنا.[١١]
كيف يكون الإجماع كاشفا عن رأي المعصوم
إن كون الإجماع كاشف عن رأي المعصوم له عدة تفسيرات عند العلماء وهي تفسيرات مختلفة ومتفاوتة فيما بينها، وأهم هذه التفسيرات هي:
1.نظرية الإجماع اللطفي
أي أن اللطف الإلهي هو الذي جعل الأمة تجتمع على رأي واحد في مسألة معينة، ولأنّ الله يريد الهداية لخلقه فلا يجعلهم يجتمعون على الباطل، فلو اجتمعت الأمة على رأي خطأ كان لابد من تنبيههم عن طريق من هو معصوم، فلأن المعصوم لم ينبههم على الخطأ في هذه المسألة فهذا يدل على أنّ الشارع المقدس يريد هذا الحكم الشرعي وإلا لنبّههم عن طريق المعصوم وما دام المعصوم أجراه ولم ينهَ عنه فهو صحيح، وصحته ليس بسبب إجماع العلماء، بل إن إجماع العلماء يدل على إمضاء الإمام ورضاه.[١٢]
2.الإجماع الحسي أو الإجماع الدخولي
والمراد من الحس هنا في هذا البحث :هو أن يحصل الإطمئنان عند الإنسان: إن رأي المعصوم من بين المجمعين. ويمكن أن يتصور بثلاث صور:
- كما لو التقى أحد المجمعين بالإمام وأخبره الإمام بالحكم الشرعي على طبق ما يعتقد به المجمعين، ويسمى هذا النوع من الإجماع بالإجماع التشريفي.[١٣]
- أن يجتمع الفقهاء أو مجموعة منهم على رأي، ويأتي التأييد أو التقرير من الإمام ، ويسمى هذا بالإجماع التقريري.[١٤]
- اجتماع العلماء على حكم شرعي بشكل يُعلم بوجود الإمام مع المجمعين على هذا الحكم الشرعي، ويسمى هذا بالإجماع الدخولي.[١٥]
3.نظرية الإجماع الحدسي والمراد من هذا القسم من الإجماع هو حين نسمع بهذا الإجماع نتيقن بأنّ المعصوم من بين المجمعين؛ وذلك لأنّ الفقهاء في أكثر الأحكام نراهم مختلفين فيما بينهم واتفاقهم على حكم شرعي علامة على أن إجماعهم مستند الى رأي الإمام المعصوم الذي قد لم يصل لنا. ويسمى هذا الإجماع بالإجماع الحدسي. وهذا النوع من الإجماع هو المشهور عند المتأخرين من العلماء. أما المشهور عند القدماء فهو الإجماع الحسي.[١٦]
4.الإجماع التقريري وهو الإجماع الموجود في عصر المعصوم ، وتقرير المعصوم له وعدم النهي عنه يدلّ على حجيّته.[١٧]
أقسام الإجماع
ذكر الأصوليون عدة تقسيمات للإجماع ومن عدة وجوه:
الإجماع المحصل والمنقول
- الإجماع المحصل: هو أن يتوصل الفقيه من خلال البحث بنفسه عن آراء العلماء إلى أنّهم مجمعون على رأي واحد من الفقهاء القدماء وإلى الآن.
- الإجماع المنقول: وهو أن لايتوصل الفقيه إلى آراء العلماء بنفسه بل غيره يدعي إجماع الفقهاء على مسألة معينة وهو ينقل عن هذا المدّعى ؛ ولهذا سمّي بالمنقول.[١٨]
الإجماع البسيط والإجماع المركب
- الإجماع البسيط: وهو أن يُجْمع الفقهاء على حكم واحد في مسألة فقهية معينة ولا يشذ منهم أحد كما في نجاسة فضلات الحيوانات غير مأكولة اللحم. وأكثر الإجماعات في الفقه من هذا النوع.[١٩]
- الإجماع المركب: وهو اتفاق آراء العلماء على رأي بحيث يكون الاتفاق مستفادا من المدلول الالتزامي للآراء المختلفة لهؤلاء العلماء على ان يكون هذا اللازم ناشئا عن تبني كل واحد لرأيه، بمعنى انّه لو لم يكن كل واحد متبنيا للرأي المعين لكان من الممكن ان لا يبني على اللازم.[٢٠]
الإجماع التعبدي والمدركي
- الإجماع التعبدي: وهو الاتفاق الكاشف عن رأي المعصوم دون معرفة مستنده، ويقابله المدركي الذي يعرف مستنده.[٢١]
- الإجماع المدركي: وهو إجماع الفقهاء على حكم مسألة مع إحراز مدرك إجماعهم على حكم تلك المسألة.[٢٢]
الإجماع القطعي والمطلق
- الإجماع القطعي: وهو الإجماع الذي يعلم وقوعه من المسلمين بالضرورة، كإجماعهم على وجوب الصلوات الخمس، وتحريم الزنا، وتحريم شرب الخمر، ووجوب الزكاة، والخمس، والحج.[٢٣]
- الإجماع المطلق: والمراد به نقل أو ادعاء الإجماع بشكل مطلق في مسألة معينة كما في مسالة احرام حج التمتع واجب داخل مكة بدون قيد أو شرط.[٢٤]
الهوامش
المصادر والمراجع
- ابن إمام الكاملية، محمد بن محمد، تيسير الوصول إلى منهاج الأصول من المنقول والمعقول «المختصر»، دراسة وتحقيق: د. عبد الفتاح أحمد قطب الدخميسي، القاهرة - مصر، دار الفاروق الحديثة للطباعة والنشر، ط1، 1423هـ - 2002م.
