أنبياء أولي العزم
أولو العزم، هو مصطلح يطلق على عدد من الأنبياء الإلهيين، والرأي المشهور هو أن الأنبياء الخمسة أصحاب الشرائع السماوية: نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، ومحمد عليهم السلام هم المقصودون بهذا الاصطلاح. وجاء تعبير أولوا العزم في القرآن الكريم مرة واحدة في سورة الأحقاف: قالب:قرآن.[١]
لقد اختلفت وجهات النظر في مَن هم أصحاب أولوا العزم، وهل لديهم رسالة سماوية عالمية، أو أن رسالتهم كانت محدودة.
المقصود من أولي العزم
كلمة "أولوا" تأتي بمعنى الأصحاب، وجاءت كلمة العزم في اللغة بمعنى الإرادة القوية المستقرة. يقول الراغب الأصفهاني في كتابه المفردات: "كلمة العزم تعني: اتخاذ القرار للقيام بعملٍ ما"[٢] . وفي اللغة الفارسية المكتوبة فإن الألفين في لفظ "أولوا العزم" تكتب ألف واحدة فقط (اولو).[٣]
أما فيما يخص بالمقصود من "أولوا العزم" ومن هم أنبياء أولوا العزم، فإنه يوجد لدينا ثلاثة نظريات مختلفة في هذا الأمر:
أصحاب الصبر
يعتقد البعض أن كلمة العزم تأتي بمعنى الصبر، وفسروا ذلك بأن أنبياء أولوا العزم كان لديهم الكثير من التحمل والصبر في مواجهة المشكلات والصعوبات التي واجهتهم أثناء نشرهم للأحكام الإلهية بين الناس. ومرّد ذلك إلى آية أولوا العزم، والتي أتت فيها صفة الصبر إحدى الصفات التي تمتع بها أنبياء أولوا العزم.[٤]
أصحاب العهد
استند بعض المفسرين إلى العديد من الروايات التي فسّرّت كلمة العزم في عبارة "أولوا العزم" بمعنى العهد، واستدلوا بذلك أيضاً على الآيتين (7 - 8) من سورة الأحزاب والتي أشارت إلى مسألة أخذ البيعة والعهد من الأنبياء الكبار مثل: نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، محمد عليهم السلام. وأشارت بعض الآيات الأخرى إلى اسم النبي آدم عليه السلام والذي لم يوفق في الالتزام بالعهد الإلهي، وعُبرّ عن هذا الأمر بخسارة العزم.[٥]
وبناءً على هذا، فإن كلمة العزم تأتي بمعنى العهد،[٦] وتطلق على الأنبياء الإلهيين الذين أقرّوا بالعبودية والطاعة التامة لله سبحانه وتعالى،[٧] أو الذين اعترفوا بالولاية الإلهية لخاتم الأنبياء محمد وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام.[٨]
أصحاب الشريعة
وبالاستناد إلى بعض الروايات، فسّرّ عدد آخر من المفسرين مصطلح أولوا العزم أنهم الأنبياء الذين نزلت عليهم الرسائل والكتب الإلهية.[٩]
فعلى سبيل المثال، رواية عن الإمام علي الرضا عليه السلام سُئِل فيها: "لماذا يطلق على بعض الأنبياء لفظ أولوا العزم؟ فقال الإمام عليه السلام: لأن نوح عليه السلام بُعث حاملاً كتاباً وشريعةً إلهية، وكل نبي أتى بعده عَمل وفقاً لكتابه وشريعته وأسلوبه، حتى جاء إبراهيم عليه السلام بكتابٍ وصحفٍ جديدة، وكل نبي أتى بعده عمل طبقاً لسنة إبراهيم عليه السلام، ثم جاء سيدنا موسى عليه السلام بكتابٍ وشريعة جديدة، وبعده أيضاً سيدنا عيسى عليه السلام أتى بالإنجيل والذي كان شريعةً جديدة، وكان كل النّاس يعملون وفقاً لشريعة سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام إلى عصر سيدنا محمد صلى الله عليه وآله. والذي قَدِمّ بالقرآن الكريم وشريعة جديدة سيبقى حلالها وحرامها على ما هي عليه إلى يوم القيامة".[١٠].
كان بعض الأنبياء الإلهيين أصحاب كتبٍ سماوية، ولكن كتبهم لم تكن كتب أحكام وشريعة مستقلة وجديدة، وهكذا بالنسبة لسيدنا آدم، شيث، ادريس، وداوود عليهم السلام كانوا أصحاب كتبٍ سماوية إلا أنهم لم يكونوا من أنبياء أولي العزم.[١١]
عدد أنبياء أولوا العزم
يوجد اختلافٌ واضحٌ بين المفسرين في عدد أنبياء أولوا العزم:
كل الرسل الإلهيين
يعتقد فريق من المفسرين أن نوع حرف الجر "من" في الآية المباركة: قالب:قرآن تعبيري "أي أنه يوضح ما قبله" ويأخذ معنى حالة الاستقرار والصبر على الاختبار الإلهي، وهي من مميزات كل الأنبياء الإلهيين.[١٢] ومن الضروري هنا التمييز بين الرسول والنبي.
بعض الرسل الإلهيين
لقد اعتقد أغلب المفسرين أن حرف الجر "من" في الآية السابقة قد أتى بمعنى التمييز والتبعيض، وبناءً على هذا فإن الآية تختص بفئة واحدة من رسل أولوا العزم فقط.[١٣]
والبعض الآخر قال أن أولو العزم يشمل ثمانية عشر رسولاً أتت أسمائهم من الآية 82 إلى الآية 90 من سورة الأنعام. وقال الله سبحانه وتعالى بعد ذكر أسماء هؤلاء الأنبياء: "فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ". والبعض منهم استند إلى العديد من الروايات ليثبت أن أنبياء أولوا العزم كانوا 9. والبعض الآخر ذكر أيضاً أن عددهم 6 أو 7 أنبياء.[١٤]
يرى العلامة الطباطبائي وعددٌ من المفسرين أن أولوا العزم هم الأنبياء الخمسة: "نوح، إبراهيم، موسى، عيسى، ومحمد" عليهم السلام وكانوا من أصحاب الشرائع السماوية،[١٥] ويعتقدون أن روايات أهل البيت عليهم السلام قد استفاضت في التأكيد على هذا الأمر.[١٦] وبالمقابل، يعتقد البعض الآخر أن هذه الروايات لا تصل إلى حد التواتر، وبما أنها كذلك فلا تدل على اليقين، ولا يوجد دليلٌ قطعي من آيات القرآن الكريم تدل على انحصار أصحاب الشريعة في خمسة أنبياء.[١٧]
أنبياء أولوا العزم، وعالمية الرسالة
اتضح لنا أن المقصود من أنبياء أولوا العزم هم الرسل الذين كانوا يحملون الشرائع السماوية، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو: هل كانت تلك الرسائل السماوية عالمية، أو أن كل رسول بُعّث لقومه وكانت شريعته خاصة بهم فقط؟ بالتأكيد أنه لا يوجد أي اختلاف حول عالمية رسالة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، ولكن الاختلاف وقع حول الأنبياء الآخرين من أولوا العزم، فظهرت لدينا ثلاث نظريات حول هذا الأمر:
عالمية الرسالة للجميع
يعتقد البعض مثل السيد الطباطبائي أن رسالات أنبياء أولوا العزم كانت عالمية. ولقد بيّن من أجل إثبات ادعائه العديد من الشواهد القرآنية[١٨] والتي وضحّت أن لأنبياء أولوا العزم وأصحاب الكتب والرسائل السماوية نوعين من الدعوة: دعوة تشمل عبادة الله الواحد ونفي الشرك عنه، والأخرى تشمل الأحكام والشرائع الخاصة. فالدعوة الأولى عالمية، على عكس الدعوة الثانية والتي كانت خاصة بقوم دون غيرهم والذين كُلفوا بالعمل بأحكامها.
عالمية الرسالة للبعض
إن رسائل أنبياء أولوا العزم لم تكن عالمية. ومثال ذلك: لقد أُرسل نبيّ الله موسى ونبيّ الله عيسى عليهما السلام إلى بني إسرائيل، وكانت دعوتهما مختصة بهؤلاء القوم فقط. والظاهر من بعض آيات القرآن الكريم تؤيد هذا الادعاء، مثل: قالب:قرآن،[١٩] وظاهر آيات أخرى مثل: الصف: 6، الإسراء: 101، طه: 47، الشعراء: 17، وغافر: 53، وبناءً على هذا لا يوجد أي تلازم في أن يكون النبي من أنبياء أولوا العزم وأن تكون رسالته عالمية.
التفاصيل
النظرية الثالثة تقول: إذا كان المعنى الشامل للعالمية هنا، أنه يجب على النبي أن يوصل رسالته وشريعته إلى كل العالم، وألا يحصرها في قومه فقط، فرسائل الكثير من الأنبياء ومنهم موسى وعيسى عليهما السلام لم تكن عالمية، وأما إذا أخذنا المعنى الشامل للعالمية هنا، هو لزوم ابلاغ الرسالة ومواجهة الأقوام الأخرى بها لكي يتعرفوا ويدخلوا في الدين الجديد، فإن رسائل كل الأنبياء كانت عالمية. ونستنتج على هذا الأساس معنيين للعالمية: الأول: أن رسالة الكثير من الأنبياء لم تكن عالمية. والثاني: أن رسالة كل الأنبياء عالمية.[٢٠]
يُقال أن موضوع أنبياء أولوا العزم وصِلّتِهم بولاية أهل البيت عليهم السلام قد خضع للبحث في عدد من الروايات . بيّن الأئمة عليهم السلام من خلالها فضائل ومعجزات أنبياء أولوا العزم ولقّبّوهم بورثة العلم فيها.[٢١]
الهوامش
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم.
- ابن القيم الجوزي، محمد بن أبو بكر، تفسير القرآن الكريم، بيروت، مكتبة الهلال، د.ت.
- ابن عاشور، محمد بن طاهر، التحرير والتنوير، د.م، د.ن، د.ت.