- الأنصاري، أحمد، خلاصة القوانين، قم - إيران، الناشر: المطبعة العلمية، ط2، 1397هـ.
- البجنوردي، حسن، منتهى الأصول، طهران - إيران، الناشر: مؤسسة العروج، ط1، 1380ش.
- البدري، تحسين، معجم مفردات أصول الفقه المقارن، طهران - لبنان، الناشر: المشرق للثقافة والنشر، ط1، 1428هـ.
- البرماوي، محمد بن عبد الدائم، الفوائد السنية في شرح الألفية، المحقق: عبد الله رمضان موسى، الجيزة - مصر، مكتبة التوعية الإسلامية للتحقيق والنشر والبحث العلمي، ط1، 1436هـ - 2015م.
- التبريزي، يوسف، قواعد الأصول، قم - إيران، الناشر: دفتر معظم له، ط2، 1429هـ.
- الحسيني، محمد، الدليل الفقهي تطبيقات فقهية لمصطلحات علم الأصول، دمشق - سوريا، الناشر: مركز ابن إدريس الحلي للدارسات الفقهية، ط1، 2007م.
- الحسيني، محمد، معجم المصطلحات الأصولية، بيروت - لبنان، الناشر: موسسة العارف للمطبوعات، ط1، 1415هـ.
- الحكيم، محمد تقي، الأصول العامة للفقه المقارن، تقديم ومراجعة: السيد منذر الحكيم، قم - إيران، الناششر: دار الفقه للطباعةوالنشر، ط1، 1431هـ.
- السبكي، علي بن عبد الكافي، الإبهاج في شرح المنهاج على منهاج الوصول إلى علم الأصول للبيضاوي، بيروت - لبنان، تحقيق: جماعة من العلماء، دار الكتب العلمية، ط1، 1404هـ.
- الشنقيطي، عبد الله بن إبراهيم العلوي، نشر البنود على مراقي السعود، تقديم: الداي ولد سيدي بابا - أحمد رمزي، د.م، الناشر: مطبعة فضالة بالمغرب، د.ت.
- الغزالي، محمد بن محمد، المستصفی من علم الأصول، بیروت - لبنان، الناشر: دار صادر، 1322هـ.
- المظفر، محمد رضا، أصول الفقه، بيروت - لبنان، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
- النجفي، محمد حسن، جواهر الکلام في شرح شرائع الإسلام، بیروت - لبنان، النائر: دار إحیاء التراث العربي، 1362هـ.
- صنقور، محمد، المعجم الأصولي، قم - إيران، الناشر: منشورات الطيار، ط2، 1428هـ.
- مكارم الشيرازي، ناصر، أنوار الأصول، تقرير: أحمد القدسي، قم - إيران، مدرسة الإمام علي بن أبي طالب (ع)، ط2، 1428هـ.
- ↑ الغزالي، المستصفى، ص 173.
- ↑ المظفر، أصول الفقه، ج 3، ص 81.
- ↑ السبكي، الإبهاج في شرح المنهاج، ج 2، ص 365.
- ↑ البرماوي، الفوائد السنية في شرح الألفية، ج 1، ص 436.
- ↑ ابن إمام الكاملية، تيسير الوصول إلى منهاج الأصول، ج 5، ص 87.
- ↑ الشنقيطي، نشر البنود على مراقي السعود، ج 2، ص 89.
- ↑ دائرة معارف الفقه المقارن، ص 376.
- ↑ أصول الفقه، محمد رضا المظفر، ج 3، ص 81 ـــ 82.
- ↑ كتاب العدة، الشيخ الطوسي، ج 1، ص 234.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن، ص 265.
- ↑ الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن، ص 276.
- ↑ مكارم الشيرازي، أنوار الأصول، ج 2، ص 364.
- ↑ الحسيني، معجم المصطلحات الأصولية، ص 13.
- ↑ الحسيني، معجم المصطلحات الأصولية، ص 13.
- ↑ الأنصاري، خلاصة القوانين، ص 108.
- ↑ البدري، معجم مفردات اصول الفقه المقارن، ص 42.
- ↑ الحسيني، معجم المصطلحات الأصولية، ص 13.
- ↑ مجموعة آثار الشهيد مطهري، ج 20، ص 52.
- ↑ التبريزي، قواعد الأصول، ص 49.
- ↑ صنقور، المعجم الأصولي، ج 1، ص 58.
- ↑ البدري، معجم مفردات أصول الفقه المقارن، ص 42.
- ↑ صنقور، المعجم الأصولي، ج 1، ص 57.
- ↑ الحسيني، الدليل الفقهي تطبيقات فقهية لمصطلحات علم الأصول، ص 13.
- ↑ النجفي، جواهر الکلام، ج 24، ص 344.