- ابن كثير، إسماعيل بن عمر، تفسير القرآن العظيم، بيروت، دار الأندلس، 1416 هـ.
- الألوسي، السيد محمود، روح المعاني، بيروت، دار الكتب العلمية، 1415 هـ.
- البحراني، السيد هاشم، البرهان في تفسير القرآن، قم، دار الكتب العلمية، 1339 ش.
- الزمخشري، محمود بن عمرو، الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل، بيروت، دار الكتاب العربي، ط 3، 1407 هـ.
- السايس، محمد علي، تفسير آيات الأحكام، د.م، د.ن، د.ت.
- الصدوق، محمد بن علي، عيون أخبار الرضا، طهران، العالمية للنشر، د.ت.
- الطباطبائي، محمد حسين، الميزان في تفسير القرآن، بيروت، منشورات مؤسسة الأعلمي، ط 1، 1997م.
- الطبرسي، فضل بن حسن، جوامع الجوامع، طهران، جامعة طهران، 1377 هـ.
- الطوسي، محمد بن الحسن، التبيان في تفسير القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي، ط 1، 1409 هـ.
- العاملي، إبراهيم موثق، تفسير عاملي، طهران، منشورات الصدوق، 1360 ش.
- الفيض الكاشاني، الملا حسن، تفسير الصافي، طهران، منشورات الصدر، 1415 هـ.
- القمي المشهدي، محمد بن محمد رضا، كنز الدقائق، طهران، وزارة الثقافة الإسلامية، 1368 ش.
- القمي، علي بن إبراهيم، تفسير القمي، قم، دار الكتاب، 1367 هـ.
- المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، طهران، المكتبة الإسلامية، د.ت.
- المراغي، أحمد بن مصطفى، تفسير المراغي، بيروت، دار إحياء التراث العربي، د.ت.
- اليزدي، محمد تقي مصباح، راه وراهنما شناسي، قم، مركز إدارة الحوزة العلمية في قم، 1376 ش.
- حقي برسوي، إسماعيل، روح البيان، بيروت، دار الفكر، د.ت.
- صادقي، علي أشرف، القاموس الإملائي للخط الفارسي، د.م، أكاديمية اللغة والأدب الفارسي، ط 4، 1391 ش.
- مغنية، محمد جواد، تفسير المبين، قم، مؤسسة البعثة، د.ت.
- ↑ الأحقاف، الآية، 35
- ↑ الراغب، مفردات الراغب، كلمة عزم.
- ↑ صادقي، علي أشرف، القاموس الإملائي للخط الفارسي، ص 79.
- ↑ العاملي، تفسير العاملي، ج 7، ص 523 - السايس، محمد علي، تفسير آيات الأحكام، ص 680 - المراغي، تفسير المراغي، ج 21، ص 123؛ ابن عاشور، التحرير والتنوير، ج 26، ص 57.
- ↑ طه، 115
- ↑ ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ج 6، ص 342؛ القمي المشهدي، كنز الدقائق، ج 8، ص 360.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 11، ص 35؛ ابن القيم، تفسير القرآن الكريم، ج 6، ص 342.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 11، ص 35؛ ابن القيم، تفسير القرآن الكريم، ج 6، ص 342.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج2، ص 213 - الطبرسي، جوامع الجوامع، ج6، ص27 و29 - حقي برسوي، روح البيان، ج 8، ص 495؛ القمي المشهدي، كنز الدقائق، ج 12، ص 203؛ مغنية، تفسير المبين، ص 550.
- ↑ البحراني، البرهان في تفسير القرآن، ج 5، ص 51؛ الفيض الكاشاني، تفسير الصافي، ج 5، ص 19؛ القمي المشهدي، كنز الدقائق، ج 12، ص 206؛ البحراني، تفسير البرهان، ج 4، ص 80؛ الصدوق، عيون أخبار الرضا، ج 2، ص 178.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج 2، ص 142.
- ↑ ابن عاشور، التحرير والتنوير، 426؛ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج 9، ص 287؛ الزمخشري، الكشاف، ج 4، ص 313.
- ↑ ابن عاشور، التحرير والتنوير، 426؛ الطوسي، التبيان في تفسير القرآن، ج 9، ص 287؛ الزمخشري، الكشاف، ج 4، ص 313.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج 18، ص 333؛ الألوسي، روح المعاني، ج 26، ص 34 ــ 35.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج 2، ص 213؛ البحراني، البرهان في تفسير القرآن، ج 3، ص 776؛ المراغي، تفسير المراغي، ج 21، ص 132، وج 26، ص 29.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج 2، ص 145 ــ 146، وج 18، ص 220.
- ↑ الألوسي، روح المعاني، ج 18، ص 333؛ اليزدي، راه وراهنماشناسي، ج5، ص 329.
- ↑ الطباطبائي، الميزان، ج 2، ص 141 ــ 142.
- ↑ آل عمران: 49.
- ↑ اليزدي، راه وراهنماشناسي، ج 5، ص 46.
- ↑ المجلسي، بحار الأنوار، ج 2، ص 205.